مجلة الرسالة/العدد 394/كلمات
مجلة الرسالة/العدد 394/كلمات
رجل كسيح
رجلان أبرزتهما هذه الحرب وأبانت للعالم كله عن قيمتها وأن كليهما يصدق فيه قول شاعرنا العربي القديم: وما كل ألف لا تعدّ بواحد
أما أولهما فهو تشرشل، وأما ثانيهما فهو روزفلت
وقصة الحياة التي حيَّها رزفلت، هي قصة فذة عجيبة بين حيوات البشر. بل مثال كامل فريد لا يمكن أن تصل إليه الإرادة البشرية وقوة الخلق والكفاح
فهذا الرجل الذي استوى على كرسي الرياسة في أكبر جمهورية في العالم القديم والحديث، وتولى سياسة أعظم الدول مالاً وقوة وفتوة، والذي اختارته هذه الأمة ليسوس أمرها ثلاث دورات متواليات، ولم تُنل هذا الشرف ولا هذه الكرامة ولا هذه الثقة أحداً قبله في تاريخها
وهذا الرجل الفرد الذي يقف من وراء المحيطات يخطب مائة مليون من الناس يرسل في خطابه الصواعق والحمم، والذي يضع قوته وقوة أمته على كفة من كفتي هذه الحرب العاتية فتشيل، ويسيّر بقوته وفكرته وعزمه تاريخ العالم الحديث والمستقبل، وتاريخ الحضارة البشرية ومستقبلها إلى وجهة خاصة من السير.
هذا الرجل الذي بلغ هذا المبلغ هو إنسان معلول كسيح. . .!
وقد رأيت هذا الرجل منذ أيام على شاشة السينما يخطب الناس لانتخاب الرياسة فيستولي على عقولهم وقلوبهم وعواطفهم ويكادون أن يدموا أكفهم تصفيقاً له. ويزور المصانع والمعامل فيتحدث ويسير ويضحك ويداعب كأنه شاب في الثلاثين فتوة وحيوية. وكان يقف يتوكأ على عصاه ويسير يجر نصفه الأسفل كأنه لا حياة فيه. إنه كسيح أصيب في طفولته بالشلل.
سألت نفسي يا ترى لو أن طفلاً مصرياً أو شرقياً أصيب بما أصيب به رزفلت في طفولته فمات نصفه من الشلل، فأيَّ إنسان وأي رجل وكهل بصير هذا الطفل المصري أو الشرقي؟
أما إن كان غنياً فسينشأ شاباً مدلّلاً تافهاً ساقط النفس خائر العزم مريض القلب والنفس كمرض جسده. شاب مدلل تافه يأكل خير الطعام ويلبس خير اللباس لا رجاء لنفسه في نفسه ولا رجاء لأحد فيه، فقد خلقه الله - في زعمه - غير صالح لعمل ولا لرجاء. ستبكي أمه ويحوْقل أبوه ويزعم الثلاثة أنهم خاضعون لما قدّر الله حين ابتلاهم. فهو إنسان يطعم ويشكو حتى يجيء فيه قضاء الله
وأما إن كان فقيراً فهو كصاحبه ساقط الهمّة خائر العزم مريض النفس والقلب مشلول الفكر والعقل والعزيمة كمرض جسده. مستسلم - في زعمه - لقضاء الله لا عمل ولا رجاء حتى يحين فيه القضاء
بل إن صديقي يقول: لو أن روزفلت نشأ في مصر أو في بلد شرقيّ لوجدنا مكانه إلى جانب ضريح من أضرحة الأولياء قد مدّ نصفه الكسيح في الشمس يعْرضه على الناس فُرْجةً، ثم يمدّ يده يسأل الناس أن يدفعوا إليه ضريبة الصدقة. . .!
(محمود)