مجلة الرسالة/العدد 380/الخلوة الأولى

مجلة الرسالة/العدد 380/الخلوة الأولى

ملاحظات: بتاريخ: 14 - 10 - 1940



في أرض الجزيرة على النيل

للأستاذ محمود الشرقاوي

في خلوةٍ كان الهوى بيننا ... وكانت النجوى وكانت دموع

وكانت الشكوى وكان الجوى ... وخافقٌ يضرب بين الضلوع

سقْيتني من روحك الطاهر ... عذبَ هوىً كنتُ إليه ظِمى

رويت فيه ظمئي وانتشى ... قلبيَ منه وجرى في دمي

شكا كلانا ما به وانثنى ... يستمع الشكوى إلى جاره

يستمع الشكوى وفي قلبه ... دنيا من الوجد ومن ناره

ومرَّت الساعات تعدو إلى ... حيث تهاوى في قرار سحيق

ونحن في خلوتنا نشتهي ... أن ينقضي الدهر وما إن نفيق

حتى أتت ساعتنا للوداع ... ثم وقفْنا موقفاً موجعا

مدْدت يمناك وأبقْيتها ... في قبضتي ثم صمْتنا معا

وقلت لي: كيف سأبقى إلى ... أن يصبح الصبح؟ أما تتَّقي!

يا حسرتا لي! نتوالى الليال ... لا نشتكي فيها ولا نلتقي!

بالله قل لي كيف كان الهوى ... وكنت بَعدي يا طويل الغياب

وكيف تُقضَى ليلةٌ في الشتاء ... بغير شكوى في الهوى أو عتاب

وكيف بالليل تولّى ولا ... تسمع فيه زفرةً من شجوني

وكيف بالأيام تمضي ولا ... تشهد فيها دمعةً من عيوني

يا قاسي القلب، أما تشتهي ... أن ترجع الأيام تلك العهود؟

أين الوفا منك وميثاقه ... وأين منه اليوم هذا الجمود

أين ليالينا وأيامنا ... ما بين شكوى في الهوى أو عتاب

إذ نتلاقى في الضحى والمسا ... ونشتكي في الصبح مرّ الغياب

طال ندائي لك في خلوتي ... وطال حرماني وطال العذاب

من بعد أنسى منك في وحدتي ... يوحشني بعدك بين الصحاب هلّم نسترجع عهداً مضى ... كنت لقلبي فيه دنيا المنى

هلّم نسعد بكؤوس الرضى ... من بعد ما ذقنا كؤوس الضنى

هلّم نفرح بعد هذا النوى ... ونسدل الستر على ما مضى

أسقيك من روحيَ صِرف الهوى ... ونملأ الكأس بخمر الرضى

هيهات! لا قلبي له مسعد ... ولا حبيبٌ قربه يرتجى

بل أمنيات أشتهي أن تكون ... أشقيت عمري وهي ليست تجى

محمود الشرقاوي

نشيد