مجلة الرسالة/العدد 426/المصريون المحدثون

مجلة الرسالة/العدد 426/المصريون المحدثون

ملاحظات: بتاريخ: 01 - 09 - 1941


3 - المصريون المحدثون

شمائلهم وعاداتهم

تأليف المستشرق الإنجليزي ادورد وليم لين

للأستاذ عدلي طاهر نور

المنازل

وحجرات الطابق الأرضي لها نوافذ صغيرة مركبة من قضبان الخشب المنقور مرتفعة بحيث تسمح للراجل أو للراكب أن ينظر من خلالها. أما الغرف العلوية فنوافذها تبرز بمقدار قدم ونصف قدم أو أكثر؛ وأغلبها مصنوع من الخشب المخروط المشبك؛ وهو لضيق ثقوبه، يمنع كثيراً من النور والشمس، ويحجب سكان المنزل عن الأنظار؛ ولكنه في الوقت نفسه يسمح بدخول الهواء. ومن العادة ألا يصبغ هذا الخشب، ولكن القليل منها يصبغ بعضه بالأحمر والأخضر، وبعضه يصبغ كله. وهذا النوع من النوافذ يسمى روشنا، ولكنه في الاصطلاح الغالب يسمى مشربية؛ والكلمة الأخيرة لها وضع آخر سيذكر بعد

وكثير من النوافذ المختلفة الأنواع مصور في هذا الكتاب؛ وقد أوردت على قياس أوسع رسوماً لأكثر نماذج الشبابيك شيوعاً. انظر شكل (3). وقد يكون للنافذة الموصوفة آنفاً مشربية صغيرة تشبه نوعاً ما روشنا مصغراً، تبرز عند الواجهة أو عند الجانبين. وتوضع فوقها قلل من الفخار ذات مسام لتبريد الماء بتعريضه لتيار الهواء. ومن هنا اشتق أسم (مشربية) ومعناه (مكان الشرب). ويعلو النافذة البارزة مباشرة نافذة أخرى مسطوحة من الخشب المشبك أو من القضبان الخشبية أو من الزجاج الملون. وشباك هذه النافذة العلوية، إذا كان لها شباك، كثيراً ما يكون ذا رسوم قوامها موضوعات تصويرية أكثر من الأنواع الأخرى، فيمثل طستاً فوقه إبريق، أو صورة أسد، أو اسم الله، أو أمثال هذه الجملة: (الله أملي) الخ. وقد تكون النافذة البارزة ملوحة كلها بالخشب، وقليل منها يميل إلى الأمام من أسفل إلى أعلى بزاوية عشرين درجة تقريباً. وتفتح من القمة لدخول النور. وبعض الأشكال الغالبة، وتكون جوانبها ذوات ألواح زجاجية. وفي أجمل المنازل أيضاً تجهز شبابيك النوافذ الآن بألواح زجاجية من الداخل فتقفل كلها في الشتاء لأن البرد القارس يشعر به المصريون عندما تنخفض الحرارة إلى أقل من ستين درجة فاهرنهايت. وأما نوافذ الدور الدنيا فأكثرها من طراز آخر لأنها مستوية مع سطح الحائط الخارجي. وجزؤها الأعلى يكون شباكاً أو قضباناً خشبية، والجزء الأسفل له درف معلقة يقفل بها؛ والكثير منها له مشربية للقلل تبرز عند جزئه الأسفل

وتتألف المنازل، على العموم، من طابقين أو ثلاثة ويتوسط كل دار كبيرة فناء مكشوف غير مبلط يدخل إليه من دهليز ينعطف مرة أو مرتين بقصد منع المارين في الطريق من النظر إلى الداخل. وفي هذه الطرقة من داخل الباب يوجد مقعد حجري طويل يسمى (مصطبة) وهو ملاصق للحائط الخلفي أو الجانبي يجلس عليه البواب والخدم الآخرون. وفي هذا الفناء بئر يتسرب ماؤه المائل للملوحة خلال الأرض من النيل، كما يوجد في جانبه الظليل جرتان يجلب إليهما الماء يومياً من النهر في قرب. وتطل الغرف الرئيسية على الحوش، وتغطى جدرانها الخارجية بالجص وتبيض. وهناك كثير من الأبواب تفتح على الفناء، منها واحد يسمى (باب الحريم) وهو مدخل السلم الذي يؤدي إلى الحجرات المخصصة للنساء ولرب الدار وأولاده

ويوجد غالباً في الطابق الأرضي غرفة تسمى (منضرة) يستقبل فيها الزائرون من الرجال. ولهذه الغرفة نافذة واسعة من القضبان الخشبية، أو نافذتان من هذا النوع تطلان على الحوش، وأرضيتها جزء صغير يمتد من الباب إلى الجهة المقابلة منخفضاً عن بقية الغرفة بأربع أو خمس بوصات تقريباً. ويطلق عليه اسم (درقاعة). وهذه الأخيرة تبلط في المنازل الجميلة برخام أبيض وأسود، وبقطع صغيرة من القراميد الحمر الجميلة في نماذج معقدة أنيقة، ويتوسطها فوارة تسمى (فسقية) يتدفق ماؤها في بركة صغيرة قليلة الغور، مخططة برخام بلون الأرضية المحيطة بها. وتصرف مياه هذا النبع من الحوض بواسطة ماسورة. وأمامك نموذج من أرضية الدر قاعة شكل 6 كما وصفتها آنفاً

ويوجد في نهاية الدرقاعة في مواجهة الباب رف من الرخام أو من الحجر العادي على ارتفاع أربع أقدام تقريباً يطلق عليه اسم (صفة) يستند على عقدين أو أكثر، أو على عقد منفرد؛ ويوضع تحته أوعية للاستعمال العادي مثل أوعية (العطور) والطست والإبريق المستعملين للغسيل قبل الأكل وبعده وللوضوء، كما توضع فوقه أواني المياه وفناجين القهوة وتكسي عقود الصفة في الدور الجميلة بالرخام والقراميد على مثال بركة الفسقية أنظر (رقم 7 ورقم 8) كما يكسى الحائط الذي يعلوها إلى ارتفاع أربع أقدام أو أكثر تقريباً بمواد مماثلة: جزء منها بألواح رخامية كبيرة قائمة، والجزء الآخر بقطع صغيرة على أسلوب الدرقاعة. أما المنصة أو الجزء المرتفع من الأرضية فيسمى (ليوان)

ويجب على كل داخل أن يخلع نعليه في الدرقاعة قبل الصعود إلى الليوان؛ وهذا الليوان يبلط عادة بالحجر العادي، ويفرش بالحصير صيفاً وبالبسط فوق الحصر شتاء، وتوضع فوقه الحشايا والوسائد ملاصقة للجدران، ويسمى حينئذ (ديوان). وتوضع الحشية التي يبلغ عرضها حوالي ثلاث أقدام، وسمكها ثلاث بوصات أو أربعاً، على الأرض عادة. أما الوسائد وطولها بقدر عرض الحشية، وارتفاعها مساو لنصف هذا القياس، فتستند مائلة إلى الحائط. وتحشى الحشايا والوسائد بالقطن وتغطى بالشيت المطبوع أو الجوخ أو بما هو أغلى ثمناً. وأحياناً توضع الحشية على سرير من جريد النخل، وأحياناً أخرى توضع على منصة حجرية تعلو إلى نصف قدم تقريباً وتسمى (سدلة)، وهي كلمة من أصل فارسي تطلق أيضاً على فجوة عرضها مساو لعمقها تقريباً، وبها فرش ووسائد حول جوانبها الثلاثة. ويلاحظ أن بعض الغرف به مكان أو أكثر من هذه الأمكنة الداخلة تستخدم للجلوس شتاء وهي لذلك تبقى بدون نوافذ. أما حوائط الحجرة فتغطى بالجص وتبيض. ويوجد في داخل جدران الغرفة دولابان أو ثلاثة قليلة العمق، بمصاريعها حشوات خشبية دقيقة الصنع، لأن الحرارة ويبوسة الجو يعرضان الخشب للتقلص والالتواء كما لو كان داخل تنور؛ ولهذا السبب تصنع أبواب الغرف أيضاً بالطريقة نفسها. ويلاحظ أن هناك تفنناً عظيماً ومهارة فائقة في مختلف الأساليب المتبعة في صنع تلك الحشوات الصغيرة وتركيبها، وقد نشرت بعض نماذج مختارة منها شكل 9. أما السقف الذي يعلو الليوان، فهو ذو جسور من الخشب المنقور يبعد الواحد منها عن الآخر مسافة قدم؛ ويلون بعضها أو أحياناً بذهب، ولكن هذا الجزء من السقف الذي يعلو الدرقاعة يكون في المنازل الجميلة أفخم نقوشاً وأكثر زخرفة. وبدلاً من العروق الكبيرة تسمر بضعة شرائط خشبية دقيقة في الألواح فتؤلف نماذج غريبة التعقيد، كاملة الانتظام، ذات تأثير زخرفي عظيم.

وقد رسمت جزءاً من السقف على هذا الأسلوب الزخرفي، ولكنه ليس من الطراز الكثير التعقيد (شكل رقم 10). وهذه الشرائط تدهن بالأصفر أو تذهب، وما بينها يلون بالأخضر والأحمر والأزرق. وتكون الألوان في المثل الذي ضربته، كما هو مشار إليها في الرسم بالنسبة نفسها، ولكن على مقياس أكبر. أما المربع الذي يتوسط السقف حيث تكون الشرائط سوداء على أرضية صفراء. وكثيراً ما يتدلى قنديل من وسط هذا المربع. وهناك بضعة نماذج متشابهة، وألوانها - الواحدة بالنسبة للآخر - توضع غالباً بالترتيب نفسه؛ إلا أن هذه السقوف في بعض المنازل لا تلون. أما سقف النافذة البارزة فكثيراً ما يزخرف بالطريقة نفسها كما ترى في الشكل 11. وهكذا يتجلى الذوق السليم بقصر الزخرفة على الأجزاء التي لا تكون دائماً أمام العين، لأن إدمان النظر إلى مثل تلك الخطوط الكثيرة المتقاطعة المتجهة في اتجاهات عديدة مما يؤلم العين

(يتبع)

عدلي طاهر نور