مجلة الرسالة/العدد 361/الكتب

مجلة الرسالة/العدد 361/الكتب

ملاحظات: بتاريخ: 03 - 06 - 1940



وحي الرسالة

فصول في الأدب والنقد والسياسة والاجتماع

(480 ص من قطع الثمن. مطبعة الرسالة 1940. القاهرة

الثمن 25 قرشاً)

بقلم الدكتور إسماعيل أحمد أدهم

وهذا كتاب جديد تظفر به المكتبة العربية في هذه الأيام أخرجه للناس الأستاذ أحمد حسن الزيات صاحب مجلة الرسالة.

والزيات - كما يعرفه قراء الأدب العربي - من أعلام النهضة الأدبية الحديثة، ومن قادة البيان الصحيح. اشتغل زمناً بالتعليم ثم انقطع للصحافة الأدبية الخالصة، فكانت له مجلة (الرسالة) وهي سجل الأدب وديوان العرب اليوم

وقد جمع الزيات بعض مقالاته الافتتاحية التي كتبها في الرسالة على مدى ثمانية أعوام في كتاب، لأنها في مجموعة أدل على الغرض والفكرة وأعم فائدة منها وهي متناثرة على صفحات الرسالة. ونظراً لأن هذه المقالات من وحي رسالته، لهذا جاءت تسميتها (بوحي الرسالة).

وهي فصول متناثرة يتنازعها الأدب الصرف والفكرة الاجتماعية المصلحة والنظرة النقدية الصائبة. وهي كلها بعد ذلك تفيض من أصل أدبي وتاريخي من شخصية الكاتب متخذة لوناً خاصاً. والزيات أديب فنان، يحسن إبراز الحياة التي في الأشياء بالفكرة التي تنطوي عليها، وبالعاطفة التي تحملها في طياتها، وبالخيال الذي تحتوي عليه. ومن هنا تجد التنوع في جمال كتابة الزيات التي تتوازن فيها الفكرة مع العاطفة مع الخيال، والتي تتناسب كلها مع صناعة فنية بارعة تفرغ كل هذه الأشياء في صورة أدبية وقالب فني محكم. والحق أن الزيات هو الأديب العربي الوحيد بين كتاب اللغة العربية اليوم الذي تميزت في ذهنه مدلولات ألفاظ فعرف دقائقها وأدرك الأسرار العربية المحيطة بها، ومن هنا تراه يلبس فكرته وإحساسه وخياله اللفظة الخاصة بها، التي تعطي لونها من لغة الكلام.

ويستهل هذا الكتاب بفصل مستفيض عن الجمال، ترى الكاتب بأسلوب المنشئ البليغ يعرض لماهية الجمال، ولغلبة الأصل الفني في نفس الكاتب نجده يبتعد عن مناقضات الفلاسفة وعلماء الجمال (البديع) فالجمال عنده يقوم على القوة والوفرة والذكاء، وينشئ في الذهن فكرة سامية، ويبعث في النفس إحساساً وشعوراً صادقاً، ويثير الخيال ويحرك التصوير. وهو تبسيط في شرح هذه المبادئ تبسط الأديب الفنان الذي لا يعنيه الأسباب قدر ما يعنيه الكنه والروح، وينتهي من بحثه إلى نتائج مهما نازعته في أمرها، فلا يمكنك أن تنكر عليه بعد ذلك صفة العمق في الفكرة والدقة في التصوير والصدق في التعبير. ثم هنالك فصل عن الرافعي يعتبر من خير الفصول الأدبية التي كشفت عن عبقرية هذا الأديب الذي لا نشك لحظة في أنه سيخلد ما بقيت العربية وبقي إنسان يعرفها. وفي هذا الفصل يبين الزيات خصائص أدب الرافعي في قصد واعتدال، فالفكرة مبسوطة بقدر، والتعبير نازل تماماً على قدر المعنى.

والحقيقة أن الزيات قد خلف في مدرسة البيان العربي المرحوم الرافعي، وهما على ما بينهما من اختلاف في الطبع وتباين في المزاج وتفاوت في الثقافة إلا أن قوة الفن وحركة الذهن تجمعهما. وإن كان ذهن الزيات يختلف عن ذهن صاحبه من جهة الصفاء وعدم انقطاع الصلة بينه وبين عقل الناس. فمعانيه مفهومة وهي ذات أصل دقيق من الفكر. وفكر الزيات ملتقى العقلين العربي والغربي، العربي في جلالته وروعته، والغربي في عظمته وترتيبه وانتظامه ودقته.

وجملة القول أن هذا الكتاب من خير الكتب التي تمسك على الناشئة أسلوبهم وتميل بتعبيرهم إلى البيان الصحيح، ومن هنا كان جديراً بالتقدير، إذ يقف أمام عوامل المجمة والتضعضع الطاغية على أقلام الناشئين من كتاب اليوم.

(أدهم)