مجلة الرسالة/العدد 367/نهاية التنكر

مجلة الرسالة/العدد 367/نهاية التنكر

مجلة الرسالة - العدد 367
نهاية التنكر
ملاحظات: بتاريخ: 15 - 07 - 1940



بقلم استيفن ليكوك

ترجمة الأستاذ عبد اللطيف النشار

كان رئيس البوليس السري جالساً إلى مكتبه، وأمامه وجوه مستعارة وشوارب ومناظير مستعارة كذلك مختلفة الأشكال فهو في أقل من ثانية يستطيع التنكر

ووضع قليلاً من مسحوق أبيض في كوب من الماء وتجرعه، وفي هذه اللحظة طرق باب حجرته طارق، فخبأ المسحوق في درج مكتبه ووضع على شفته العليا شارباً أسود، وأذن للطارق بأن يدخل، ولكنه لما رآه وتبين أنه سكرتيره أعاد الشارب إلى مكانه وهو يقول:

- أهذا أنت؟ ماذا لديك من الأخبار؟

فأجابه سكرتيره:

- عندي مسألة في نهاية الغموض وفي نهاية الأهمية لعلاقتها بدولة أجنبية، ويخشى إذا لم يستطع البوليس حلها أن تنشب حرب طاحنة

قال رئيس البوليس السري:

- وهل تكون المسألة بهذه الدرجة من الأهمية ويعجز بوليس لندن عن حلها؟ قل لي، هل تتعلق بالبرلمان أم الوزارة أم ماذا؟ فأجابه سكرتيره: (هي تتعلق بمن لا نكاد نجرؤ على النطق بأسمائهم ولها مساس بالسياسة الدولية وأخشى أن تحدث بشأنها حرب عالمية)

قال رئيس البوليس: (إذن فأخبرني بما عندك من التفاصيل)

فأجابه السكرتير: (لقد اختطف البرنس ورتمبرج)

وقف رئيس البوليس السري منزعجاً وقال: (لقد سمعت كثيراً عن هذا الأمير وأعتقد أنه من أسرة البوربون. إنك محق بلا شك فإن وراء اختطاف الأمراء أمراً شديد الخطورة)

فأخرج السكرتير من جيبه رسالة برقية وقدمها لرئيسه وهو يقول: (هذه رسالة رئيس البوليس في باريس)

فتناولها وقرأها وهذا نصها: (لقد اختطف البرنس ورتمبرج والأرجح أنه نقل إلى لندن. يجب أن يعاد إلى باريس قبل يوم المعرض. الجائزة ألف جنيه)

قال الرئيس: (لابد أن يكون المعرض دولياً ولا بد أن يكون لاشتراك البرنس فيه مغزى سياسي، فهم لذلك يختطفونه. أكتب برقية في الحال إلى باريس طالباً وصفاً دقيقاً للبرنس)

فأحنى السكرتير رأسه وخرج. وفي اللحظة نفسها طرق الباب طارق ولكنه دخل بغير استئذان

ولما التفت رئيس البوليس كان الزائر قد توسط الغرفة. ولما عرفه وقف مذعوراً وقال:

- رئيس الوزارة الإنكليزية! ما الذي تأمرون به يا صاحب الدولة؟ أظنكم جئتم من أجل البرنس ورتمبرج؟

قال رئيس الوزارة: (كيف عرفتم؟ لقد أتيت من أجل هذا السبب فابحثوا عن الأمير ولكم جائزة غير التي تعرضها فرنسا ولكن أهم من العثور عليه ومن إعادته ألا يمس أحد شعره أو أذنيه فإنه لا فائدة من إعادته إذا قص شعره أو قطعت أذناه)

دارت رأس الشرطي ولم يكد يفهم معنى لهذا التحذير. ولكنه أجاب على وجه التأكيد: (يا صاحب الدولة سيعاد دون أن يمس بسوء)

وهنا طرق الباب ودخل زائر آخر بغير استئذان، وهو كبير البطن عليه عباءة حمراء، فاشتد انزعاج رئيس البوليس ووقف وهو يقول: (رئيس أساقفة كونتريرى! تفضلوا بالجلوس يا صاحب النيافة. . . لابد أن يكون مجيئكم من أجل البرنس ورتمبرج؟)

فأشار رئيس الأساقفة على نفسه إشارة الصليب، ولم يسره كثيراً أن يعرف رجل البوليس السري الأمر الذي جاء من أجله كأنه من المشتغلين بالسحر. وقال: (نعم لقد جئت من أجله لأن أختي مهتمة أشد الاهتمام بالعثور عليه، فقد راهنت عليه بعشرة آلاف جنيه. على أن أهم من وجوده في نظرها ألا يقص شعره ولا تشوه خلقته ولا تزال العلامات الخاصة به. . .)

أظهر رئيس البوليس اهتماماً شديداً لمّا سمع أن الكونتس داسليغ أخت رئيس الأساقفة مهتمة بالبرنس ووعد بأن يبذل كل عنايته. وفي الحال دق الباب مرة ثانية ودخلت الكونتس فابتدرها رئيس البوليس بقوله: (. . . وأنت أيضاً أتيت من أجل البرنس ورتمبرج؟)

فقالت: (لقد اختطف هذا الكلب المسكين وأنا مهتمة به أشد الاهتمام)

ارتاع رئيس البوليس من ذكر كلمة (كلب) ولكنه تذكر أنها دوقة تحاول إنقاذ حياة أمير فلا بد أن تكون العلاقة بينهما علاقة حب، وقد يكون من مقتضيات هذه العلاقة في بعض الأحيان أن تصف المحبة حبيبها بأنه كلب. وقال ليتعرف كنه العلاقة بينهما: (هل أنت تحلفين به كثيراً؟)

قالت بلهجة التعجب: أحفل به؟ إنني ربيته

فغير رئيس البوليس السري رأيه في الحال وقام بروعه أنه ابنها وليس حبيبها كما كان يظن. وقالت الكونتس: (وفضلاً عن ذلك فإني راهنت عليه بمبلغ عشرة آلاف جنيه، ولكن أحذرك من أن يقصوا شعره أو يغيروا شيئاً من صفاته)

كان رئيس البوليس لا يزال في حيرته من كون هذه الدوقة أماً لأمير من أمراء البوربون، ولكن كل شيء محتمل في الحياة وأدرك أن المؤامرة لابد أن تكون كبيرة الأهمية لأن في نجاحها كشفاً لأسرار خطيرة بين الأسرة المالكة

وخرج رئيس الوزارة ورئيس الأساقفة وأخته معاً. وبعد لحظات من خروجهم تلقى رئيس البوليس برقية من باريس بصفات الأمير المفقود، فلم تزده هذه البرقية إلا ارتباكا، وفيها أن جسمه طويل وإن شعره أسود كثيف وأن أذنيه طويلتان وأن وصوته عميق

قال لسكرتيره: (قل لي بالله كيف يمكن أن نهتدي إليه، وهذه صفاته كلها مبهمة؟)

وقبل أن يجيب السكرتير على سؤال الرئيس وردت برقية من باريس لم تزدهما إلا ارتباكا، وفيها أن أهم صفة بارزة للبرنس ورتمبرج أن في وسط ظهره خصلة بيضاء من الشعر

قال الرئيس: (على كل حال يجب أن نبحث عنه على أساس هذه الصفات، ولا بد أن يكون الأمير شاباً أولاً، لأن الدوقة دعته كلباً، وثانياً لأنها ربته فلنبحث عنه في مجتمعات الشبان.

وتنكر رئيس البوليس وبدأ بحثه

وفي الأربعة الأيام التالية زار كل مكان من لندن ودخل كل مشرب وكل مكان عام. وكان في بعض المشارب يدخل متنكراً في زي بحار، وفي البعض الآخر يدخل متنكراً في زي جندي، وفي غيرها يتنكر في زي قسيس، وفي غيرها يتنكر في زي أجنبي ولم يعباً أحد به، ولم تسفر مباحثه عن نتيجة

وألقى القبض على رجلين لاعتقاد أن كلا منهما هو الأمير، ولكن أطلق سراحهما في الحال لما ثبت من أنهما سواه

واستأنف رئيس البوليس السري مباحثه وزار بعد منتصف الليل سراً منزل رئيس الوزارة وفحصه غرفة غرفة، وزار بيت رئيس الأساقفة وبيت الدوقة، وهناك وجد ما حل الألغاز التي كانت مستعصية على كل طرق الحل. . . وجد صورة معلقة على الحائط، وقد كتب تحتها اسم الأمير ورتمبرج، ولكن الصورة كانت مع الأسف صورة كلب حقيقي، وقد توافرت فيه كل العلامات التي ذكرت في برقيتي باريس

صاح رئيس البوليس بسكرتيره: إن البرنس ليس إلا كلباً

ثم هرع كلاهما إلى خارج المنزل والسكرتير يقول لرئيسه: (ألم تصرح لنا الدوقة بأنه كلب؟. . . على أن كل الصفات لم تكن لتنطبق إلا على الكلاب. . . أليس في وسط ظهره خصلة من الشعر الأبيض بين شعره الأسود؟ أليس يراد قبل المعرض؟ أليس هو موضع المراهنة؟)

وفي اليوم التالي ذهبا إلى الدوقة فوجداها على أشد حالات الانزعاج وقالت: (هل علمتما؟ لقد عرفنا مكانه ووجدناهم قد قصوا شعره وقطعوا أذنيه وغيروا علاماته التي كان ينتظر أن ينال بواسطتها الجائزة الأولى، وقد ضاع المبلغ الكبير الذي راهنت به عليه)

قال رئيس البوليس السري:

- لا تحزني يا سيدتي فإني سأحصل على الجائزة الأولى فأتنكر وفقاً للوصف الذي وصل إلينا في شكل كلب فأحصل على تلك الجائزة. إنني سأحضر المعرض فأربح الرهان، ومن أمهر مني في التنكر؟!

وفي الليلة التالية أرسل رئيس البوليس السري إلى باريس متنكراً في شكل كلب تنطبق عليه جميع العلامات المميزة للبرنس ورتمبرج

قال كل من في المعرض: (ما أجمل هذا الكلب وما أذكاه!) وكان الشبه شديد الإحكام بينه وبين الكلب المفقود ونال الجائزة الأولى. ولكنه فاته مع الأسف أن يحصل لنفسه على رخصة كلاب من بلدية باريس فلم يكد يخرج من المعرض حتى التقطته عربة الكلاب فأعدم عصر ذلك اليوم

على أن هذه النهاية بالطبع ليست ضرورية في صلب القصة وإنما هي عرضية يجب أن تذكر على أثر نجاحه في نيل الجائزة

عبد اللطيف النشار