مجلة الرسالة/العدد 377/البريد الأدبي
مجلة الرسالة/العدد 377/البريد الأدبي
سؤال وجواب!
توهم أحد القراء أني وقعت في غلطة إعرابية مكشوفة بنصب كلمة (سجية) في هذا البيت:
فلا تحسبوا هنداً لها الغدر وحدها ... سجية نفس، كل غانيةٍ هندُ
ولو كان هذا القارئ يعرف أني في الإنشاء أسرع من أقدر الناسخين، لفهم أن من الجائز أن يندّ القلم فيرسم الضمة فتحة أو بالعكس، على فرض أن ما وقع لم يكن غلطة مطبعية.
وإني أوجّه الأسئلة الآتية إلى ذلك القارئ المُتحذلق:
أولاً: من قائل هذا البيت؟
ثانياً: من أي شاعر سُرق هذا البيت؟
ثالثاً: من هم النقاد الذين نصوا على أن هذا البيت مسروق؟
رابعاً: ورد هذا البيت في رسالة لأحد كتّاب الأندلس، فمن هو ذلك الكاتب؟
خامساً: في هذا البيت دقيقة نحوية ودقيقة بلاغية، فما هاتان الدقيقتان؟
سادساً: في هذا البيت كلمة اختلفت فيها الروايات، فما هي تلك الكلمة؟ وما هو الكتاب الذي نص على ذلك الاختلاف؟
سابعاً: أخطأ أحد الخطباء المشاهير في هذا البيت، فجعل (الصدّ) مكان (الغدر)، فمن هو ذلك الخطيب؟ ومن هو الناقد الذي استدرك عليه؟ وفي أي مجلة نشر ذلك الاستدراك؟
ثامناً: نقل أحد الصوفية هذا البيت إلى معنى من المعاني الروحية، فمن هو ذلك الصوفي؟ وفي أي بلد طُبع كتابه أول مرة؟ وما اسم ذلك الكتاب؟
تاسعاً: لو قال قائل: إن نصب (سجية) هو الصواب، فما وجهه عندك؟ وما نظائره في كتب العربية؟ وما وجه الإشكال فيه على التدقيق؟
عاشراً: هل تعرف الشاعر الذي يقول:
وابنُ اللَّبون إذا ما لُزَّ في قَرَنٍ ... لم يستطع صولة البُزْل القناعيس
هذه عشرة أسئلة، فيها ما تعرف، وفيها ما تجهل، وفيها ما تذوق. فإن أجبت فلك الحق في أن أشير إلى اسمك بعبارة كريمة، وإن سكت فعذرك مقبول، لأنك بالتأكيد من أبناء الجيل الجديد، وهم من أعرف وتعرف في قلة الصبر على متاعب الجهاد.
وإليك التحية من الباحث الذي يرجو ألا تضطره إلى التكبر والازدهاء، والذي يود أن تذكره بالخير حين تخرج بعافية من هذه الرياضة الذهنية.
زكي مبارك
وفاة أمين الريحاني
نعت أخبار (بيروت) الكاتب الفيلسوف الأستاذ (أمين الريحاني). قضى أجله بالفريكة، بعد أن طوّف في بلاد الشرق والغرب، واستخدم قلميه العربي والإنجليزي في التعريف بملوك العرب وآدابهم، وله في ذلك آثار باقية. وهو أحد ثلاثة أقاموا الأدب اللبناني المعاصر على أسس جديدة من الفن الحديث: جبران خليل جبران، وميخائيل نعيمة، وهو. ومن أشهر مؤلفاته (ملوك العرب) في ثلاثة مجلدات بالعربية والإنجليزية، و (تاريخ نجد الحديث)، و (كتاب المحالفة الثلاثية في المملكة الحيوانية)، و (كتاب الريحانيات) في أربعة أجزاء، ضمنه مقالاته وخطبه، ورسالته عن الثورة الفرنسية، و (المكارى والكاهن) وديوان شعر سماه (سبيل الرؤيا) وليس من شك في أن رجلاً كأمين الريحاني لا يستطيع الموت أن يحجب عن الناس منه غير وجهه، ولكن آثاره الخالدة ستنشره في الوجود كتاباً تقرأه الأجيال، فترى فيه مثلاً رائعاً للجهاد الصادق، والفكر السليم، والأدب اللباب.
ثقافة الدكتور أدهم
إن نوع الأسئلة التي طرحها الأديب إبراهيم حسنين البريدي مما يباح في حياة الأفراد ليدافعوا عن أنفسهم بأنفسهم، ولكنه مما لا يُباح إطلاقاً في أي أمة راقية بعد وفاتهم وقد عجزوا عن البيان والدفاع. ولا أدري أين كان صاحبنا الفاضل هذه السنوات التي ملأت فيها بحوث أدهم ونقداته ونقاشه أشهر الصحف والمجلات؟!
وواضح مما ذكره أحد الأدباء المعروفين الدكتور أبو شادي وردّدته (الرسالة) الغراء أنه لم يفته في حياة أدهم تبليغ القنصلية التركية في الإسكندرية عنه، بل تبليغ النيابة كذلك، فكان ردّ الفعل الوحيد لذلك زيادة تقديره وحمايته.
والأسئلة التي ردّدها أديبنا (البريدي)، أجاب عليها سلفاً في كتاباته المرحوم الدكتور أدهم نفسه، فهو أولى بالرجوع إليه والاعتماد عليه، إلا إذا كان الغرض إثارة الغبار حول الميت ودعوة أخي الفقيد للمساهمة عن غير وعي في ذلك!
وإن لمن العجيب أن يقال: إن الفقيد لم يكن يعرف الألمانية ولا الروسية، وقد كانتا بين وسائل مراجعه كما يعلم كل من اختلط به وعرفه من أصدقائه الأدباء؛ ولو قيل: إنه لم يكن واسع التضلع في الأخيرة، لكان هذا معقولاً. كذلك من العجائب أن يقال: إن كتاب (لماذا أنا ملحد؟) مترجم. مع أن ثلاثة أرباعه ذات صلات شخصية، وقد انتقده الدكتور أبو شادي في كتاب عنوانه (لماذا أنا مؤمن؟)، فردّ عليه الفقيد ردّاً مطوّلاً بليغاً. فهل كان ناقلاً ذلك الرد عن لغة أجنبية أيضاً؟! يا سبحان الله! أتحارب العبقرية في بلادنا إلى هذه الدرجة؟!
ليقل الشائنون والحاسدون في هذا الألمعي الفذ ما طاب لهم أن يقولوا، فإن العبقرية غريبة دائماً في هذا الشرق، وقد اعتدنا جميعاً ذلك، ولكن العديدين الذين حضروا مجالس أدهم ومحاضراته شهود أحياء على ذكائه النادر وثقافته المدهشة البعيدة عن كل ادعاء، وآثاره التي ستُطبع - بالرغم مما ضاع منها - شهود عدول.
(مؤرخ)
حول مقال (أضرار التشجيع)
قرأت في عدد مضى من الرسالة الغراء للسيد سعيد الأفغاني مقالة عنوانها (أضرار التشجيع) حمل فيها حملة طائشة عليّ ملأها كلمات كان ينبغي أن ينزه لسانه عنها، وما كنت أبيح لنفسي أن أهبط للرد عليه لولا أنه تعرض لكتاب (سر الصناعة) الذي أريد نشره والذي يشهد أستاذي الجليل إبراهيم مصطفى أنني كنت عاكفاً على دراسته وتصحيحه عن نسخة دار الكتب المصرية منذ عام 1932 حينما كنت أقرأ عليه العربية في كلية الآداب. ولما أتممت دراستي في مصر ورجعت إلى الشام ظفرت في المكتبة الظاهرية بنسخة ناقصة الجزء الثالث ولكنها جيدة الخط مضبوطة فاستنسختها، ثم أردت مقابلتها على الأصل فاستعنت بالأفغاني في ثلاث أو أربع جلسات في الغرفة التي كان يجلس فيها الأستاذ فوزي العاني أحد موظفي المكتبة، فكنت أقرأ عليه من المستنسخة وهو يقابل ذلك على الأصل، ولما اعتذر عن العمل طلبت من الأستاذ العاني أن يتم العمل في أوقات فراغه ففعل وله الشكر. ثم ذهبت إلى باريس فقابلت نسختي على نسخة المكتبة الوطنية فيها، وكان يعينني في ذلك الأستاذ الأديب عبد الوهاب حومد، ثم عدت إلى الشام وفي نيتي الذهاب إلى استنبول للمقابلة أيضاً، ولكن الظروف الحاضرة منعتني من السفر وأنا أرجو الله أن تزول هذه العقبات حتى أذهب فأتم الكتاب الذي عاهدت الله أن أخرجه خير إخراج ممكن.
هذا تاريخ قصة (سر الصناعة)، فما هي دعوى السيد سعيد؟ إنه يزعم أنني قرأت الكتاب كله أو أكثره عليه، وأنه أملى عليّ تعليقات وشروحاً من فيض خاطره فتبنيتها. . . الخ ما جاء في مقال الأديب الأفغاني. وردي على ذلك منحصر في النقاط الآتية:
1 - ليس في النسخة المراد نشرها تعليقات ولا شروح، وإنما فيها ذكر لما في النسخ (نسخ باريس ومصر ودمشق واستنبول) من اختلاف ليس غير.
2 - شهادة الأستاذ العاني التي أداها بمحضر من الأساتذة يوسف العش محافظ المكتبة، ويسن الخانجي أمين سر المجمع العلمي، والمحامي طاهر خياط. وهي تؤيد ما قلت من أن اجتماعي بالسيد سعيد لم يتجاوز ثلاث أو أربع جلسات، وأنه هو - أي العاني - الذي أتم المقابلة.
3 - تخلفه عن الحضور إلى الاجتماع الذي دعانا إليه الأستاذ الكبير خليل بك مردم لبحث القضية والتحقيق فيها.
هذا ما أقوله وهذا ما أريد أن تطلع الناس عليه ليروا ضرباً من خلقنا العلمي والاجتماعي. وأنا أسأل الله أن يلهمنا الأدب ويوفقني إلى نشر الكتاب.
أسعد طلس
خريج الجامعة المصرية ودكتور في الآداب
إكمال بيت في المخصص وتصحيح إحدى حواشيه
إن من شرائط نشر المخطوطات اقتناء الناشر لما يستطيع جمعه من نسخ الكتاب مخطوطة ومصورة واتخاذ أصح نسخة منها قطباً يرجع بسائر النسخ إليه ويديرها عليه بالعرض والمقابلة وقد لا يوجد من هذا الكتاب إلا مخطوطة واحدة. فإن كانت صحيحة مضبوطة بقراءة العلماء ومعارضتها بالأصل، وكان الخط جلياً متقناً، عدّ ذلك من بركة النسخة ويمن طائر النشر، وقد تكون بذلك أصح من المنشورة بعد المعارضة على كثير من المخطوطات غير المضبوطات، ومن أشباه هذه النسخ الوحيدة المخدومة كتاب (المثنى والإبدال) لأبي الطيب اللغوي صاحب مراتب النحويين، وصديق أبي الطيب المتنبي، وتلميذ الإمام المطرزي غلام ثعلب؛ فإني قد ظفرت بدمشق في مكتبة العلامة أبي اليسر عابدين (حفيد صاحب حاشية ابن عابدين المشهورة) بنسخة تغلب عليها الصحة، وعلمت بعد طول البحث والتنقيب أنها يتيمة في العالم فلم أتمكن من مقابلتها على مخطوطات أخرى، وإنما هوّن عليّ خطب نشرها غلبة الصحة كما ذكرت عليها، وسأصفها وصفاً علمياً ببحث خاص في مجلتنا هذه الممتعة قريباً.
أما مخطوطة المخصص لابن سيده المعروف بصاحب المحكم فإنها تشبه مخطوطة المثنى بكونها وحيدة يتيمة، ولكنها (قد ركض فيها البلى ولعب، وأكل منها الزمان وشرب، حتى أبلى ثوبها القشيب وأذوى غصنها الرطيب) - كما ذكر ذلك الأستاذ طه محمود رئيس التصحيح بدار الطباعة الأميرية في خاتمة المخصص؛ وبذا كثر في المطبوعة البياض والنقص والتصحيف، ولولا مرجع اللغة والأدب في عصره محمد محمود التركزي الشنقيطي وجميل عنايته بالمخطوطة لكثرت أغلاطها واستشرى فسادها، ولكنها مع ذلك لم تخل من نقص، والكمال الرباني معوز، فوقعت في المتن والحواشي الشنقطية أغلاط لا يحسن السكوت عليها ولا سيما في أصول اللغة، مثال ذلك ما جاء في السفر العاشر من المخصص (ص 167 س4)، وما نصه ورسمه:
(1) وكنا ما اعتفت=طلاب الترات مطلب
فقد علّق عليه إمامنا الشنقيطي رحمه الله التعليقات التالية بنصها:
(1) قوله: (وكنا ما اعتفت) هكذا وقع في الأصل، وهي عبارة لا يدري أهي شعر أم نثر، وليس لها معنى، وقوله (طلاب الترات مطلب) هو بعض بيت من الطويل ورد في قول الخنساء:
تطير حواليّ البلادُ براقشاً ... بأروعَ طلابِ الترات مطلَّب
والشاهد في (براقش)، لأن من معانيه الأرض المجدبة الخلاء، ولكنه ضاع من الأصل مع ما ضاع منه هنا، وكتبه محرره محمد محمود لطف الله تعالى به آمين. اهـ).
بعد التأمل في هذا التعليق وجدنا مصحّح المخصص ومحرره لم تكشف له عبارة الأصل فجعلها قولين، وهي قول أو بيت من الشعر واحد، ولذا لم يدر هل القول الأول (وكنا ما اعتفت) شعر أم نثر مع أن ابن سيده ذكر قبله كلمة (وأنشد)، ثم جعل القول الثاني (طلاب الترات مطلب) بعض بيت الخنساء، مع أنها خاتمة أبيات جاهلية كثيرة، وأخطأ في الشاهد إذ جعله (براقش) وهو (الاغتفاف) أي تناول الغُفّة من العلف، وهي الشيء اليسير منه؛ والعبارة الأصلية الواردة قبل البيت لا يوقف عليها إلا بنسخة ثانية كاملة من المخصص، ولعل التعبير التالي لا يبعد عنها كثيراً، وقد ألّفته بعد مراجعة نصوص اللسان والتاج وهو: (وإذا كان الربيع (مقارباً قيل اغتفّ المال اغتفافاً أي أصاب غفة منه) أي شيئاً يسيراً وأنشد:
وكنا إذا ما اغتفَّتِ الخيل غُفَّة ... تجرّدَ طَلابُ التراتِ مُطَلَّبُ)
وهذا هو البيت عينه الذي استشهد به ابن سيده، وهو لطفيل
الغنوي لا للخنساء، وإنما استشهد به للاغتفاف لا ليراقش كما
فعل مثل ذلك صاحبا اللسان والتاج في مادتي (غفف وأغتف)؛
وهو في ديوان طفيل الغنوي ص26، ونسبه إليه صاحب
الأمالي (234)، وذكره الزمخشري في أساسه (غفف) وعزاه
إلى طفيل أيضاً، وآخره (يُطلَّب) بدل (مطلَّب) ولعله تصحيف
أو رواية أخرى، واستشهد به صاحب تهذيب إصلاح المنطق
(ص71) وغيره من أئمة اللغة، فليست القضية إذن من
الشكائك الجدلية، ولولا ما في مخطوطة المخصص من
التصحيف والنقص لما وقع كما بينّت إمامنا الشنقيطي في مثل
هذا السهو اللغويّ، وسجدة السهو واجبة في العلم والدين معاً، وقد سجدتها بهذا التصحيح عنه، وعسى أن يسجدها معي أيضاً
من يصحح من المخصص نسخته، ويغتفر للإنسان الضعيف
زلته.
(دمشق)
التنوخي
إلى الدكتور زكي
بدا لي أن ألفت نظرك إلى خطأ لا أشك في أنك وقعت فيه في كلمتك التي جعلتها افتتاحية الرسالة في العدد الماضي، وهو قولك: (والحس والروح جارحتان من أعظم الجوارح الإنسانية)! وأنا وأنت والناس جميعاً يعرفون أن الحس والروح ليسا من الجوارح كما تقول!! فهل تتفضل بأن تدلنا من أين جئت بهذا؟
(ع. ع)
كلمة منصفة
كتب الأستاذ محمد متولي مقالاً في العدد 376 من الرسالة الغراء عرض فيه لحديث السرقات الذي جرى على قلم كل من الأستاذين علي محمود طه وزكي طليمات. فسماه عراكاً في غير معترك، أو (خناقة على اللحاف)، لأن الفن كما يقول (صورة) وليس (فكرة). والحق أن الفن ليس فكرة فحسب ولا صورة فقط، ولكنه مجموع الأمرين، أو هو (فكرة مصورة)؛ وليست الفكرة من الأشياء المجردة التي تكون بعينها في جميع العقول والإفهام؛ لأنها قد تكون فكرة خاصة لنفس خاصة ممتازة، وقد تكون شائعة في بعض النفوس، ولكنها حتى في هذه الحالة لا يمكن أن تكون على درجة واحدة من القوة أو العمق أو الاتساع، وهل يمكن أن تتشابه النفوس جميعاً إلى هذا الحد الذي تصبح فيه قوالب مصبوبة على هيئة واحدة من مادة واحدة؟ وهل يمكن أن تكون الأفكار التي جالت في ذهن شكسبير، مثلاً هي بعينها الأفكار التي جالت في ذهن رجل الشارع، ولكن هذا الأخير لم يتح له أن يعبر عنها كما أتيح لشكسبير؟ على أن هذه النظرية ليست من المستحدثات كما يخيل إلينا الأستاذ متولي؛ وإنما هي في لبابها لا تخرج عن قول بعض الأقدمين: إن الشعر هو الأسلوب، وإن المعاني على (قوارع الطريق) وهي نظرية كانت منذ بعيد.
ويقول الأستاذ متولي بعد ذلك: (إن الأستاذ علي محمود طه رجل فنان بلا شك، لأنه قال (الجندول) فكان (كذوباً)! إنه يمثل ذلك الفنان الذي يشعر بالشيء ولا يستطيعه، فيتغنى به وهو نفسه يعلم أنه لم يركب تلك (الجندول) التي أرانا إياها في عرض القناة في ذلك الجو الساحر في فينيسيا) فهل يكون الأستاذ علي محمود (كذوباً) إذا صح أنه مثل ذلك الفنان الذي يشعر بالشيء ولا يستطيعه فيتغنى به؟ كلا! إنه يكون صادقاً كل الصدق، لأنه يصور لنا حالة نفسية من حالات نفسه الممتازة التي تحلم وتتمنى، وهل يكون الذي يحلم في نومه برغبات نفسه المكبوتة كاذباً، على أن أستاذنا (الزيات) قد قال كلمته النبيلة، وإذن فقد (قطعت جهيزة قول كل خطيب). نعرض بعد ذلك لزعم الأستاذ متولي في أول مقاله إن الناقد الأديب هو نفس الأستاذ علي محمود طه وأنه إنما نقد مسرحية بشر فارس تشفياً منه. فنقول له كيف اكتشف هذا الاكتشاف؟ إننا نعرف أن اسم (الناقد الأديب) لا يعرفه إلا الناقد الأديب نفسه، والأستاذ الزيات، فمن أيهما عرف الأستاذ اسم الناقد الأديب؟ أمن الناقد الأديب نفسه، أم من الأستاذ الزيات - وهذا مستحيل - الحق أنه لا هذا ولا ذاك، ولكن الأستاذ متولي أراد أن (يمثل دور) البوليس السري في هذه القضية الأدبية.
أما بعد فقد قرأنا حديث السرقة في شعر الأستاذ علي محمود فابتسمنا لصاحبه ابتسامة الرثاء والإشفاق، ثم قرأنا المقال الذي ظاهره فيه الرحمة، وباطنه من قبله العذاب، فابتسمنا لصاحبه ابتسامة الرثاء والإشفاق أيضاً، وأنا أنصح لهؤلاء السادة أن يحاولوا بلوغ شأو الأستاذ علي محمود طه من طريق غير هذا الطريق. أما هذه المناورات التي يقومون بها على اختلاف أساليبها، وتعدد صورها، فقد انتهت - والحمد لله - إلى الفشل والإخفاق، وبقي الأستاذ علي محمود طه عند جمهرة الأدباء (شاعر الحب والجمال)، بلا جدال.
إبراهيم محمد نجا