مجلة الرسالة/العدد 418/أنة وزفير
مجلة الرسالة/العدد 418/أنّة وزفير
للسيدة الفاضلة (ليلى)
(إلى أرواح الشهداء والضحايا، وإلى المنكوبين، وإلى أولي
الرحمة من أغنيائنا الموسرين، كلمة من قلب حزين، بل إني
أخاطب الشعب كله، لنساهم في الأجر العظيم. لنمسح على
رؤوس اليتامى، ولنضمد جروح الثكالى والأيامي، ولنساعد
المهاجرين المشردين، والله من ورائنا رزاق معين)
(ليلى)
إن كارثة الإسكندرية من الحوادث الدامية التي تمس شغاف القلب وتغلغل آلامها في النفس. هي فاجعة الجميع وحسرة الوطن وصرخة الإنسانية. هي العذاب المر والظلم المبين والصاعقة بغير موعد ولا إنذار. هي الخوف والفزع، والرعب والهلع. هي النار تندلع والهوة تبتلع. هي النحيب والعويل، ودماء الأبرياء تسيل. هي الهول والوحشية. هي أَنات وجراح، وبكاء ونواح. هي ثكل ويتم وفقر وعُدم. هي ذل وتشتيت وضياع وتبديد. هي قسوة ما فوقها قسوة، ونكبة ما بعدها نكبة. ولئن بكينا فما جدوى البكاء؟ ولئن أشفقنا فما ثمرة الإشفاق؟ من ذا الذي لم يشفق ولم يتألم؟ كلنا واله متحسر؛ ولكن ليست المساهمة في الرثاء والبكاء، وإنما هي مساعدة فعلية لهؤلاء الضحايا الأبرياء. أشعروهم بالرحمة، وليعاونهم كل امرئ بما يستطيع. كم من بيوت كبيرة تسع العشرات! وكم نساء شريدات حائرات! أطفال في نعيم، وأطفال في جحيم. بطون مكتظة بألوان الطعام، وأخرى خاوية من الجوع لا تنام. ذل فوق ذل وحسرات تتبعها حسرات. . . آه لليتيم: فقد الأب الحاني الرحيم. وا حسرتاه للأرملة تنوح من قلب حزين: فقدت الموئل والعائل، واستقبلت الشقاء والهوان، في كنفها أطفال يطالبونها بالقوت والحنان، ستواجه حاجة العيش الملحة. ستريق ماء الوجه وتستنفد كل إحساسها في سبيلهم. وا رحمة للعجوز الثكلى، ادخرت ولدها للأيام وكان كل أملها وسند شيخوختها، فذهب من يدها وغدا حلماً من الأحلامً! ولو كان هماً واحداً لاحتُمل، ولكن الكارثة عامة، والفاجعة طامة: أنه ولد وأولاد وآباء وأمهات، بيوت وأموال طغى عليها الدمار، فهرع أهلها فزِعين لاجئين يطلبون رحمة المحسنين المتصدقين
أيها السادة الأغنياء، رحمة بالتعساء الأشقياء! إنهم إخوانكم في الدين والوطن. حمّ القضاء، فما استطاعوا له رداً. فوجئوا بالدويّ والزئير، فإذا هم أشلاء تطير. صرخوا يسترحمون القضاء، فنفذ فيمن نفذ فيهم القضاء، وهوت الدور بساكنيها وهم في غمرة الذعر والذهول، وتطايرت الشظايا تهرأ اللحم وتنزف الدم، والآلام القاسية تتجاوب أصداؤها من حنايا الأجسام. ومن قدر له النجاة انطوى على نفسه لوعة وحسرة: فقد فقدَ العزيز والنفيس والتالد والطريف، هي في الحق كارثة يعجز القلم عن وصفها
فهل تقر أعيننا وتهدأ مضاجعنا؟ وهل نشعر بالطمأنينة والسعادة، وتتوفر لنا الغبطة والهناءة، وصراخ المنكوبين واصلٌ آذاننا، وبكاء الحيارى المشردين ماثل أمامنا؟! كيف نرقد على وثير الفراش ومِن إخواننا من يفترش الأرض؟ كيف ننعم بأطايب الأكل والشراب، وغيرنا يشقى بالجوع والخراب!
أيتها القلوب تفجري بالرحمة، أيتها الأيادي الكريمة فيضي بالإحسان!
لقد تمنوا الموت على حياة رخيصة عليهم بعد الأحباء، لقد تمنوه خشية البؤس والإملاق. مَن أحق بالرحمة من مجروح الجسم والفؤاد لا يجد آسيا لجسمه ولا مواسيا لقلبه؟ ما احرنا وقد وقانا الله شر ما ناله بألا نتوانى في مساعدته ولا نجحم عن إعانته! أنه القرض الحسن يضاعفه لنا الله ويدرأ عنا به الشرور.
إن البر هو الطائر الميمون إلى الجنة، به تغفر الذنوب وتمحى السيئات. رب لماذا قدرت على هذا البلد الآمن أن يحل به هذا الشقاء؟ إن شعبه قانع يملك هذه القطعة الصغيرة من أرضك. إنه بلد مضياف تنزله كافة الشعوب على الرحب والسعة يقاسمون أهله أرزاقه، ويستحلون نطاقه، بل يقاسمونه قسمة ضيزى: لهم الغنم وعليه الغرم
رباه! إلى متى يحلم الخالق ويطغى المخلوق؟
ألست أنت سبحانك جبار الأرض والسماء؟ أتترك من يعبث في الأرض فساداً، ويقول تكبراً وعناداً: أنا القهار الأعلى. رب رحمة بالبلاد والعباد، فأنت مالك الملك، تؤتي الملك من تشاء. لتكن رحمتك أو يحل الميعاد، فقد ذهب السلام من الأرض وتناحرت وحوش الإنسانية وتكالبت على المال والعتاد. وهذا جبار طاغية وآخرون طغاة يريدون أن يرثوا الأرض ومن عليها، وللأرض وارث واحد بالمرصاد. اللهم ارحم الفقير والأجير واليتيم والأسير، وادفع عنا شر هذه الحرب الضروس. اللهم اهد الخلق لما فيه الخير والسلام. اللهم خفف عن الحزانى حزنهم، وعن المهاجرين بؤسهم، وعوضهم خيراً عن يتمهم وثكلهم وبيوتهم ومالهم، إنك أنت الرحمن الرحيم، كتبت على نفسك الرحمة، ووعدت بالخير عبادك المتصدقين، والله ولي الجميع
(ليلى)