مجلة الرسالة/العدد 402/في العقد

مجلة الرسالة/العدد 402/في العقد

ملاحظات: بتاريخ: 17 - 03 - 1941


3 - في العقد

لأستاذ جليل

18 - (ص50) قال زياد: ما غلبني أمير المؤمنين معاوية في شئ من السياسة إلا مرة واحدة: استعملت رجلاً فكسر خراجه، فخشي أن أعاقبه ففر إليه واستجار به فأمنه، فكتبت إليه: إن هذا أدب سوأ من قبلي. . .

قلت: إن هذا أدب سوْء لمن قِبَلي

في (تاريخ الأمم والملوك) لأبن جرير الطبري:. . . فبلغ الخبر المغيرة بن شعبة أن الخوارج خارجة عليه في أيامه تلك وأنهم قد اجتمعوا على رجل منهم، فقام المغيرة بن شعبة في الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال:

أما بعد فقد علمتم (أيها الناس) أني لم أزل أحب لجماعتكم العافية، وأكف الأذى. وإني والله لقد خشيت أن يكون ذلك أدب سوْء لسفهائكم، وأما الحلماء الأتقياء فلا. وأيم الله لقد خشيت ألا أجد بداً من أن يعصب الحليم التقي بذنب السفيه الجاهل. فكفوا (أيها الناس) سفهاءكم قبل أن يشمل البلاء عوامكم. وقد ذكر لي أن رجالاً منكم يريدون أن يظهروا في المصر بالشقاق والخلاف؛ وأيم الله لا يخرجون في حي من أحياء العرب في هذا العصر إلا أبدتهم، وجعلتهم نكالاً لمن بعدهم. فنظر قوم لأنفسهم قبل الندم، فقد قمت هذا المقام إرادة الحجة والأعذار

19 - (ص 361). . . دعني من شعرك الذي لا يأتي آخره حتى ينسي أوله، وقل فيَّ بيتين يعقلان أفواه الرواة

قلت: يعلقان أفواه الرواة. يقال علق به وعلقه. ومن التفريط أن يغفل القاموس هذا حتى يستدركه التاج. قال: (وما يستدرك عليه علق بالشيء علقاً وعلقه نشب فيه). وفي الأساس والتاج: قال أبو زبيد يصف أسداً:

إذا علقت قرنا خطاطيف كفه ... رأى الموت في عينيه أسود أحمرا!

ومخاطب الشاعر إنما مرغبه سيرورة بيتيه، انتشارهما

20 - (ص346). . . أخبرني عن مالك فقد نُبئت أنك تتحرّى فيه. قال: يا أمير المؤمنين، لنا مال يخرج لنا منه فضل؛ فإذا كان ما خرج قليلاً أنفقناه على قلته، وإن كان كثيراً فكذلك

قلت: فقد نبئت أنك تتجر فيه

21 - (ص140) قال أبو سعيد المخزومي وكان شجاعاً:

وما يريد بنو الأغبار من رجل ... بالجمر مكتحل بالنبل مشتمل

وجاء في الشرح: الأغبار إما جمع غبر (بالضم) وهو بقية الحيض، أو جمع غبر (بالكسر) وهو الحقد، والذي في الأصول (أغيار) ولم نجد من معانيه ما يناسب السياق

قلت: في البيت تبديل وتصحيف قديمان، وهو في قصيدة صالحة رواها أبو علي في أماليه، وهذه أبيات منها، وفيها ذاك البيت كما بناه صاحبه:

في الخيل والخافقات السود لي شُغُل ... ليس الصبابة والصهباء من شغُلي

ما كان لي أمل في غير مكرمة ... والنفس مقرونة بالحرص والأمل

ذنبي إلى الخيل كَرّى في جوانبها ... إذا مشى الليث فيها مشي مختَبل

ولي من الفيلق الجأواء غمرتها ... إذا تقحمها الأبطال بالحيل

سل الجرادة عني يوم تحملني ... هل فاتني بطل أو خِمت عن بطل

وهل شآني إلى الغايات سابقها ... وهل فزعت إلى غير القنا الذبل

مالي أرى ذمتي يستمطرون دمي ... الست أولاهم بالقول والعمل؟!

كيف السبيل إلى وَرد خُبَعْثِنة ... طلائع الموت في أنيابه المُصُل؟!

وما يريدون لولا الحين من أسد ... بالليل مشتمل بالجمر مكتحل؟!

لا يشرب الماء إلا من قليب دم ... ولا يبيت له جار على وجل

لولا الإمام ولولا حق طاعته ... لقد شربت دماً أحلى من العسل!

ومن طرف أمثاله السائرة - كما يقول الثعالبي في الإيجاز والإعجاز - قوله:

ليس لبس الطيالسْ ... من لباس الفوارسْ

لا ولا حومة الوغى ... كصدور المجالسْ

وظهور الجياد غي ... رظهور الطنافسْ

ليس من مارس الحرو ... ب كمن لم يمارسْ

22 - (ص59) لما منع أهل مرو أبا غسان الماء، وزجّته إلى الصحاري، كتب إليهم أبو غسان: إلى بني الإساءة من أهل مرو، ليمسّينّي الماء أو لتصبحنّكم الخيل. فما أمسى حتى أتاه الماء. فقال: الصدق ينبئ عنك لا الوعيد

قلت: الإساءة أو الاستناءة في الطبعات القديمة يصلحها ابن أوس الطائي:

وأغر يلهو بالمكارم والعلا ... إن المكارم للكريم ملاهِ

يمسي ويصبح عرضه في صخرة ... شدخت شواة العائب العضاة

قل للعداة الحاسدية على العلا: ... رغماً لأنفكم بني الأستاه

هو للوفي العهد ظل أراكة ... ولمضمر الشنآن شوك عضاه

23 - (ص 177)

فلولا إدراك الشر قامت حليلتي ... تخير من خطابها وهي أيّم

ولولا إدراك الشر أتلفت مهجتي ... وكاد خراش يوم ذلك يُيتم

قلت: هو الشد في البيتين (أي العدوْ) وشد واشتد: عدا، قال:

هذا أوان الشد فاشتدي زِيمُ

ويُيتم هي يَيتم بفتح أوله، وعين الفعل تفتح وتكسر.

والبيتان في حماسة البحتري في قصيدة لأبي خراش في أول الباب (25) (فيما قيل في الفرار على الأرجل) وهذه روايتهما هناك:

فلولا دِراك الشد قاظت حليلتي ... تخير في خطابها وهي أيم

فتسخط أو ترضى مكاني خليفة ... وكاد خراش يوم ذلك يَيتم

24 - (ص254) ثم جعل يتشدد عليهم ويقول:

احمل على هذي الجموع حوثره

قلت: يشد عليهم

شد على القوم في الحرب يشِد ويشُد: حمل، وفي الحديث: ثم شد عليه فكان كأمس الذاهب: أي حمل عليه فقتله، وشدوا عليهم شدة صادقة

وروى محققو الكتاب في الشرح عن الكامل: (ثم حمل (أي حوثرة) على القوم وهو يقول) وحمل عليهم مثل شد عليهم. وجاء في ص255 من هذه الطبعة: (فشدوا عليه شدة رجل واحد فهزموه) 25 - (ص75) قال القَطامي:

ومعصية الشفيق عليك مما ... يزيدك مرة منه استماعا

وخير الأمر ما استقبلت منه ... وليس بأن تتبعْه اتباعا

كذاك وما رأيت الناس إلا ... إلى ما جر غاويهم سراعا!

تراهم يغمزون من استركوا ... ويجتنبون من صدق المصاعا!

قلت: استجدت القول فرويته، والقصد هو البحث في (القطامي) في فتحة قافه وضمها، فقد شغل هذا الاسم فضلاء في القديم وفي هذا الزمان. وسأورد طائفة من أقوالهم لتزول الشبهة، ويستبين الحق:

قال العلامة الشيخ إبراهيم اليازجي في نقده طبعة (لسان العرب): ضُبط القطامي بفتح القاف، وصوابه بضمها كما صرح به المؤلف في موضعه

وهذا قول اللسان: والقطامي بالضم من شعرائهم من تغلب واسمه عمير بن شُيبم. وقد تبع اللسان الصحاح، قال الجوهري: والقطامي بالضم لقب شاعر من تغلب. . .

ولما وقف العلامة الأستاذ الشيخ محمد بهجة الأثري على قول العلامة الشيخ إبراهيم كتب في شرحه (بلوغ الأرب) لفخر العراق الإمام الشيخ محمود شكري الألوسي:

القطامي بفتح القاف وضمها كما نص عليه ابن الشجري في أماليه، والمجد في قاموسه، وعبد الرحيم العباسي في معاهده. وقول إبراهيم اليازجي في مجلة الضياء: إن الصواب الضم، وهم من أوهامه الناشئة من غروره وهوسه، وقلة تتبعه ودرسه. والقطامي لقب غلب عليه، واسمه عمير بن شييم، وهو شاعر إسلامي مقل، رقيق الحواشي، كثير الأمثال، حسن التشبيب وهو صاحب هذا البيت:

إنّا محيوك فاسلم أيها الطللُ ... وإن بليت وإن طالت بك الطيل

الذي انتحل صدره جميل الزهاوي المتفلسف فقال في مدح أمير عربي:

إنا محيوك فاسلم أيها الملك ... ومصطفوك لعرش شاءه الفلك!!

وينصر قول العلامة الأثري شيخ العربية الإمام بن جني قال في (المبهج) كتابه الذي فسر فيه أسماء الشعراء في ديوان الحماسة: القطامي بضم القاف وفتحها هو الصقر سمي الشاعر (يعني قطاميّنا هذا) به لقوله. . .

وضبط العلامة محمد محمود الشنقيطي هذا (القطامي) بالفتح في (المخصص) وضبطه العلامة الشيخ سيد بن علي المرصفي في (الرغبة) بالضم، وقال الإمام ابن سيدة في المخصص: أبو عبيد: القَطامي والقُطامي الصقر لأنه يقَطم إلى اللحم.

وفي التاج: القَطامي ويضم، الفتح وسائر العرب يضمون

فمن المستحسن في طبعة (العقد) هذه أن يضبط القطامي - وتلك قصته. . . - بالضم والفتح في المتن أوفى الشرح