مجلة الرسالة/العدد 391/حول كتاب تحرير المرأة
مجلة الرسالة/العدد 391/حول كتاب تحرير المرأة
للأستاذ مصطفى محمد إبراهيم
درجت الرسالة الغراء منذ شرعت وزارة المعارف سنة المسابقة بين طلبة السنة التوجيهية في امتحان اللغة العربية - على نشر مباحث كريمة فيها توجيهات قيمة لأذهان الطلبة في الكتب التي سيمتحنون فيها، وكان المتولي أمر هذه المباحث النافعة الأستاذ زكي مبارك
وقد قرأت في عدد الرسالة الأخير (رقم 389) بحثاً قيماً نفيساً حول كتاب من هذه الكتب هو كتاب (تحرير المرأة) للمرحوم قاسم بك أمين بقلم الكاتب الفاضل الأستاذ محمد أبو بكر إبراهيم المفتش بوزارة المعارف. وقد عنت لي بعد قراءته ملاحظات لم أر بداً من تدوينها تعميما لفائدة أبنائنا الطلاب
تناول الأستاذ شخصية المؤلف بشيء من الإسهاب فأحسن وأفاد، إذ أن التعريف بالمؤلف والإبانة عن مقومات شخصيته ومدى ثقافته له أثر كبير في تفهم آرائه والحكم على أفكاره. ثم عرض الأستاذ مباحث الكتاب عرضاً لطيفاً، غير أني تمنيت لو أنه أسهب فيه قليلاً حتى تزداد هذه المباحث الخطيرة وضوحاً، خصوصاً وأن هذا الكاتب كان له من الأثر الاجتماعي العميق ما بزَّ به كل كتاب في هذا الباب في هذا العصر؛ فكان الطلبة خليقين أن يوجهوا في دراسته توجيهاً واسعاً مسهباً
هذا وقد كنت قرأت كتاب تحرير المرأة هذا فرأيت من المباحث النفيسة التي احتفل لها المرحوم قاسم بك أمين وأعد لها ما استطاع من قوة وعتاد اقتضاه مجهوداً غير يسير - مبحث (الطلاق) وهو بحث سيبدو لمن يقرأه أنه مقطوع النظير
فقد عرض المباحث الإسلامية في هذا الموضوع الخطير عرضاً قوياً مكيناً، وأورد أقوال الأئمة وأصحاب المذاهب والفقهاء من أمثال الزيلعي والشوكاني وابن عابدين، ثم استوعب كل الآيات القرآنية والأحاديث النبوية وأقوال الصحابة حول هذا الموضوع
درس ذلك كله دراسة الفقيه المتفهم لروح الدين، ثم هاجم أولئك العلماء الذين اشتغلوا بالتأليف في هذه الموضوعات الخطيرة وكان أكبر همهم تأويل الألفاظ وتخريج الحروف، حتى ملئوا كتبهم بنحو (طلقتك، وأنت طالق، وعلي الطلاق، وبالتسعين! وطلقت رجلك ورأسك) وما إلى هذا من الخيالات الغريبة؛ وغفلوا عن أن الشرع إنما يقوم أولاً وق شيء على النية التي هي أساس الدين الإسلامي، وكانت حملة موفقة كل التوفيق فقد ظهر عليهم، ولا غرو فسلاح المرء يقينه
هذا الفصل من الكتاب هو في ظني البحث العلمي الفريد المبني على الدراسة الدينية المستنيرة المدعمة بالحجج الدوامغ، فليت الطلبة يولونه أكبر همهم، ويدرسونه دراسة تثبت وتفهم، ففي دراسة مثل هذا الفصل تنوير لأذهانهم وتعويدهم الصبر على مكاره العلم والقدرة على تخريج الأحكام الصحيحة من الاتجاهات المختلفة
هذه ملاحظاتنا على مباحث الكتاب. ولنا ملاحظات أخرى لغوية تعرض لها الأستاذ أبو بكر بالنقد:
فقد أخذ على المرحوم قاسم بك في كتابه استعماله كلمة (الأهالي) بدل الأهلين جمعاً لكلمة (الأهل). وليس جمع الأهل على الأهالي خطأ. وقد ورد هذا الجمع في الجزء الأول من كتاب (أساس البلاغة) - وهو من مراجع اللغة المهمة - في مادة (أهل)
وخطأه الأستاذ في استعمال كلمة (عائلة) مكان (أسرة) وعندي أن الرفق خير من العنف وأننا نخدم اللغة وأهاليها بقبول الكلمات التي نجد لها وجهاً خصوصاً إذا كانت متواردة على الألسنة والأقلام منذ عهد طويل
ويخيل إليَّ أن الأستاذ الكبير حكم عليها بعدم الاعتبار لأنه لم يجدها في كتب اللغة مع أن المعاجم لا تذكر المشتقات.
وأذكر أن أستاذنا الجارم بك كان يلقي منذ سنتين محاضرات عن طريق المذياع في موضوع الأغلاط الشائعة في العربية فورد على لسانه ذكر هذه الكلمة (العائلة) فأظهر غيظه وتبرمه من محاربة المعلمين لهذه الكلمة الجميلة البليغة ومطاردتها من كراسات التلاميذ مع دورانها على الألسنة والأقلام أمداً طويلاً، فقد ذكر أنه وجد هذه الكلمة في شعر شعراء الدولة الأيوبية (وإن كان نسى أن يعطينا بيتاً نسكن به الثورة الدائرة حول هذه الكلمة)!. . .
ومما أذكره في تخريج الأستاذ الجارم بك لهذه الكلمة قوله:
إن عائلة وزن فاعلة مشتقة من عال يعيل إذا افتقر؛ فعائلة بمعنى مفتقرة، وزوج الرجل وصغاره مفتقرون إلى من يعولهم ويمونهم - عال الرجل أهله كفاهم ومانهم وأنفق عليهم، فعائلة فاعلة بمعنى مفعولة أي معولة، وإنما استعمل فاعلة هنا مكان مفعولة لغرض بلاغي لا يخفى، قال تعالى: فهو في عيشة راضية. أي مرضي عنها.
وأحسبه قال أيضاً ما معناه: والمعنى البليغ في أن العائلة بمعنى المعولة أنها تدفعه إلى الكد والسعي، ولولاها ما جاهد ولا ثابر، فكأنهم يعولونه. قال تعالى: (ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم). فقدم الأبناء على الآباء، لأن الآباء بأبنائهم يرزقون، أو كما قال. . .
فعائلة إذاً صحيحة من حيث الاشتقاق اللغوي
ويحلو لي بهذه المناسبة أن أطلب إلى أستاذنا الجارم بك أن ينشر أمثال هذه المباحث القيمة مما تعرَّض له في الإذاعة وليس أولى بها من صحيفة (الرسالة) حتى لا تضيع مثل هذه الفرائد بدداً فوق أمواج الأثير، وأحسب الكثيرين من إخواني المدرسين يؤيدونني في هذا المطلب والله المستعان
مصطفى محمد إبراهيم