مجلة الرسالة/العدد 352/مزامير للنفس العربية!

مجلة الرسالة/العدد 352/مزامير للنفس العربية!

ملاحظات: بتاريخ: 01 - 04 - 1940



للأستاذ عبد المنعم خلاف

تمهيد:

استوحى روح مولى نفوسنا وسيد عقولنا وآخذنا إلى رب الحياة ومقدمنا إليه بسنته وحنيفيته السمحاء (محمد)، ليملأ قلبي ويفيض على قلمي ويهديه ويسدده في وفائه له ولقوميته التي حملت أجمل الأمثال العليا في الفكرة والفطرة والخلق والمعاملة

أستوحي هذا الروح الأكبر، ويتعرف قلبي الصغير إلى قلبه الكبير، كما يتعرف الجدول الضحضاح إلى النهر البراح؛ وأستعينه في خدمة النفس العربية بالمساهمة في حملها على إدراك فضائلها وحاجة الإنسانية إليها.

وإنما أتوجه إليه إذ هو باعث روح أمته العجيبة ومخلدها على مر الأيام وكر الأعوام، وموحد شملها، وفارض أمجادها على القلوب والعقول

وأومن إيماناً لا يتزعزع أن أمته هذه لا ينقصها إلا الوحدة في القلوب أولاً كما توحدت على يديه حتى تعود فتنهض بجسمها العملاق الهائل فتستلم الشمس من المشرق لتسلمها إلى المغرب

وأستوحي المهد الأول الذي درجت فيه هذه الأمة العجوز وانبثق منه ينبوعها الأزلي. . . ذلك المهد الناطق بالصمت، العامر بالنجوم، الحصين بالتجرد والتفرد، المبني بالجبال، المفروش بالرمال، مراد الأرواح، ومجتلى الإلهية، ومبعث النبوات، ومركز المعمور، وملتقى الشرق بالغرب. . .

كما أستوحي بلادها الثانية التي فاضت عليها أمواجها، وتلاحقت أرتالها، ونشرت عليها سلطانها الروحي واللغوي، وسطرت على أديمها تاريخها بعروشها وفتوح سيوفها وأقلامها

وحينما أستوحي كل أولئك أجد السماء تنطق والأرض تنطق وكل شيء يوحي ويلهم ويدفع القلم دفعاً إلى التسطير والتحرير لبعث هذه الأمة والتفاني في خدمتها والتفادي في إحياء مثلها الأعلى الذي رسمه الله في قلب أبيها محمد، وملء أسماعها بأناشيد مجدها وترانيم وحدتها حتى تعود فتملأ الدنيا وتشغل الناس وتنثر أشخاصها وكلماتها الصامتة والناطقة في مجاهل الأرض كما تنتثر النجوم في مجاهل السماء غير أني أبادر فأبرأ إلى الله من العصبية القومية الجاهلية وضيقها وسفاهتها على غيرها، وإنما أرجو أن تقوم العربية كما قامت أول أمرها على يد أبيها محمد أداة تنظيف للبشرية وتوكيد لوحدتها. . . ولذلك أبادر فأنبه إخواننا وأصدقاءنا من الجنسيات الإسلامية الأخرى إلى هذا حتى يستيقنوا أننا لا نريد مفاخرة ولا منافرة جنسية دموية قائمة على زعم فروق جوهرية بين الأجناس والألوان؛ وإنما هي دعوة للعرب - وهم مادة الإسلام الأولى وقوم القرآن - إلى الاعتداد والاستمساك بالمثل العليا التي اختار الله القومية العربية لحملها إلى الناس، وبالصفات الطبيعية العربية العليا التي كانت سنداً لهذه المثل

وقد دعاني إلى اختيار هذا الزمان للبوح بهذه الأناشيد التي طالما ترنمت بها نفسي معاني مطلقة حرة غير مصبوبة بالألفاظ، أنني وجدت الأقدار تنزل فيه وتتلاحق بسرعة وتتولى تغيير مقدرات الأرض وأوضاعها النفسية والجغرافية، ووجدت صراع القوميات الآراء والمعتقدات والفلسفات في رءوس الناس وقلوبهم لا يقل قسوة وعنفاً واحتداماً عن صراع القوى الحديدية العمياء النارية التي تأكل الأخضر واليابس وتحطم القائم والحصيد وبين هذين الصراعين يقف قومي العرب متفرقي الرأي ف الحاضر مختلفي التقدير للمستقبل حائري الألباب لا يكادون يعرفون في أي النواحي موضعهم، ولا من أي الآفاق مطلع مستقبلهم. ولا يكادون يعرفون ما في مصاحفهم ودساتيرهم من المثل العليا التي تستطيع أن تجمع أمم الأرض كلها على حدود العدالة والسلامة الإجماعية متى وجدت قوماً يؤمنون بها ويحسنون ذلك الإيمان، ويمثلونها خير تمثيل ويدعون إليها بأسلوب هذا العصر الذي يعتمد على براعة الاستلفات والإعلان

وذلك لأن قومي فقدوا (الأب) الواحد الذي يجب أن (يلدوه) في كل جيل ليتكلم بلسانهم ويتبنى قضيتهم ويتولى حراسة ميراثهم القلبي والفكري والمادي حتى لا تمحوه الغفلة أمام الأقدار التي لن تزال تغير أوضاع الناس ومقدرات الأمم، ولا ترحم الضعيف الكسلان المتواني في حراسة حقه وأمجاده بالسيف والقلم، ولا تقيم وزناً لمن لا يقيم وزناً لقوانين الطبيعة وسنن الله فيكتفي بالأماني والأحلام وتزويق الكلام ويترك ما آمن الله به وأولو العلم وهو الوحدة والعدالة والعلم والعمل

فإلى أن يوجد الأب الواحد العادل العالم العامل، فيتولى بوحدة فكره وفنه وضع القضية العربية الوضع المحكم وتنسيق قواها التنسيق البديع، ويتولى بعدله توزيع الاهتمام والشعور على كل بقعة في الوطن العربي الأكبر، ويتولى بعلمه الإحاطة بالتدقيق والجليل من شئون أمته في بطون وديانها وشعاب جبالها في صحرائها وخضرائها، في حواضرها وبواديها، من الخليج الفارسي إلى الأطلسي، ويتولى بعمله جمع أيديها حتى تكون يداً واحدة، تصفق بها في مواثيقها وعهودها صفقة واحدة، وتلوح بها لأعدائها قبضة واحدة وتضرب بها قيودها وأغلالها ضربة واحدة أقول إلى أن يوجد ذلك الأب لا أقل من أن ينشد لها القادرون على الإنشاد والبيان بمزامير وأبواق تهتف في أرضها النائمة بنداء اليقظة والانبعاث في فجر الحياة الجديدة التي لا بد فيها لطالبي المجد من التبكير للسبق في المضمار

وإن قدر الله - لا قدر! - فأفلت الحاضر الراهن من أيدي العرب من غير أن يجمعوا أمرهم ويخفوا في طريق الحياة مع الزمن الذي يجري بالناس، ويخضعوا أجسامهم وعقولهم لضرورات العلم والقوة والاتحاد ملاقاة الصعاب بجبهة متحدة، فسوف تموت آمال تحبط أعمال وتحدث أهوال!

ولست أعلم زمناً أصلح للسعي إلى تحقيق الجبهة العربية الواحدة، وأدعي إلى الإيمان بها من هذا الزمن الذي تداس فيه الأمم الصغرى، ولا يكون فيه لغير القوميات الكبرى وزن، أو اعتبار في أي معيار. .

ولست أعلم كذلك قوماً لهم مثل أوطاننا المتصلة المكونة من مجموعة نادرة فريدة من الوديان والسهول والجنات والأنهار، ولهم مثل أعلى واحد في العقيدة والتقاليد والأخلاق، ولهم لغة واحدة يفرغ عليها التاريخ والدين جلالاً وسحراً، ثم يتوانى قادتهم وزعماؤهم في استغلال هذه الظروف والفرص هذا التواني الذي وراءه التفكك وتبديد الميراث

ويشهد الله أنني لا أتمنى قيام القومية العربية للانتفاع فقط بما فيها من العزة لكل فرد ينتسب إليها، ولا لما فيها من الخيلاء والكبرياء اللتين تصاحبان الغرور القومي لدى أكثر الأقوام. . . ولكنني أتمنى قيامها للاعتزاز أولاً بمثلها الأعلى الذي رفعته ورفعت الحياة به أيام أن كان لها السلطان والصولجان. . . ذلك المثل الذي لا يتحقق التوازن الدولي، والعدل الطبيعي إلا به، ولا يضع علاقات مودة، ومعاني بر جديدة بين شعوب الأرض إلا هو. لأنه مثل أعلى يقوم على كلمتين من كلمات الله رب الناس جميعاً وجاعلهم صنوفاً، وأنواعاً وأجناساً، وألواناً كما يصنف البستاني أزهار البستان. . .: على كلمة ناطقة تدور بها الألسنة وتستوحي منها الأفكار، وهي القرآن! وعلى كلمة صامتة مستخفية فيها أسرارها وأوتارها وأشواقها وأوطارها وهي القلب العربي!

وفي الكلمة الأولى اعتمد الله على بلاغة هذه الأمة وفصاحتها وصراحتها في الكشف عن كل مخبوء في الضمير وفي الشعور وفي الفكر وتسجيله بلغة موسيقية موجزة مبينة، وإلقائه على الأسماع والإفهام آيات منزلة من حول العرش. . .

وفيها يضع الله كل شيء في الطبيعة في موضعه أمام الفكر البشري (أنا كل شيء خلقناه بقدر) (أعطي كل شيء خلقه ثم هدى) فلا يجوز الاعتراض والثورة على نظام الكون ومحاولة تبديله (لا تبديل لخلق الله)

وفيها ينظر الله إلى أمم الأرض كأمة واحدة (يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحاً إني بما تعملون عليم وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون)

وفيها يحطم الله الأصنام الحجرية والبشرية ويسحق (العجل الذهبي) وعباده، ويكسر كل قيد يقيد النفس بالمادة ويجعلها تخلد إلى الأرض وتتخذ الأهواء آلهة وتشبع الشهوات السفلى وتعيش في الأرض في غفلة عن الجمال الأعلى؛ فيخرج الإنسان بعد هذا كله طليقاً حراً قديس الروح نظيف الجسد متجرداً من كل شيء لله الذي أعطاه كل شيء. . .

وفيها يعقد الله بينه وبين الإنسان صلة مبنية على منطق الفكر ومنطق الوجدان، فما يقدره الله في الطبيعة ويحترمه يقدره الإنسان ويحترمه، وما يبغضه الله ويمتهنه يبغضه العقل الإنساني ويزدريه؛ فالعقل البشري صورة مصغرة من العقل الأعلى الذي يدير الكون ويحرسه ويمسكه أن يزول. ألم يقل: (ونفخت فيه من روحي) (إني جاعل في الأرض خليفةً)؟

وبدهي بعد ذلك أن يصدر العربي من بين يدي القرآن الذي يضعه في الحياة هذا الموضع الأكرم الأعلى، وهو معتقد أنه قوة من قوى الله مستخلفة لحراسة الأرض وحراسة النفس والإنسانية من فتن الحياة وقوى الشر ونوازع الإثم، وأن ينظر إلى الناس كما ينظر إليهم الله نظرة رحمة وغيرة على مصالحهم وسعي حثيث لها، لا كما ينظر الملحدون إلى أنفسهم وإلى الناس نظرة ضياع وحيرة بين القوى العمياء، ولا يعتقدون أن القوة المتسلطة على الكون تأبه لهم أو تقيم لهم وزناً، فهم كذلك لا يقيمون لقوانينها في الطبيعة وزناً، وإنما يدخلون الحياة ويخرجون منها كما تدخل وتخرج السباع إن كانوا أقوياء، أو كما تحيا وتموت الخراف البلهاء إن كانوا ضعفاء

وبدهى كذلك أن تكون هذه الصداقة المعقودة بين العربي ورب الطبيعة مبعث اعتزاز وقوة واعتصام بقوة الذي بنى السماء والأرض، يتحول بها إلى قوة مندمجة في قوى الكون التي في يد الله. وينظر بها إلى ما في السماء والأرض وكأنه ينظر إلى أشياء موضوعة مهيأة له في دار أبيه. . .

أما القلب العربي، وهو الكلمة الصامتة، ففيه حيثما كان وراثات مدخرة من بساطة الحياة في الصحراء واتساعها وعزلة الفكر فيها عن المؤثرات الصناعية، وإشراق النجوم عليها، واحتكاك الفكر فيها بالسماء دائماً، وانطلاق النفس من غير سدود وقيود، واعتداد الإنسان فيها بنفسه، واعتماده على قواه الذاتية، وسبح الخيال وراء المجهولات والغيوب، وتجرد الحياة فيها من الزينة الصناعية والتكليفات الوضعية التي لا تطلق النفس لدواعي الفطرة بل تجعل عليها ركاماً من قيود التقاليد

يضاف إلى هذه الوراثات الاستعداد الدائم لبذل الدم والمال في سبيل الشرف وحسن الأحدوثة، وعدم الارتباط بالأرض إلى درجة التضحية بالحرية والخضوع لسلطة مذلة واستبداد مهدر لكرمات الإنسان وحرمات الحياة. . .

وهذه صفات ترشح قومها لحمل دعوة كالدعوة الإسلامية التي تطلب الدم والمال للوصاية على كل حق في الحياة. ولن تستطيع نفس مترفة معقدة الفكر بتعقد الحياة التي نشأت فيها، معقدة النفس بتعقيد التربية السياسية ذات الأوضاع والقوانين الكثيرة، محبة للحياة حريصة عليها لما فيها من الترف والنعمة، بعيدة عن الطبيعة لأنها عاشت سجينة بين الجدران أو مكبة على عبادة الزراعة والصناعة، مثقلة بالأموال والخيرات الكثيرة فليس لها فراغ للفكر في الكون وربه. . . لن تستطيع هذه النفس أن تحمل ما تحمل النفس العربية من رسالة البساطة والمساواة والرجوع إلى قوانين الطبيعة والنظر إلى أوليات الحياة ومبادئها والتجرد من التعقيد وركام التقاليد ومن أجل ذلك لم يصطف الله أمة من الأمم المتحضرة كالرومان والفرس لحمل رسالة الإسلام مع أنهما كانتا على علم كثير وحضارة عظيمة، بل اصطفى العرب لتلك الرسالة، رسالة الفطرة والبساطة، لأنهم أقرب الناس في حياتهم من مبادئ الحياة العامة التي تجعل الإنسان شيئاً من الطبيعة غير منفصل ولا معزول عنها بجو صناعي، ولأنهم يكونون وهم الغالبون أسرع من المغلوبين إلى ما يحقق العدالة والمساواة، إذ لا يشعرون بفرق كبير بين حياتهم في الحكم وأبهته، وبين حياتهم على قدم المساواة مع أقل الناس تكاليف

واعتقادي أن الرجل الأوربي أو (الرجل الأبيض) على العموم لا يمكن أن ينهض برسالة المساواة بين الناس، لأنه يجد في شكله جمالاً وفي قده اعتدالاً وفي عقله تركيباً، وفي حياته على العموم زيادات لا يجدها عند سواه. . . بل إن بعض أنواع الرجل الأبيض - وهم الجرمان - قد بدءوا فلسفة جديدة في الفروق الجنسية لا يمكن مطلقاً أن تقوم معها عدالة أو مساواة حتى بين أنواع الرجل الأبيض نفسه. . .

وقد يكون للبيض بعض العذر من ملاحظة الفروق الظاهرة بين بيئاتهم وبيئات الأجناس الملونة، فلا يجدون أنفسهم تطاوعهم على تناسيها، والنزول بين غيرهم من بني البشر على قدم المساواة، لأنهم أولاً معزولون من قديم الزمان عن الاتصال بالأجناس الملونة التي تسكن في وسط الأرض وحوله، فلا يعلمون جوهر نفوسهم ولأنهم ثانياً يعتدون بشكليات الحياة اعتداداً كبيراً، ولذلك ملئوا حياتهم بها؛ فلا يمكن مطلقاً أن يغتفروا الفرق بين الجلدة البيضاء والجلدة الصفراء والسوداء والحمراء. . . وإنهم ليغفرون الفروق بين الإنسان والكلب، فيحتضنون الكلاب ويقبلونها ويبكون رحمة لها ويعاملونها بالحسنى، ولكنهم يأنفون من رؤية الرجل الملون ويهينونه ولا يرحمونه ولا يجتهدون في رفع حياته وإنقاذه من وثنياته وخرافاته. مع أنهم فتحوا دياره بالقوة منذ أكثر من قرن، وعندهم من وسائل إخضاعه للتعليم والتهذيب بالإحسان والقوة الشيء الكثير. . . ولكنهم مشغولون فقط بالبحث عن الذهب الأصفر والذهب الأسود. . .!

والذين شاهدوا الشريط السينمائي الذي عرض في بعض دور السينما بالقاهرة منذ قريب عن حياة (لفنجستون) الكاشف الإنجليزي المشهور، يدركون تماماً ما يرمى إليه واضع هذا الفلم ومخرجه من نقد، لإهمال التبعات الملقاة على عاتق الرجل الأبيض في تحضير هذه البقايا من الإنسانية الباقية على وثنياتها وخرافاتها وانقطاعها عن حياة العلم والدين.

دع عنك المؤثرات الطبيعية والصناعية التي جعلت الرجل الأبيض يهمل في واجباته نحو إخوانه من بني البشر هذا الإهمال وتعال معي ننظر إلى نعم الله على القومية العربية حيث وضعها هذا الوضع الوسط العجيب بين أجناس الناس وبقاع الأرض. . .

إن وضعها هكذا من الخليج الفارسي إلى المحيط الأطلسي وسطاً بين أمم الشرق والغرب والشمال والجنوب لتلتقي عندها الألوان والأجناس والدماء والأجواء والثقافات والحضارات والطباع والأمزجة، فتأخذ قلوبها من جميع القلوب، وعقولها من جميع العقول، وأجسامها وألوانها من جميع الأجناس والألوان، ثم يمتزج كل أولئك ويصهر في طبيعتها المعتدلة ويخرج للناس بعد هذا ثقافة نفسية وسياسية يلتقي عليها الشرق والغرب لقاء يحطم القيود ويجتاز الحدود. لأن فيها من كل جنس رفداً، ومن كل عقل مدداً، ومن كل قطر ورداً. . .

فإذا خاطب الله برسالته الأخيرة وكلمته الخاتمة هذه الأمة التي في مركز الأرض فإنما يخاطب البشرية جمعاء متمثلة في هذا الجنس

وإذا خاطب العربي المتحضر أمم الشمال والغرب المتحضرة، أخذوا عنه خطابه وعقلوه لأن فيه مسحة من بياضهم وثقافتهم، ولأنه أقرب الأجناس إليهم وأكثرها اختلاطاً بهم

وإذا خاطب العربي المتبدي أمم الجنوب والشرق، أخذوا عنه وعقلوا منه، لأن فيه بساطتهم ومعارفهم، ولأنه من أقرب الأجناس إليهم وأكثرها اختلاطا بهم

وتلك نعمة عظمى حتم على العرب أن يتفطنوا لها ويبنوا جهادهم ورسالتهم عليها ويدركوا امتنان الله عليهم بها في قوله: (وكذلك جعلناكم أُمةً وسَطاً لتكونوا شهداءَ على الناسِ)

(القاهرة)

عبد المنعم خلاف