مجلة الرسالة/العدد 387/مسابقة الجامعة المصرية

مجلة الرسالة/العدد 387/مسابقة الجامعة المصرية

ملاحظات: بتاريخ: 02 - 12 - 1940


لطلبة السنة التوجيهية

للدكتور زكي مبارك

- 4 -

على هامش التاريخ المصري القديم

كلمة اليوم عن كتاب (على هامش التاريخ المصري القديم) لسعادة الأستاذ عبد القادر حمزة باشا، وهو كتاب يقع في أربعين ومائتي صفحة بالقطع المتوسط، وبه كثير من الصور والرسوم التي توضح ملامح ذلك التاريخ.

الأسلوب

أسلوب عبد القادر حمزة أسلوب فريد بين أساليب الكتاب في هذا العصر، وهو في غاية من الجمال، وإن لم يذكرك بأنه جميل، لأن الصنعة فيه أخفى من الخفاء.

وعبد القادر حمزة يقيم تعبيره على قواعد المنطق، فالتعبير عنده مقدمات تصل إلى نتائج، ولا تمر صفحة مما يكتب بدون أن تلمس فيها وضوح الحجة ونصاعة البرهان.

وعبد القادر حر الفكر إلى أبعد الحدود، وما صحبه رجل إلا عجب من الشجاعة التي يمتاز بها عقله والوثاب، مع القدرة الغريبة على ضبط النفس، ومع المهارة في تقديم الحجج (على أقساط)

ليتسع له المجال في تشريح المعاني والأغراض.

ومن هنا كان عبد القادر عدواً خطراً حين يعادي، لأنه لا يحاول الإجهاز على خصمه بمقال أو مقالين، وإنما ينوشه برفق ودهاء من يوم إلى يوم ومن أسبوع إلى أسبوع، ثم يظل يراوحه ويغاديه إلى أن يأتي على مركزه من الأساس.

بين العلم والسياسة

قد يقال إن هذا أسلوب عبد القادر في مقالاته السياسية، لا في أبحاثه العلمية.

ونجيب بأن عبد القادر هو هو في جميع الأحوال، فعبد القادر لم يفكر في درس التاريخ المصري القديم إلا في سنة 1924، فماذا صنع في هذه الأعوام القصار ليكون من أقطاب المؤلفين في ذلك التاريخ؟

عمد الرجل إلى طائفة من المعضلات الأساسية فدرسها بتعمق واستقصاء، ثم خرج من ذلك الدرس بمحصول يحسده عليه الأخصائيون، وقد تمر أعوام وأعوام قبل أن تظفر اللغة العربية بكتاب يضارع كتابه في دقة العبارة ونفاسة الاستطراد.

حشو اللوزينج

وحشو اللوزينج في تعبير كتاب القرن الرابع يُضرب مثلاً للشيء يكون حشوه أجود من قشره، ومن أشهره قول عوف بن محلم:

إن الثمانين - وبُلِّغتَها!! - ... قد أحوجتْ سمعي إلى ترجمان

فعبارة (وبلغها!!) حشو، ولكنها أجمل من المحشو، لأنها غاية في الرفق والحنان.

وكذلك ينقسم كتاب عبد القادر حمزة إلى حشو ومحشو، فالحشو هو الهامش، والمحشو هو الأصل، ولم أجد كتاباً يكون فيه الهامش أغزر من الأصل قبل أن أعرف كتاب عبد القادر الذي أغرم بحشو اللوزنيج بعد التفات النقاد إليه بعشرة قرون

فأرجو الطلبة أن يلتفتوا إلى هامش هذا الكتاب أكثر من التفاتهم إلى الأصل، لأن عبد القادر جرى في الهوامش على فطرته الأصلية من التعقب والاستقصاء فأتى بالأعاجيب.

وهل برع عبد القادر إلا في الهوامش؟

إن هذا الرجل يحارب بالأخبار المنثورة أعنف مما يحارب بالمقالات الطوال، وهو قد نقل أسلوبه في الصحافة إلى أسلوبه في التأليف، فليراع الطلبة هذا الفن الدقيق.

شاهد

قلت إن عبد القادر يصل إلى غرضه بترفق وتلطف، فما شواهد ذلك؟

إليكم الشاهد الأول:

قال أبن عبد الحكم: (لما فتح عمرو بن العاص مصر أتى أهلها إليه حين دخل بؤونة. فقالوا: أيها الأمير! أن لنيلنا سنة لا يجري إلا بها. فقال لهم: وما ذاك؟ قالوا: إنه إذا كان لثنتي عشرة ليلة تخلوا من هذا الشهر عمدنا إلى جارية بكر من أبويها، فأرضينا أبويها وجعلنا عليها من الحلي والثياب أفضل ما يكون ثم ألقيناها في النيل. فقال لهم عمرو: هذا لا يكون في الإسلام، وإن الإسلام يهدم ما قبله. فأقاموا بؤونه وأبيب ومسرى وهو لا يجري قليلاً ولا كثيراً، حتى هموا بالجلاء، فلما رأى عمرو ذلك كتب إلى عمر بن الخطاب بذلك. فكتب إليه عمر: (أن قد أصبت، إن الإسلام يهدم ما قبله، وقد بعثت إليك ببطاقة فألقها في النيل إذا أتاك كتابي) فلما قدم الكتاب على عمرو فتح البطاقة فإذا فيها: (من عبد الله أمير المؤمنين إلى نيل مصر؛ أما بعد فإن كنت تجري من قبلك فلا تجر، وإن كان الواحد القهار هو الذي يجريك فنسأل الله الواحد القهار أن يجريك) فألقى عمرو البطاقة في النيل قبل يوم الصليب بيوم وقد تهيأ أهل مصر للجلاء، لأنه لا يقوم بمصلحتهم فيها إلا النيل، فأصبحوا يوم الصليب وقد أجراه تعالى ستة عشر ذراعاً في ليلة وقطع السوء عن أهل مصر في تلك السنة).

فماذا صنع عبد القادر حمزة في تفنيد هذه الأسطورة البلهاء وقد انتقلت من عصر إلى عصر ومن جيل إلى جيل حتى احتلت بعض الكتب المدرسية بالمدارس الثانوية، وحتى دخلت في منهج الاحتفال بوفاء النيل بصورة رمزية؟

أخذ عبد القادر يدور ويدور حتى صير هذه الأسطورة أضعف من وهم الخيال

ولكن كيف؟

هل فزع إلى المنطق فقرر أن من المستحيل أن يتوقف فيضان النيل على عروس تُلقى إليه؟ هل سارع فاستغرب قول أبن عبد الحكم إن النيل توقف ثلاثة أشهر عن موعده الموقوت وفي ذلك هلاك لأهل هذه البلاد؟ هل أنكر أن يكون لبطاقة عمر أبن الخطاب قوة الموهوم من آثار التمائم والتعاويذ؟

لو أن المؤلف اكتفى بهذه المحاولات لوصل إلى الغاية في نقص ذلك الحكم السخيف، ولكنه رأى الرجوع إلى المأثور عن المصريين القدماء فلم يجد لهذه الخرافة سنداً تعتمد عليه، فلو كان لها أصل لسُجلت في بعض ما سُجل من أخبار الفيضان، ولو كان لها أصل لعد فقدان عروس النيل سبباً في بعض ما أصاب مصر من مجاعات، ولو كان لها أصل لذكرت في (نشيد النيل) وهو نشيد قد استوفى خصائص هذا النهر العظيم وتحدث عما أطاف به من أوهام وأضاليل، ولو كان لها أصل لذكرت عروس النيل بين الهدايا التي كانت تقدم إليه في الحفلات، فلم يبق إلا أن تكون خرافة خلقها وهم القُصاص، ثم تبعهم ابن عبد الحكم بلا تمحيص ولا تحقيق

سؤال

من حق طلبة السنة التوجيهية أن يوجهوا إلى سعادة عبد القادر حمزة باشا هذا السؤال:

كيف نشأت هذه الخرافة وهي من المستحيلات؟

وأتطوع بالإجابة عن هذا الصديق فأقول:

يشهد كتاب الأستاذ نفسه بأن النيل كان يلقى فيه قرطاس من البردي يُدعى فيه النيل إلى أن يفيض، وكان الكهنة يزعمون أن للكتابة التي في ذلك القرطاس قوة سحرية

فذلك القرطاس هو الأصل لبطاقة عمر بن الخطاب، والأساطير يستقي بعضها من بعض

بقيت عروس النيل، فما أصل تلك العروس؟

يشهد كتاب الأستاذ نفسه بأنه كان يُتقرب إلى النيل بذبح عجل أبيض، ومن السهل أن نقول إن الذبيح كان بقرة بيضاء يعبر عنها مجازاً بالجارية الحسناء، وفي بعض تعابير الفرنسيين توصف البقرة بأنها

ويؤيد هذا التعليل أن المصريين القدماء لم يعبدوا البقرة إلا لأنهم رأوا فيها مخايل من حنان المرأة المفطورة على الطاعة والسجاحة والصفاء.

شاهد ثان

والشاهد الثاني على منطق الأستاذ عبد القادر باشا هو تحديده لمركز هيرودوت، فهذا المؤرخ اليوناني هو الحجة على مصر في تاريخها القديم، وما عرفت مصر القديمة في شرق ولا غرب بأكثر مما عرفت عن طريق هيرودوت.

فما الذي قال عبد القادر باشا في ذلك المؤرخ (الأمين)؟

لقد قتله بكلمة واحدة حين قرر أنه لم يزر مصر في عهد إشراقها وإنما زارها في عهد الأفول، فكان مثله مثل من يأخذ السيرة النبوية عن سدنة الكعبة في هذا الجيل، وهم لا يعرفون من سيرة الرسول غير أطياف تصور عن طريق الرمز الواهم ما كان عليه الرسول من عظمة وجلال.

شاهد ثالث

تحدث عبد القادر باشا عن (السذاجة المصرية) في تقدير ما للشهور والأيام من غرائب وأماثيل.

ومن رأي هذا الباحث أن ما قيل عن الأيام والشهور في عهد رمسيس الثاني لا يزيد عما يقال في عهد فاروق الأول، فهي هنا وهناك صور لأوهام العوام الجهلاء، وليست حجة على العقل الصحيح لأهل هذه البلاد، فما يقال عن يوم 5 طوبة في عهد رمسيس الثاني شبيه بما يقال عن يوم 5 طوبة في عهد فاروق الأول. ومعنى ذلك أن العوام لهم آفاق غير آفاق الخواص، وإلا فمن الذي يصدق أن أهل مصر في هذه الأيام يبنون أحكامهم المعاشية على ما يرد في مثل تقويم (طوالع الملوك)؟

شاهد رابع

وفي هذا الشاهد تظهر القوة المنطقية لهذا المؤلف الحصيف، فالمدنية المصرية هي أقدم المدنيات في التاريخ، وآثار المصريين هي أقوى وأنفس وأثمن ما أثر عن القدماء في جميع المماليك والشعوب؛ وقد دامت المدنية المصرية القديمة أكثر من أربعين قرناً في وقت لم يكن فيه لغير مصر سلطان ملحوظ في المشرق أو في المغرب، فهل كان يمكن للمصريين أن يتفقوا على العالم القديم بلا علم وبلا أخلاق؟

وكيف كان يمكن للمصريين أن يسودوا إذا صح أنهم صح أنهم كانوا جهلاء؟؟

وكيف يجوز عليهم الجهل وقد خلفوا آثاراً فنية وأدبية هي الغاية في براعة الأذواق ورجاجة العقول؟

وهل من الجائز عقلاً أن تقام الأهرام في بلد لا يعرف أهله قيمة النظام وقيمة التطلع إلى الخلود؟

وهل يستطيع إنسان موهوب أن ينكر أن آثار الأقصر هي أثمن ما خلفت الإنسانية في عهدها القديم، إن صح أنها استطاعت خلق ما يفوق تلك الآثار في العهد الحديث؟

وبأي قوة سحرية جاز لتلك البقعة النائية أن تكون عروش القرون الخوالي؟

لقد شغلت نفسي بأسرار تلك البقعة من الوجهة الطبيعية، فلم أجدها تنتج غير اللحوم والبقول، فهل يكون سر التفوق في غزارة اللحوم والبقول؟

إن كان ذلك، فكيف انقضى عهد العظمة (الأقصرية) بعد ذلك التاريخ؟

وكيف انتقل مجد مصر من الجنوب إلى الشمال؟

تلك أسئلة توجه إلى الأستاذ عبد القادر حمزة، فهل يجيب؟

أما أنا، فأقول: كان المصريون تحصنوا بالأقصر ليسلموا من عدوان الوافدين من جهة الشمال، وبذلك حصروا نشاطهم الفني والاقتصادي في (كعبة) الأقصر، كما حصر العرب نشاطهم الفني والاقتصادي في (كعبة) الحجاز، والتاريخ هو التاريخ، وإن تلونت الأشعة والظلال.

عراقة المدنية المصرية

شغل المؤلف نفسه بالتدليل على عراقة المدنية المصرية، وهي أقدم مدنية عرفها التاريخ، ولا ينافسها في القدم غير حضارة الكلدان في وادي الفرات

وعلى الطالب أن يقرأ ما كتب المؤلف في هذا الموضوع بعناية وتدقيق، ولكن يجب قبل ذلك أن يعرف الأصل الذي استوجب عراقة المدنية المصرية، وذلك الأصل هو النيل، فالنيل هو النهر الثاني في العالم بعد المسيسيبي من حيث القوة، ولكنه النهر الأول في العالم من حيث المدنية، فهو اقدم نهر قامت على شواطئه كبريات المدائن، وأقدم نهر نُظمت فيه الملاحة واتخذت مياهه مطايا لخدمة الاقتصاد، وهو كذلك أقدم نهر أوحى إلى أهله عرائس الشعر والخيال.

فإذا تمثل الطالب هذا المعنى كان عليه أن يذكر أن المصريين أسبق الأمم إلى حفر الآبار، لأن أرض مصر لينة جداً، ولأن الماء مخزون في جميع البقاع بهذه البلاد، وقد يوجد في سفوح الجبال، وهذا وذاك يشرحان السبب في تعلق المصريين بواديهم أشد التعلق، حتى صاروا مثلاً في بغض الهجرة والارتحال.

أقول هذا لأؤيد حجة الأستاذ عبد القادر حمزة في قوله بأن المدنية المصرية بنت مصر لا بنت شعب آخر، ولو قال إنها نبت مصر لكان التعبير أظرف، لأن المدنية المصرية نشأت في خصائصها الأصلية وكأنها من عمل الطبيعة لا من عمل الناس

والمشكلة هي درس مسألة السبق إلى المدنية، فهل كان السبق للمصريين أم للكلدانيين؟ ولكن كيف خلقت هذه المشكلة؟ خلقها التشابه بين المدنية المصرية والمدنية الكلدانية في كثير من الشؤون. فهل يدل هذا التشابه على النقل؟ أم يكون شاهداً على تبادل الصلات الأدبية والاقتصادية بين هذين الشعبين العريقين؟

هنا تظهر قوة عبد القادر حمزة في التعمق والاستقصاء فقد وصل بالمنطق وبشواهد التاريخ إلى أن المصريين سبقوا الكلدانيين إلى الحضارة والمدنية ولم يترك الموضوع إلا بعد أن صيره غاية في الوضوح والجلاء.

التقويم المصري

وفي كتاب عبد القادر قضية من أغرب القضايا الإنسانية، وهي قضية التقويم، فقد كان العالم كله يعتمد في تقسيم الزمن على الدورة القمرية، وهو تقسيم مقبول ولكنه غير دقيق، لأنه لا يصلح قاعدة لتعيين مواسم البذر والحصاد.

وكذلك كان المصريون أول المتحولين عن التقويم القمري إلى التقويم الشمسي، وقد قسموا السنة إلى ثلاثة فصول، كل فصل منها أربعة أشهر، وهي فصل الفيضان وفصل البذر وفصل الحصاد.

والتقويم المصري هو التقويم الذي حمله يوليوس قيصر من مصر إلى روما، وهو التقويم الذي عدله مجمع الكرادلة تعديلاً طفيفاً في سنة 1582 ثم صار تقويم العالم كله إلى اليوم.

وإذا تذكرنا أن التقويم المصري كان موجوداً إلى سنة 4238 قبل الميلاد، أي قبل حكم الملك مينا بأكثر من ألف سنة، أدركنا فضل مصر في السبق إلى دقة الحساب.

وفيما كتب عبد القادر عن هذا الموضوع عن هذا الموضوع صفحات جديرة بالدرس والتعقيب، فليس من القليل أن نكون دنا أمم الشرق والغرب بذلك التقويم الدقيق.

معركة عقلية

هي المعركة بين الكنيسة وعلم الآثار المصرية، وهي المعركة التي انتهت بانهزام الكنيسة ورجوعها صاغرة إلى أن تفسر التوراة تفسيراً جديداً لتسلم من التصادم مع الآثار المصرية.

فما سبب تلك المعركة؟ ومن الرجل الذي درس البروج المصرية ثم انتهى من درسها إلى القول بأن الحضارة المصرية ترجع إلى أبعد من خمسة عشر ألفاً من السنين؟ وما الذي قال العلماء المرافقون لبونابارت؟ وما هو البرج الذي نقل إلى فرنسا فبلبل الأفكار الأوربية؟ ومن هو الشاب الفرنسي الذي أدى لمصر أعظم خدمة تاريخية ثم حمله الخوف من سلطان الكنيسة على المواربة في قضية البروج؟ ومن هو العالم الذي قرر أن الثقة بالمسيح لا تمنع من مسايرة الحقائق العلمية؟ وعلى أي أساس بررت الكنيسة خروجها على حرفية العهد القديم لتصح النظرية المصرية في قدم الوجود؟

عقيدة الحساب بعد الموت

ذلك بحث نفيس كتبه عبد القادر في أيام صفاء، فما تفاصيل هذا البحث؟

لهذا البحث عناصر كثيرة، ولكني أرجو أن يفكر الطلبة في الموازنة بين الأخيلة اليونانية ليعرفوا كيف استطاع المؤلف أن يقيم البراهين السواطع على أن المصريين سبقوا اليونان إلى تصور عقيدة الحساب بعد الممات بما يدل على فهمهم لفكرة العدل.

ودرس هذا البحثُ يعين على فهم البحث الذي يليه وهو تأثير المدنية المصرية في المدنية اليونانية وتعيين ما أقتبس وميروس من أساطير المصريين

وهذان البحثان يهمان كل مصري يحب أن يعرف مركز وطنه في التاريخ، فقد استطاعت أرض يونان أن تزعم أنها أثقب فكراً من وطن النيل، وساعد على تأييد هذا الزعم أن كان العرب سفراء العقل اليوناني في الممالك الأسيوية والأوربية، في أوقات لم يملك فيها المصريون أدوات النقض لمزاعم اليونان.

لمحة من التحقيق

المصريون هم أساتذة اليونان القدماء باعتراف الجميع، ولكن العقل المصري كان غفا بعد أن تعب من اليقظة التي هدمت أعصابه في عشرات الأجيال؛ ثم كانت صحوة العقل اليوناني بعد ذلك، وهي الصحوة التي عرفها العرب يوم عزموا على (إحياء) المطمور من آثار القدماء. فمن طاب له أن يزعم أن مصر تعيش بعقلية يونانية فسيقهره المنطق الحق على الاعتراف بأن اليونان لم تؤد إلى مصر إلا بعض ما بعض ما تلقت من علمها الأصيل في العصور الخوالي، ولا بد يوماً أن ترد الودائع، ولو كره كهنة دلف وسَدنة أنوللون!

قصة الغريق

هي قصة أوحت ما أوحت إلى الآداب العربية والآداب الإنجليزية، فكيف كان ذلك؟

الطلبة هم المسئولون عن مراجعة هذا الفصل النفيس، وعما كتب المؤلف في الاستشهاد بآيات التوراة لتبرير ما جاء فيه من تكرير وترجيع.

رسائل مصرية وفلسطينية وسورية

هو بحث شائق لا يحتاج إلى من يدل عليه، وهو يشرح وسائل قدماء المصريين في تسجيل الرسائل واللوائح والقوانين.

الصور، الصور، الصور

بهذا الكتاب صور فنية نقلت عن المعابد والهياكل والقبور، وهي تحتاج إلى درسٍ خاص، فهل ينظر إليها الطلبة نظرة فحص وتأمل وتدقيق؟

لو كنت أملك الوقت لكتبت أملك الوقت لكتبت عن هذه الصور صفحة أو صفحتين أو صفحات، فهي أروع ما حُفظ من آثار القدماء، ولو كنت أملك المال لدعوت جميع طلبة السنة التوجيهية إلى رحلة فنية نتعرف بها إلى آثار مصر في الشمال والجنوب

فلم يبق إلا أن أوجه أنظارهم إلى أن هذه الصور ستكون حتماً مما تفكر فيه لجنة الامتحان، فقد سمعت أن في أساتذة الجامعة المصرية قوماً يهتمون بالفنون!

ثم اكتفى بهذا القدر في توجيه الطلبة إلى فهم كتاب (على هامش التاريخ المصري القديم)

زكي مبارك