مجلة الرسالة/العدد 389/وزارة المعارف العمومية

مجلة الرسالة/العدد 389/وزارة المعارف العمومية

مجلة الرسالة - العدد 389
وزارة المعارف العمومية
ملاحظات: بتاريخ: 16 - 12 - 1940



عدوان لطيف

للأستاذ محمود محمد شاكر

حضرة المحترم ناظر مدرسة. . . الثانوية

قررت الوزارة (أي وزارة المعارف) كتاب المكافأة لأحمد بن

يوسف للسنة التوجيهية في العام الدراسي الحالي 4041،

والوزارة تطبع هذا الكتاب الآن بالمطبعة الأميرية، بعد أن

عهدت في تهذيبه وتصحيحه وشرحه إلى حضرتي الأستاذين

أحمد أمين عميد كلية الآداب، وعلي الجارم بك وكيل دار

العلوم.

(وقد ظهرت أخيراً لهذا الكتاب طبعة أخرى قامت بنشرها المكتبة التجارية الكبرى بالقاهرة، وهي طبعة فيها فحش وتحريف ونقص في الشرح والتعريف بأعلام الرجال، وغير ذلك من العيوب).

فنلفت نظر حضرتكم إلى أن الطبعة التي ينبغي استعمالها والاقتصار عليها بالمدارس الأميرية والحرة هي طبعة الوزارة التي ستصدر من المطبعة الأميرية قريباً.

وتفضلوا بقبول فائق الاحترام

11111940

السكرتير العام

حسن فائق

وكان من قصة هذه النشرة الظريفة التي أذاعته المعارف على المدارس الأميرية والحرة، أني نشرت كتاب

المكافأة لأحمد بن يوسف من المكتبة التجارية الكبرى في

14101940، بعد أن حققت أصله وراجعتُه على الأصول،

وشرحت ما يعرض للقارئ من غامضه، وكتبتُ لأحمد بن

يوسف ترجمة وافية جمعتها من بين سطور كتب التاريخ

والتراجم، إذ أن ترجمة أحمد بن يوسف لا تبلغ عشرة أسطر

في الكتاب الفرد الذي ترجم له، وهو معجم الأدباء لياقوت

الحموي.

وكان حقاً على وزارة المعارف، أو على الأصح، كان من الأدب المتبع أن تشكرني على الجهد الذي بذلته في تصحيح هذا الكتاب. ولكن الوزارة أبت أن تكافئ الجميل من العمل بالجميل من القول، وقذفت الكتاب وناشره وطابعه قذفاً جارحاً لا مسوغ له، وإذ كنت أعلم علم اليقين أن ليس بيني وبينها عداوة مستحدثة، أو حقد متوارث، فقد أذهلني اجتراء هذه الوزارة على الطعن في الكتاب طعن المنتقم المتضرم المغيظ الذي يفقده الغيظ سلطان الإرادة الحكيمة.

والقارئ يعلَم - ووزارة المعارف تعلَم أيضاً - أن القانون يقدعُها ويردها عن الطغيان كما يقدعني ويردني، وأن هذه الجملة التي وضعناها بين الأقواس في نشرة الوزارة، إن هي إلا حشو لا معنى له، وأن قد كان لوزارة المعارف مندوحة عنها، وأن الكلام يستقيم بإسقاطها، وأن أمرها لنظَّار مدارسها وأساتذتها وطلبتها واجب الاتباع. فإذا قالت الوزارة لهؤلاء إن الطبعة التي ستصدر من المطبعة الأميرية قريباً!! هي الطبعة التي ينبغي استعمالها والاقتصار عليها، فهذا كفاية وفوق الكفاية في منع الأساتذة والطلاب!! من اعتماد طبعتي في الدراسة.

ومع ذلك، فمما لا شك فيه أن السنة الدراسية الحالية، قد انقضى من عمرها أكثر من الثلث ولم تصدر طبعة وزارة المعارف. أفيكون ثمة بأس على الأساتذة والطلبة أن يوفروا من الوقت المضاع أشهراً أخرى بالنظر في نسختي، حتى إذا ظهرت نسخة وزارة المعارف اتبعوها وألقوا نسختي ومضوا في دراستهم في كتاب الوزارة؟ إنه مهما يكن في نسختي من العيوب، فلا يمكن أن يكون الأصل الذي طبعتُه من الكتاب غير الأصل التي تطبع عنه وزارة المعارف، وما دام الأصل واحداً، والنصُّ واحداً، فليس على الأساتذة والطلبة بأس. فهل تستطيع الوزارة أن تدَّعي أن نص الكتاب الذي طبعتُه - مهما يكن فيه الخطأ والتحريف - غير النص الذي يطبعونه؟ وبالطبع نقول: لا، وكلا، وليس معقولاً!!

وإذن، فالجميل الذي أوليته وزارة المعارف، وإخواننا من الأساتذة والطلبة، جميل يوجب الشكر على من قدِّم له. هذا، وأنت تعلم - ووزارة المعارف تعلم أيضاً - أن الأساتذة والطلبة مكلفون بشراء كتاب الوزارة كما اشتروا كتابي. فأمرُها للأساتذة والطلبة بالاقتصار على طبعة الوزارة التي ستصدُر من المطبعة الأميرية قريباً!! إيجاب عليهم بشراء كتابها وطبعتها، فليس يضير الوزارة على ذلك شيء، ما دامت ستنتهي إلى النهاية الطبيعية وهي بيع كتابها ورواجه بين المكلفين بدراسته.

ونحن نعلم - ووزارة المعارف تعلم أيضاً - أن المفروض في أمر هذه الكتب، أن الوزارة لا تتجر بها للربح، فإذا فرض - وهذا مستحيل بعد أمر الوزارة للمدارس بالاقتصار على طبعتها التي ستصدر من المطبعة الأميرية قريباً!! - أن بقيت جميع نسخ الوزارة معطلة موقوفة لا تباع ولا تشترى ولا ترهن!! كالأوقاف والحبوس، لما كان في ذلك شيء، ما دام الغرض من طبع هذا الكتاب قد حقق للطلبة والأساتذة على ما قد يكون في طبعتي من العيوب.

وبعد الاقتصار على هذا، أظن وزارة المعارف قد استطاعت أن تفهم الآن مقدار ما أساءت به، مع صرف النظر عن المسؤولية الأدبية والقانونية التي وقعتْ في نشرتها التي أذاعتها على المدارس الأميرية والحرة.

وسأدع المسؤولية القانونية التي يكفلها القانون لي ولصاحب المكتبة التجارية الكبرى - إلى أن يحين حينها وتأخذ طريقها الذي تقتضيه، وأنصرف الآن إلى المسؤولية الأدبية التي أغمضت فيها هذه الوزارة بغير رفق ولا حكمة ولا حرص.

إن عمل وزارة المعارف ليس إلا الإشراف على التعليم، وكل أمر أو نهي يصدر منها يجب اتباعه على المدارس الأميرية والحرة ونظارها وأساتذتها وطلبتها، هذا ما نعلمه - وأظن وزارة المعارف تعلمه أيضاً -، وليس من عمل وزارة المعارف فيما نعلمه - وأظن هذه الوزارة تعلمه أيضاً - أن تكون حكما قاضياً على ما يصدر من الكتب غير مرسوم برسمها واسمها، وإن كانت هذه الكتب مما قررته الوزارة لمدارسها. وما دمتُ لم أُشر بحرفٍ واحدٍ في كتابي إلى أني قد نشرته لطلبة السنة التوجيهية بالمدارس الأميرية والحرة، فليس من حق وزارة المعارف أن تتعرض للحكم عليه أو الطعن فيه على الأصح.

ومع ذلك فأنا وأنت نعلم - ووزارة المعارف تعلم أيضاً - أن حكمها على الكتاب قد صدر، وأن هذا الحكم ليس نقداً ولا شبيهاً بالنقد، وإنما هو طعنٌ وتجريحٌ وطغيانٌ كلاميُّ مُؤذٍ كان يجب على هذه الوزارة أن تترفع عنه.

ومع ذلك كله، فالوزارة تقول إن هذه الطبعة التي نشرتها المكتبة التجارية الكبرى فيها (فُحْشٌ)، هذا الحرف، بهذا النص، على هذه الصورة، في هذا الوضع! فأنا أتحدّى هذه الوزارة في هذا المكان وأطالبُها باستخراج (الفحش) الذي وقع في طبعتي، أين هو؟ فإذا فعلتْ، فسنرى أيُّ الفُحشين أفحش، أهذا الذي تدعيه وزارة المعارف على كتابي ادّعاءً، أم الذي هو قائمٌ مقررٌ مثبت في الكتب التي قررتها وزارة المعارف وطبعتها وأذاعتها، وأمرت مدارسها بدراستها أعواماً طِوالاً؟

وتقول وزارة المعارف إن في طبعتي (تحريف)؛ هذا الحرف، بهذا النص، على هذه الصورة، في هذا الوضع! فأنا أتحدَّى هذه الوزارة أيضاً في هذا المكان، وأطالبها باستخراج هذا (التحريف)، ليعلم من لم يكن يعلم أيُّ التحريفين أقبح، ما أقع أنا فيه، أم ما وقعتْ فيه هي في الكتب التي صححتها وشرحتها وأذاعتها وقررت دراستها أعواماً طوالاً؟

ومع ذلك كله، فأنا أقرر في هذا المكان أن (الفحش)! هذه واحدة، وأن (التحريف)! وهذه أخرى، ليسا سوى دعوى من الوزارة لا برهان لها عليها البتة، وأن الجرأة والطغيان قد بلغا مبلغاً في هذه النشرة الرسمية، وأن كتب وزارة المعارف قد عرضت لي صفحتها، فإن شئت قضيت وإن شئت أمسكت.

أما ثالث أقوال الوزارة من أن الكتاب فيه (نقص في الشرح)، فليس صحيحاً بوجه من الوجوه، إذ كان شرحي مختصراً مبيناً عن وجه العبارة والمعنى؛ وقاعدتي في الشرح أن أدع نص أصحاب اللغة في شرح اللفظ اللغوي، إلى عبارة أعبر بها معنى الجملة على الوضوح والبيان. وبذلك أسقط من الكلام ما تحشو به وزارة المعارف كتبها من الشروح التي لا معنى لها. وسأضرب في كلمة أخرى أمثلة كثيرة أزعم أنها هي التي بغضت إلى الطلبة أكثر كتب الأدب التي وزعت عليهم، وصرفتهم عن الاستفادة منها.

هذا، ومن قرأ كتاب أحمد بن يوسف يعلم - ولعل وزارة المعارف تعلم أيضاً - أن الكتاب مجموعة من القصص القصيرة، في عبارة قريبة واضحة ليس فيها من غريب اللغة إلا القليل، ورب غريب فيها يبين عنه سياق الحكاية، فلا معنى لإرهاق نظر الطالب والتهويل عليه بالشروح المستفيضة التي تخوفه أو تثقل عليه. ورب شرح قصير موجز واضح يكون أعظم بركة على القارئ من تعالم غليظ ثقيل وتقعر.

وعندنا أن الأسلوب الذي جرت عليه وزارة المعارف في شرح كتبها أسلوب غير منتج إلا أسوأ النتائج، لأنه يصرف الطالب عن الاستمتاع بالنص، وعن التقليب له والنظر فيه، وعن الترديد لطلب المعنى بالجهد القليل، وتجعله حائراً بين الكلام الذي يقرأ وبين الشرح الطويل الممل الذي تتدلى حواشيه على كل كلمة أو حرف من عبارة قصيرة قريبة المعنى دانية البيان، وأن هذه الطريقة المضحكة هي التي تجعل الطالب لا يهتم كثيراً بالإصغاء إلى أستاذه اعتماداً على ما يتوهمه في الشرح الطويل العريض من الإبانة الصحيحة عن المعنى، فإذا فعل ذلك، ثم رجع إلى كتابه وقرأ شرح الشراح وأصحاب الحواشي لم يفهم، وربما أضله هذا الشرح عن بعض الصحيح من الفهم الذي فهمه قبل قراءة الشرح. وأنا لا أقول هذا عن رجم وتظنٍّ، بل أقوله وقد وقفت عليه من ملاحظتي لأكثر من عشرين طالباً من أبنائنا الذين كتب عليهم أن يتعلموا العربية في وزارة المعارف. ولست أشك أن أكثر أساتذة العربية في المدارس الأميرية، لو أتيح لهم أن يتكلموا لأظهروا هذه العيوب كلها لما يقاسونه مع الطلبة في دراسة النصوص العربية التي شرحتها وزارة المعارف.

ومع كل ذلك، فأنا أوافق وزارة المعارف، على أن كتابي فيه نقص في الشرح! فهل يعيبه هذا؟ إنما العيب أن يطول الشرح ويكثر، وتلج لجاجته، ثم يكون هذا الشرح تضرباً في خطأ بعد خطأ، وفي سوء فهم للعبارة، وفي إبهام آت من قلة المعرفة بأساليب العرب في كلامها. وأنا أتحدى وزارة المعارف أن تخرج من كل ما صححت من الكتب، بل من كل ما أكتب، شيئاً يدل على ذلك. وما دامت الوزارة تأبى إلا أن تعتدي عليَّ فسأضع يدها على ضرب مدهش من الشروح التي وقعت فيها فيما طبعت من الكتب، يدل كل الدلالة على أن الشراح لم يفهموا حرفاً واحداً مما قرأوا، وأنهم ينقلون من الكتب ما يصادفون من المعاني، لا ما توجبه الجمل من معاني اللغة، وأنهم لا يتذوقون الأدب إلا بالوظيفة وعن طريقها!!

أما النقص في التعريف بأعلام الرجال - كما تقول وزارة المعارف - فلا أظن أحداً قرأ كتاب أحمد بن يوسف ورأى ما فيه وعلم غرض مؤلفه منه، إلا وجد من عيب وزارة المعارف لكتابي بهذا النقص - كما تسميه - أسلوباً مضحكاً في النقد. أتظن الوزارة أنها تستطيع أن تعرف بفلان وفلان وفلان ممن ذكر في هذا الكتاب في سطرين أو ثلاثة، ثم يكون هذا تعريفاً؟ كيف تستطيع هذه الوزارة أن تعرّف قارئ كتابها في سطرين أو ثلاثة: بإبراهيم بن المهدي، وابن طولون، وابن بسطام، والمأمون، وابن مدبر، وخاله العشريّ، وابن أبي الساج، وخمارويه، وفلان وفلان ممن لا نحصي كثرة؟؟ وهل تعتقد أن التعريف بأحد هؤلاء إن هو إلا ذكر سنة مولده أو سنة وفاته أو وظيفته في الدولة؟ وقضي الأمر الذي فيه تستفتيان! هذه طريقة في التعريف بالرجال مضحكة، لا نلجأ نحن إليها ولا نقرها، ونعلم أن لا فائدة فيها للطالب أو غير الطالب بتة. وستخرج طبعة وزارة المعارف التي تطبع بالمطبعة الأميرية قريباً وسنعلم كيف فعلت! وندلها على الصواب في كل ذلك إن شاء الله.

وأخيراً. . . وأخيراً، أيها القارئ، تقول وزارة المعارف بعد أن أنهكها تعداد عيوب كتابي، وبلغ منها، وكدها، وأوهى منتها، واستصفى نشاطها، وحيرتها الكثرة التي لا تحصى من بلادتي وغفلتي وأخطائي. . . أخيراً تقول: وفي هذا الكتاب الذي نشرته: (غير ذلك من العيوب): (فقطعَ دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين).

وأخيراً أيضاً، أشكر وزارة المعارف على حسن جزائها لي في كتاب لم أتقدم به إليها، ولكني تقدمت به إلى قراء العربية، ثم أشكرها على توصيمها لاسمي واسم هذا الكتاب بالنشرة التي أذاعتها على مدارسها. وإذا كانت وزارة المعارف تجهل من أنا، وما عملي، وكيف هو - ووزارة المعارف تجهل أشياء كثيرة - فكل ذلك لا يبيح لها أن تتهجم على الناس بالسيئ من القول.

إني أعلم كيف كتبت هذه النشرة، ومن الذي أملاها، ولأي غرض أمليت على من كتبها، ومن المضحك أن يجرؤ إنسان كل درجته في هذا الأمر تأتي من قبل وظيفة أو أن يجرؤ إنسان كل علمه يأتيه من قبل شهادة نالها، ثم من وظيفة قدر له أن يحرزها أو تحرزه، ثم من ثالثة الأثافي التي هي الحظ. . أقول: من المضحك أن يجرؤ أحد هذين أن يدعي لنفسه حق الحكم على عمل أعمله مستتراً وراء نشرة تصدرها وزارة المعارف، وهو لو وضعته بين ثلاثتي التي أمسك بها هذا القلم لمزَّقت عنه كل الوشي المصنوع الذي يكتسيه ويتجمل به. . . ومع ذلك فسوف نرى.

محمود محمد شاكر