مجلة الرسالة/العدد 411/ألقاب الشرف والتعظيم عند العرب

مجلة الرسالة/العدد 411/ألقاب الشرف والتعظيم عند العرب

مجلة الرسالة - العدد 411
ألقاب الشرف والتعظيم عند العرب
ملاحظات: بتاريخ: 19 - 05 - 1941



للأب أنستاس ماري الكرملي

- 3 -

7 - القمس

تقدم لنا ذكر القمس، وقد ذكره غير واحد من فقهاء اللغة وجاء في بيت شعر، لأحد شعراء حلب في سنة 544 للهجرة (في 1149 و1150 للميلاد)، ما هذا نصه (في كتاب الروضتين ص 64 من طبعة باريس):

(واستقودوا الخيل عُربْاً واستقدتَ لنا، ... قوامِصَ الكْفر في ذلٍّ وفي صَغَرِ)

فيكون مفردها هنا: (قوْمَص)، ولاتينيتها بمعنى الفرنسية. وجاءت أنثاها (قوْمَصِيَّة). قال في الكتاب المذكور، (ص 199): (وأخو صاحب جُبَيل، وابن القومصية) - وفي ص 200: (وأما ابن القومصية فأنه استفكته أمهً)

وقال في ص 191: (ووصل في هذه السنة (573 هجرية 1177 و1178 م)، إلى الساحل من البحر، كند كبير يقال له اقلندس، (صوابه إفِلبُّس أكبر طواغيت الكفر) وفي ص 257و 258، ذكر القومص خمس مرات، والقومصية مرة واحدة، ثم تكرر ذكر القومس مراراً عدة وفي ص 271 ذكر (الملك وكفود) وهو جمع كند ثم تكررت هذه الألفاظ باختلاف وجوهها، لكنها لم تختلف عما ذكرناه هنا فلا حاجة لنا إلى الإكثار منها

ولم يذكر أرباب المعاجم هذه المفردات جميعها وبلغاتها في دواوينهم. فقد قيدوا أشياء منها وأهملوا شيئاً آخر. فأما ما قيدوه فالقموس. قال السيد مرتضى: القومس كجوهر الأمير بالنبطية. نقله الصاغاني عن ابن عباد؛ وقال الأزهري: الملك الشريف. . . وقيل: هو الأمير بالرومية

قلنا: وهذا هو الصحيح، لا من اللغة النبطية، وإن كانت هي السبب إلى نقلها إلى العربية، ومعناها الأصلي في الرومية الرفيق، لأنه كان في بادئ الأمر يرافق الملك في حروبه وتنقلاته ثم أطلق على الأمير؛ ثم قال الشارح: والقمَّس كسكَّر: الرجل الشريف. كذا نقله الصاغاني وهو قول ابن الأعرابي وأنشد: وعلمت. . . (البيت)

فسره بالسيد والجمع قممامس وقمامسة. أدخلوا الهاء لتأنيث الجمع؛ والقمامسة: البطارقة نقله الصاغاني عن ابن عباد ولم يذكر واحدة وكأنه جمع قمس كسكر

قلنا أن البطارقة هنا بمعنى الأشراف من أكابر القوم. وكذلك قولهم القومس: الأمير؛ والقمس: الرجل الشريف. فكل هذه المعاني مرجعها واحد، وإنما الفروق هي من بعض الشراح. أما من جهة التحقيق، فالقومس أو القمس غير البطريق وهذا غير الرجل الشريف؛ والرجل الشريف غير كبير القوم أو أميرهم. أما التوسع في المعاني فأشهر من أن يذكر

والأقباط يسمون كبير قسوسهم بالقمص كالقُفل، أو القمُّص بضم الأول وتشديد الثاني المضموم، والجمع القمامصة. وسمي النويري القمامسة: قماصة بالصاد بمعنى الأشراف؛ وهذا يشعر بأنه اعتبر المفرد قمصا، وزان سكر، بصاد في الآخر. وهذا من لغات مضر، أي قلب السين صاداً للتفخيم. وكذا عل ابن الأثير المؤرخ؛ فأن الذي سماه بعض المؤرخين قومساً، سماه هو قومصاً: وسمي الأنثى قومصة - قومصية. قال في الكامل (247: 11 من طبعة الإفرنج): (وكان القمص (وفي بعض الروايات القومص) صاحب طرابلس، واسمه ديمند ابن ديمند الصنجيلي، قد تزوج بالقومصة، صاحبة طبرية)

وقد جرى على هذه التسمية كثير من المؤرخين الذين جاؤوا بعده. وقال في وقائع سنة 583: (فر القومص إليها (إلى صور) يوم كسرتهم (كسرة الصليبيين))

والذين جاءوا بعد هذه الطبقة من المؤرخين الكتاب قالوا: الكند بدال في الآخر، أو القند بقاف ونون ودال. فمن الأول قول أبي شامة (راجع كلامه الذي أوردناه في الدوفن)

ومنه أيضاً الكنداسطبل. وقد تحذف الهمزة. ومعناها أمير الإسطبل. وهو تعريب اللاتينية قال صاحب مختصر الدول (ص 448 من طبعة بيروت):

(ومن الأرمن الكندسطبل، أخو التكفور حاتم). - وفي الكامل لابن الأثير (10: 211): (وأسر مقدمهم المعروف بكنداصطبل، فاقتدى نفسه.)

وقد غلط المعلم بطرس البستاني غلطاً فظيعاً في معجمه، محيط المحيط، إذ قال في ترجمة (ك ن د): (الكند: الشرس الشديد. فارسي) اهـ. - وقد نقل الكلمة عن فريتغ وهو مأخذه الأكبر ولم يصرح به. وفريتغ حاطب ليل لا يميز الحطب والجزل، وقد أولج في الضادية مفردات جمة لا حقيقة لها، سوى سوء فهمه لكلام بني عدنان، أو لسوء قراءة كلمهم. هذا فضلاً عن البستاني لم يفهم معنى كلمة فريتغ اللاتينية وهي فهي لا تفيد أبدا معنى (الشرس) كما نقلها إلى لغتنا، بل النشيط، الثقف، العامل، الفعال. فهذه أغلاط فوق أغلاط فوق أغلاط، فهي ظلمات من فوقها ظلمات ومن تحتها ظلمات. ومن الغريب أنه نقل هذه الكلمة اللاتينية نفسها في مادة (كُنْداكِر) بالمعنى غير المعنى المذكور. فقد قال: (الكنداكر: الشجاع الجسور) اهـ.

قلنا: وهذا يجوز لأنه من معاني الرومية المذكورة أي لكن كنداكر منقولة عن فريتغ أيضاً، وقد قال فيها أنها فارسية، وهي لا فارسية ولا عربية ولا هندية ولا صينية، بل ولا وقواقية، لأنها مركبة من كند أي أمير وأكر أي عكاء، ومحصل معناها: كند عكاء أو أمير عكاء، ويراد به هنا الكنت هنري دي شنباي وبالحروف الفرنسية: ' ,

وسعيد الشرتوني صاحب أقرب الموارد، نقل هذين الغلطين عن البستاني، ونسبتهما تواً إلى فريتغ كذباً وزوراً. مع أن الحقيقة أنه نقلهما رأساً عن محيط المحيط، فنكرانه لمجهود المعلم بطرس البستاني لا يشرفه ولا يبرر وهمه. فقد قال في مادة (ك ن د): (الكند بالضم الشرس الشديد (فارسي)، نقله فريتغ عن بعض كتب العرب) اهـ. فلو نقل الشرتوني الكلمة تواً عن فريتغ، لنقل منى لاتينية نقلاً صحيحاً غير ما نقله البستاني، لكن أراد الله أن يكشف سوء عمله، فقال ما قال كذباً وزوراً، فكان عليه أن يعترف بالصدق ويقول: (نقلته عن محيط المحيط وهو نقله عن فريتغ)؛ وهذا لم يحسن القراءة ولا فهم معنى اللفظة

وكذلك قال في كنداكر: الكنداكر (وضبطها ضبط قلم بضم الكاف وإسكان النون وفتح الدال يليها ألف فكاف مكسورة فراء في الآخر): الشجاع الجسور، فارسية، نقلها فريتغ عن بعض كتب العرب؛ وكان حقه أن يقول ما ذكرناه في كلمة الكند

أما صاحب البستاني فذكر الكند إذ قال: الكند بالضم الشديد الشرس (معرب). فأراد أن يبين أنه لا ينقل عبارته عن محيط المحيط ولا عن أقرب الموارد فقدم وأخر فقال: (الشديد الشرس معرب) عوض أن يقول: الشديد الشرس فارسي.

فيا للأسف! كيف أن أنباء العرب ينقلون لغتهم عن الدخلاء ولا يشعرون بالضرر الذي يلحقونه بلسانهم الفصيح، البديع، البليغ بعملهم هذا المليم! وكيف أنهم يسرقون أتعاب غيرهم ولا يقرون بفضلهم، وكيف أن الله يهتك أسرارهم وسرائرهم بصورة لا تعلى شرفهم

وخلاصة البحث في القند، أنه يقال: القُنْد، والكْند، والقُمْس، والقُمَّس، والقُمس، والقُمْص، والقُمَّص، والقُمَص، والقُمُّص، والقَوْمَسْ، والقوْمَص. وإذا زدنا عليها ما يقوله صحفيون في هذا العهد، أي الكنت والكونت، وما ذكرناه بادجر في معجمه الإنكليزي العربي، الذي صححه الشيخ أحمد فارس الشدياق، أي القونت، مَثُلَ بين يديك رجل عربي ينطق بأربع عشرة لغة، فلله دره من لغوي بارع!

8 - الهنباط

قال في تاج العروس: (الهنباط، بالفتح، صاحب الجيش بالرومية. وقد جاء في حديث حبيب بن مسلمة: إذ نزل الهنباط ثم قال: هنا (أي في مادة هـ ن ب ط) ذكره ابن الأثير (صاحب النهاية)، وذكره الصاغاني في مادة (هـ ب ط) وقلده المصنف أي (الفيروزابادي) والصواب أنه بالنون. وقال في تركيب هـ ب ط: (الهيباط، بالفتح: ملك الروم. نقله الصاغاني هنا. والصواب أنه الهنباط بالنون). اهـ. وفي النهاية لابن الأثير المطبوع في مصر، ضبط الهنباط بالضم، وهو خطأ، لأنه مخالف لنصوص جمهرة اللغويين

وكان فكرنا في أول الأمر أن الهنباط مقطوعة من الرومية (إنبراطور)، لكن نبهنا الأستاذ الأجل إلياس قدسي إلى أن الكلمة من اليونانية (هُبَاطُس)، وأول معناها: الأعلى والأرفع، ثم أطلق عندهم على الرئيس الأعلى؛ أي ما يسميه الرومان (قنصلاً). وكان يرد بالهنباط يومئذ لقب أحد الحاكمين الأعظمين اللذين كانا بديوان رومه. وجاء الهيباط بعض الأحيان بمعنى قنصل الإقليم، وهذا كان يسمى باللاتينية برو قنصلاً. وكان الهيباط يلفظ في أول الأمر (هُبَاط) وزان غراب، ثم (هِباط) بكسر الأول ككتاب، ثم صحفه بعضهم فقال (هَيباط) بياء مثناة بعد الهاء. وآخرون قالوا (هنباط) بنون بعد الهاء. فالمادة الأصلية هي (هبط) وكان يجب على اللغويين أن يذكروها في هذا التركيب الثلاثي لا في سواه

وأصل اليونانية (هفاطس) (هُفامس)، أي أن اللفظة في أصل وضعها القديم كانت بالميم، ثم قلبت تاء أو طاء. قلنا: فإذا جردنا الكلمة من زوائدها، يكون لنا (هفا) أو (عفا)، لأنه ليس في لغة اليونان حرف حلقي فخم، فعندهم الهاء والعين شئ واحد، والعرب تقول: عفا فلان على فلان في العلم وغيره زاد. واسم الفاعل عاف والجمع عُفاة. فالهباط أو العفاط هو العافي لا غير في أصل معناه، المشرف على غيره بالعلم أو بالرئاسة

وقلب الميم تاء أو طاء في العربية واقع وقوعه في اليونانية. فقد قال بنو عدنان: حات يحوت بمعنى حام يحوم، وقالوا: الغطس كالغمس، ورجل أطرط الحاجبين كأمرطهما، وجعل الهاء عيناً، وبالعكس أمر مشهور أيضاً لا يحتاج إلى تأييد، من ذلك قولهم: تربع السراب وترية، وعاث فيه وهاث، والهنشنش كالعنشنش، والهكوك كالعكوك والهجفة من النساء كالعجفة. فاتضح من هذه المقابلة أن اللفظين هما واحد في الأصل، وهذا عجيب غريب!

(له صلة)

الأب أنستاس ماري الكرملي

من أعضاء مجمع فؤاد الأول للغة العربية