مجلة الرسالة/العدد 435/مسابقة الأدب العربي لطلبة السنة التوجيهية
مجلة الرسالة/العدد 435/مسابقة الأدب العربي لطلبة السنة التوجيهية
(الأخلاق عند الغزالي)
للدكتور زكي مبارك
تمهيد - الكتاب والمؤلف - اليوم المشهود - انتقال القلب من
مكان إلى مكان - الروح السائد في الكتاب - العناصر
الرئيسية - الكفر والأيمان - كلمة تنفع شبان الجيل الجديد. ..
تمهيد:
أنا أشعر بأن مقال اليوم لن يخلو من ضعف، لأني أكتبه وأنا كاره، والإجادة لا تتاح إلا لمن يكتب بشغف وشوق، وإنما أقبل كارهاً إلى مقال اليوم لأنه متصل بأحد مؤلفاتي، وأنا لا أحسن وصف هذه المؤلفات إلا في المواقف التي تمد النفس بموجبات الزهو والخيلاء، ولا شيء من ذلك في هذا الوقت، لأن فورة الهجوم على كتاب (الأخلاق عند الغزالي) قد خمدت منذ أعوام، بعد أن شغلت الناس وشغلوني بأبحاث بعيدة عن موضوع هذا الكتاب
ولكن، ما الذي يدعو إلى هذا المقال وحالي كما وصفت؟ يدعو إليه أن الكتاب مقرر لمسابقة الأدب العربي، ولا بد من معاونة طلبة السنة التوجيهية على إدراك بعض ما فيه من مقاصد وأغراض، على نحو ما صنعت في السنة الماضية، وعلى نحو ما سأصنع في السنة الحاضرة، في درس الكتب المقررة للمسابقة بين أولئك الطلاب.
ولو أنني وجدت من ينوب عني في الكلام عن كتابي، لأعفيت نفسي من هذا الواجب المزعج، فلم يبق إلا أن أتكلم عن كتابي كما أتكلم عن كتب الناس. . . وهل في الدنيا شريعة تفرض علي أن أنصف الناس وأظلم نفسي؟
وليكن مفهوماً أني سأنظر إلى كتابي بعين المحب، فحسبي وحسبه ما عانينا من الظلم والاضطهاد. ألم يرفض جماعة من علماء العراق مصافحتي بحجة أني آذيت الغزالي؟ ألم يقل جماعة من علماء مصر بأني وجهت أقوال الغزالي إلى غير ما كان يريد؟ ألم يقترح الأستاذ جاد المولي بك أن ينص في محضر الامتحان على أن اللجنة غير مسؤولة عما في الكتاب من آراء، وإنما مُنح مؤلفه إجازة الدكتوراه جزاء ما بذله من الاجتهاد في استنباط تلك الآراء؟
لن أذكر كتابي بغير الجميل، وإن كنت أعلم الناس بما فيه من عيوب هي في نظري من غرائب الجمال. وهل يعاب عليه غير أقباس من الحيوية لا ينجو منها شاب كالذي كنت في سنة 1924؟
ردوني إلى ما كنت عليه من شراسة وحمق في ذلك العهد، وخذوا ما أملك من ثروة وصيت، فيوم واحد من شبابي أطيب وأنضر من أطايب الوجود
الكتاب والمؤلف:
يقع هذا الكتاب في أكثر من أربعمائة صفحة بالقطع المتوسط، وثمنه خمسة عشر قرشاً، أما النسخة المجلدة فتباع بعشرين، فأرجو المكتبة التجارية أن تراعي هذا السعر، فلا ترهق التلاميذ، لأن أكثرهم أفقر مني
وقد قدم هذا الكتاب لنيل الدكتوراه في الفلسفة من الجامعة المصرية سنة 1924، وكانت لجنة الامتحان مؤلفة من حضرات الأساتذة الأكابر: منصور فهمي، وأحمد ضيف، ومحمد جاد المولي، وعبد الوهاب النجار، وأحمد عبده خير الدين؛ وقد انتقل النجار وخير الدين إلى جوار الله، فإلى روحيهما في دار الخلود أقدم أصدق التحية وأطيب الثناء
واسم المؤلف محمد زكي عبد السلام مبارك، وكان فيما سمعت شابا يحاول الوصول إلى الحق، وطريق الحق كثير الأشواك والعقبات، فلم يصل إلا بعد أن أدمى قدميه، إن صح أن الله أراد أن يكون من الواصلين
ويظهر أن المؤلف كان يعاني ثورة روحية وعقلية عند تأليف هذا الكتاب، وهو نفسه حدثني أنه صاحب الغزالي في مؤلفاته نحو خمس سنين، فأسره الغزالي على نحو ما يصنع بمن يواجهون نوره الوهاج، ورأى المؤلف أن تأليف كتاب في (الأخلاق عند الغزالي) لا يتيسر إلا بعد النجاة من أسر الغزالي، فجمع قواه وكسر باب الأسر، ليتنسم أرواح الحرية الفكرية، وليلقي الغزالي لقاء الند للند، إن كان للغزالي أنداد
وفي مدى ثلاث سنين استطاع ذلك الشاب أن يكتب رسالة للدكتوراه في الفلسفة عن (الأخلاق عند الغزالي)، وهي رسالة شرقت وغربت، بحق أو بغير حق، وأهتم بها الدكتور سنوك هوجرنيه، فنشر في الثناء عليها بحثاً باللغة الهولندية كان طليعة التنويه بالمؤلف في بيئات المستشرقين
اليوم المشهود
هو اليوم الذي نوقش فيه المؤلف بجلسة علنية في الجامعة المصرية، فقد كان بين الحاضرين جماعة من أساتذة الأزهر الشريف، على رأسهم الأستاذ الجليل عبد المجيد اللبان شيخنا وشيخ أشياخنا وصاحب الفضل على كثير من العلماء، وقد طاب للشيخ اللبان في ذلك اليوم أن يعترض من وقت إلى وقت بأسلوب يحرج الممتحن ويحرج لجنة الامتحان، واقتفى أثره المرحوم الشيخ محمد الإبياري فاعترض بعبارات حملت الدكتور منصور فهمي على أن يعلن أن الجمهور لا يصح له التدخل في شؤون هي من حق لجنة الامتحان
وانتقلت الثورة من الجمهور إلى أساتذة الجامعة من غير لجنة الامتحان، فتقدم معالي الأستاذ حلمي باشا عيسى وأسر في أذن الدكتور منصور فهمي أن الدكتور طه حسين يريد أن يوجه ثلاثة أسئلة إلى زكي مبارك، فأعلن الدكتور منصور أن لأساتذة الجامعة وحدهم أن يتدخلوا في الامتحان، وهو كذلك يعطي الكلمة للدكتور طه حسين. . . والله الحفيظ!
وكانت معركة لم أنتصر فيها إلا بأعجوبة، فقد كان الدكتور طه هزمني قبل ذلك في امتحانات الليسانس مرتين!
ثم كانت النتيجة أن يفوز الطالب بعد امتحان دام نحو ثلاثة ساعات فيصير دكتورا في الآداب بدرجة (جيد جداً) من الجامعة المصرية
انتقال القلب من مكان إلى مكان
ورأى الأستاذ خليل بك ثابت أن يرسل مندوباً يشهد الامتحان ويحدث قراء المقطم عما وقع فيه من جدال وصيال، وقد وقع اختياره على المرحوم حسن حسين، وكان أديباً له بدوات، فلخص معركة الامتحان بأسلوب صورني فيه بصورة الثائر على التقاليد الدينية، فانبرى لمجادلتي على صفحات المقطم عالمان جليلان، أحدهما الشيخ أحمد مكي، طيب الله ثراه، وثانيهما أستاذي في أكثر ما تلقيت من العلوم الدينية وهو الشيخ يوسف الدجوي، ولم أستطع الرد على هذين الأستاذين الجليلين - وكان يشرفني أن أجاريهما في ميدان النضال - لأني علمت من إدارة الجامعة عن طريق الأستاذ سامي راغب أن مساعد السكرتير العام بوزارة المعارف وهو الأستاذ محمود فهمي النقراشي طلب من الأستاذين جاد المولى وخير الدين أن يقدما تقريراً عن امتحان زكي مبارك في الدكتوراه، ولأن الدكتور طه والدكتور منصور نصحاني بالسكوت عما أثار امتحاني من جدال، وهي نصيحة سجلها الدكتور طه في جريدة السياسة وهو ينقد كتاب (مدامع العشاق) في أوائل سنة 1925
وأقول أن قلبي انتقل من مكان إلى مكان بسب هجوم الشيخ أحمد مكي والشيخ يوسف الدجوي، فما كنت أنتظر من هذين الأستاذين أن يثيرا عجاجة يهتاج بها الجمهور، وتلتفت إليها وزارة المعارف
ولم يصح عندي أن هجوم الشيخ مكي والشيخ الدجوي يستند إلى الحق، فأسررتها في نفسي، وقلت أن رجال الدين لم يكونوا دائما ملهمين، وذلك هو السبب في أني أجازيهم ظلماً بظلم وإجحافاً بإجحاف، من حين إلى حين
ولكن لا بأس فقد استطاع كتاب (الأخلاق عند الغزالي) أن يقاوم هجمات الناقدين عدداً من السنين إلى أن تعرض له ناقد لا يرحم المؤلف، وأن كان يحمل اسم المؤلف، ففي اليوم الرابع من أبريل سنة 1937 وقف طالب يؤدي امتحان الدكتوراه في جلسة علنية بالجامعة المصرية. وكان أكبر همه أن ينقض آراء الطالب الذي وقف هذه الوقفة في الخامس عشر من مايو سنة 1924
فماذا صنع؟ أثبت في كتاب (التصوف الإسلامي) أنه ظلم الغزالي في كتاب (الأخلاق عند الغزالي) والحكم على النفس من مظاهر القدرة على مغالبة الأهواء
روح الكتاب
وقد حاولت مرات كثيرة أن أرجع إلى هذا الكتاب بالتغيير والتبديل لأقدمه بصورة جديدة إلى عشاق الدراسات الأخلاقية، ولكنه يأسرني كلما نظرت فيه، لأني الفته في أوقات كنت فيها ثائر القلب والعقل على فهم القدماء للأخلاق، وهي ثورة لم أنج من شرها إلى اليوم، وقد أسايرها وتسايرني إلى آخر أيامي. وكيف يهدأ من يروعه أن يرى في رجال الدين من يعرفون خريطة الحياة الأخروية ويجهلون خريطة الحياة الدنيوية؟
إن كتاب (الأخلاق عند الغزالي) لم يكن إلا دعوة صريحة إلى التشكيك في أصول الأخلاق الموروثة عن القدماء، والمؤلف يقسم الفضائل إلى قسمين: فضائل سلبية وفضائل إيجابية، ثم يقرر أن الغزالي وجه اكثر اهتمامه إلى الفضائل السلبية (ولم يعن بشرح الفضائل الإيجابية كالشجاعة والإقدام والحرص وما إلى ذلك مما يحمل المرء على حفظ ما يملك، والسعي لنيل ما لا يجد، فإنه لا يكفي أن يسلم الرجل من الآفات النفسية، بل يجب أن يزود بكل مقومات الحياة. وخير للمرء أن يوصم برذائل القوة من أن يتحلى بفضائل الضعف، فإن الضعف شر كله، ولكن اكثر الناس لا يفقهون)
وقد عاب المؤلف على رجال الدين أن ينسحبوا من الميدان السياسي في الأوقات التي يفرض فيها الجهاد، فطوق الغزالي بطوق من حديد حين سجل عليه أنه لم يؤدي واجبه في التحريض على مقاومة الحملات الصليبية، مع أنه (حجة السلام) ومع أن صوته كان مسموعاً في اكثر الأقطار الإسلامية.
واثبت المؤلف في لواحق الكتاب مقالا نشره في المقطم بتاريخ 4 يونية سنة 1934 أيد فيه القول بأن الدين الإسلامي دين فتح وامتلاك، وهو مقال كتبه في الرد على من ناوشوه من العلماء وفيه يقول:
(الظاهر أن حضرات العلماء فهموا من الفتح التخريب والاعتداء على الشعوب. كلا، يا هؤلاء! الدين الإسلامي دين فتح، رضيتم أم كرهتم، وللفتح آداب وشروط سنها الدين الحنيف، وأنتم حين تنفرون من كلمة (الفتح) إنما تجارون الأجانب الذين يتوددون إليكم بوصف الإسلام بالقناعة والرضا بالقليل، وهذا خطأ سراح، فالدين الإسلامي ابعد الأديان عن الزهادة وأبغضها للخمول، ولا حرج على الإسلام في أن يرغب أتباعه في امتلاك ناصية العالم، فإن هذا أمل نبيل، ولم يحدثنا التاريخ عن أمة قوية أو ملة قوية وضعت حدا لمطامعها في الحياة، وإنما ترغب الأمم الضعيفة أو الملل الضعيفة على أن تحدد آمالها وأطماعها بضيق الحدود)
وهذه الفقرة توضح بعض اتجاهات المؤلف في تفسير الأغراض الصحيحة للدين الإسلامي.
وأنكر المؤلف على الغزالي أن يتعلق بأهداب الآداب السلبية التي دعا إليها الإنجيل، وفي ذلك يقول:
(أن الآداب التي وضعها الإنجيل غير طبيعية، على معنى أنه لا يمكن أن يسكن إليها بطبيعته أحد من الناس، فالحكمة الإنجيلية التي تقول: (من ضربك على خدك الأيمن فأدر له خدك الأيسر) حكمة غير معقولة لا يقرها لها عرف ولا يدعو إليها قانون. . . والحكمة المسيحية التي تقول: (من سخرك ميلا فامش معه ميلين) حكمة غير ممكنة القبول، ومن المستحيل أن تجد مسيحيا يدير لك خدك الأيسر حين تضربه على خده الأيمن، أما المسيحي الذي يتبعك ميلين حين تسخره ميلاً فهو نادر الوجود)
ثم يقول المؤلف بعد كلام مفصل في نقد الأخلاق المسيحية: (أليس من الغريب أن يصدق الغزالي أن عيسى يقول: (من أخذ رداءك فأعطه إزارك) ومن الذي يرضى من المسلمين أو النصارى أن يتأدب بهذا الأدب الغريب؟)
وينفي المؤلف عن نفسه تهمة التحامل على المسيح فيقول: (ونحن بهذه الكلمات لا ننكر نبوة عيسى عليه السلام، وإنما نرجح أن أتباعه جنوا على شريعته بما زوروا باسمه من الأحاديث، وهذه جناية كثيرة الأمثال في تواريخ الشرائع، فإن الإسلام مع تواتر سنده الأول وهو القرآن لم يعدم من أصحاب الغفلة وأصحاب الأغراض من زوروا الأحاديث باسم النبي حتى كادوا يقضون على ما للإسلام من قوة الحق وروعة الجمال. . . ونحن كذلك لا ننكر أن المسيحية تدعو إلى الزهد، ولكنا نرجح أنها كانت تدعو إلى الزهد بقدر ما تفل من حدة الناس وتقلل من جشعهم وطمعهم، أما الدعوة إلى الفرار من طيبات ما أحل الله فهي دعوة بعيدة الوقوع من الأنبياء والمرسلين)
هذا الروح السائد في كتاب (الأخلاق عند الغزالي) الذي يعطفني عليه، ويصرفني عن التعرض له بالحذف والإيصال، مع أني رجعت عن بعض الآراء المدونة فيه حين ألفت كتاب (التصوف الإسلامي) وبين الكتابين أعوام تنقل فيها عقلي من أفق إلى آفاق.
والمهم هو أن ينظر طلبة السنة التوجيهية إلى المعضلات المبثوثة في هذا الكتاب بالعين التي نظر فيها المؤلف، ولهم أن يثوروا على المؤلف كما ثار على نفسه في كتاب (التصوف الإسلامي) إن اتسع وقتهم للبحث والاستقصاء.
وأهم من هذا أن يمتحنوا ما في هذين الكتابين من آراء فلسفية، ليشعروا لجنة الامتحان بأنهم انتقلوا من الدرس والاستيعاب إلى النقد والتحقيق، وليس هذا بكثير على شبان هم بأذن الله طلائع الجيل الجديد.
العناصر الرئيسية
في كتاب (الأخلاق عند الغزالي) أربعة عشر باباً، وفي كل باب عدة فصول، ومن مواد هذا الكتاب تتضح ألوان كثيرة من التفكير الفلسفي عند العقول الإسلامية، وتظهر عبقرية الغزالي في نضارة وإشراق.
وأسلوب الكتاب يغلب عليه الحذر والتهيّب وقد يصل إلى الرمز والإيماء، لأن المؤلف كان يعاني رقابة عنيفة، هي رقابة اللجنة المكلفة بالنظر في صلاحيته لامتحان الدكتوراه، وإن كان من واجب المؤلف نحو نفسه أن يعلن أن تلك اللجنة لم تحذف منه غير فقرتين اثنتين، ولم تشر بغير زيادة كلمات معدودة تحدد المراد من بعض الأغراض
وكان شاع منذ أعوام أن كتاب (الأخلاق عند الغزالي) من تأليف الدكتور منصور فهمي، وهي إشاعة تشرفني وترفع من قدري، فأنا تلميذ هذا المفكر الجليل، ولو قضيت العمر في الثناء عليه لما وفيته بعض حقه في تعليمي وتثقيفي؛ ولكن كتاب (الأخلاق عند الغزالي) كتابي لا كتابه، بشهادة ما فيه من غطرسة واستعلاء، وأستاذنا الدكتور منصور آية في التواضع المقبول
وكان يجب أن ألخص ما في الكتاب من أبواب وفصول ليسهل درسه على المتسابقين، ولكني نظرت فرأيته في غاية من الوضوح والجلاء، فلم يبقى إلا أن أنص على ما يجب درسه بعناية والتفات:
في الباب الأول فصول تصور عصر الغزالي بإيجاز وتصف المدائن التي عرفها الغزالي، وسيسأل الطلبة عن محتويات هذا الباب
وفي الباب الثاني فصول عن أسرة الغزالي ومولده ونشأته وحياته الروحية، ومبلغ فهمه للحياة، وسيسأل الطلبة عما حصلوه من عناصر هذا الباب
والباب الثالث متعب، لأنه خاص بالينابيع التي استسقى منها الغزالي آراءه الفلسفية، ولا بد للطلبة من مذاكرة أساتذتهم في الاهتداء إلى تلك الينابيع وفي الأبواب التالية يكون الكلام في صميم المبادئ الأخلاقية بنظرتين مختلفتين: نظرة الغزالي ونظرة المؤلف، ومن واجب الطلبة أن يمتحنوا هاتين النظرتين بفهم وذوق، ليقيموا الدليل على ما يملكون من أصالة الفكر ورجاحة العقل
فإذا كان الباب التاسع رأينا المؤلف يحاسب الغزالي على آراءه في العلوم والفنون وفي التربية والتعليم، وهو باب سيسأل الطلبة عما فيه من آراء، لأنه وثيق الصلة بالموازنة بين العقل القديم والعقل الجديد
وفي الباب العاشر يتكلم المؤلف عن الواجبات الفردية والاجتماعية، ويقع هذا الباب في أكثر من خمسين صفحة، ويكفي الطالب أن يدرس منه عشر صفحات، ليواجه لجنة الامتحان وهو على شيء من التحصيل
وفي الباب الحادي عشر يطول الكلام عن تأثير الغزالي في عصره وما تلاه من العصور، وللطالب أن يقرأ من هذا الباب ما يشاء ولكن عليه أن يدرس الصفحتين 361و362
وفي الباب الثاني عشر كلام عن أنصار الغزالي وخصومه، وهو موضع اعتراض، فقد قيل أن المؤلف أوجز في الكلام عن أنصار الغزالي مع أنه تحدث عن خصومه بإطناب، فعليك أن تعتذر عن المؤلف بلطف!!
أما الباب الثالث عشر فهو في الموازنة بين الغزالي والفلاسفة المحدثين، وفيه فصل مهم جداً عن الموازنة بين الغزالي وديكارت ولن تعفيك لجنة الامتحان من هذا الفصل، لأنه من عيون الكتاب، ولأن التأمل فيه قد يجذبك إلى الدراسات الفلسفية
وفي الباب الرابع عشر تجد (آراء علماء العصر في الغزالي) من أمثال الأساتذة: منصور فهمي، علي عبد الرزاق، يوسف الدجوي، محمد جاد المولي، عبد العزيز جاويش، الكونت دى جالارزا، علي العناني، عبد الوهاب النجار، حسين والي، عبد الباقي سرور، أحمد أمين
فإن استطعت أن تقرأ الكتاب كله قراءة الفهم أولاً، وقراءة النقد ثانياً، فستظفر بالجائزة الأولى، وسيصافحك وزير المعارف مصافحة الود والإعجاب
الكفر والإيمان
في الموازنة بين الغزالي وكارليل تقع صحائف أراها من النفائس وقد تكون أصدق ما جري به قلمي، وهي من صفحة 389 إلى صفحة 399، ولا أستطيع تلخيص تلك الصفحات في هذا المجال، طلباً للنجاة من الدخول في معارك نفضت من غبارها يدي، فقد راضتني الأيام بعد الجموح، وانضممت كارهاً إلى العصابة التي تقول بأن الرياء سيد الأخلاق!
هذه الصفحات تنفعك في الامتحان، لأنها تشهد بأنك وصلت إلى الأسرار المطوية في كتاب (الأخلاق عند الغزالي) وذلك هو الغرض المنشود، ولكنها ستضرك وستؤذيك، لأنها ستفرض عليك أن تزن (المسئولية الأخلاقية) بميزان جديد وأنت في غنى عن هذه المتاعب الثقال!
كلمة تنفع شباب الجيل الجديد
قد يكون فيكم من يتوهم أن اللجنة التي تحتكمون إليها في مسابقة الأدب العربي يسرها أن تراكم أبواقاً تحكي ضلالات المجتمع في فهم الأدب والأخلاق، هيهات ثم هيهات، فستؤلف تلك اللجنة من رجال وزارة المعارف ورجال كلية الآداب، فأفهموهم بلسان الحال ولسان المقال أنكم طلائع الجيل الجديد، وأنكم جديرون بما لهم فيكم من آمال
وبالنيابة عن اللجنة أوصيكم بدرس ما يطيب لكم من مواد الكتب المقررة للامتحان الشفوي، على شرط أن تعلنوا اللجنة بذلك، وعلى شرط أن يكون لكم في التعقيب إلى المؤلفين آراء تجعلكم من أرباب الفكر الأصيل
ليس المهم أن تقرءوا الكتاب من الألف إلى الياء، ولكن المهم أن تدركوا سريرة المؤلف، وأن تحاسبوه بنزاهة وإخلاص
أنتم في السنة التوجيهية إلى كليات الجامعة المصرية فأفهموا لجنة الامتحان أنكم انتقلتم من التحصيل إلى التفكير، فالتفكير هو الغرض المنشود
وسنتكلم في الأسبوع المقبل عن (إبراهيم الكاتب)؛ فإلى اللقاء
زكي مبارك