مجلة الرسالة/العدد 406/أطياف الربيع. . .

مجلة الرسالة/العدد 406/أطياف الربيع. . .

ملاحظات: بتاريخ: 14 - 04 - 1941



(مهداة إلى جماعة الشعر من شباب كلية الآداب)

للأستاذ محمود الخفيف

هَات يا زَامِرُ ألَحْانَ الرَّبيعِ ... رَاقَ مِزْمَارُكَ ياَ رَاعي القَطيعِ

غَنَّ ما هَزْكَ في هَذا الضُّحى ... مِنْ رُوي شَتَّى وَمِنْ سِحْرٍ جَميعِ

عَنَّ يَا هَيْمَانُ ألَحْانَ الهَوى ... والصَبا الجَذْلانَ يَلْهُو بالمُنَى

لَحْنَ أُرغو لكَ نَشْوانُ الصَّدَى

في الضفافِ الخُضْرِ والَحْقْل المَريعِ

الفَرَاشاتُ بهَاتِيكَ الضفافِ ... دَائبَاتٌ بَيْنَ وثْبٍ وَطَوافِ

فَرَحاتٌ بالزَّمانِ المُونِقِِ ... بَعْدَ أيَّامٍ كَئِيباتٍ عِجَافِ

هَائماتٌ في ضُحَاهُ المُشْرقِ ... لاِئمَاتٌ كُلَّ غُصْنٍ مُوِرقِ

فَرْحَة أَعْيَا بَيَانِي وَصْفهاً

وَأَنَا النَّاسِجُ مَوْشِىَّ القَوَافي!

قَضَّ سَاعاِتكَ رَفافَ الَجْنَاحِ ... دَائِبَ التَّطْوافِ في كل النَّواحي

عَانِقِ الزَّهْرَ هُنَا أوْ هَاهُنَا ... أَيُهَا العَاشِقُ أفْوَافَ الصَّباح

لَكَ مَاءٌ سَلْسَبِيلٌ وَجَنَى ... أَيْنَمَا مِلْتَ وَظِلُّ وَسَنَى

لَيْتَ يَا جَذلانُ لي بَعْضَ الذي

يَتَوَافى لكَ من هَذا المِراحِ!

الرَّبيعُ الغَضُّ نَشْوانُ الشَّبابِ ... مَرِحٌ يَظْفُرُ في كل الرَّحابِ

أَيْنَمَا دُرْتُ بعَيْنَيَّ أَرَى ... لَمَحَاتٍ مِنْ سَجَاياَهُ العِذابِ

كُلماَ يَمَّمْتُ رُكْناً مُزْهِواً ... لاحَ لي تَاِليِه أحْلَى مَنْظَرا!

كلَّ حُسْنٍ ملْء سَمْعِي هَاتِفٌ

خُلِقَ الحُسْنُ لقَنْصٍ وانِتهاَبِ

أيُّ سرٍ شاعَ في هَذا النماء ... فانْجَلىَ لْلعَيْنِ مَرْمُوقَ الرُّواءِ

فاضَ واسْتَعْلَنَ في آثَارِهِ ... وَهْو صِنْوُ الرُّوحِ في مَعْنَى الخَفاءِ كم أَجَلْتُ الطرْفَ في أَزْهَارِهِ ... والَجْديِد الغَضَّ مِنْ نُوَّارهِ

في زَمانٍ زَيَّنَتْ أَفْوَاقُهُ

كلَّ رَوْضٍ وَكَسَى كلَّ فَضَاء

رَفَّ قلبي لِمَجَاليِه الِحْسَانِ ... وَلأَطْيَافٍ بهِ زِدْنَ افْتِتَانِي

لَمَحَتْ في كلَّ شيْء نَشْوَةٌ ... مَلَكَتْ حِسيَّ وَفَرَّتْ في جَنَاتي

وَمشَتْ مِلْء كِياني هِزةٌ ... أَنِسَتْ رُوحي بها صُوِفيةٌ

لمْ تَكُنْ لِلطينِ يَوْماً تَنْتَمي

حَرَّكتْ قلبي وإنْ عَىَّ لسَاني!

كم أَرَى البُرْعُمِ الْغَضَّ الوَليدِ ... مِنْ طُيُوف ضَاقَ عَنْهُنَّ قَصِيدي

كم تَرَى رُوِحَي في مَوْلِدهِ ... مِنْ مَعَاني البَعْثِ والخَلْقِ الجَدِيدِ

مَوْلِدٌ ما شَذَّ عنْ مَوْعِدهِ ... حَدَّثَ المْبِصَر عَنْ مُوجِدهِ

مَوْلِدٌ ما مَرَّ عَجْلانَ بهِ

غَيْرُ لاهٍ مُظْلِم الحِس بَلِيِد!

غِبْطَةٌ تَزْهَدُ نَفْسِي في سِواها ... فَطَنَ الَقَلْبُ إلَيْهَا فاحْتَوَاها

لَيْتَ مَنْ يَقضِي غُرُوراً عُمْرَه ... نَسِىَ الأوْهامَ يَوْماً فاجْتَلاهَا

لَيْتَهُ في العَيْشِ ينْسَى زُورَه ... فَيَرَى الحُسْنَ وَيَهْوِى سِحْرَهُ

لَيْتَ هَذا الحَيْ يَنْسَى جَشَعاً

يُوبقُ الرُّوحَ وَيُنْسِيَها هُداها!

يَا جَمالاً هاجَ في الكْونِ هُيَامِي ... أَجْتَلى دُنياهُ عاماً بَعْدَ عامِ

نَشْوَةٌ كم ألْهَمْتني الفَرَحَا ... يَوْمَ أَتْرَعْتُ بها كأُسَ غَرامي

أَتُرَى يَعْلَمُ ألفٌ نَزَحَا ... أنني اليَوْم حَطَمْتُ القَدَحَا؟

وَيْكَ يَا قلبي! أَتَبْكي كُلَّمَا

جَدَّدَ الْعَيْشُ دَوَاِعي الابِتَسامِ؟

إِغْنَمِ المُتْعَةَ مِنْ هَذا الَجْمالِ ... وَانْسَ آلاَمَكَ في هَذِى المَجَالى

أَيُّهَا الْقَلْبُ إِلاَمَ المُشْتَكى ... إِبْتهَجْ فالْعَيْشُ عَجْلاَنُ الليالي إخْتَلِسْ عُمْرَ زَمَانٍ ضحكاً ... وَانْهَبِ الحُسْنَ إذا الحُسْن زَكا

هَذِه الزَّهْرَة تَزْكُو في الضُّحى

والدَّجى يَمْشِي عَليها بالزَّوالِ!

الخفيف