مجلة الرسالة/العدد 404/البريد الأدبي

مجلة الرسالة/العدد 404/البريد الأدبي

ملاحظات: بتاريخ: 31 - 03 - 1941



إعجاب وتقدير

أيها الأستاذ الجليل (* * *)

إني ليطربني يا سيدي أن أقرأ لكم هذه المقالات القديرة، الزاخرة بالفائدة، في نقد الطبعة الأخيرة من (العقد الفريد). وليست تلك النقدات وحدها هي التي سبتني من علمك الغزير، واطلاعك المنقطع النظير، وإحاطتك بما تكنه ضمائر أسفار السابقين الأولين من أئمة اللغة وحفاظها، بل قد تتبعت في الرسالة الغراء كل ما دبجته براعتك منذ أول عهدك بها، لم تفتني منه فائتة؛ بل لقد اتخذت منه دروساً أتوفر عليها وأعكف على الإفادة منها، والتضلع من مغنيها الفياض

وإني لأعجب يا سيدي كل العجب - في هذا العصر الذي يباهى فيه بالقشور وسخف القول - كيف تتستر وتحتجب، وتقف في تواريك هذا وعزلتك مرشداً وهادياً، لا تبغي غير خدمة وطنك ولغتك

وإن أسفت على هذا التستر والاحتجاب، فإنما أسفي على أن أمثالي من طالبي المعرفة يودون لو أتيحت لهم فرصة لقائك، ليستزيدوا منك، وليتحلوا بما يشهدون فيك من كمال الخلق، ولكنك زهدت في نباهة الذكر، وعفت الإعلان، وآثرت العمل في جو خلو من الصخب والضوضاء

ضربت يا سيدي المثل في التواضع وإنكار الذات، وضربته في طهر قلمك من لوثة الزهو والعجب والمباهاة، فليتعلم من هذا المثل الصالح من يتصاولون على صفحات الجرائد والمجلات، فيدعون ما يتصاولون من أجله، ويخرجون إلى ميادين العيب والتجريح. ليتعلم هؤلاء منك ومن أمثالك الأعفاء، أن يقصروا أقلامهم على ما يدافعون عنه من عقيدة: الحجة بالحجة والبرهان بالبرهان. ولينسوا أنفسهم وأهواءهم في سبيل الحق، وليدعوه شهوة الانتقام والتشفي، فإن أوقات القراء لأنفس من أن تبعثر في مثل هذا اللغو والزور من القول.

مزيداً أيها الباحث الجليل، فإنا إلى علمك وفضلك وخلقك لعطاشى

(أ. ج) مقالة الأستاذ السباعي بيومي

أثبتت مقالة الأستاذ الكريم ما قلته في غنى اللغة واستفادة الناس من خطأ الكبار في بعض الأوقات، فأعطى لسان العرب ما أعطاه إياه، وأفاد القوم بما أملاه وإن أحب أن يخالف الأئمة: سيبوبه والزمخشري والتبريزي والرضي وابن هشام. فهل بمن اليوم (أطال الله بقاءه ولا زال في حصن العربية: (دار العلوم) من أكبر حماته وحماتها) بعلاوات، بشواهد لجاهلين أو إسلاميين أو المولدين الأولين متفضلاً بمراجعة ما قال الأئمة في قوله تعالى: (فلا اقتحم العقبة) وحياه الله، وحيا ربعه!

ناقد

الفقر

الحرب قائمة في هذه الأيام بين الأديب الكبير الدكتور زكي مبارك وبين جماعة من أجل مقالة نعى فيها الدكتور على الفقراء (المساكين) كسلهم وتواكلهم وغير ذلك. وقد ذكرني البحث في الفقر والفقراء - والشيء بالشيء يذكر - بقول موجز للراغب في (الذريعة) فأحببت نشره في (الرسالة) الغراء وإن كان فقراء (الراغب) يخالفون فقراء (الدكتور زكي مبارك). فالراغبون بعثهم الفقر على الكد، والمباركيون دعاهم فقرهم إلى الكسل. . . قال الراغب

(حصول الفقر وخوفه المنتجان للحرص هما الباعثان على الجد واحتمال الكد ومنفعة الناس أما باختيار وأما باضطرار. وقد قيل: قيام العالم بالفقر أكبر من قيامه بالغنى، لأن الصناعات القائمة بالغنى ثلاث: المُلك والتجارة والكتابة، وسائرها قائمة بالفقر؛ فلو لم يكن الفقر وخوفه فمن كان يتولى الحياكة والحجامة والدباغة والكناسة، ومن كان ينقل المير والملابس من الشرق إلى الغرب ومن الجنوب إلى الشمال؟ وعلى منفعة الفقر نبه الله تعالى بقوله: (ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض) ومن تدبر صنع الله تعالى في ذلك وتأمل ما أشار إليه في هذه الآيات التي ذكرها لم تعرض له الشبهة التي تعرض لمن يقول: (إذا كان الله جواداً واسعاً فلِمْ خص بعضهم بالغنى، وجعل أكثرهم فقراء؛ ومن حق الغنى الذي لا يفنى غناه، والجواد الذي لا يعرف لجوده منتهاه، إلا يخص بالعطية بعضاً دون بعض) وذاك أن الجواد هو الذي يعطي كل أحد بقدر استئهاله على وجه يعود بمصلحته ومصلحة غيره وقد فعل ذلك بالعباد.

ذلكم قول (الذريعة)، وتلكم شرعة الدنيا إلى أن تشاء المقادير، تبديل الدسانير.

(باحث)

في العقد

ورد في مقالة الأستاذ (الجليل) الذي يستدرك ما في طبعة العقد من الخطأ البيتان الآتيان:

جانيك من يجني عليك وقد ... تُعْدِي الصحاحَ مبارك الجرب

ولرب مأخوذٍ بذنب عشيرهِ ... ونجا المقارف صاحب الذنب

وقد اختلفت روايات البيت الثاني في الكتب، والرواية التي ذكرها الأستاذ تجعل صدر البيت (متفاعلن متفاعلن متفاعلن) مع أنها في صدر الأبيات الأخرى وفي عجزها أيضاً على وزن (متفاعلن متفاعلن فَعِلن أو فَعْلُن) فتجعل قول الشاعر (ولرب مأخوذٍ بذنب عشيرهِ) شاذاً زائداً عن كل صدر وعجز وإن كان وزنه كاملاً تاماً. وشذوذ هذا الصدر مما لا تسيغه الأذن وإن كان العرب قلما كان يكرثهم أن يشذ الشاعر منهم فيخرج من ضرب إلى ضرب ويرد التفعيلة إلى تمام مبناها في بعض أبيات قصيدته. لكن اختلاف الرواية إذا أضيف إلى الشذوذ والنبو في الأذن يجعلنا نأخذ برواية البيت التي هي على ضرب وزن الأبيات الأخرى والتي يتفق فيها الصدر والعجز وهذه الرواية هي:

ولرب مأخوذ بلا قرفٍ ... ونجا المقارف صاحب الذنب

وورد أيضاً (بلا تِرَةٍ) أي من غير وتر؛ وأورده صاحب مجموعة المعاني (ولم يقترف) ولكن روايته تغير فعلن إلى فاعلن. أما الزيادة في المعنى التي أوجبت الزيادة في ضرب الوزن في قوله (بذنب عشيره) فغير ضرورية لأن المأخوذ ظلماً قد يؤخذ ظلماً بذنب غير عشيره. ونرجو من أستاذنا الجليل أن يردنا إلى الصواب أن كان في قولنا خطأ.

عبد السميع صبري

وأد البنات عند العرب في الجاهلية

ذكر الأستاذ علي عبد الواحد وافي في العدد الممتاز أنه لا يصح إرجاع وأد البنات عند العرب في الجاهلية إلى فقرهم، لأن ذلك كان يفعله أغنياؤهم وفقرائهم، ولا غيرتهم على أعراض البنات، لأن ذلك يرجع عند من يراه إلى قصة قيس بن عاصم. ووأد البنات أقدم منها عند العرب، وقد رأى أن يرجع ذلك إلى سبب استنبطه من الآيات القرآنية التي وردت في وأد البنات؛ وهو أن بعض العرب كانوا يعتقدون في البنات إنهن من خلق إله اليهود، وكانوا ينظرون إليه نظرة كنظرتنا الآن إلى الشيطان؛ أما الذكور فمن خلق آلهتهم، ولهذا كانوا يعتقدون في البنات أنهن رجس يجب التخلص منه بالقتل، ثم ساق الآيات التي استنبط ذلك منها، فساق أولاً قوله تعالى: (ويجعلون لما لا يعلمون نصيباً مما رزقناهم تالله لتسألن عما كنتم تفترون. ويجعلون لله البنات سبحانه ولهم ما يشتهون، وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسوداً وهو كظيم، يتوارى من القوم من سوء ما بشر به؛ أيمسكه على هون أم يدسه في التراب، ألا ساءوا ما يحكمون) الآيات 56 - 59 من سورة النحل، وقد فسر البنات في ذلك بالإناث من البشر، وحمل قوله تعالى (ولهم ما يشتهون) على انهم يجعلون لآلهتهم ما يشتهون من البنين، وكل من التفسيرين غير صحيح، لأن المراد من البنات الملائكة الذين كانوا يقولون عنهم انهم بنات الله، والمراد من قوله تعالى (ولهم ما يشتهون) انهم يجعلون لأنفسهم لا لآلهتهم البنين الذين يشتهون، فينسبون لله من البنات ما يكرهونه لأنفسهم، وهذا هو الذي ينطق به ما ساقه من باقي الآيات، كقوله تعالى: (وجعلوا له من عباده جزءاً أن الإنسان لكفور مبين، أم اتخذ مما يخلق بنات وأصفاكم بالبنين، وإذا بشر أحدهم بما ضرب للرحمن مثلاً ظل وجهه مسوداً وهو كظيم، وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثاً أشهدوا خلقهم ستكتب شهادتهم ويسألون) الآيات 15 - 19 من سورة الزخرف، فمن جعلوهم جزءاً هنا لله هم البنات في آيات النحل، وهم الملائكة الذين جعلوهم إناثاً هنا، والمراد انهم جعلوهم أولاد الله، فأين هذا من تفسير الأستاذ وافي لهم بالبنات من بني آدم، وإن العرب كانت تعتقد أنهن خلق الله لا خلق آلهتهم، وكذلك قوله تعالى (وأصفاكم بالبنين) وصريح في انهم كانوا يجعلون البنين لأنفسهم، وليس الأمر كما فهمه الأستاذ وافي من انهم كانوا يجعلونهم لآلهتهم، وأصرح من هذه الآيات في ذلك قوله تعالى (أفأصفاكم ربكم بالبنين واتخذ من الملائكة إناثاً إنكم لتقولون قولاً عظيماً). فليس في شئ من الآيات التي ساقها الأستاذ وافي ما يفيد أن العرب كانوا يعتقدون أن بناتهم من خلق الله، وانهم كانوا يئدونهن كرهاً لهن لأنهن غير مخلوقات لآلهتهم. وليت شعري بعد هذا من أين أخذ الأستاذ وافي أن العرب الذين كانوا يئدون البنات كانوا يعتقدون في الله تعالى ذلك الاعتقاد، وينظرون إليه كما ننظر إلى الشيطان، وهم الذين قال الله في حقهم من سورة الزخرف أولاً (ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن خلقهن العزيز العظيم) الآية - 9 - ثم ذكر بعد ذلك الآيات السابقة في نسبتهم البنات من الملائكة إليه تعالى

والحق عندي أن وأد البنات كان بعضه للفقر من الفقراء، وكان بعضه لخوف الفقر من الأغنياء، وكان بعضه لخوف العار والسبي، ولا مانع من أن يكون بعضه لعقيدة دينية غير التي يذكرها الأستاذ وافي، فقد كان الرجل يحلف في الجاهلية لئن ولد له كذا غلاماً لينحرن أحدهم كما حلف عبد المطلب بن هاشم

عبد المتعال الصعيدي

حول سقط وكبا

جاء في مقال الأب الفاضل أنستاس ماري الكرملي المنشور بعدد الرسالة 402 تحت (كلمة حق) يستنكر فيه تعبير الأستاذ إسماعيل مظهر لكلمة (سقط وكبا)؛ ويقول في هامش صفحة 320 هذه العبارة: (كذا بتقديم السقوط على الكبو لا يعرفه إلا سكان جزيرة الوقواق)

فهذا التعبير، وقد أجازته لغة القرآن في كثير من آيها، والواو فيه للجمع المطلق، ولا تقتضي الترتيب بدليل قوله تعالى حكاية عن منكري البعث (وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا)، وإنما يريد نحيا ونموت، وفي آية ثانية (فكيف كان عذابي ونذر)، والنذارة قبل العذاب بدليل قوله تعالى (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً)؛ وفي آية ثالثة (إني متوفيك ورافعك إلى)، فإن وفاته عليه السلام لا تقع إلا بعد الرفع

حسين سلامة دياب