مجلة الرسالة/العدد 375/الحيوان يتخاطب ويغازل ويحلم

مجلة الرسالة/العدد 375/الحيوان يتخاطب ويغازل ويحلم

مجلة الرسالة - العدد 375
الحيوان يتخاطب ويغازل ويحلم
ملاحظات: بتاريخ: 09 - 09 - 1940



للأستاذ أحمد علي الشحات

لو أنك سرت في مجال الطبيعة تتأمل ودلفت إلى مجموعة من الأشجار الباسقة لراعتك الطيور وهي أزواجاً أزواجا تغني ألحان غرامها، وينصت بعضها إلى بعض على أفنانها. ولو أنك انتقلت من عالم الفكر وسألت أحداً من أهل الذكر: هل للطيور لغة تتخاطب بها وإن لم ندرك كنهها، وإن كانت لها لغة فهل ما نسميه منها من شدو مروي ورجع محكي هو الغزل، وإن كان هناك غزل في الطيور فهل عند سائر الحيوانات غزل؟ لأجابك عالم ممن درسوا طبائع الحيوانات أن لها لغة تتعارف بها، وأن بين الجنسين غزلاً. فأما لغة الحيوانات فقد نسمع بعضها وقد لا نسمع، وتتمثل لك لغة الحيوان بالأصوات المتباينة التي تصدر من الحيوانات حين تعبر عن شعور خاص كرغبتها في الأكل أو خوفها من عدو يهاجمها أو حين تغضب، ويتمثل لك ذلك في الكلب والقط مثلاً، كما يتمثل لك استدعاء الجنس للجنس الآخر في نعيق الضفادع الذي لا يصدر منها إلا في موسم التناسل وحين الرغبة في الإخصاب، وقد أثبت العالم ج. أرثر طومسون من علماء الحيوان أن عند بعض الحيوانات لغة للتفاهم وإن لم تكن بالنطق فهي بالحركات، فقد استنتج أن العناكب تتخاطب باهتزاز الخيوط التي تفرزها والتي تكون منها بيوتها، كما أن النحلة إذا عثرت على رحيق شهي في بعض الأزهار ذهبت تبشر زميلاتها في الخلية بذلك برقصات مخصوصة فتسرع إليها تأخذ نصيبها.

وهناك بعض الطيور كالببغاء والزرزور، وهو طائر يعيش في مصر والشام على شجر التوت، تستطيع أن تنطق ببعض الألفاظ التي نلقنها إياها، ولكن هل تنطقها عن إدراك، وهل تستطيع أن تنطق بجملة بمحض تفكيرها؟ هذا ما نشك فيه، وأغلب الظن أن هذه الطيور (عقلها في أذنيها)، ولكن لما كان في استطاعة مثل هذين الطائرين النطق بألفاظنا فلقد حدا هذا بالعالم يركس أن يحاول تجربة ما إذا كان في استطاعة الحيوانات التي في المرتبة العليا بعد الإنسان أن تتعلم النطق، بألفاظنا، فأجرى تجاربه على الشمبانزي لأنه أيضاً قد حيته الطبيعة جهازاً صوتياً يماثل جهاز الإنسان من حيث الحنجرة والحبال الصوتية، وكذلك لقدرته المشهود بها على التفكير؛ فكان إذا أراد أن يطعمه نطق بلفظ بس مثل (يا) أو (كو) ثم يقدم له موزاً.

واستمر يلقنه الدرس أسابيع متتالية، فكان القرد يطير فرحاً حين ينطق أستاذه أمامه، لأنه عرف أن هذا معناه الفوز بالأكل، ولكنه للأسف لم يحاول أن يتعلم النطق ولو استطاع القرد أن يقلد الأصوات كالببغاء أو كما يقلد هو أفعالنا لسمعنا منه العجب نظراً لقدرته على التفكير.

وخلاصة ما تقدم أنه ولو أننا لا نستطيع أن نجعل الحيوانات تنطق بلغتنا إلا أن لها لغة تتعارف بها فيما بينها سواء بالنطق أو بالحركات.

الغزل عند الحيوان

يتجلى الغزل عند الحيوانات بأطرف المعاني وأسماها في الطيور على الأخص حيث الوداعة والحنان ورقة العاطفة، وفي الغالب يبدأ الذكر بالمغازلة إلا في حالات خاصة كما في طائر الذي يعيش في القطب الشمالي حيث الأنثى هي التي تبدأ المغازلة والذكر هو الذي يتدلل.

ومظاهر الغزل عند الطيور عديدة تبعث في مشاهدها البهجة والانشراح. فإن ضاق بك الصدر يوماً أو عافت نفسك الكتاب فسر عنها برؤية ذكر الحمام وهو يبث أنثاه أشجانه وألحانه. أو الطاووس أو الديك الرومي وكل منهما يزهو أمام أنثاه فيبسط ريشه وتنتفخ أوداجه، وكذا في ذكر الغواص وأنثاه حين يسبحان في الماء معاً ويرفعان الرأس ويخفضانه ثم يدفع أحدهما الآخر تحت الماء حيث يسمع لهما صوت أجش صادر منهما. وتقيم بعض الطيور حفلات ترقص وتؤدي الذكور والإناث رقصات جنونية تفعل فعلها في الجنسين وتصرخ صرخات عالية ثم ينفرد كل ذكر بأنثاه.

ومن الطيور ما يألف أحد جنسيها الآخر بحيث يقيمان على عهد الوفاء حتى إذا مات أحدهما فقد يموت الرفيق الآخر كمداً عليه

وتخفت حرارة الألفة بين الجنسين إذا انتقلنا من الطيور إلى الحيوانات الأخرى كالثدييات ولو أن لبعضها مظاهر غزل كما في القطط إلا أنها لا تذكر بجانب الطيور التي قد لا يكون الغرض من غزلها إلا التسامر وازدياد الألفة. وفي الحيوانات ذوات الدم البارد كالتمساح يتلوى الذكر ويقفز في حركات بهلوانية أمام الأنثى ويصيح وينفخ في الماء ويعطره بإفراز ذي رائحة طيبة من غدد جلدية في فكه الأسفل وذيله حتى يجذب الأنثى إليه

وسام أبرص يبدي ارتياحه للأنثى بأن يفتح فمه بأعظم ما يمكنه، وأما في الضفادع فنقيقها هو استدعاء للجنس الآخر. وفي الأسماك ذوات الأشواك الظهرية كثيراً ما تلتحم الذكور بعضها مع بعض أمام الإناث، حتى إذا انتصر أحدها دفع إحدى الإناث أمامه إلى عشه لتضع فيه بيضاً، فتسبح السمكة وخلفها زميلاتها متخذة لنفسها مركز القيادة، ثم تقف فجأة وتقلب نفسها رأسياً بحيث يكون الرأس إلى أسفل فتحاكيها الزميلات ثم تدفع هي الماء فتتفرق الأفراد الأخرى لحظة ثم تجتمع ثانية وتعيد السيرة الأولى إلى أن تصل إلى العش، وهذا معناه في نظر العلماء الغزل عند الأسماك.

وفي النحل تطير الملكة في الجو فيتبعها ذكور الخلية كل يحاول أن يفوز بها، والمنتصر هو أسرع الذكور في اللحاق بها ويلقحها في الجو ثم ترجع الملكة إلى خليتها، وحتى إذا رأت الشغالة وهي التي تقوم بأعباء الخلية أن عملية تلقيح الأنثى قد تمت أخذت تلاطفها وتحتفي بها كأنها عروس، وأما الذكور فلم يعد لها فائدة في الخلية، عندئذ تقوم الشغالة بقتلها وإلقائها خارج الخلية، وأما الذكر الذي فاز فإنه في مقابل انتصاره يسقط ميتاً من الجو بمجرد إتمام تلقيح الملكة، ويسمى طيران الملكة والذكور في الجو (طيرة العروس) ولكنها حفلة عرس ثمنها أرواح جميع الذكور، وهكذا الدنيا تدور!

الحلم عند الحيوانات

قد ينشط العقل والجسم نائم فيوحي بمختلف الأفكار وتمر عليه مختلف الصور، وهذا ما يعبر عنه بالحلم. ولقد شوهدت هذه الظاهرة في الحيوانات العليا كالحصان والكلب والقط وهي في سباتها، فقد يصهل الحصان، وقد يقوم الكلب بحركات تشبه التي يقوم بها في الصيد وهو في اليقظة، بل قد تستطيع أن تجعله يسبح في الأحلام إذا قدمت لكلب صيد وهو نائم قطعاً من الأخشاب أو أعشاب ذات رائحة اعتادها في إحراج الصيد فسرعان ما يخيل إليه أنه في تلك الإحراج فيقوم ببعض حركات الصيد وهو نائم.

أحمد علي الشحات