مجلة الرسالة/العدد 410/رسالة العلم

مجلة الرسالة/العدد 410/رسالة العلم

ملاحظات: بتاريخ: 12 - 05 - 1941



علاقة الكهرب بالأثير

للأستاذ حسين عباس قائدبيه

ما هي علاقة الكهرب بالأثير؟

أهي مباشرة أم غير مباشرة؟ وهل يمكن وجود أحدهما بدون الآخر؟

وهل يوجد مصدر لحركة هذه الكهارب؟

هذه الأسئلة لا بد أن تعترض الباحث في هذا الموضوع الغامض؛ ويمكن الجواب عنها كما يلي:

نحن نعلم أن الكهرب يسير في فلكه حول النوات بانتظام، كما تسير الأرض حول الشمس لحفظ كيانها، وإذا غادر هذا الكهرب مركزه لسبب ما من الأسباب اختل توازن الذرة.

ونعلم أيضاً أن الأمواج الكهرطيسية لا تنتشر في الفضاء إن لم تقذفها الكهارب؛ وأشعة الراديوم الخارقة ليست سوى فيالق من الكهارب المنطلقة من ذراته

فإذا انطلقت الكهارب من أفلاكها، أحدثت ارتجاجاً أو تموجاً في الأثير. ومن الثابت أنه لا يمكن إحداث تموجات ضوئية في الأثير بدون انفعال الكهارب وانطلاقها من مراكزها

والارتجاج الذي يحدث في الأثير من انطلاق الكهارب من مراكزها، حالة من حالات الأثير غير الاعتيادية، كما أن انطلاق الكهارب من مراكزها، حركة من حركات الكهارب غير الاعتيادية؛ فعندما تكون الكهارب في حالتها الاعتيادية سائرة في أفلاكها بحركتها الدائمة المنتظمة حول النواة، يكون الأثير في حالته الاعتيادية المنتظمة

ومن الثابت أن الكهارب تدور حول النواة باستمرار وانتظام، وأن الفراغ الموجود بين الكهارب والنواة، يشبه الفراغ الموجود بين الأرض والشمس؛ كما أن الأرض تدور حول الشمس بقوة جاذبية الشمس، والفراغ الموجود بين الأرض والشمس ندل عليه بالأثير

إذن يمكن الاعتقاد بأن حركة الكهارب حول النواة ليس لها علاقة مباشرة بجاذبية الأرض والشمس؛ وإنما هي نظام خاص محصور بالمادة؛ ولكن الفراغ الموجود بين الكهارب والنواة يشبه إلى حد ما الفراغ الموجود بين الأرض والشمس

وعليه يمكن القول بأن الأثير الذي يشغل فراغ الكون، هو نفس الأثير الذي يشغل فراغ المادة، ونحن إذ نلمس المادة إنما نلمس الأثير، لأنه يملأ كل فراغ، وكل المسافات بين أجزاء المادة، إذن فالأثير هو شئ في كل شئ: أوليست السيارات والشموس والنجوم نقاطاً في بحار الأثير

وبعد كل هذا أرى أن للكهارب صلة بالأثير، وهذه الصلة أما مباشرة أو غير مباشرة، وهذا الاتصال لا ندركه لأننا نجهل خواص الأثير وفعله، ولكن نعلم أنه الرابط بين دقائق وأجزاء المادة. ومن صفات الأثير أنه لا يرى ولا يلمس ولا يسمع ولا يشم ولا يتحول ولا ينحل، لا تؤثر فيه الحرارة ولا البرودة، شديد الصلابة كثير الليونة، تتحرك فيه المادة بدون مقاومة وبسهولة مطلقة. هذا كل ما يعرف وما يظهر من صفات الأثير

فإذا كانت حواسنا لا تدرك الأثير، ألا يمكن أن ندركه بالواسطة؟ ولكن ما هي الواسطة التي تمكننا من الإطلاع على أسرار الأثير المحتجبة وراءها أسرار الكون بما فيها سر الحياة الغامض؟! ويمكنني الإجابة عن هذا السؤال ببساطة: ربما كان الكهرب!

أقول ربما كان الكهرب أو ما يتفرع من الكهرب، لأن العلم لم يجزم بأن الكهرب هو نهاية الصغر في تركيب المادة، ولا يحق له أن ينفي وجود دقيقة أخرى أصغر من الكهرب لها تأثير ما على حركته في كيانه أو خارجاً عنه، لأن النفي أصعب من الإثبات، وسواء أكان هناك دقيقة أصغر منه أم لم يكن، فلا بد من وجود صلة بين الكهرب والأثير

فالكهرب سبب كل حركة في الكون، واستمرار حركته يرجع إلى الأثير؛ وهو الذي سيكون المعتمد في الكشف عن أسرار الأثير

الكهرب لا علاقة له بالوقت (أنا أقصد الوقت الذي نعرفه نحن سكان الكرة الأرضية)، لأن بإمكانه الانطلاق بسرعة النور تقريباً: - سرعة دوران الكهارب تختلف باختلاف الذرة المرافقة لها، فذرة الإيدروجين مثلاً أصغر وأخف من جميع ذرات العناصر الاثنين والتسعين المعروفة، وسرعة الكهرب الذي يدور حول نواة الإيدروجين تبلغ 2100 كيلو متر في الثانية، بينما سرعة الكهرب الذي يدور حول نواة ذرة الأيرانيوم تبلغ 190 ألف كيلو متر في الثانية. ومهما كانت ظروف الكهارب مناسبة فقد لا تتجاوز سرعتها أل 200 ألف كيلو متر في الثانية أي ما يعادل ثلثي سرعة النور

وحسب النظرية النسبية العامة (لإينشتين) - التي أعتقد بصحتها - فأن كل جسم يسير بهذه السرعة - أي سرعة النور أو ما يقاربها - يعتبر الوقت لهذا الجسم صفراً

وعليه يمكن القول بأن القرون والدهور في عرفنا ليست إزاء الكهرب سوى لحظة. نحن نستعمل الأوقات والقياسات حسب المكان والزمان الذي يحيط بنا والذي تدركه حواسنا، وبالنسبة إلى السرعة التي نسير بها في الفضاء وهي 18 ميلاً في الثانية، فما هي نسبة الأوقات والقياسات المستعملة لمن يسير بسرعة النور؟

نحن لنا حواس خمس، أيمكن بهذه الحواس الخمس أن نصل إلى أعماق أسرار الكون؟ وهل يقتضي للمعرفة الشاملة خمس حواس فقط؟ وهل هناك ما لا يمكن إدراكه بهذه الحواس الخمس؟

في الأثير أسرار عظيمة محجوبة، وهو القابض على زمام الحركة في الكون، وفي عبابه سر الأسرار الذي يتطلع إليه الإنسان بلهفة وحسرة، وهو كمن عرف مقر الكنز الثمين، ولكنه يجهل كلمة السر التي يفتح بها الكنز؛ فمن يا ترى سيحمل إلى العالم كلمة السر هذه؟

إذا نفحنا الدهر برسول يحمل إلى العالم كلمة السر التي يفتح بها كنز الأسرار، فعند ذلك الرسول سيكون الجواب الفصل.

نحن نقول أن الأرض مضى على وجودها ملايين السنين، ولكن الكهرب ينكر علينا هذا القول. أليس من المدهش أن نثبت بالبرهان حسب التواريخ والآثار أنه مضى على وجودنا على الأرض ألوف ومئات الألوف من السنين، ثم يأتي الكهرب فينكر علينا هذه الحقيقة! أوليس من العجب العجاب أن نسمع الكهرب يقول - لو كان للكهرب لسان - بأننا خلقنا الآن!

لاشك بأنه شاهد سيارات غير هذه التي نعرفها وقد اندثرت وربما شيدت هذه السيارات التي نعرفها من بقايا تلك؛ والساعة التي تنتقل فيها هذه الكرة الأرضية من حالة إلى حالة يراها الكهرب كما نشاهد نحن الرؤيا

هو يسير منذ الأزل ويقطع فيافي الأزمان والدهور، وسيبقى إلى الأبد يتخطى رحاب الكون في حركته الدائمة وسرعته التي لا يحصرها الوقت، يقع على هذا النجم ويصطدم بذاك، ويعمر الآخر، ويدمر الذي بعده ليجعل منه مذنبات ونيازك يبعثها إلى العوالم الأخرى، ليدل على وجوده ودوام حركته السرمدية (عين عنوب - لبنان)

حسين عباس قائدبيه