مجلة الرسالة/العدد 426/البريد الأدبي

مجلة الرسالة/العدد 426/البريد الأدبي

ملاحظات: بتاريخ: 01 - 09 - 1941



كليلة ودمنة

قرأت ما كتبه في الرسالة (العدد 425) الأستاذ عبد السلام محمد هارون فشكرت للكاتب الفاضل حسن رأيه، وجميل ثنائه وأعجبت بتدقيقه وتحقيقه، وتلقيت بالقبول والسرور نقده الذي يبن عن صدق النية، وخلوص القصد في طلب الحق. وكلنا طلاب علم نسأل الله الهداية والتسديد!

وقد أخذ الأستاذ على الكاتب مآخذ وهذا بيان رأيي فيها: قال بعد أن ذكر كثرة التحريف في النسخة المخطوطة، والجهد الذي بذل في تصحيحها:

(ونحن في هذا الصدد نأخذ على الأستاذ أنه لم يتوخ النشر العلمي من إثبات الأصل والتنبيه عليه فقد يكون للقارئ وجه في التصحيح غير الذي ارتضى. . . وكتاب مثل كتابنا لبس من جلال التاريخ ما ليس جدير بما ذكرت من وجوب بيان أصله للرجوع إليه ووجوب مقارنة نسخه بعضها ببعض)

والجواب أن مذهبي في النشر ألا أخالف النسخة التي اتخذتها أصلاً إلى حين أن يتضح غلطها، وإن كان هذا الغلط في مواضع قليلة أثبته في مواضع. أثبته في الحاشية ليعرف القارئ ما وقع في أصل الكتاب؛ ولكن نسخة كليلة ودمنة التي أنشرها مملوءة بأغلاط واضحة كثيرة لا ينال الناشر والقارئ من إثباتها إلا العنت

وأما مقارنة النسخ المختلفة فقد بينت في المقدمة أن النسخ المطبوعة، إلا نسخة شيخو، ملفقة مغيرة تصرف فيها الناشرون كما شاءوا على غير خطة معروفة. ثم بين هذه النسخ كلها بعضها وبعض، وبينها وبين نسختنا ونسخة شيخو، ثم بين هاتين النسختين من الاختلاف ما لا يمكن إثباته في الحواشي بل يختلف السياق أحياناً حتى يحسب القارئ أن أمامه كتباً مختلفة

ثم يرى الأستاذ أن (لفة ابن المقفع في كليلة ودمنة لغة عالية تعلوا على المتأدب والأديب أيضاً فهي محتاجة إلى توضيح وتقليد وبيان. . . الخ)

وليس هذا رأياً في هذه الطبعة التي أريد بها أن تكون في الأغلب هدية للعلماء والأدباء لا أن تكون كتاباً مدرسياً يؤدي به الناشئون. نعم ربما يستعان بهذا الكتاب على درس أس ابن المقفع وأساليب النثر في عصره، ولكن هذا بحث آخر لا يتعلق بمقصدنا من نشر الكتاب

ثم أخذ الأستاذ ألفاظاً رأى أنها خالفت الصواب. وقد بينت رأيي فيها على الترتيب الذي ساقه في مقاله:

1 - ص 36 س 6: كالعظم المتعرِّق، والصواب المتعرَّق بفتح الراء كما قال الأستاذ، وهي زلة مطبعية فاقت عناية المصحح واجتهاده

2 - 81: 5 و 6: (ولكن النفس الواحدة يفتدى بها أهل البيت، وأهل البيت تفتدى بهم القبيلة. . . الخ). قال الأستاذ: الوجه يفتدى.

وعلل هذا بقوله: فأهل البيت لا يفعلون الافتداء، وإنما يفعل بهم ذلك غيرهم. . . الخ

ولست أرى هذا الرأي، فأهل البيت يفتدون أنفسهم؛ وفي القرآن الكريم: (ولو أن لكل نفس ظلمت ما في الأرض لافتدت به). ومثلها آيات أخرى، فلا وجه للعدول عن المعلوم إلى المجهول. ويؤكد هذا أن اللزوم في افتدى هو الأصل؛ وقد عرضت لها التعدية، ولم ترد في القرآن إلا لازمة. فالعدول إلى البناء للمجهول عدول عن الأصل لغير سبب

3 - 87: 6: يقول دمنة للثور: (إن أنت رأيت الأسد ينتصب مقعياً ويرفع صدره. . . الخ. فاعلم أنع يريد قتلك، فاحذره ولا تغتر إليه). يقول الأستاذ: لا يقال اغتر إليه بل اغترَّ به، ويرى أن الصواب لا تقترب إليه وقد بينت في المقدمة أن كثيراً مما وقع في الكتاب من تحريف سببه تغيير العبارات غير الشائعة إلى العبارات الشائعة. وأرى أن كل فعل يعدّى بإلى إذا أريد الانتهاء إلى ما بعده، أو الركون إليه. فلذلك يقال: استمع إليه، وجلس إليه، وسكن إليه. وفي القرآن: (إلى ربك يومئذ المستقر): فما رأي الأستاذ في أن يقال استقر إليه؟. . . فالتعدية: بالي وعلى نحوهما جائزة إن كان في الفعل ما يدل على الانتهاء أو العلو صراحة أو ضمناً. وإنما الكلام في تعدية الفعل إلى المفعول به، أيتعدى فيها الفعل بنفسه أو بالياء. . . الخ. ومعنى اغتر إليه هنا سكن إليه أو ركن أو نحو ذلك مما يتضمنه معنى الانتهاء أو الركون

4 - 91: 12 (وندفن بقيتها مكاناً حريزاً). قال الأستاذ وهذه عبارة غير صحيحة والصواب في مكان حريز. ونقل عن همع الهوامع وشرح الكافية كلاماً في اسم المكان، وانتهي إلى قوله: (وليس الدفن من الاستقرار في شيء فلا ينصب لفظ المكان على الظرفية المكانية) وهذه الجملة تبطل الاحتجاج الطويل الذي نقل له ما نقل عن كتب النحو. ففي الدفن إقرار واستقرار ولا ريب، وأنا أعرف أن في النسخ الأخرى: (وندفن الباقي في أصل هذه الشجرة فهو مكان حريز، أو ندفن بقيتها في مكان حريز) ولكني لا أغير نص الكتاب ولو كان غيره أرجح منه حتى يكون غلطاً واضحاً لا شبهة فيه، فكيف وليس فيه غلط ولا شبهة الغلط؟

5 - 95: 13 (وبلاء يضيع عند من لا شكر له) قال الأستاذ وبين اللغويين خلاف في أن يكون البلاء بمعنى الإنعام ونقل في هذا كلاماً عن نهاية أبن الأثير ولسان العرب

وليس لازماً أن يكون البلاء هنا بمعنى الإنعام، بل الأرجح أن يكون بمعنى الاختبار، والبلاء اختبار بالخير والشر. فكل معروف تصطنعه عند إنسان هو بلاء عنده.

6 - 221 - 5 (ولكن إيش الفائدة) قال الأستاذ: (وهذا ضبط عامي والصواب أيش). وقد بينت في المقدمة رأيي في هذا الباب ولغته وقلت: (بل أرى فيه من الركاكة ومقاربة العامية الخ المقدمة ص50) ولم أتبعه إلا اتباعاً لنسخة الأصل واستيفاء للبحث.

وبعد. فالأستاذ مشكور على نقده، ولعل فيما أجبت به ما يزيل شبهته.

عبد الوهاب عزام

في مدن الحضارات

أشكر للأستاذ الفاضل كوركيس عواد العراقي ما أبداه من الغبطة بما أكتب في الرسالة الغراء (عن مدن الحضارات) وأنا سعيد لأنه يتابع ما انشره متابعة الباحث المتمكن، والقارئ المتفطن، ولا عجب إذا لفتته مدينة السلام أو دار السلام بما كتبته عنها فقد عرفت مما ينشره في الرسالة أن بغداد دار إقامته

وللأستاذ الشكر على ما كتبه خاصاً ببركة المتوكل مصححاً به ما توهمت من أنها كانت في بغداد. ولعل الأستاذ وهو جد قريب من سامراء يحدثنا حديث المؤرخ الثبت عن (المختار) و (البديع) أجمل قصورها وعن ساجهما الذي حمل إلى (الجعفري) وعن (المتوكلية) التي بناها قرب سامراء وبنى فيها قصر (اللؤلؤة) أما نسبة (جميل نخلة المدور) إلى العراق فهي شائعة عندنا في مصر ولعلها نسبة جاءت إليه من سبيل كتابته على حاضرة العراق

والحق أنني لم أقرأ ترجمة لهذا الباحث العظيم، وكل ما قرأت له أو عنه كتابه (حضارة الإسلام) وتقريظ كتبه المرحوم الدكتور يعقوب صروف في مقتطف شهر مايو سنة 1888م. المجلد الثاني عشر صفحة 515 وفيه عن جميل نخلة المدور أنه (قد ربي منذ نعومة الأظفار على سلامة الذوق، ورضع آداب العرب والعجم مع اللبن، وأوتي قريحة وقادة لا تخبو نارها بسلامة عبارته، وبصيرة نقادة لا يخفى شرارها بطلاوة نوادره وحسن فكاهته، وجداً يستسهل المتاعب، وثباتاً يغلب المصاعب)

ولا تجد في الطبعات المختلفة التي طبعتها وزارة المعارف المصرية من هذا الكتاب القيم ترجمة مختصرة أو مطولة لكاتبه

ونحن منتظرون تعريفاً بمؤرخ بغداد اللبناني من الباحث العراقي الأستاذ كوركيس عواد وله الفضل والشكر

أما ورود كلمة (الحرامات) في مقالي مكان (الحراقات) فذلك خطأ لم أكن - شهد الله - من جناته، فكيف أصلي بحره؟ والطابعون دائماً يريدون ما لا يريد الكاتبون؛ وكثيراً ما يحرفون الكلم عن مواضعه، وإذا كان صاحب المقال معذوراً في خطأ أقحم عليه فما عذر القارئ اللبيب؟

(المنصورة)

محمد عبد الغني حسن

إلى وزارة المعارف

أعلنت وزارة المعارف عن مسابقة القصة في غضون شهر مايو من هذا العام وحددت يوم 15 أكتوبر آخر موعد لقبول قصص المتبارين - ولعل وزارة المعارف راعت في هذه المواعيد ظروف معلميها وطلبتها دون أن تلتفت إلى عوامل أخرى أكثر أهمية.

ونلاحظ (1) أن المدة كلها واقعة في الصيف، والصيف فصل الركود والراحة والاستجمام، والنشاط فيه محدود، خصوصاً النشاط الذهني، والقصة - بحكم طولها - عمل فني دقيق لا يخلو من مزالق، ووحدة الموضوع والحبكة الفنية عاملان جوهريان في كل قصة. لذلك نرى أن الصيف غير ملائم للإنتاج القصصي

(2) المدة قصيرة جداً لا تكفي لإنتاج عمل فني بارز - وكثير من مشاهير الكتاب العالميين ينتجون قصة كل عامين فكيف تتسع خمسة أو ستة أشهر لكتابة قصة؟!

(3) العالم يعيش الآن على كف عفريت. والظروف التي نعيش في حلقتها تشغل البال وترهق الأعصاب وتستهلك كثيراً من النشاط الذهني؛ فالإنتاج الأدبي يستلزم وقتاً أطول مما كان يستلزمه وقت الدعة والسلام. والذي نعرفه أن هذه العوامل صرفت الكثيرين من الأدباء عن التفكير في مباراة وزارة المعارف. لهذا نعتقد أننا نعبر عن رغبات الكثيرين حين نتقدم إلى معالي هيكل باشا راجين أن نتفضل ويمد أجل المباراة حتى نهاية يناير على الأقل ليتاح للأدباء إنتاج قصص ناضجة تحقق أمل الوزارة.

ق - ع - سوس

إلى الأستاذ محمود الخفيف

حرمت قراءك ومحبي الرسالة من مقالاتك القيمة، وأسلوبك الممتع. فما الذي حجبك عنا؟ أنفدت الشخصيات التي تكتب عنها، أم نسيت منظارك في القاهرة وأخلدت إلى الريف الحبيب إلى نفسك؟

أرجو أن تعود سيرتك الأولى؛ وإني أنتهز هذه الفرصة فأستوضحك عن الشخصيات التي تكتب عنها هل هي موجودة حقاً، أم هي عيوب المجتمع ألبستها هذا اللباس فكانت كما رأينا؟

(أسيوط)

زكي عبد الله

الجواب

أشكر لك يا أخي تحيتك ومودتك. أما جوابي عما جاء في كتابك عن تلك الشخصيات فهو أن عملي فيها هو كعمل القصصي الذي يخلق أشخاص قصته؛ فهي إذاً أشخاص من خلق الخيال؛ وأحسب أن ذلك هو سبب ما قد يكون لها من قيمة. وما كتبت عن شخص بذاته، وإلا لما استطعت أن اكتب على النحو الذي أرى قوامه الابتكار والخيال.

الخفيف

1 - الألقاب لا ترتجل

اطلعت على ما دار بين الأستاذين محمد عبد الغني حسن وجمال الدين الشيال حول تلقيب الأمير نجم الدين بن أيوب - بالملك الصالح - فرأيت أن أنقل كلمة فيمن لقب - بالصالح - من كتاب (نزهة الألباب في الألقاب للحافظ أبن حجر العسقلاني - من مخطوطات دار الكتب المصرية):

الصالح: أول من لقب به من الملوك: طلائع بن رزيك وزير الفاطميين. ثم الصالح إسماعيل بن نور الدين الشهيد.

ثم الصالح أيوب بن الكامل بن العادل بن أيوب. ثم لقب به جماعة من الملوك؟

2 - لفتة

جاء في مقال الأستاذ عبد السلام هارون في نقد (كليلة ودمنة) ببيت المنتخل الهزلي هكذا:

ويلمه رجلاً تأتي به غبناً ... إذا تجرد لا خال ولا بخل

والصواب: تأبى به غبناً، على ما في (شرح أدب الكاتب للجواليقي) ص 260 حيث قال في شرح البيت: يقول تأبى به أن تظلم إذا كان معك. . . وسبب غلط الأستاذ هارون هو اعتماده على (الاقتضاب للبطليموسي) و (أدب الكاتب) حيث ورد فيهما البيت كذلك مصحفاً.

3 - العود أحمد

قررت وزارة المعارف في تركيا إعادة طبع (كشف الظنون) عن نسخة المؤلف مع منهوات له لم تكن في الطبعات السابقة، وإكمال خرم كان فيها، والإشارة والتنبيه على أغلاط الطبعة الأوربية، وضم ذيول نادرة إليه للعلماء الآجلة: رئيس الأطباء الشيخ بهجت، والشيخ محمد أسعد صاحب المكتبة العامة المشهورة في الآستانة، والشيخ عارف حكمت شيخ الإسلام صاحب المكتبة العظيمة في المدينة المنورة، وإسماعيل باشا البحاثة المعروف، والعلامة إسماعيل صائب مدير مكتبة بايزيد العامة، رحمهم الله. وقد صدر الجزء الأول منه مطبوعاً بحروف عربية ممتازة في نحو خمسمائة صفحة في كل صفحة عمودان، وأسماء الكتب في أوائل السطور ويحققه جماعة من الاختصاصيين

أحمد صفوان

القاموس السياسي

في الوقت الذي زخرت فيه الصحف بالمباحث السياسية، واتصلت فيه الحوادث اتصالاً سريعاً بما قبلها من نقط التاريخ الفاصلة، ومعاهدات الأمم ومواثيقها، وأسماء الكبار من الساسة، وحركات المذاهب المتوازية والمتعارضة، اصدر باحث مصري مدقق (قاموساً سياسياً) يكون في هذا الظرف، وفي كل الظروف بالطبع، رائد المهتمين بهذه الشؤون والمباحث، ومعيناً لهم على اختصار الوقت، وضبط المعلومات، وإدراك الغاية مما يتلمسون البحث عنه في غيابه المراجع العربية أو في تيه المصادر الأجنبية

فالقاموس السياسي قد أخذ محله كما أراد له الأستاذ أحمد عطية الله في صدر المكتبة العربية، أو في (جيب) صدارها كما يقول أصدقاؤه، وأصبح بداية طيبة في تاريخ هذه المكتبة لنظم الكثير الصالح من أمثال هذا المعجم في كثير من الأغراض والأبواب

ولسنا نغمط الأستاذ عطية الله حقه إذا قلنا إن هذا القاموس الذي أصدره وإن يكن قد صار اليوم مرجعاً سريعاً للباحث أو القارئ، إذا ما اعترض أحدهما شأن من الشؤون العامة، فإن افتقاره إلى زيادة العناية بالشؤون العربية، وإلقاء الضوء على الكثير من تلك الروابط القوية التي تجمعها وتحركها ويجعل من حق الذين قدروا جهده في هذا السبيل أن يلفتوا نظره إلى تلافي هذا النقص عند إعادة الطبع إن شاء الله

ويبدو أن شبهة عدم الانسجام في (الشؤون العربية) في القاموس ظاهرة أيضاً في بعض ما تناوله من المسائل الدولية والأوربية. على انه ليس من شك مطلقاً في أن مثل هذه الشوائب في كتاب يصدر في مثل هذا الظرف، لتغني به المكتبة العربية في مثل هذا الباب - كانت متوقعة لأي كاتب، وذلك لحداثة التأليف في هذا الموضوع وقلة المراجع، وصعوبة الحصول عليها. فهذا العمل الذي قام به الأستاذ عطية الله سيظل مشكوراً على كل حال (أ. ص)