مجلة الرسالة/العدد 402/البريد الأدبي

مجلة الرسالة/العدد 402/البريد الأدبي

ملاحظات: بتاريخ: 17 - 03 - 1941


في مقالة الأستاذ السباعي بيومي

في القسم الثالث من مقالة الأستاذ المبجل جمع فخور على فخورين في قوله: (ثم سل تلاميذي الذين تتحدث عنهم يخبرونك بما يفحمك مخلصين صادقين وفخورين بتلمذتهم لي. . .) والعربية إنما تجمعه على فُخُر، قال طرفة:

ثم زادوا أنهم في قومهم ... غُفُر ذنبهم غير فُخُرْ

ودخلت (هل) في قوله: (فهل لا زلت على هذه المباهاة) على ناف، وهي لا تدخل على ناف أصلاً كما قال الرضي. ودخلت (لا) على ماض غير مستقبل في المعنى، ولم يكرر، وقد بين (المغنى) في الحرف (لا) ما بين. وجاءت (إليك) في قوله: (ومع هذا فإليك رأي في تلك المباهاة). وفي (الكتاب): (وإليك إذا قلت تَنَح) قال:

إليكم يا بني بكر إليكم ... ألماَّ تعرفوا منا اليقينا

وإليك من أسماء الأفعال غير المتعدية إلى المأمور كما ذكر (المفصل). قال التبريزي: (لا يجوز أن يتعدى إليكم عند البصريين، لا يقال إليك زيدا لأنه معناه تباعد)

من النفع والخير أن يخطئ الكبار في حين من الأحايين حتى ينقدوا فتغنى اللغة ويستفيد الناس. . .

(ناقد)

مراجعات لغوية

نشرت الرسالة كلمة للباحث المفضال (ا. ع) في التعقيب على ما قلت به في توجيه ضم الظاء من كلمة (الظرف) بمعنى اللطف: ومن رأي حضرة الباحث أنني أخطأت فشق عليَّ أن أعترف بالخطأ، فرحت أتلَّمس العلل، إلى آخر ما قال

وأحدد وجه الخلاف فأقول: جاء في مقالي عن كتاب المطالعات للأستاذ عباس محمود العقاد أنه ليس من الخير لمصر أن يكثر فيها أهل اللطف والظرف، وقد رسمت الظرف بضم الظاء عامداً، لأنها بالضم تؤدي معنى لا تؤديه وهي بالفتح، فبين اللفظين ما يسميه العرب بالفرق اللطيف وما يسميه الفرنسيون ثم انتهزت الفرصة فقدمت لقرائي توجيهاً لضم الظاء من الظرف في لغة المصريين فقلت إنه نوع من الإتباع لكثرة اقتران الظرف باللطف، والإتباع معروف في اللغة العربية، وله شواهد كثيرة سجلت بعضها في كتاب النثر الفني

ثم وقع بعد ذلك أن انتقد بعض أدباء فلسطين ذلك التوجيه وعدَّه دفاعاً عن أخطاء المصريين. وقد أجيب بأن هناك سبباً يضاف إلى الإتباع وهو التمييز بين المحسوس والمعقول، فالمصريون يفتحون ظاء الظرف إذا أرادوا (الوعاء) ويضمونها إذا أرادوا (اللطف) وأنا أسمي هذا (غريزة لغوية) وأراه من الصواب

وأنا أسأل الباحث المفضال (ا. ع) عما يُعرَف في لغة العرب بالمثلثات، وهي الألفاظ التي تنطق فاؤها بالفتح والضم والكسر أسأله عن السر في هذا التثليث، فهل يراه لغة واحدة ينطق بها من شاء كيف شاء في جميع البلاد؟ أم يراه باباً من اختلاف اللهجات يَفْصُح بعضها في مصر ويَفْصُح الآخر في الشام أو في العراق؟

وإليه هذا المثال: كلمة (جزاف) مثلثة الفاء فهي جَزَاف وجُزاف وجِزاف، ولكن المصريين ينطقونها (جُزاف)، بالضم، فهل ترى من الفصاحة أن ينطقها المصري في خطبته بالفتح أو الكسر بحجة أن المعاجم تبيحه ذلك؟

الحق كل الحق أن اللهجات المختلفة شرقت وغربت، وهي جميعاً صحيحة النسب إلى العرب، ولكن اللهجة لا تفصح إلا في المكان الذي استوطنت فيه، فإن تجاوزنا بها ذلك كان صنيعنا ضرباً من الإغراب. وعلى هذا يكون ضم الظاء في الظرف على ألسنة المصريين له ثلاثة توجيهات:

الأول: أن يكون اكتسب حكم الإتباع من اللطف؛ والثاني: أن يكون للتمييز بين المحسوس والمعقول؛ والثالث: أن يكون لهجة عربية تفردت بها بعض القبائل التي استوطنت وادي النيل

وبهذه المناسبة، أذكر أن الأستاذ أحمد العوامري بك كان كتب كلمة في مجلة المجمع اللغوي عن (نادي التجديف) بالدال المهملة، فكان من رأيه أنه (التجذيف) بالذال المعجمة؛ وقد ناقشته يومئذ في جريدة (البلاغ)؛ فقلت: إن الشعراني في مؤلفاته يرسمها بالقاف فيقول (التقذيف)؛ وعند مراجعة القاموس المحيط رأيته يثبت ثلاثة حروف هي: المجداف والمجذاف والمقذاف. . . فما معنى ذلك؟ معناه أن العرب لهم في هذا المعنى ثلاثة ألفاظ تنقل بها الحظ من بلد إلى بلد ومن جيل إلى جيل،

فمن الواجب إذاً أن ندرك أن المصريين لم يقولوا (التجديف) إلا وهم يريدون (التقذيف)، فهم قلبوا القاف جيما كما يصنع بعض اليمنيين والعراقيين، وكما يصنع سكان مصر من أهل الصعيد بدليل أن سكان مصر من أهل المنوفية يقولون (التأديف)، على عادتهم في وضع الهمزة مكان القاف

وتلك فائدة لا ينكرها باحث مفضال مثل العوامري بك. . . ألم يسمع بالمثل المصري الذي يقول: (على قد فوله قدِّفوا له)

فهذا المثل يرى التجديف هو التقذيف، وقلبت الذال دالاً على طريقة بعض القبائل العربية في تحويل المعجمات إلى مهملات

ولهذا البحث تفاصيل سأقدمها لحضرة الأستاذ (ا. ع) إذا بدا له أن يُعقب على هذا البحث من جديد، فهو فيما أرى من أكابر الباحثين

أما القول بأني أعدّي فعل (أمكن) بالحرف وهو يتعدى بنفسه، فله توجيه سجلته في مجلة أبوللو منذ أعوام حين اعترض أحد أدباء العراق على تعدية فعل (حرَم) بالحرف في بعض قصائدي، وهو يتعدى بنفسه؛ وخلاصة ذلك التوجيه أني قد أرى المعنى في بعض الأحايين لا يؤدي تأدية صحيحة إلا إذا عبرت عنه بتلك الصورة، وكان الأستاذ محمد عبد الغني حسن يعرف عني ذلك الرأي، فلم أر موجباً لمناقشته فيه. . . ولم يكن إيثاري لذلك التعبير ضرباً من العناد، كما أراد حضرة الباحث أن يقول، وإنما كان إيثاراً لحرية القلم في شرح دقائق المعاني، وهي حرية تفرض الثورة على المعاجم في بعض الأحايين

زكي مبارك

خصومة لا عداوة

قرأت في العدد الماضي من (الرسالة) كلمة للدكتور زكي مبارك عن الجدل بينه وبين الأستاذ السباعي بيومي. جاء فيها:

(رأى جماعة من كبار المفتشين وهم الأساتذة جاد المولى بك ومحمد علي مصطفى ومحمود محمد حمزة ومصطفى أمين وأحمد علي عباس.

رأى هؤلاء الأكابر بأخلاقهم وآدابهم أن أقف الجدال الذي أثرته في وجه الأستاذ السباعي بيومي، وحجتهم أنه وصل إلى درجات من العنف تؤذي كرامة المشتغلين بخدمة اللغة العربية.

(وأنا أجيب هذه الدعوة. . . الخ)

وقد رأيت في الصورة التي عرض بها الدكتور زكي مبارك هذه الوساطة ما دعاني إلى الاستفسار من حضرات من ذكرهم عن الصورة الدقيقة لتدخلهم؛ فعلمت منهم أن وساطتهم بين الأستاذ الدكتور كانت منصبة على أسلوب الجدل لا على موضوعه؛ وفي نظرهم أن مستوى المناقشة بين أديبين ورجلين من رجال التعليم يجب أن يرتفع عن هذه اللهجة. أما الفحص عن الحقيقة وتصاول الأقلام في الموضوعات العلمية والأدبية فليس لهم عليها اعتراض بل يسرهم أن يشجعوا عليهما ويستزيدوا منهما

هذا هو رأي حضرات الأفاضل الذين احتج الدكتور بتدخلهم في الانسحاب من المعركة التي أثارها. فإذا كان لدى الدكتور ما يقوله بالأسلوب اللائق فليستمر فيه غير ملوم من أحد ولا مرجو في الانسحاب

وما أبغي بهذه الملاحظة تدخلاً في المعركة؛ فليس من خلقي أن أتدخل في نزاع فرعي. ولو شئت معركة لاخترت ميدانها الأصيل.

سيد قطب

(الرسالة):

أرسل إلينا الأستاذ السباعي بيومي مقاله الرابع يهجم فيه على الدكتور زكي مبارك فهيأناه للنشر، ولكن بعض ذوي الرأي والفضل رغب إلينا أن نقف هذه المناظرة العنيفة عند هذا الحد بعد أن ألقى أحد المناظرين الفاضلين القلم إجابة لدعوة زملائه الكريمة

بستان النشاشيبي

أهدى أديب العربية الأستاذ إسعاف النشاشيبي كتابه (البستان) إلى صديقه الأستاذ محمد بهجة الأثري مفتش اللغة العربية ببغداد فأرسل إليه هذه الأبيات الرقيقة سيدي (إسعافُ) يا أم ... ثل خُلصان وَخِلِّ

أنا من بستانك الزا ... هر في طيب وظل

بين ورد باسم الثغ ... ر وريحان وفُل

زمر نسقها الذو ... ق على أجمل شكل

أتملاها بعينيّ ... وأرعاها بفعلي

أتلقاها بلثم ... وَتَلقَّاني بِدَل

جل ما أهديت من را ... ح وريحان ونقل

أسكر المشموم نفسي ... وغذا المطعوم عقلي

محمد بهجة الأثري

شبابيك القلل

كان للكلمة التي كتبتها بهذا العنوان في العدد 399 من (الرسالة) أثر حسن فيما كتبه الدكتور زكي محمد حسن في العدد 115 من (مجلة الثقافة) تعقيباً على مقاله الأول في هذا الموضوع، فقد تدارك الدكتور زكي - إلى حد ما - ما فاته في مقالة الأول

وإذا قلت - إلى حد ما - فذلك لأنه حاول في مقاله الأخير أن يفسر قوله: (إن من العجب أن يعنى بزخرفة شبابيك القلل إلى هذا الحد بينما تبقى القلل نفسها بغير طلاء أو رسوم زخرفية) فبعد أن نقل ما كتبته في (الرسالة) عن القلل الصيفية وهي من الفخار غير المطلي، والقلل الشتوية وهي المكسوة بطلاء زجاجي، أراد أن يجد لنفسه عذراً فقال: أما أن هناك قللا عليها طلاء فأمر لم ننكره أبداً، وحسب القارئ الذي بادر بالتعليق على مقالنا أن يرجع إلى كتابنا كنوز الفاطميين ولا نخاله بجهله، ثم استشهد بالعبارة الآتية نقلاً عن الصفحة 172 من هذا الكتاب

(فالفخار غير المدهون كانت تصنع منه أبسط الأواني اللازمة لطبقات الشعب، ولا سيما القلل التي كانت من الفخار غير المطلي، إلا في النادر جداً، لأن المقصود منها تبريد الماء، ولابد من المسام للوصول إلى هذا الغرض، ومن ثم فإن الذي وصل إلينا منها يكاد يكون خالياً من أي دهان زجاجي) وإني أود أن أوجه نظر الدكتور إلى أن شبابيك القلل الشتوية ذات الطلاء الزجاجي، توجد في دار الآثار العربية وحدها بالمئات - كما كان يجب أن يعلم ذلك - ومن ثم فإني لا أرى ما يبرر قوله إن هذا النوع منها لا يوجد (إلا في النادر جداً) و (أن الذي وصل إلينا منها يكاد يكون خالياً من أي دهان زجاجي)، ولست أرى هنا أي مجال للتفسير اللغوي

وإذا كنت لم أشر إلى كتاب (كنوز الفاطميين) في كلمتي السابقة فقد كان ذلك لسبب واحد، وهو أنني اكتفيت بتصحيح ما جاء في مقال الدكتور زكي، ولم أجد ما يثير الرغبة في نفسي لنقد ما أورده في كتابه

وكيف أجهل هذا الكتاب وقد كان لي - إبان اشتغالي بالتدريس في جامعة بون - شرف مساعدة الأستاذ باول كالا في كتابة بحث واف عنوانه (كنوز الفاطميين) وقد نشر هذا البحث - كما يعلم حضرة الدكتور الفاضل - في مجلد المستشرقين الألمانية في المجلد 14 سنة 1935 (ص339 - 362) ولا ينسى الدكتور زكي محمد حسن ما لهذا البحث، ولما فيه من حواش قيمة، من فضل في وضع كتابه - الذي طبع في سنة 1937 - باللغة العربية في نفس هذا الموضوع وبنفس هذا العنوان! وما كنت أود أن أذكره بهذه الحقيقة، لولا أنه في تنويهه عن كتابه، بدلاً من الاعتراف بالفضل، وجدت - للأسف - ما هو دون ذلك، وهذا ما كنت أنزه الدكتور عنه.

دكتور محمد مصطفى

تحريف معنى بيت بالنحو

فهم صديقي الأستاذ الفاضل إبراهيم علي أبو الخشب أن ما ذكرته في تحريف معنى بيت بالنحو يدخل فيما يؤثر عن علمائنا - إن نكت النحو كالورد تشم ولا تدعك - والحقيقة أن ما ذكرته في ذلك من صميم النحو وليس من نكتة

وأما الذي ذكره من أن أو المتمحضة للعطف وأو الناصبة، فلم يأت فيه بجديد في المسألة. ونحن حين نجري قول الشاعر: (لأستسهلن الصعب أو أدرك المنى) على معنى: ليكونن مني استسهال للصعب أو إدراك للمنى، نكون قد خرجنا بأو الناصبة إلى أو المتمحضة للعطف. وقد اعترفت أيها الأستاذ الفاضل بأن أو المتمحضة للعطف لها معاني غير معاني أو الناصبة، فكيف تحمل إحداهما معنى الأخرى؟

وليس بحق ما ذكرته من أن المعنى في البيت على محض العطف، وأن معناه ليكونن مني استسهال للصعب وإدراك للمعنى، لأن هذا يجعل ما بعد أو داخلاً في حكم ما قبلها من إثبات ونفي وقسم ونحو ذلك، مع أن المضارع المنصوب بعد أو، لا يدخل في حكم ما قبله بذلك الشكل، ويظهر أثر ذلك صريحاً في نحو قولك - لا أكلمك أو أرضى عنك - فأوفيه بمعنى إلى، ولا يصح تقدير العطف فيه، لأنه لا يصح تقديره على العطف - لا يكون مني كلام أو رضاً عنك - لئلا يدخل الرضا في حكم النفي مع أنه ليس بداخل فيه

وكذلك الأمر في نحو - لأستسهلن الصعب أو أدرك المنى، ولأجتهدن أو أنجح - لأنه على تقدير العطف يكون كاذباً إذا استسهل الصعب ولم ينل المنى، وإذا اجتهد ولم ينجح مع أنه إذا قال - لأجتهدن أو أنجح - فاجتهد ولم ينجح، لا يكون كاذباً. على أنه ليس بعد هذا كله ما يدعو إلى جعل أو الناصبة عاطفة، وإنما ذلك تكلف يلزم البصريين وحدهم

عبد المتعال الصعيدي