مجلة الرسالة/العدد 355/من هنا ومن هناك
مجلة الرسالة/العدد 355/من هنا ومن هناك
أطفال ولا طفولة
(ملخصة عن (نيوز بورخ زوتنج))
لا يختلف الطفل في أمريكا الجنوبية عن الشاب البالغ إلا بأنه أقل سناً
وأقصر قامة. ولكنه لا يختلف عنه من الناحية النفسية على الإطلاق.
والطفل في كل مدينة وكل إقليم يشترك في مظاهر الحياة العامة على
اختلافها. ومن المظاهر المألوفة في (كويتو) أن يرى الطفل البالغ من
العمر ست سنوات يطوف الشوارع في ثيابه الرسمية وعلى قبعته الرقم
الذي يشير إلى وظيفته في الخدمة العامة
فإذا بلغ الطفل الثالثة من عمره أخذ أهله في تدريبه وإعداده للمزاحمة في الحياة. ويشاهد الأطفال في تلك البلاد وهم في الخامسة من أعمارهم في الأسواق العامة يبيعون السجائر والفاكهة والمجلات وأنواع الحلوى. ويرى المكاريون والسعاة من بين الأطفال الذين في الثامنة أو التاسعة من أعمارهم
والطفل في أمريكا الجنوبية في السنتين الأوليين من حياته، بعد لعبة طريفة عند والديه، يلبسانه ثياب الخز والديباج ويعرضانه في زهو وعطف على أصدقائهم. فإذا بلغ الثالثة أو الرابعة من سنه بدأ يتبع نسق الحياة الذي اتخذه والداه. فإذا كان من الطبقة الفقيرة كان عليه أن يكسب بعض النقود عند ما يبلغ الخامسة من عمره.
وقد تشاهد في منتصف الليل كثيراً من البنات اللاتي لم يتجاوزن السابعة من أعمارهن على عرض الطريق يبعن الحلوى والأزهار. وكذلك الغلمان في هذه السن وهم يحملون أوراق النصيب أو علب (الورنيش). ولا ينقطع هؤلاء الأطفال عن لشارع في الليل أو النهار، فلا تعرف في أي وقت يخرجون وفي أي وقت ينصرفون؟!
والطفل في جنوب أمريكا يعد عضواً في أسرته، يرتدي زي الكبار وله ما لهم من الحقوق. البنت الصغيرة مثلاً تتحلى بالخواتم وتلبس لأقراط وترتدي ثياب الحرير وتضع الطلاء وتتعطر بالروائح الزكية. وتصفف شعرها كما تفعل أمها على حد سواء. وكذلك يتزيا الصبي بزي أبيه فيلبس القبعة الفاخرة ويرتد الملابس الطويلة ويقتني الحلي والجواهري
إن جهاد هؤلاء الأطفال في الحياة العملية ليدعو حقاً إلى الإعجاب. فقد رأيت طفلاً في العاشرة من عمره يقوم بعمل حارس الليل في سفينة على نهر (كانالمبا) في فنزويلا. حيث الملاريا والحمى الصفراء والدسنطاريا والتماسيح، لا يساعده في هذه العزلة الموحشة إلا امرأة واحدة، وهو بعد مسؤول عن صحة الركاب الذين لا يقلون عن مائة شخص، مسئول لذلك عن راحتهم؛ ويقوم بأعمال النُّدُل في بعض القطارات أطفال في العاشرة والحادية عشرة من أعمارم، ويدير مصلحة تنظيف الشوارع في مدينة (كويتو) أطفال في السابعة ويقومون بعملهم على أحسن وجه
نابليون في منزله
(عن (ذس ويك))
كان نابليون من ذوي العبقريات الحربية النادرة التي عرفها العالم، وكان من أعظم رجال السياسة والإدارة الذين عرفهم التاريخ. وقد أشرفت شخصيته الجبارة على أوربا ولما يبلغ الخامسة والثلاثين فماذا عسى أن تكون حياته المنزلية؟
كان نابليون يستيقظ من رقاده في أي ساعة من ساعات الليل، فيستحم بالماء الساخن، وكان يجلس في حوض الماء وعلى رأسه لفافة كالعمامة يتدلى طرفاها على عنقه. وكان يأمر بتدليك صدره بفرجون من الحرير في كثير من الأحيان
ويقوم خدمه بإلباسه في الوقت المعتاد. فإذا أراد أن يحفى لحيته، غمر كل شئ في وجهه بالصابون إلا منابت الشعر، ويتناول (الموسى) في تعسف، فلا يكاد يمر بها على وجهه، حتى يملأ خده الناصع بالجروح. وكثيراً ما كن يشرد لبه وهو يقوم بهذا العمل، فيترك جانباً من وجهه كما هو، وبحفي الجانب الآخر
ولم تكن أحذيته أنيقة المنظر، أو جيدة الصنع، ولكنها كانت دائماً مبطنة بالحرير. أما قبعاته، فكانت مهدمة الأركان ممزقة من بعض النواحي. إذ أن القبعات الجديدة كانت تحز في جبهته وتجلب إلى رأسه الصداع. ولم يكن نابليون يلبس الحلي أياً كان نوعها، ولم يكن يحمل كيساً للنقود ويضع في جيوبه شيئاً منها.
وكان يحب من الذين يقومون بخدمته أن يجيبوه أجوبة سريعة حازمة، وإن كان قل أن يصغي إلى ما يقولون. فإذا كان معتدل المزاج فلا بأس من أن يفرك لأحدهم أذناً أو يصفعه مداعباً على خده. وكان نابليون سريع الغضب في أكثر الأحيان، وكثيراً ما كانت تعتريه نوبات نفسية عنيفة تطغى على أخلاقه، ولكنه كان سريعاً إلى الهدوء سريعاً إلى الصفح
وكانت تصيبه نوبات عنيفة من سوء الهضم لعدم عنايته بمضغ الطعام، فيستلقي على الأرض وتأخذ زوجته برأسه فتضعه على صدرها وتدلك بيديها على جبهته وصدره، وكان يكره تناول العقاقير على اختلاف أنواعها
ومن عادته أن يلعب الورق مع زوجه وأصدقائه عقب الغداء، إذا لم يكن مصاباً بعسر الهضم
وكان يقرأ الكتاب؛ فإذا لم يعجبه ما فيه ألقى به إلى النار. فإذا رأي أحداً من أصدقائه يقرأ في كتاب لا يوافقه أخذه من يده ودفع به إلى النار
وكان نابليون سريع التأثر بالبرد حتى إنه ليأمر بتدفئة فراشه بالطرق الصناعية في جميع فصول السنة. وكان مصاباً بعادة قرض الأظافر. ومن المعروف عنه كان يغار على زوجه إلى درجة تشبه الجنون إلا أنه كثيراً ما كان يخضع لها ويسألها العفو وإن كان الخطأ في جانبها. هذه صورة مصغرة لحياة الرجل الذي هزم إيطاليا وهو في السادسة والعشرين، وفتح مصر في الثامنة والعشرين وكان دكتاتوراً لفرنسا في الثلاثين وسيداً الأوربا في الثانية والثلاثين من عمره: نابليون بونابرت