مجلة الرسالة/العدد 408/البريد الأدبي

مجلة الرسالة/العدد 408/البريد الأدبي

مجلة الرسالة - العدد 408
البريد الأدبي
ملاحظات: بتاريخ: 28 - 04 - 1941



الفرس والعراق

إلى الأخ الدكتور زكي مبارك

السلام عليكم

أطلعت على مقالك الأول (في الأدب العراقي الحديث)؛ فإذا أنت تقول:

(فكيف صارت العروبة في العراق بعد سقوط بغداد وبعد انتهاء ما تلا عهد المغول من خطوب؟ ظل العراق العربي محتلاً بالقوى الفارسية نحو ثلاثة قرون، وهو أمد يقدر بثلاثة أرقام، ولكنه أمد طويل جداً)

وقد وقفت أيها الأخ الفاضل عند هذه الجملة، وسيرت فكري في تاريخ العراق بين غارات التتار وهذا العصر، فلم أعرف أن الفرس ملكوا العراق ثلاثة قرون. ولكن كان تسلطهم على العراق في عهد الشاه إسماعيل مؤسس الدولة الصفوية (907 - 930هـ)، ثم تداولوه هم والأتراك العثمانيون حتى سنة 1048، حينما استولى عليه السلطان مراد الرابع العثماني. وكان العراق في هذه الحقبة دولة بينهم وبين الترك العثمانيين، وكان سلطان هؤلاء أغلب عليه؛ ثم استولى الفرس على العراق زمنا قصيرا في عهد نادر شاه بعد زوال الدولة الصفوية

فليس حقا أن الفرس ملكوا العراق بعد غارات التتار ثلاثة قرون ولا قرنين ولا قرناً، وإنما كانت مدداً غير متصلة بين عهد إسماعيل الصفوي وعهد مراد الرابع العثماني كما بينت

والأخ مشكور على اجتهاده واحتماله المشقة لتاريخ الأدب العربي في العراق، وله تحيتي وسلامي

عبد الوهاب عزام

عود إلى (التجديف)

عاد العلامة الدكتور زكي مبارك، في العدد 407 من الرسالة الغراء، يطرق باب (التجديف)، وكنت ظننت أنه أوصد لا إلى رجعة. وقد لخص ما كان قرره من قبل في هذا الموضوع، ببيان أوفى، وزيادات متممة. وتلطف في أثناء بحثه هذا فطلب إلي أن أكون حكماً بينه وبين العوامري بك.

وقد رأيت، نزولاً على إرادة الدكتور، أن ارجع كرة أخرى إلى مقال العوامري بك في مجلة المجمع اللغوي، حتى أضبط الرأي وأحكمه، فوجدت أنه في هذا المقال، كما هو في غيره من مباحثه اللغوية، من أولئك (المحافظين) المتشددين الذين يقفون عند النصوص وأقوال الثقات فيما هو قياسي وما هو سماعي.

فهو لذلك لا يبيح أن يقال: التجديف أو التجذيف أو التقذيف؛ لأنه لم يعثر على أفعال هذه المصادر فيما رجع إليه من الكتب والمعجمات. وليس معنى هذا - كما هو بدهي - أنه يجزم بأن العرب لم تنطق بهذه الأفعال؛ كما أنه ليس معناه أنه لم يروها راو، أو أنها لم تدون في كتاب؛ وإنما هو يقول - كما يقول دائما في بحوثه الغوية -: أن هذا مبلغ جهدي، وقصارى اطلاعي. فمن عثر بعد ذلك على شيء مما أنكره فليدل به

ثم هو بعد ذلك يحظر تضعيف جدَفَ وجذَفَ وقذَفَ، لأن التضعيف للكثرة والمبالغة سماعي، يحفظ ما ورد منه ولا يقاس عليه، ولو أن (الجدف أو الجذف أو القذف لا يصور الحركة التي يثرها المجداف أو المجذاف أو المقذاف) كم قال حضرة الدكتور. فليس يصار إلى التضعيف إذا لمحنا في الفعل الذي لم يسمع تضعيفه معنى الكثرة أو المبالغة، كما أنه لا يصار إليه إذا أردنا منه (أي من ذلك الفعل) الكثرة أو المبالغة، فلا يقال مثلا في نَصَرَ (نّصر)، ولا في كِرهَ (كرَّه)، ولا في فهم (فهَّم) وهكذا

هذا شأن العوامري بك. وأعتقد أنه شأن الجمهرة من المشتغلين باللغة.

أما العلامة الدكتور زكي مبارك فالذي أستخلصه من نقاشه في هذا الموضوع وغيره (أن كنت قد وعيته حقا) أنه ربما يترخص ويتوسع، فيعدل عن المقطوع بصحته إلى غيره، لعلل وأسباب (رأينا بعضها في مناقشاته في الأعداد الأخيرة من الرسالة) هو مقتنع بكفايتها.

هذا يا سيدي الدكتور ملخص فهمي للرأيين أو المذهبين. فالواقع أن الخلاف بينكما ليس على الأمثلة، وإنما هو على المبادئ والأصول.

(أ. ع)

مسابقة وزارة المعارف لتشجيع التأليف في القصة المصرية تتجه وزارة المعارف إلى تشجيع الأدب والتأليف في صورة مسابقات تعلن عن جوائزها وتدعو الكتاب لها، وستعلن قريبا عن مسابقة في القصة المصرية الطويلة

وسيختار قريباً أعضاء التحكيم من بين كبار الأدباء الموظفين في الوزارة

وقد علمنا أن الوزارة ستشرط أن تكون مادة القصة رامية إلى واحد من هذين الغرضين:

1 - إحياء صورة من صور التاريخ المصري الإسلامي، أو التاريخ المصري القديم

2 - تصوير الحياة الاجتماعية الحاضرة مع اقتران التصوير بإيحاء وسائل العلاج والإصلاح التي يتطلبها المجتمع المصري

وستكون الجوائز كما يلي:

الجائزة الأولى 100 جنيه، والجائزة الثانية 80 جنيهاً، والجائزة الثالثة 60 جنيها

وأخر موعد لتقديم قصص المتبارين إلى اللجنة هو منتصف أكتوبر القادم

تعقيب على نقد المناظرات

قرأت كلمة الأستاذ إسماعيل فهمي، وأود أن أعقب عليها بما يأتي:

أولاً: أن عصر بطليموس الأول والثاني والثالث هو عصر أمان نسبي ازدهر فيه الفكر، فهو مصداق آخر يدل على أن ازدهار الفكر في عصور أمان كالتي ذكرها

ثانيا: عصر إحياء العلوم في مدن إيطاليا هو عصر من عصور جزائر الأمان، وهو يثبت أيضاً أن ازدهار الفكر في أماكن الأمان لا في أماكن الفوضى

ثالثا: أن الفكر يزدهر حقيقة عند ملتقى الثقافات والحضارات المختلفة، ولكن ازدهاره عند ذلك الملتقى بسبب الأمان الذي يكون عند تبادل الشعوب لسلع التجارة والأفكار وليس بسبب ما قد ينشأ من الفوضى الفكرية.

رابعا: أن اختلاف الآراء ليس دليلاً على الفوضى الفكرية، وإذا نظرنا إلى عصور الحضارة والأمان وجدنا شيئا كثيرا من ذلك الاختلاف، إما لتسامح فيه أو تغاض عنه أو عجز عن منعه، أما إذا لم يتحقق أمر من هذه الأمور الثلاثة بطل ازدهار الفكر وبطلت الحضارة

خامسا: أن مواطن الأمان الذي يصحبه الركود والخمود والجهل والفقر وقهر الفكر، توجد مع الأمان السياسي فيها الفوضى الفكرية الناشئة من ارتباك الجهل وخطله وارتباك الغباء، وكثيرا ما يكون تحت الأمان السياسي الظاهر فوضى في أداة الحكم، فهو إذا أمان مزيف

سادسا: إن اشتراط الحذر النفسي والفكري لنمو الفكر في الحياة أمر يختلف كل الاختلاف عن اشتراط الفوضى، وكذلك اشتراط المحركات النفسية أمر يختلف عن اشتراط الفوضى في قول من يشترطها

سابعا: إذا كانت الإنسانية قد كسبت من تقاتل الأجناس فقد خسرت كثيرا، وطالما اضطرت إلى أن تعيد بناء الحضارة من جديد بعد فوضى ذلك التقاتل؛ فاشتراط فوضى تقاتل الأجناس لازدهار الفكر شرط غير وجيه في قول من يشترطها

ثامنا: أن الركود والخمود الاجتماعي في الأمة إذا منعا من ازدهار الفكر لم يكن جالبهما الأمان وانقطاع الحروب والتدهور بسبب السكون والهدوء، بل لهما أسباب عديدة تختلف باختلاف الأمم، فمن تلك الأسباب ما هو حيوي (بيولوجي) ومنها ما هو (باثولوجي) طبي، كالأمراض التي تجتاح أو تتوطن فتهلك أو تضعف الجسم والعقل، وهذه الأسباب لم تذع دراستها كما ينبغي أن تذيع - ومنها ما هو سياسي لفساد نوع الحكومة. . . الخ

تاسعا: أن ازدهار الفكر في جزائر الأمان كثيرا ما يكون لأنه من بعض غراس عهد أمان شامل سابق أو قديم ووجدت بذوره وبقاياه من تعهدها برعايته في جزائر الأمان.

محمد عبد الله

الفكر والفوضى

أن رأيي في مناظرة ازدهار الفكر أن الوضع الصحيح قد عكس، فأني أستطيع أن أفهم أن الفكرة إذا أريد تطبيقها إلى أبعد غاية من غير نظر إلى ما يخالفها ويلطفها من الأفكار الأخرى التي تعين حدودها قد تسبب الفوضى أي أن الفكر قد يسبب الفوضى - ولكني أجد صعوبة في أن أفهم كيف أن الفوضى تسبب ازدهار الفكر ما دامت الفوضى فوضى، ولا أفهم كيف تكون معه حتى من غير الصلة السببية، فإن الفكر خطواته نظام، والنظام ضد الفوضى، والفوضى عمياء والفكر بصير، وكل فكرة - حتى الفكرة التي تقول أن الفوضى تسبب ازدهار الفكر - قد تضيء عليها فوضى المقاطعة والمعارضة وفوضى الاضطهاد والأحقاد، إلا إذا ناصرتها الفوضى حباً لذاتها. ويا حبذا لو قرأنا في الرسالة مناظرة في الموضوع آلاتي: (هل يؤدي الفكر إلى الفوضى أم يؤدي إلى الأمان والنظام؟) وهو عكس موضوع مناظرة كلية الآداب

وتكون الفائدة عظيمة إذا تتبع كل مناظر حياة الأمم ومظاهر الفكر قديماً وحديثاً، ولكل مناظر مجال واسع في الجانبين من الموضوع، وهو موضوع قد يستلزم النظر في موضوع ثان، وهو: هل الفكر والفلسفة نتيجة النزعات النفسية والعواطف والأهواء أم هما سبب لإثارة تلك النزعات والأهواء؟

ولا داعي لأن أقول: أن الصواب في الجانبين معا: ولكن الفائدة في بيان شواهد الصواب في الجانبين؛ ونضرب مثلا من التاريخ القديم فنقول: أن الفكر الإغريقي هو أنفس ما يعتز به الأوربيون، وهم يعدونه أساس حضارتهم ومخترعاتهم ونظامهم، ولكنه مع ذلك أدى قديماً إلى مذهب السوفسطائية الذي كان له ضرر محقق. إلا أننا نعود فنقول: هل أدى مذهب السوفسطائية إلى فساد النفوس وفساد ميولها، أم أن فساد ميول النفس أدى بالفكر إلى السوفسطائية؟ وهذا الموضوع الثاني قد يستدعي موضوعاً آخر للمناظرة، وهو هل ينبغي أن يكون الفكر حراً طليقا، أم ينبغي أن يقيد؟ وإذا وجب قيده فكيف يقيد؟ والى أي حد؟ ومن الذي يقيده؟ وإذا جلب قيده فائدة فهل يجلب ضرراً مع الفائدة؟ وأيهما أشد وأبقى: الفائدة أم الضرر؟ وهل كان الفكر الإغريقي أو العربي يثمر كل ثمراته لو كان مقيداً قيداً حقيقياً؟ هذه مشكلة أخرى من مشكلات الفكر العديدة

السيد خليل

وأد البنات عند العرب في الجاهلية

قرأت ما كتبه الأستاذ علي عبد الواحد وافي رداً علي في هذا الموضوع، وقد ختم رده بأنه بصدد قبائل كانت تئد كل بنت تولد لها، لا بصدد حالات فردية كانت تنحر فيها بعض البنات. وإني أقول في ذلك كلمة لا أحب أن أقول بعدها كلمة أخرى، لأن مثل هذا الذي يقوله الأستاذ علي عبد الواحد وافي لم تذهب إليه قبيلة عربية أصلاً، ولا يمكن أن تذهب إليه قبيلة في أمة من الأمم، اللهم إلا إذا أرادت أن تقضي على نفسها وتقطع نسلها من بنات وبنين معاً، وإذا كان هذا شأن ما هو بصدده، فهو غير صحيح في نفسه، ومثله لا يصح أن نحمل آيات القرآن عليه، ولا سيما إذا كانت لا تحتمله

وقد رأى الأستاذ أن حمل قوله تعالى (ويجعلون لله البنات سبحانه ولهم ما يشتهون)، على معنى أنهم يجعلون لآلهتهم ما يشتهون، لا يستقيم مع الآيات الأخرى - كما ذكرت - لأنها صريحة في أنهم كانوا يجعلون ذلك لأنفسهم لا لآلهتهم، فذكر أن نسبة الذكور لأنفسهم أو لآلهتهم لا يهم كثيراً في موضوعه، مع أن موضوعه قائم على نسبة خلق البنين لآلهتهم والبنات لله تعالى

وكذلك رأى الأستاذ أن النصوص القرآنية صريحة في أن العرب كانوا يجعلون الملائكة بنات لله كما ذكرت، فلم يسعه إلا أن يعترف بهذا، ولكنه ذكر أنه لا يتعارض مع ما ذكره، من أنهم كانوا ينسبون إليه البنات من البشر، وإن المقابلة بين البنين والبنات في نحو قوله تعالى: (أم أتخذ مما يخلق بنات وأصفاكم بالبنين) تقتضي أن تكون البنات من البشر كالبنين، وقد نسى الأستاذ في هذا آية الإسراء: (أفأصفاكم ربكم بالبنين وأتخذ من الملائكة إناثا أنكم لتقولون قولاً عظيماً). فالمقابلة فيها صريحة بين البنين من البشر والبنات من الملائكة، وهي مقابلة سائغة مقبولة، ووجه ذلك لا يخفى على مثل الأستاذ وافي

ولا أحب أن أطيل بعد هذا فيما أطال به الأستاذ، ويكفي أن مذهبه يؤدي إلى أنه كانت هناك قبائل تئد كل بناتها لأنها من خلق الله أو الشيطان، مع أن ذلك لم يكن إلا حالات فردية في تلك القبائل، وكان يدعو إليها الفقر من الفقراء، أو خوفه من الأغنياء، كما صرح بذلك القرآن الكريم؛ وخصوا البنات بذلك لأنهن لا يكتسبن

عبد المتعال الصعيدي