مجلة الرسالة/العدد 42/من طرائف الشعر

مجلة الرسالة/العدد 42/من طرائف الشعر

ملاحظات: بتاريخ: 23 - 04 - 1934



إلى الشواطئ المصرية

للشاعر الوجداني على محمود طه

حيَّاكِ أرضاً وازدهاكِ سماء ... بحرٌ شدا صخراً وصفَّقَ ماَء

يحبو شعابَك في الضحى قبلاتِه ... ويرفُّ أنفاساً بهنَّ مساَء

مُتَجَدَّدَ الصبَّوَات أودعَ حبُهَّ ... شتىَّ الأشعةِ فيكِ والأنداء

وَلِعٌ بتخطيط الرَّمال كأنَّه ... عرافةٌ تستطلعُ الأنباء

وَمُصَوِّر لَبِقُ الخيال يصوغ من ... فنِّ الجمال السِّحرَ والأغراء

نَسَقَ الشَّواطئ زينةً وأدقَّها ... صُوَراً بريَّا صفحتيه تَراءى

يجلو بريشته السماَء وإنِّما ... زادتْ بريشته السماءُ جلاَء

لا الصبحُ أوضحُ من مطالعه بهِ ... شمساً ولا أزهى سناً وضياَء

كلاَّ ولا الليلُ المكوكبُ أفقه ... بأغرَّ بدراً أو أرقَّ سماَء

ولربَّ زاهيةِ الأصيل أحالها ... سيلاً أحمَّ ولجةً حمراَء

وكأنما طوَت النهارَ ونشَّرتْ ... لَهَباً وفجَّرت الصخورَ دماَء

ولربَّ عاطرةِ النسيم عليلةٍ ... طالعتُ فيها الليلةَ القمراَء

رقَصَتْ بها الأمواجُ تحت شعاعها ... وسرتْ تُجاذبُ للنسيم رداء

حتى إذا رانَ الكرى بجفونها ... ألقتْ إِليك بسمعها إِصغاَء

تتسمعُ النوتيِّ تحت شراعه ... يشدو فيبدعُ في النشيد غِناَء

هَزَّتْ ليالي الصيِف ساحرَ صوته ... فشجا الشواطئَ واستخفَّ الماَء

وأثارَ أجنحةَ الطيور فحوَّمتْ ... في الليل حيرى تتبعُ الأصداَء

وَُرٌ فواتنُ يا شواطئُ صاغها ... لك ذلك البحر الصَّنَاعُ رواَء

فتنظّريهِ على شعابكَ مثلما ... رجع الغريبُ إلى حماهُ وفاَء

كم ظلَّ يضربُ في صخورك موجضه ... مما أجنَّ محبةً ووفاَء

عذراً إذا عيَّتْ بمنطقة اللُّغى ... فهو العبيُ المفجمُ الفصحاَء

فخذي الحديثَ عليه واستمعي لهُ ... كم من جمادٍ حدَّثَ الأحياَء وسليه كيف طوى اللياليَ ساهداً ... وبلا الأحبَّةَ فيك والأعداَء

كم ليلةٍ لكِ يا شواطئُ خاضها ... والرعبُ يملا حولك الأرجاَء

والسفنُ مرهفة القلاعِ كأنَّها ... تطأ السحابَ وتهبط الدأماَء

حمَلَتْ لمصر الفاتحين وطَّوَحتْ ... للنيل منهم جحفلاً ولواَء

ولو استطاعَ لردَّ عنكِ بلاَءهم ... وأطار كل سفينةٍ أشلاَء

أو كان يبلغ للغيوب شفاعةً ... هزَّ الوجود ضراعةً وبكاَء

أو كان يملكُ قدرةً حشد الدُّجى ... ونضا الرجومَ وجنَّدَ الأنواَء

ودعا غوارَبه الثِّقالَ فأقبلتْ ... فرمى بها قَدَراً وردَّ قضاَء

فاستعرضي سيِرَ الزمان ورددي ... ما سرَّ من أبنائهنَّ وساَء

وخذي ليومكِ من قديمك سلوةً ... ومن الجديدِ تعلَّةً ورجاَء

إيهٍ شواطئَ مصر والدينا منىً ... تهفو إِليك بنا صباحَ مساَء

ناجيتِ أحلامَ الربيع فأقبلتْ ... وأشرتِ للصيف الوسيم فجاَء

يحبوك من صفو الزمان وأنسه ... ما شئتِ من بَهَجِ الحياة وشاَء

وغداً تضيءُ على جنبيك لمحة ... طَبَعَ الخلودُ سماتِها الغراةَ

وترفُّ منه على ثغورك بسمةٌ ... خَفَّ العبابُ لها وغَضَّ حياَء

فاستقبلي الصيف الجميلَ وهيئي ... للفنِّ فيك خميلةً غنَّاَء

واستعرضي حور الجنانِ وأطلقي ... لغةَ السماء وألهمي الشعراَء