مجلة الرسالة/العدد 390/إلى رجال الجامعة ورجال المعارف
مجلة الرسالة/العدد 390/إلى رجال الجامعة ورجال المعارف
كلمة صريحة
لكاتب كبير
لقد هدأت الفورة التي ثارت في صدور طلبة الجامعة المصرية بمناسبة تفكير الوزارة في رفع درجات النجاح في الامتحانات وهي فورة لم يكن لها موجب، لأن من واجب الطلبة أن يرتاضوا على المصاعب، وأن يظهروا بمظهر التحدي الجريء لمتاعب الدرس والتحصيل.
ولكن هناك فورة منتظَرة، فورة حميدة العواقب، لأنها ستصدُر عن الأساتذة لا عن الطلاب؛ وفورة الأساتذة لا تعرف مغاضبة الشرُّطة، ولا تفكر في تحطيم المصابيح، وإنما هي فورة يقع فيها التصادم بين الأفكار والعقول.
ولكن متى يقع ذلك التصادم فنسمع أن فريقاً من الناس رجعوا إلى ضمائرهم فأدركوا أن لهم (فضلاً) عن زعزعة التعليم الابتدائي والثانوي، وأنهم مسئولون عن المصير الذي لا نجاة من شره إلا برفع درجات النجاح في جميع الامتحانات؟
لو ملكتُ حرية الخروج على الذوق لطوّقت رجال الجامعة ورجال المعارف بأطواق من حديد، وكيف وأنا أخاطب أقواماً تؤذيهم خطرات النسيم، ويرون النصحَ - وإن لطُف - ضرباً من التمرُّد والثورة على مقاماتهم العالية؟
وأنا مع ذلك سأحاول تذكير تلك المقامات بما اجترحتْ في ميدان واحد هو ميدان اللغة العربية، فاسأل في ترفّق وتلطّف:
من المسئول عن قصّ حواشي منهج اللغة العربية، بحيث صار من المؤكد أن تلاميذ المدارس الابتدائية قبل عشر سنين كانوا يعرفون من القواعد أضعاف ما يعرف تلاميذ المدارس الثانوية في هذه الأيام؟
ولأي غرض كثُر التغيير والتبديل في ذلك المنهج؟ وبأي حق جاز أن يظفر الشاب بإجازة الدراسة الثانوية، وهو لا يملك القدرة على تشريح فقرة واحدة من الجهات النحوية والصرفية والبلاغية؟ ولأية غاية تدرس اللغة العربية في المدارس إذا كان من حق كل تلميذ أن يجهل من قواعد اللغة ما يشاء؟ ثم قيل: إن كلية الآداب أطالت التأسف والتحسُّر على مصاير التعليم الثانوي، وإنها فرضت على وزارة المعارف أن تكف يدها عن ذلك التعليم لتطبّ له بالأساليب الجامعية المصرية فتصيّره غاية في القوة والعافية.
فماذا صنعت كلية الآداب وقد زعمت أنها تقدر على ما لا تقدر عليه وزارة المعارف من إحياء الموتى وهي رَميم؟
أشارت بالاستغناء عن الواجبات التحريرية في النحو والصرف والبلاغة لتنقلب الدروس إلى محاضرات (!) وأشارت أيضاً بأن يُترك المدرسون لضمائرهم فيما يأخذون وما يدعون (!) ولم يبق إلا أن تشير بحرية المواظبة لتتمَّ (النعمة الجامعية) على أولئك التلاميذ!
فإن قيل: وأين وزارة المعارف؟ فأنا أجيب بأن وزارة المعارف موجودة بالفعل، وإلا فمن الذي يوزع المنشورات التي تصدرُ عن كلية الآداب (وتوزيع المنشورات يحتاج على رجال!).
وهنا أذكر شيئاً من التناقض المزعج، أذكر أن كلية الآداب قد توفَّق إلى خاطر طريف يحبِّب التلاميذ في اللغة العربية، كالذي اتفق في (مسابقة الأدب العربي لطلبة السنة التوجيهية) ولكنها تترك تحقيق مثل هذا المشروع لمراقبة الامتحانات بوزارة المعارف. ومراقب الامتحانات لم يكلف نفسه دعوة نظار المدارس والمدرسين الأوائل للنظر في توجيه الطلبة إلى هذه المسابقة الطريفة؛ فكانت النتيجة أن اكتفت كل مدرسة باختيار بعض الطلبة للمسابقة في الأدب، كما تختار بعضهم للمباراة في الألعاب!
إن كان مشروع المسابقة من ابتكار وزارة المعارف فكيف تتركه لرجل بعيد من الحياة الأدبية؟ وإن كان مشروع المسابقة من ابتكار كلية الآداب فكيف تتركه لمراقب الامتحانات بوزارة المعارف؟
أين المسئولية في هذا الشأن الدقيق؟ ومن الذي يحتمل وِزْرها الثقيل؟
أشهد أن سيطرة كلية الآداب على السنة التوجيهية حقٌ في حق، فقد أرَّق كاتب جفونها في الأعوام الماضية لاختيارها كتاب (نقد النثر) وكانت حجته أنه لا يصلح للمطالعة بحال من الأحوال، وقد استجابتْ الكلية لندائه فسحبتْ ذلك الكتاب، ولكنها مع ذلك كلفت وزارة المعارف أن تذيع منشوراً يقول: إن كتاب (نقد النثر) مرجع لأكثر النصوص المقررة في السنة التوجيهية!!
فهل سمع أحدٌ قبل اليوم أن كتاب قُدامة في نقد النثر من مراجع النصوص الأدبية؟
ليتني أعرف إلى من أوجِّه القول! فوزارة المعارف مُدغمة في كلية الآداب، ولن يُفَكَّ هذا الإدغام إلا يوم يُعرَف أن المسئولية لا تتضح إلا بتحديد جهات الاختصاص.
أما بعد فهذا نَذيرٌ من النُّذر الأولى، فإن ظن قومٌ أن مصير اللغة العربية موكول إلى أذهانهم (الثواقب) فسيندمون بعد حين، لأنَّ النقد الأدبي لن يترك أهواءهم بلا تجريح، وإن اعتصموا بأمنع الحصون.
لن يكون مصير الجيل الجديد تحت رحمة الأهواء، أهواء الداعين إلى (تيسير النحو) والقائلين بأن اللغة العربية لغة عصر ذهب وباد.
مصير الجيل الجديد في اللغة العربية لن يصوغه غير أهل الغيرة الصحيحة على لغة القرآن.
(كاتب)