مجلة الرسالة/العدد 4/شعر جديد
مجلة الرسالة/العدد 4/شعر جديد
لأستاذ كبير
في يوم واحد هو يوم 19 من هذا الشهر قرأت في جريدتين محترمتين من جرائد الصباح قصيدتين إحداهما من شعر آنسة تلقب نفسها (فتاة الصعيد) والأخرى لشاب شاعر من إخواننا السوريين.
فتاة الصعيد توجه تغريدها المنظوم إلى رجل كبير من زعمائنا فتقول:
احبك مهما أثار الخبر ... كوامن حقد إذا ما انتشر
أرى صورة لك في لوحة ... فيلهب قلبي هوى مستعر
وشاعر الشباب السوري يقرظ سيدة كبيرة هي أيضا في كل شيء الا في سنها، ألقت محاضرة في بعض النوادي فيهتف على آثارها:
الله اكبر من سحر البيان ومن ... سحر بعينيك خلى الحفل نشوانا
هذا يدير على الألباب خمرته ... وذا يدير على الأسماع ألحانا
وما علمنا في الأدب العربي أن امرأة أرسلت كلمة (أحبك) في شعر سائر إلا رابعة العدوية حين قالت تخاطب ربها:
أحبك حبين حب الوداد ... وحبا لأنك أهل لذاكا
فابتدعت فنا من الشعر الغرامي صوفيا لا يدرك مراميه الا أهل الأذواق والمواجد.
قد يكون في سن الآنسة أو في شكلها أو في غير ذلك من أمرها ما يغفر لها التصايح بالحب في الميادين العامة. ولكنا على ثقة من أن فتيات الصعيد لا يعرفن الهوى المستعر.
ومن صليت منهن نار الحب ماتت شهيدة الكتمان تردد أنفاسها الخامدة قول العباس بن الأحنف:
لأخرجن من الدنيا وحبكمو ... بين الجوانح لم يشعر به أحد
فصاحبتنا بلا ريب ليست صعيدية ونسبتها إلى الشعر كنسبتها إلى الصعيد، يشهد بذلك قولها في منظومتها على سبيل المدح:
وغيرك في زعمه كاذب ... ومن ذا سواك زعيم، فشر
أما شاعر الشباب السوري فقد كان من حقه إذ يحضر مجالس العلم والأدب أن يشغله شيء آخر عن ملء عينيه من شيء غيره.
وليس بمنكر أن يتحدث الشعر عن العيون السواحر، لكن حديث العيون لا يكون في محاضرة أدبية ولا يكون في النادي الكاثوليكي.
غير أن شاعرنا المسكين يعترف بأنه كان سكران حين نحت قريضه. وما كان أجدره بحد السكر حتى يصحو من خمر العيون ثم لا يقول الشعر إلا صاحيا ولا يسكر بعدها إلا في ألحان من خمر الدنان.
ليت شعري ما الذي يزين هذه البدع في أذواق شبابنا؟ ويا خوفي أن يحسبوها من أثر ثقافة لاتينية أو سكسونية على حين لا من ثقافة هي ولا من ذوق!