مجلة الرسالة/العدد 351/من هنا ومن هناك

مجلة الرسالة/العدد 351/من هنا ومن هناك

ملاحظات: بتاريخ: 25 - 03 - 1940



الحصار لا يكفي

(ملخصة عن (ذي كونتمبوراري رفيو) لندن)

كثير مما يقال عن تأثير الحصار في الحرب العظمى، ويلغط به الناس، يحمل طابع المبالغة. فعلى الرغم من موقعنا الجغرافي الممتاز وتفوقنا البحري العظيم، فإن هذا الحصار لم يؤت ثماره إلا بعد اشتراك أمريكا في الحرب. إن تنفيذ مبدأ كهذا المبدأ على البضائع التي تصدرها دولة قوية محايدة كالولايات المتحدة يعد من الأمور المستحيلة. فإذا حاولنا ذلك تعرضنا لمشاكل سياسية لا نهاية لها. ومما لاشك فيه أننا كنا إلى منتصف عام 1917 غير قادرين على منع كثير من البضائع الهامة التي ترسل إلى ألمانيا عن طريق اسكاندينافيا وغيرها من الأمم المحايدة

ولم يكن للحصار تلك القوة القاهرة التي تقضي على خصومنا القضاء المبرم كما يعتقد الكثيرون، حتى حين أصبح أمراً واقعاً على الأعداء. فلا نعرف أن خطة حربية ذات أهمية تذكر أخفقت بسبب نقص السلاح أو الذخيرة وكان الحصار السبب المباشر لهذا النقص. ولم يشك أحد من قواد الألمان في جميع الميادين نقص السلاح أو الذخيرة طيلة الحرب، وإن كانوا يشكون قلة الرجال. ولا نستطيع أن نعزو انعدام الدبابات في الجيش الألماني إلى الحصار كما أننا لا نستطيع أن نقول إن الطائرات الألمانية أو الغواصات نقصت بهذا السبب

ولكن ضغط الحصار كان واقعاً في الحقيقة على السكان المدنيين دون الجنود أو البحارة أو الطيارين. ولم يكن حتى هذا الضغط بالذي يؤدي إلى كبتهم وشل حركتهم كما يعتقد الكثيرون ويستدل من الكتاب الذي ألفه (جنرال واندوهر) بعنوان (الجوع) - وهو كتاب موضوع في هذا الشأن - على أن ضغط الحصار لم يكن إلا نوعاً من حرب الأعصاب التي تضايق السكان بحرمانهم من الحصول على المواد التي اعتاد الرجل المتوسط الحال أن يحصل عليها في سهولة ويسر، ولم يكن بذي أثر فعال يصل إلى الإضرار بأجسامهم ونفوسهم كما قد يفهم وهذه نتيجة أستطيع أن أعززها بملاحظاتي الشخصية

ولا يفهم من هذا أن الحصار كان عديم الفائدة أو أن العدو لم يعان من أجله مصاعب ل يستهان بها، ولكني أرمي إلى الحقيقة التي لا شك فيها، وهي أننا نستطيع أن نحاصر ألمانيا وأن نحكم عليها هذا الحصار، ولكن لا يمكن أن نلجئها بذلك إلى التسليم

قد يكون من المعقول أن يفوز الملاكم على خصمه إذا وقف أمامه موقف المدافع في جميع حركاته، حتى إذا أنهكت قواه تغلب عليه بقوة الاحتمال، ولكننا لا نعرف فيما نعلم أن ملاكما نال جائزة التفوق على خصمه بهذه الوسيلة

وقد يكون من المعقول كذلك أن تتغلب أمة عظيمة على أمة أخرى بإحكام الحصار عليها، ولكننا لم نر ولم نسمع أن حرباً اكتسبت في الواقع بهذه الوسيلة، ولا نستطيع أن نستثني الحرب الحاضرة من هذا الوصف

فإذا أردنا أن نربح الحرب يجب علينا أن نضع خطة حربية إيجابية نقدم عليها بكل ما لدينا من القوة، فإذا كنا سنتعرض في سبيل ذلك إلى بعض الأخطار، فإن هذه الأخطار ستكون عوناً لنا على قهر الأعداء

يجب أن نفهم الفرنسيين

(ملخصة عن (ذي نيو ستيتسمان) لندن)

منذ بضعة أسابيع دعا أحد الرجال الإنجليز البارزين ممن يدعون إلى فكرة الاتحاد الدولي، شخصية ممتازة من الرجال الفرنسيين البارزين إلى اجتماع في أكسفورد. فشرح الإنجليزي رأيه في النظام الأوربي الحديث، وصور لضيفه الفرنسي نظرية الاتحاد الدولي الأوربي، والأساس الذي يقوم عليه، ثم استطرد قائلاً: (سوف ينتخب المجلس بطبيعة الحال من الدول القوية، وسوف يكون عدد الممثلين فيه بنسبة عدد سكان كل دولة). فاعترضه الضيف قائلاً: (ولكن عدد الألمان 80. 000. 000 وعدد الفرنسيين 40. 000. 000، فهل تعني أن يكون عدد ممثلي الشعب الألماني ضعف عدد الممثلين الفرنسيين). قال الإنجليزي: (أو ليس هذا هو المنطق المعقول)؟

لقد وقع هذا الحوار بين رجلين من رجال الأعمال. ولعل الفزع الذي أوقعه كل منهما في نفس الآخر، هو مقياس ما بين وجهتي النظر البريطانية والفرنسية في السياسة الخارجية. فهذا الإنجليزي ينظر إلى الحق بالطريقة الحسابية المجردة، وينظر إلى جميع الاعتبارات التي نسمها باسم الضمان الوطني، كشيء لا يتفق مع قواعد الأخلاق. بينما يهتم الفرنسي بالضمانات الحربية التي تطلبها بلاده، ويرى أن فكرة الحكومة الدولية، ما هي إلا فكرة (يوتوبية) خيالية أو سياسية ميكافيلية للعود إلى موازنة القوى الدولية ضد فرنسا. ومن ثم غادر أكسفورد وصدره يغلي بالضغينة وفؤاده يفيض بالسخط

إن من الواجب علينا قبل أن نطالب حكومتنا بالبيانات الوافية عن المقاصد الحربية، وقبل أن نتقدم إليها بمزيد من المقترحات، أن نضع حلاً للمشكلة الإنجليزية الفرنسية. فكل ما نشأ منذ نهاية الحرب الماضية، من الاختلافات التي قد تعكر صفاء العلاقات الودية بين الدولتين في بعض الظروف، لم يكن منشأه اختلافاً جوهريا في المبدأ، فنحن مرتبطين مع الفرنسيين برباط وثيق من تقاليد المدنية الغربية العتيدة منذ زمن بعيد، ولكنه يرجع في الغالب إلى اختلاف الطبيعة نظراً للفوارق الجغرافية والتاريخية بين البلدين

يزيد هذا الاختلاف تأثيراً، أن كلتا الدولتين ديمقراطيتان، فبينما تستطيع الدول الدكتاتورية أن تتفاهم فيما بينها على إهمال الرأي العام، وعدم الاهتمام بآرائه ومعتقداته يظل رجال السياسة الديمقراطية مرتبطين بشعور الرأي العام وهو ينظر إلى الظروف الحاضرة من وجهة نظره المحدودة الضيقة

فالرأي العام الفرنسي والبريطاني كلاهما يعانيان تلك النظرة الديمقراطية المحدودة. فإذا أردنا أن نجد حلاً لهذه المشكلة يجب أن نضع قواعد وأسساً صالحة لفهم وجهتي النظر التي تذهب إليها كل من الدولتين. فبدلاً من مناهضة فكرة الضمان التي تغالي بها الوطنية الفرنسية يجب أن نفكر فيما إذا كنا نستطع أن نعود منها بفائدة صالحة للدولتين