مجلة الرسالة/العدد 354/البريد الأدبي

مجلة الرسالة/العدد 354/البريد الأدبي

ملاحظات: بتاريخ: 15 - 04 - 1940



مصر ولغة الضاد

كتب الأمير الجليل (مصطفى الشهابي) وزير معارف سوريا سابقاً مقالاً قيما في عدد أبريل من (المقتطف) الأغر عنوانه (مصر ولغة الضاد). والمقال في مجموعه محاولة طيبة كريمة لإعزاز اللغة العربية. واقتراحات عملية للنهوض بها حتى لا تتخلف عن عصر بلغ التقدم العلمي فيه مبلغاً يقتضي بذل جهد كبير لجعل اللغة العربية مسايرة للنهضة العالمية الحديثة وما يجدُّ من النهضات

وفي المقال عتب على المصريين (لأن الوسائل المادية والمعنوية التي تيسرت لهم تمكنهم من النهوض بأضعاف الأعمال التي نهضوا بها حتى الآن في موضوع اللغة العربية) و (لهذا فالعالم العربي مهما يشكر لهم خدمة لسان الآباء والأجداد، فهو يراهم مقصرين في الخدمة)

وهذا العتاب الكريم هو عتاب الأخ الودود، لا عتاب الخصم اللدود، وعتاب التمني لا عتاب التجني. لهذا استحق هذا المقال المخلص من أمير عربي كريم أن نقف منه وقفة قصيرة على صفحات (الرسالة) الغراء. واختيار (الرسالة) لسببين: أما الأول فلأن سموّ الأمير أشار إليها في مقاله لما قرأه في العدد (346) منها من أن في نية الحكومة المصرية تعزيز المجمع بنحو عشرة أعضاء مصريين ينتخبون من كبار المشتغلين بالبحوث العلمية. وأما الثاني فلأنني رغبت أن أهيئ لمن لم يطلع على مقال الأمير في المقتطف فرصة في (الرسالة) حتى يعرف رأي أمير عربي في نصيب مصر من خدمة اللسان العربي، وما ينتظر منهم لإتمام الصنيعة، لو كان في حفظ تراث الآباء والجدود ما يصح أن يسمى صنيعة

والأمير لا ينكر على بعض الأدباء المصريين اعتدادهم بما أتاهم الله من فضل في الأدب. ولا ينكر على بعضهم أنه غلا في التمادح وأفرط في التباهي، (فمصر جديرة بأن تكون مباءة الأدب، وخليقة بأن تكون قلب بلاد العرب). وإذا كان هذا رأي الأمير في مصر، فنحن يسرنا - لا على سبيل تبادل المدائح - أن نقرر أن البلاد العربية كلها تحمل قسطها من النهضة بقدر. ولا ننسى هؤلاء المجاهدين في الأميركيتين، فآثارهم في الشعر والنقد والأدب، ستضيف ثروة عربية خالدة إلى التراث العربي بعد حين. . . ويكفي أن نعد منهم على سبيل المثال: أمين الريحاني وميخائيل نعيمة وأيليا أبو ماضي والياس قنصل والمرحوم جبران خليل جبران - على ضعفه اللغوي -

وللأمير اقتراح طيب، وهو اتخاذ قرار حكومي يقضي بأن تكون جميع إعلانات المتاجر مكتوبة بالعربية. وليس في تنفيذ هذا الاقتراح صعوبة عملية

وينتقد الأمير التعليم في بعض كليات الجامعة المصرية بغير العربية. وهو انتقاد له وجاهته وخطره، فإن العربية لم تثبت بعد عجزها عن أن تكون لغة العلم. وليس الكلام هنا ملقى على عواهنه، فقد أثبت المعهد الطبي في دمشق صلاح اللسان العربي لتعلم الطب مع التكميل فقط بالفرنسية. ولم يكن قول المرحوم حافظ إبراهيم على لسان اللغة العربية:

وسعت كتاب الله لفظاً وغاية ... وما ضقت عن آيٍ به وعظات

فكيف أضيق اليوم عن وصف آلة ... وتنسيق أسماء لمخترعات؟

أنا البحر في أحشائه الدر كامن ... فهل سألوا الغواص عن صدفاتي؟

لم يكن هذا القول خيال شاعر. وإنما هو حقيقة أدركها حافظ المتبحر في اللغة والأدب

ويشير الأمير إلى (الرسالة الغراء) لما نشرته خاصاً بنية الحكومة تعزيز المجمع بعشرة أعضاء مصريين، ويشك في قدرة هؤلاء العشرة على وضع معجم عربي تعرّف فيه الألفاظ تعريفاً علمياً جامعاً مانعاً كما في معجم لاروس الفرنسي. وليأذن لنا سموه أن نقول إنه يسيء الظن بهمم العلماء من العرب. وإذا كان هؤلاء العشرة - غير مسمَّيْن - عاجزين عن وضع معجم عربي أفرنكي حديث؛ فليس معنى هذا أنهم يعجزون عن وضع معجم عربي دقيق. فالأول عمل عظيم يحتاج إلى زمن طويل وصبر طويل وجهاد طويل، أما الثاني فهو عمل يحتاج إلى قليل من الصبر وكثير من التنظيم. . . فإن واضعي المعجمات العربية - رحمهم الله وأحسن إليهم - كان ينقصهم كثير من (الفن النظامي) لوضع المعاجم.

إني مع سمو الأمير الجليل في أن معجماتنا القديمة لا تشتمل على كل اللغة. ولا تعرف الألفاظ العلمية تعريفاً جامعاً. وهذا واضح لمن يبتلي منها كل يوم بهذا التعريف (نبات معروف) أو (حيوان معروف). والله يعلم أنه مجهول إلى الأبد. . . وأزيد عليه أن معجماتنا رجراجة كالزئبق مطاطة كالكاوتشوك. فبعضها ينكر الفعل (سدل) الثلاثي إنكاراً صريحاً، وبعضها ينكر الفعل (أسدل) الرباعي إنكاراً صريحاً ويجيز (سدل) الثلاثي إجازة مطلقة والقارئ يقف متحيراً بين الاثنين. . . ثم لا يسعه إلا أن يستعملهما معاً، لأنهما صحيحان على التخريجين. . . ومن هنا جاءت ظاهرة أسميها (الميوعة اللغوية) أو عدم التماسك. وهذا مشاهد لمن يعاني دراسة العربية أو تدريسها. ولعلي أوفق إلى الكتابة عن هذه الظاهرة في الآتي من أعداد الرسالة الغراء.

محمد عبد الغني حسن

أستاذ الأدب بالخديو إسماعيل

في جمعية هواة الفنون الجميلة بالإسكندرية

ألقى الأستاذ الشاعر عثمان حلمي مساء الجمعة 5 إبريل الجاري بصالة المحاضرات بجمعية هواة الفنون الجميلة محاضرة تناول فيها الحياة الأدبية في الإسكندرية خلال ربع القرن الماضي وعرض لكل شاعر وأديب أنتج في هذه الفترة نتاجاً أدبياً

وقد أعقب الأستاذ المحاضر نخبة من كبار الأدباء في الثغر فأعلنوا رأيهم في موضوع المحاضرة وملاحظاتهم على الأستاذ المحاضر فتكلم الأستاذ عبد اللطيف النشار عن الأدباء السكندريين الذين نزحوا إلى القاهرة معتبراً إياهم سكندريين برغم انتقالهم منها، ومعتبراً أدبهم أدباً سكندريا أيضاً

وتبعه الأستاذ محمود عوض البحراوي فعرض لناحية أخرى من الموضوع إذ تكلم عن مدى تقدير عظماء الثغر وأغنيائه للأدب والأدباء محملاً إياهم تبعة ذلك الخمود الذي يلمس في الحياة الأدبية السكندرية الآن. ثم تكلم الدكتور إسماعيل أدهم فعرض الموضوع من ناحية أخرى حاول أن يقرر بها أن العوامل التي ساعدت على ازدهار الأدب في الثغر ليست عوامل محلية، ولكنها عوامل خارجية أتت إليه من سوريا وغيرها من البلدان عن طريق النازحين إلى الإسكندرية من بلاد الشام

وقد حدثت بينه وبين الأستاذ البحراوي مناقشة شديدة في هذا الصدد أعقبها الأستاذ النشار بكلمة أخرى دعا في ختامها الدكتور أحمد زكي أبو شادي إلى الإدلاء برأيه في الموضوع، فتقدم الدكتور أبو شادي وعرض للمسألة في أناة وهدوء، ونوه بما لجو الإسكندرية من تأثير في وجدان الشاعر ونفسه، وذكر أشياء من خصائص الأستاذ عثمان حلمي كشاعر سكندري، ثم تكلم الأستاذ حسن كامل كلمة ختامية انتهت بها هذه المناقشات الحادة في هذا الموضوع

وأعقب ذلك حفلة سمر اشترك فيها قسم الموسيقى بالجمعية، وألقى بعض أدباء الثغر قصائد في الربيع، واختتمت الحفلة بالسلام الملكي.

تصويب

جاء في مقال الأستاذ على الطنطاوي في عدد الرسالة الممتاز هذا التعبير (يستقري رمال الدأماء). فعجبت عجباً يستنفد كل العجب! ذلك أن يخطئ الأستاذ في معنى (الدأماء) وهو (البحر) فيضعها موضع بيداء أو دهناء. . .

. . . وسبحان من تفرد بالعصمة والجلال. . .

البصرة

محي الدين إسماعيل

بين أما ومهما

إلى الأستاذ الكبير مؤلف (النحو والنحاة)

أجمع النحويون في إعراب (إمّا زيد فمنطلق) على تأويل (أمّا) بمهما يكن من شيء، وإنما دعاهم إلى هذا وجود فاء الشرط في الكلام. . . وبحثوا عن فعل الشرط وأداته فلم يجدوهما فأولوا (أمّا)، بمهما يكن من شيء، وجعلوا جملة (فزيد منطلق) جواب الشرط، وهذا تأويل لا غبار عليه من حيث تأدية المعنى

ولكن الذي لا يستساغ هو أن تكون (أما) الحرفية التي لا تركيب فيها كما يدعون دالة على هذا المحذوف كله

ورأيي أنّ أمّا ليست بسيطة وليست دالة على (مهما يكن من شيء كما زعم النحاة) وإنما هي أن الشرطة وما التي بمعنى شيء، وأصلها (أَنْ ما) وأن بفتح الهمزة شرطية وهي (إن) المكسورة نفسها كما يرى الكوفيون، ورجحه صاحب المغنى بأدلة هي في غاية الوجاهة والقوة، و (ما) نكرة تامة بمعنى شيء. . . إلا أنه قد بقي أنَّ (أنْ) حرف شرط فلا يليها إلا فعل فأين هذا الفعل وكيف تقديره؟

الجواب أن الفعل محذوف تقديره (كان) كما قَدرَّه النحاة في (إن خيرٌ فخير) فقالوا التقدير (إن كان خير)

فتقدير (أمّا) - إن كان شيء - فكان تامّة فعل الشرط وشيء فاعلها، والجواب هو الجملة المقترنة بالفاء، فتقدير (أمّا زيد فمنطلق) إن كان شيء فزيد منطلق، أي إن وُجِد شيء فزيد منطلق

لقد وقف الأستاذ الكبير محمد عرفه من النحاة الأقدمين موقف الذّائد الحامي الذمار

فهل يظفرون بدفاعه البارع في موقفي هذا الذي أنقدهم جميعاً فيه. وإني لمنتظر رأيه الفصل

محمود فرج العقدة