مجلة الرسالة/العدد 404/ في (العقد)

مجلة الرسالة/العدد 404/ في (العقد)


5 - في العقد

لأستاذ جليل

35 - (ص 221). . . وأنا أنظر متى يرميني بسهم يَقصِد به قلبي. . .

قلت: ضبطت يقصد بفتح الياء وكسر الصاد وإنما هي يُقصد

في الأساس: رماه فأقصد وتقصده: قتله مكانه. قال أبو حية النميري:

رمين فأقصدنَ القلوب ولم تجد ... دماً مائراً إلا جوى في الحيازم!

وروت النهاية لحميد بن ثور:

أصبح قلبي من سليمى مُقصدا ... إن خطأ منها وإن تعمُّدا!

36 - (ص 309) إبراهيم بن المهدي قال: قال لي جعفر ابن يحيى يوماً إني استأذنت أمير المؤمنين في الحجامة وأردت أن أخلو وأفر من أشغال الناس وأتروح، فهل أنت مساعدي؟ قلت: جعلني الله فداك، أنا أسعد الناس بمساعدتك، وآنس بمخالاتك. . .

قلت: إن قصد بـ (أتروح) التروح بنفسه بالمروحة - وما أظن ذلك - فاللفظة في مكانها وإلا فهي (أتوحد) كما جاء في الشرح في (العقد) أو أستوحد، أي أنفرد، أو أستريح

وقوله (بمخالاتك) فيه تحريف، قد يكون أصله بمخالتك أو مخادنتك (أي صحبتك) أو خلوتك أو إخلائك، يعني خلوته وإخلاءه به أو إليه أو معه. و (آنس) هي آنسهم

ومن معاني (المخالاة) في اللغة: الترك. المتاركة. المخالفة. المبارزة. المصارعة. قال: (ولا يدري الشقي بمن يخالي). قال الأزهري: كأنه إذا صارعه خلا به فلم يستعن واحد منهما بأحد. وكل منهما يخلو بصاحبه. وهذا التفسير المتوهم لا ينعش اللفظة المحرفة

37 - (ص 123) ونظير هذا قول قطري بن الفجاءة:

وقولي كلما جشأت لنفسي ... من الأبطال ويحك لا تراعي

فإنك لو سألت بقاء يوم ... على الأجل الذي لك لم تطاعي

قلت: رواية البيت الأول هي هذه:

أقول لها وقد طارت شعاعاً ... من الأبطال ويحك لن تراعي

وهو مطلع مقطوعة رواها أبو تمام في حماسته وابن خلكان في الوفيات. وجاء فيهما بعد ذينك البيتين: فصبراً في مجال الموت صبراً ... فما نيل الخلود بمستطاع

ولا ثوب البقاء بثوب عز ... فيطوى عن أخي الخنع اليراع

سبيل الموت غاية كل حي ... فداعيه لأهل الأرض داعي

ومن لا يعتبط يسأم ويهرم ... وتسلمه المنون إلى انقطاع

وما للمرء خير في حياة ... إذا ما عد من سقط المتاع

قال ابن خلكان: هذه الأبيات تشجع أجبن خلق الله، وما أعرف في هذا الباب مثلها، وما صدرت إلا عن نفس أبية، وشهامة عربية!

ومن قول قطري:

ألا أيها الباغي البراز تقرين ... أساقك بالموت الذعاف المقشَّبا

فما في تساقي الموت في الحرب سبة ... على شاربيه فاسقني منه واشربا

38 - (ص 190)

أو أبلق ملأ العيون إذا بدا ... من كل لون معجب - بنَموذج

قلت: البيت للبحتري في قصيدة في الخيل: والرواية في الديوان وشفاء الغليل والتاج هي: أو أبلق (يلقي) العيون. . . ويلقى في هذا المقام أدق من (ملأ) وأكثر بحترية. . .

39 - (ص 187)

إمليسة إمليدة لو علقت ... في صهوتيه العين لم تتعلق

وجاء في الشرح: إمليسة إمليدة: أملس أملد، أي لين ناعم. والذي وجدناه في كتب اللغة أن الأمليسة: الصحراء التي لا شئ فيها من نبات ونحوه، فاستعاره الشاعر هنا للفرس

قلت: روى البيت في العقد في قصيدة لحبيب يصف فرساً. وأغلب الظن أن القول هو أمليسه أمليده. والهاء في اللفظتين ضمير يعود إلى (الأديم) في بيت جاء في الديوان المطبوع بعد هذا البيت:

صافى الأديم كأنما ألبسته ... من سندس برداً ومن إستبرق

والأمليد والأملود الناعم، وإمليس أفعيل من الملامسة، النعومة

40 - (ص 177) وقيل لرجل جبان في بعض الوقائع: تقدم. فأنشأ يقول:

وقالوا تقدم قلت لست بفاعل ... أخاف على فخارتي أن تَحطَّما فلو كان ليَ رأسان أتلفت واحداً ... ولكنه رأس إذا راح أعقما

قلت: زاد الناسخون الواو في أول البيت وصاحبه لم يجلبه وفي البيت خرم، وهو في شعرهم كثير، والحركة في (لي) تطبيع

41 - (ص 42) وقال ابن قتيبة: لم يقل في الهيبة مع التواضع بيت أبدع من قول الشاعر في بعض خلفاء بني أمية:

يغِضي حياء ويغَضي من مهابته ... فما يُكلم إلا حين يبتسم

وجاء في الشرح: الشاعر هو الفرزدق

قلت: الذي قاله ابن قتيبة في (الشعر والشعراء) هو هذا: (تدبرت الشعر فوجدته أربعة أضرب: ضرب منه حسن لفظه وجاد معناه كقول القائل:

في كفه خيزران ريحها عبق ... من كف أروع في عرنينه شمم

يغضي. . . البيت. لم يقل أحد في االهيبة أحسن منه)

والبيت للحزين الليثي (عمرو بن عبد وهيب) في أبيات قالها في عبد الله بن عبد الملك (ووفد إلى مصر وهو واليها) كما جاء في معجم الشعراء للمرزباني، وقد نسب البيت في كتب كثيرة إلى الفرزدق خطأ، وربه أولى به، وفي الرسالة 316 ص1450 بحث في هذه النسبة وأبيات الحزين

42 - (ص 144). . . أي المكائد فيها أحزم. قلت: هي المكائد مثل المخايل؛ وهمز قراء معايش على التشبيه بصحائف مخطأ. وقد وردت اللفظة في الشرح وفي الصفحة 243 مضبوطة

43 - (ص 80)

لو عُدّ وقوم كنت أقربهم ... قربى وأبعدهم من منزل الذام

قلت: البيت في مقطوعة منسوبة إلى هشام الرقاشي، وقد ذكرت في الشرح روايات مختلفة لها، ورواية الحماسة والخزانة التي لم يشر إليها قد تكون أصحها، وهي هذه

أبلغ أبا مسمع عني مغلغلة ... وفي العتاب حياة بين أقوام

أدخلت قبليَ قوماً لم يكن لهم ... في الحق أن يدخلوا الأبواب قدامى

لو عُد قبر وقبر كنت أكرمهم ... ميتاً وأبعدهم عن منزل الذام فقد جعلت إذا ما حاجتي نزلت ... بباب دارك أدلوها بأقوام

44 - (ص 354) ومنهم (أي من الأجواد) يزيد بن حاتم. كتب إليه رجل من العلماء يستوصله، فبعث إليه ثلاثين ألف درهم. وكتب إليه: أما بعد فقد بعثت إليك بثلاثين ألفاً لا أكثرها امتناناَ، ولا أقللها تجبراً، ولا أستثيبك عليها ثناء، ولا أقطع لم بها رجاء. والسلام

قلت: فبعث إليه بثلاثين ألف درهم، كما جاء بعد ذلك، والتعدية بالباء هنا أسلم، ولقولهم بعثة وبعث به قصة طويلة أنقل بعض ما قيل فيها:

في اللسان: بعثه أرسله وحده، وبعث به أرسله مع غيره. . .

في دره الغواص في أوهام الخواص: ويقولون بعثت إليه بغلام وأرسلت إليه هدية، فيخطئون فيهما لأن العرب تقول فيما يتصرف بنفسه بعثته وأرسلته، كما قال تعالى: (لقد أرسلنا رسلنا)، وتقول فيما يحمل بعثت به وأرسلت به، كما قال سبحانه إخباراً عن بلقيس: (وإني مرسلة إليهم بهدية)

في شرح الدرة للخفاجي: قال ابن بري: بعثت يقتضي مبعوثاً متصرفاً كان أو لا، تقول: بعثت زيداً بغلام وبكتاب، فلهذا لزمته الباء، وكذا أرسلت يقتضي مرسلاً ومرسلاً به منصرفاً كان أو غير متصرف. . .

في المصباح: كل شئ ينبعث بنفسه، فإن الفعل يتعدى إليه بنفسه، وكل شئ لا ينبعث بنفسه كالكتاب والهدية، فإن الفعل يتعدى إليه بالباء فيقال بعثت به. وأوجز الفارابي فقال: بعثه أي أهبه، وبعث به: وجهه. . .

وروى خبر (العقد) في (الأمالي) وفيه (روح بن حاتم) مكان (يزيد بن حاتم) و (لا أقللها تكبراً) مكان (لا أقللها تجبراً) و (تمنناً) مكان (امتنانا)

ونقل البغدادي في (الخزانة) هذا الخبر من بن عبد ربه، أي من (العقد)، وفيها (لا أقللها تحقيراً)

وقد حوت خزانة كتب البغدادي نسخة من (العقد)؛ وقد تكون هي الصحيحة المضبوطة. فأين هذه النسخة وأين سائر كتب الرجل التي سماها في مقدمة مصنفه وهي - كما قال -:

(المواد التي اعتمدنا عليها، وانتقينا منها، وهي ضروب وأجناس)؛ وقد (اجتمع عنده بفضل الله من الأسفار، ما لم يجتمع عند أحد في هذه الإعصار) وقد كان البغدادي في القاهرة، وفيها خزانة كتبه العجيبة المدهشة، والعهد قريب. قال آخر مؤلفه: (وكان ابتداء التأليف بمصر المحروسة في غرة شعبان من سنة ثلاث وسبعين وألف. وانتهاؤه في ليلة الثلاثاء الثاني والعشرين من جمادي الآخرة من سنة تسع وسبعين. فتكون مدة التأليف ست سنين مع ما تخلل في أثنائها من العطلة بالرحلة. فإني لما وصلت إلى شرح الشاهد (69) بعد (600) سافرت إلى قسطنطينية في الثامن عشر من ذي القعدة من سنة سبع وسبعين، ولم يتفق لي أشرح شيئاً إلى أن دخلت مصر المحروسة في اليوم السابع من ربيع الأول ثم شرعت في ربيع الآخر وقد يسر الله التمام وحسن الختام. . .)

ومن الكنوز التي ذكرها في المقدمة: (الكامل للمبرد وشرحه لابن السيد البطليوسي، ولأبي الوليد الوقشي، ولغيرهما. . .)

فأين هذه الشروح؟! أين هذه الشروح؟! هل عثر عليها أحد؟! هل اطلع على أحدها أحد. . .؟!