مجلة الرسالة/العدد 429/كليلة ودمنة
مجلة الرسالة/العدد 429/كليلة ودمنة
نقد وتعليق
للأستاذ عبد السلام محمد هارون
(تتمة)
29 - 15: 195 (أرادوا إدخال النقص عليك في ملكك)
كلمة (النقص) ركيكة في هذا المعرض لا يقولها مثل ابن المقفع. وإنما هي (النقض) بالضاد المعجمة. والنقض الإفساد وحل العقد. وهي سائرة في لغة الجاحظ وأضرابه من أمراء البيان العربي
30 - 5: 199 (وكانت شارته إليها أن غمزها بعينه).
الشارة: الحسن والهيئة واللباس. وليست مرادة. بل هي (إشارته). وقبل هذا (وأشار عليها بأخذها فأخذتها)
31 - 15: 199 (فأضاء كل ما حولها فاشتاف إليها، وقال لإيراخت) فاعل (أضاء) هو (كل). وأما فاعل (اشتاف) فهو الملك، فالجملتان محتاجتان إلى فاصل بينهما، واشتاف بالفاء، إذا تطاول ونظر. واشتاف البرق أي شامه. ومنه قول العجاج:
(واشتافَ من نحو سهيل بَرْقا)
32 - 200: 9 (فأنها امرأة عاقلة لبيبة، حريصة على الخير، سعيدة من الملكات، ليس لها في النساء عديل) وكيف تكون (سعيدة) مع أن الملك أمر بقتلها وأوشك أن ينفذ أمره؟ ثم هو في معرض التنويه بخصالها. وليست السعادة خصلة أو خلقاً من الأخلاق. والوجه (سديدة (الرأي) من الملكات (التي) ليس لها في النساء عديل)
33 - 11: 208، 12 (الذي يصنع الطعام وينظفه لسيده ثم يقدمه إليه في إبانه) ليست كذلك، وإنما هي (وينضجه لسيده) تصحفت على الناسخ فشوهها بما رأيت
34 - 5: 210 (والجرئ الجاهل المقدم على ما ليس له وإن أتلف نفسه ونفس غيره في طلب حاجته وشحه) صوابه (ونجحه) والنجح بالضم النجاح وإدراك البغية
35 - 13: 223 (إن أنا وأخذته) هي لغة في (آخذته) بالهمز. قال صاحب القاموس (وآخذه بذنبه مؤاخذة. ولا تقل وأخذه). وفي اللسان (والعامة تقول وأخذه) والحق أن الكلمة عربية، وأنها لغة لبعض العرب. وفي المصباح: وتبدل واواً في لغة اليمن فيقال وأخذه مواخدة. وقرأ بعض السبعة (لا يواخذكم الله) بالواو، على هذه اللغة. والأمر منه واخِذْ)
وقال العرب في مثل ذلك (واخيته) لغة في (آخيته) و (واسيته مواساة) لغة في (آسيته مؤاساة)، و (واكلته) لغة في (آكلته)، (وامرته) لغة في (آمرته)
والهمز في كل ذلك أكثر وأجود
36 - 15: 224 (الحيوانات) جمع حيوان. زعم بعضهم أن العرب لم تنطق بها. ومجيئها هنا شاهد على صحتها وعلى استعمالها. وقد استعملها (الجاحظ) في كتاب الحيون (س 1 265: 3) قال: (والنسيم الذي يحيي جميع الحيوانات) وكذا الثعالبي في فقه اللغة ص24 طبع الحلبي، قال (فصل في طبقات الناس وذكر سائر الحيوانات). وكذا البغدادي في طبقات (الفرق بين الفرق) المتوفى 429 قال في ص118: (وأصناف الحيوانات) وقال في الصفحة، نفسها (ولا نوعاً من الحيوان) فأجاز بذلك الاستعمالين. واستعمله أصحاب (رسائل إخوان الصفاء) في الجزء الثاني من طبعة التجارية، استعمالاً كثيراً، يدل على ذيع هذه الكلمة وإقرار العلماء لها
37 - 234: 9: (وقع موقع من يركب ناب الفيل المغتلم ثم يغلبه النعاس). كثر ما ورد اسم (الفيل) في هذا الكتاب وذاك راجع بالطبع إلى الجو الهندي الذي يشيع فيه. وتجده أيضاً مقروناً بكلمة (المغتلم)، كما ورد في 47 س11، 71 س13، 79 س1، 255 س5، فهو مضرب المثل عندهم بالقوة وشدة اليأس. قال الجاحظ في ذلك:
(وإذا اغتلم الفيل قتل الفيلة والفيالين، وكل من لقيه من سائر الناس ولم يقم له شيء، حتى لا يكون لسواه هم إلا الهرب وإلا الاحتيال لأنفسهم). ثم ذكر قصة كان يتداولها الفرس عن مصارعة كسرى لفيل مغتلم تمكن من ضربه والفتك به.
38 - 3: 250: (فلما رأوا الأسد قد احتشد في طلب اللحم وغضب): أرى أنها (احتد) والحدة تقارن الغضب
39 - 4: 247: (فما الذي يشبه كفك عن الدماء وتركك اللحم)؛ وكلمة (يشبه) مقحمة، لعلها زيادة من المملي للناسخ حين تردده في الكلمة بعدها؛ وصواب العبارة: (فما الذي كَّفك عن الدماء وأكلِكَ اللحم)
490 - 4: 256: (واللهج بالزنا): لا تجوز كتابتها بالألف إلا لمن نظر إلى أنها مقصورة من الممدودة (الزناء) وهي لغة بني تميم، ولغة أهل الحجاز القصر؛ ومن ذهب إلى قصرها لم يكتبها إلا بالياء، لأنها يائية الأصل.
41 - 11: 271: (وعلمنا أنك كنت لما ساق الله إليك من ذلك أهلاً، بفضل قسمه لك، وتابع نعمه عليك). فعلى أي فعل عطف الفعل (وتابع)؟!
إن عطف على (قسمه) استرك المعنى وعاد الضمير في (نعمه) إلى (فضل) أي نعم الفضل، وليس ذلك شيئاً؛ والوجه: (بفضل (ما) (قسمه). . . الخ. أو (بفضل قسمه لك، ونعمة تابع عليك) - أي تابعها - أو (بفضل قسمه لك، وسابغ نعمه عليك)
42 - 2: 52: (كالشعلة من النار التي يصونها صاحبها وتأبى إلا ضياء وارتفاعاً). سبق الحديث عن هذه الفقرة في رقم (5)، وكنت على شك من صحة كلمة (يصونها)، إلى أن ظهر لي وجهها فيما قرأت من عيون الأخبار: (ذو الهمة إن حط، فنفسه تأبى إلا علواً، كالشعلة من النار (يصوبها) صاحبها وتأبى إلا ارتفاعاً)؛ والتصويب: الخفض والتنكيس؛ وفي التهذيب: (صوبت الإناء ورأس الخشبة تصويباً إذا خفضته). فصاحب النار يخفض رأس الخشبة المشتعلة، فلا يمنع ذلك النار أن ترتفع وتأخذ طريقها في العلو
43 - 13: 276 (ولم تجدي من الأسف والحزن على شبليك شيئاً إلا وقد كان من كنت تفعلين بأحبابه ما تفعلين يجد مثله أو أفضل منه). وليس يقال حزن فلان حزناً أفضل من حزن فلان، أو أسف أسفاً أفضل من أسفه، والوجه (أمثل) كما ورد في أصل النسخة. و (أمثل) هنا تفضيل من مثل بالرجل يمثل مَثْلا ومُثْلة: نكل به. فالمعنى أشد تنكيلاً منه
44 - 279: 4 (ويبقى حيران متلدداً). وفي نسخة بولاق 1. 1 (متردداً) وعند ابن الهبارية 267:
عاد إلى طِلاب ما قد تركا ... فضلَّ عنه وبقى مرتبكا
والمتلدد والمتردد بمعنى، وهو من أسرار العربية: أن يختلف اللفظان في حرفين متقاربي المخرج فإذا المعنى واحد أو كالواحد. وفي اللسان (تلدد: تلتفت يميناً وشمالاً وتحير متبلداً). وجاءت هذه الكلمة بالراء في 280: 12 (فبقى حيران متردداً) 4 - في التعليقات
1 - أورد الأستاذ في شواهده على أثر الأسلوب الفارسي في هذه النسخة ما جاء في صفحة270 (فسأله رجل فقال) وقال في المقدمة 26 (تشبه هذه الجملة التعبير الفارسي): (برسيده كفت) وفي التعليقات 300 (هذه الجملة تذكر بالتعبير الفارسي (برسيده كفت)
وليس للأسلوب الفارسي أي أثر في هذه العبارة، بل هي عربية خالصة جرى عليها العرب في الغابر، واستفاضت في كلامهم
وبين يدي أحد الصحاح الستة، وهو صحيح أبي عبد الله البخارى. ففي 2: 1س6 (أن الحارث بن هشام رضى الله عنه سأل رسول الله ﷺ فقال: يا رسول الله كيف يأتيك الوحي). وفي 162: 1س3 (أن زيد بن خالد الجهني أخبره أنه سأل عثمان بن عفان فقال: أرأيت) وفي161: 2س3 (سألت أنس بن مالك رضى الله عنه قلت أخبرني بشيء عقلته عن النبي ﷺ) وفي 41: 3س (عن عمران بن حصين رضى الله عنهما عن النبي ﷺ أنه سأله - أو سأل رجلاً، وعمران يسمع - فقال: يا أبا فلان). وغير ذلك كثير.
2 - 287 تعليقا على ما ورد في الأصل ص16 (آدرهرير) قال الأستاذ: (نظنها محرفة عن آزر هربد، أي سادن النار)، ولست أدري: لم عدل عن لفظ (آدر) بالدال إلى (آذر) بالذال المعجمة مع انهما بالفارسية في معنى واحد، وهو النار؟!
3 - وفي الصفحة نفسها تعليقاً على ما ورد في ص21 س4 (ما أتذمم منك) أن (ذلك) وضع موضع الضمير والمعنى ما أتذمم له. قال الأستاذ (وضع الإشارة موضع الضمير هنا يشبه التعبير الفارسي) وقال نحو هذا القول في تعليقه في المقدمة ص26 على قول ابن المقفع (تجرى أمورهم فنونا يغلب على أكثر ذلك الخطأ) حين استشهد على أثر اللغة الفارسية في ترجمة ابن المقفع
والحق أن هذا أثر من آثار اللغة العربية لا الفارسية؛ فإن العرب يضعون الإشارة موضع الضمير في كثير من عباراتهم. ويطرد ذلك في ربط الجمل الخبرية، والأصل في ذلك الضمير. وفي الكتاب (والذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها أولئك أصحاب النار) أي هم. وفيه (إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا) أي كله 4 - 288 تعليقا على ما ورد في الأصل ص30 (أكن كالمصدق المخدوع الذي زعموا أن جماعة من اللصوص) أن كلمة الذي هنا تشبه أن تكون ترجمة الكلمة الفارسية (كِهْ) وهي تكون بمعنى الذي، وتأتي للتعليل والتفريع. أي أن ابن المقفع ترجم كلمة (كه) بكلمة (الذي) مع أنها هنا للتعليل والتفريع، أي بمعنى (فقدته) فلا تحتاج إلى ضمير عائد، على حين أن كلمة (الذي) في استعمالها العربي تحتاج إلى عائد
وهذه شبهة طيبة، واستنتاج حسن. ولكن الضمير العائد إلى الموصول يحذف كثيراً. وجاء حذف العائد حين يتصل بحرف الجر في قول الله تعالى: (ذلك الذي يبشر الله عباده) أي به. وفي قوله (فاصدع بما تؤمر) في أحد وجهي تخريجه وقول حاتم الطائي:
ومِنْ حسدٍ يجورُ عليّ قومي ... وأيُّ الدهر ذو لم يحسدوني
أي فيه، وذو موصول عند طيء. وقال الجاحظ (فالحمد لله الذي كان هذا مقدار عقولهم) أي كان هذا منه. فهذا الحذف في كلامهم جائز وإن كان قليلاً جداً. وهو أولى في التخريج مما ذهب إليه الأستاذ من تأثير اللغة الفارسية. وابن المقفع أيقظ من أن يؤثر في بيانه العربي هجنة فارسية، أو يلتاث في ترجمته هذه اللوثة
5 - 295 تعليقاً على ما ورد في 174 من قوله (وأكيس الأقوام من لم يكن يلتمس الأمر بالقتال ما وجد إلى غير القتال سبيلاً): (هممنا أن نحذف (يكن) من هذه الجملة ثم رأينا أنها تشبه أن تكون من أثر الترجمة الفارسية؛ فإن استعمال الفعل يكون، مألوف في مثل هذا التركيب بالفارسية)
هذا نص ما ورد في التعليق. والحق أن التعبير عربي خالص، ولم تشبه شائبة فارسية ولم تقربه، وأن (يكن) هنا قد جردت من معنى المضى، وألزمت معنى الثبوت واتصال الزمان من غير انقطاع. وفي كتاب الله من غير ذلك كثير. (وكان الله شاكراً عليما)، (وكان الله سميعاً عليما)، (فإن الله كان عفواً قديرا)، (وكان الله غفوراً رحيما)، (وكان الله عزيزاً حكيما) ومنه قول المتلمس:
وكنا إذا الجبار صَعَّرَّ خده ... أقمنا له من صعْره فتقوّما
وقول الفرزدق:
وكنا إذا القيسى نبّ عَقودُه ... ضرمناه فوق الأنثيين على الكردِ وقول قيس بن الحظيم:
وكنت امرأ لا أسمع الدهر سُبَّةً ... أسبُّ بها إلا كشفت غطاءها
فليس في الكلام هجنة فارسية كما رأيت
هذه نظرات في بعض مواضع من هذا الكتاب الجليل. ولم أشأ أن أطنب في سرد محاسن النشر وجودة العرض؛ فذلك أمر يبادر الناظر في هذه النسخة ويبدهه في أول ما ينظر
وليس يفوتني في هذه الفرصة أن أكرر تهنئتي للأستاذ الكبير (عبد الوهاب عزام) بهذا العمل العظيم الخالد على الزمان، وأن أزجي مثلها إلى الأخ المحترم (الأستاذ شفيق متري) صاحب مطبعة المعارف، بما أنفق من جهد ومال، في الاحتفال الناجح بمرور خمسين عاما على جهاد مثمر، بدأه والده وسهر هو على إتمامه وعايته.
عبد السلام محمد هارون