مجلة الرسالة/العدد 436/مسابقة الأدب العربي لطلبة السنة التوجيهية
مجلة الرسالة/العدد 436/مسابقة الأدب العربي لطلبة السنة التوجيهية
إبراهيم الكاتب
للدكتور زكي مبارك
(الكتاب والمؤلف - جناية المازني على موهبته الشعرية
وعلى أسلوبه في الإنشاء - ضاع المازني الشاعر فما مصير
المازني الكاتب؟ - المواهب تلاحق أصحابها ولو فروا منها
إلى شعاب الجبال - المازني الشهيد - من إبراهيم الكاتب؟ -
الحب في نظر وزارة المعارف.
الكتاب والمؤلف
يقع الكتاب في 384 صفحة بالقطع الصغيرة، وثمنه عشرة قروش، وهو يطلب من مكتبة عيسى الحلبي بالقرب من مسجد الحسين.
والمؤلف لا يحتاج إلى تعريف، فهو الأستاذ إبراهيم عبر القادر المازني أحد أقطاب الأدب الحديث.
ولكن شهرة المازني في مصر وفي سائر الأقطار العربية لا تعفينا من النص على خصائص ذاتية لم يعرفها القراء من قبل وإن كان المازني لم يترك مجالاً لمن يريد أن يتحدث عنه بإيجاز أو إطناب، فأشعاره ومقالاته تسجل ما فيه من محاسن وعيوب.
وهنا يحتاج الكلام إلى تقييد، فالمازني مغري بالسخرية من نفسه، وقد يتوهم من لا يفهم أنه لا يقول عن نفسه إلا الحق وذلك وهم فظيع، فهذا الرجل من أهل الجد الرزين، وله مبادئ أدبية وقومية يحرص عليها حرص الأبطال، وأقل ما يوصف به المازني أنه (رجل شهم) وهو من عناوين المروءة في هذه البلاد.
عرفت المازني معرفة أدبية لا شخصية في أعوام الحرب الماضية، وكان قد أخرج كتاباً في نقد (حافظ إبراهيم) وكان نقد حافظ في تلك الأيام يعد من شواهد التفوق. ثم ز اهتمامي به حين سمعت أن حافظ إبراهيم كانت له يد في إخراج المازني من وزارة المعارف (وأنا هنا أحكي كلاماً قاضت به المجالس في ذلك العهد بغض النظر عما فيه من صحبة أو بطلان).
ثم جاءت فرصة رأيت فيها المازني وجهاً لوجه في سنة 1922 ولكن كيف؟
كان الأستاذ عبد القادر حمزة اشترك مع عبد اللطيف بك الصوفاني - رحمهما الله - في إخراج جريدة الأفكار بصورة تجمع بين مقاصد الوفد المصري ومبادئ الحزب الوطني، وكان عبد القادر ينظر إلي بارتياب لصلتي الوثيقة بالحزب الوطني، فكان يخفي عني أسماء المحررين الذين يساهمون في التحرير من بعيد، ومن هؤلاء كاتب تنشر له (الأفكار) سلسلة من المقالات الرائعة بعنوان (الإسناد المتداعية) فمن ذلك الكاتب؟ من ذلك الكاتب؟ ليتني أعرف!
وفي ذات يوم دخلت على الأستاذ عبد القادر حمزة أبلغه ملاحظات الصوفاني بك على بعض ما في (الإسناد المتداعية) من آراء فابتسم وقال: اسأل الأستاذ! فنظرت فرأيت المازني في حال تستوجب الرثاء، فقد كان دامي العينين، وكان كيانه يشهد بما يعاني من إعياء، وكذلك عرفت أن إبراهيم المازني هو صاحب (الإسناد المتداعية)
وبعد خمسة عشر عاما من ذلك التاريخ عرفت المازني خبراً يشبه هذا الخبر الغريب، وحياة هذا الرجل كلها غرائب.
كنا زميلين في تحرير جريدة البلاغ، ولم يكن بيننا ما يقع عادة بين الزملاء من التنافس المكبوت، فأسررت إليه مرة أن عندي موضوعاً أتهيب الكتابة فيه، لأنه قد يضايق فضيلة الشيخ المراغي، وهو إعلان الرسائل التي تنال بها العضوية في (جماعة كبار العلماء)، وبينت له أن من الواجب أن يكون حال تلك الرسائل شبيهاً بحال الرسائل التي تنال بها الدكتوراه من الجامعة المصرية، فهي تطبع وتنشر ليعرف الجمهور أن الجامعة لا تعطي الألقاب العلمية بدون استحقاق، فما الذي يمنع أن يكون الأمر كذلك مع (كبار العلماء)؟؟
وطرب الأستاذ المازني لهذه الفكرة وقال إنه سيذيعها بالنيابة عني، وكان مفهوماً أنه سيذيعها على صفحات (البلاغ) فماذا وقع؟
رأيتها منشورة بعد أيام في جريدة (الأهرام) بدون إمضاء فعرفت من جديد أن المازني بروحين أو أرواح، وعرفت أن الذي كان يراسل (الأفكار) وهو في (الأخبار) هو نفسه الذي يراسل (الأهرام) وهو في (البلاغ). ثم تعقبته فعرفت أن بينه وبين الأستاذ أنطون الجميل صلات، وأنه ينشر في (الأهرام) أشياء بدون إمضاء، رعاية لمكانه في (البلاغ).
جناية المازني. . .
لا يحتاج القارئ إلى معرفة الأسباب التي استوجبت أن يتحرر المازني من خدمة الحكومة المصرية، وكان منذ أكثر من ثلاثين سنة أستاذاً بالمدارس الثانوية. وكان الظن أن يصير من أقطاب وزارة المعارف، لو صبر على ما توجب الحياة الرسمية من تكاليف خفاف أو ثقال. . . لا يحتاج القارئ إلى معرفة تلك الأسباب، لأن المازني لا يصلح أبداً لحياة الهدوء والاطمئنان. ولو أجلسناه على كرسي الوزارة لخلع نفسه بعد لحظات، ليقول في الوزارة ما يشاء، وليغمز الرسميين كما يريد.
وقد اشتغل المازني بالتعليم في المدارس الأهلية، ولعله أنشأ لنفسه مدرسة لم تظفر بطول البقاء. ومن المؤكد عندي أن (الكاتب) هو الذي أضاع (المدرس)؛ فما كاد يرى بوارق النضال السياسي حتى اندفع إليه بقسوة وعنف، وكانت باكورة مقالاته السياسية ردا على المرحوم إسماعيل أباظة باشا. وكان هذا الرجل على جانب من القوة والعمق، وكان لا ينشر شيئاً إلا بعنوان: (بيان لا بد منه)، فرد عليه المازني في جريدة (النظام) بمقال عنوانه: (لا بد مما ليس منه بد)
ومضى المازني ينشر في الجرائد مقالات سياسية في تأييد الخطة الوفدية. وجاء (مشروع ملنر) وكان للصحفيين الوفديين في تأييده مجال - وكانت المعارضة في ذلك الوقت بيد الحزب الوطني - ثم ظهر مفاجأة مقالان في نقد ذلك المشروع لكاتبين وفديين، هما المازني والعقاد، فدعاني الأستاذ محمد الههياوي إلى التعليق على هذين المقالين. وكان رأيه أن ذلك صدع في بناء الهيئة الوفدية. ولكن شجاعة المازني والعقاد أوجبت أن أخصهما بكلمة ثناء.
وجاء الخلاف بين أمين الرافعي وسعد زغلول، فادفع المازني في الهجوم على الوفد. وكانت مقالاته غاية في القوة البيانية، وفي حرارة أخطر من الجمر المتوقد، بحيث لا يشك قارئ في أن (الكاتب) سيعادي الوفد إلى آخر الزمان، ولكن هذا (الكاتب) الذي يعادي الوفد علانية في جريدة الأخبار هو نفسه (الكاتب) الذي يزور جريدة الأفكار كل صباح ويقدم إليها في تأييد الوفد أشياء!؟
ويمر زمن قصير فنرى المازني يعطف على الجريدة الرسمية للحزب الوطني ويصادق الشيخ عبد العزيز جاويش. ثم يثبت فجأة فينتقل إلى حزب الاتحاد ويزامل الدكتور طه حسين في تحرير جريدة (الاتحاد)، مع انعطافات خفية يغمز بها هذا الحزب في جريدة (الأخبار). ثم ننظر فنراه مع الأحرار الدستوريين في صحبة الدكتور محمد حسين هيكل رئيس تحرير (السياسة)، ونلتفت فنراه انتقل إلى (البلاغ)، وبوصوله إلى (البلاغ) خطرت له فكرة الاستقرار الموقوت!؟
وفي أثناء هذه التنقلات السياسية كانت للمازني تنقلات أدبية، فكان يرسل إلى المجلات ما تقترح عليه. وقد أنشأ لنفسه مجلة كما كان أنشأ لنفسه مدرسة؛ ولكن المازني رجل ملول، وإنشاء مدرسة أو مجلة يحتاج إلى شمائل تبغض الملال.
ولم يقف المازني عند هذه المراحل من التنقل السريع، فخلق لقلبه وعقله مجالات كثيرة في الحجاز والشام والعراق، فهو من أعرف الناس بالتيارات الفكرية والسياسية في أكثر البلاد العربية.
أراني أطلت من غير طائل، فماذا أريد أن أقول؟
أريد أن أهوى بيدي على رأس المازني فأحطمه بلا ترفق، عقاباً على ما صنع بنفسه بلا ترفق!؟
كان المازني من أكابر الشعراء، وكان يستطيع أن يمد الشعر بقوة وذوقية تصل ما انقطع من لوامع هذا الفن الجميل.
ولكن المازني الذي (انشغل) بالكتابة في جميع الأوقات ولجميع الأحزاب لم يعد يجد الفرصة للغناء، ولا بد للشعر من غناء. والغناء يوجب الخلوة إلى النفس من حين إلى حين؛ ومتى يخلو إلى نفسه من يعاني ضجيج المجتمع السياسي في الصباح والمساء، ومن عود نفسه الأنس بالقيل والقال في الكبائر والصغائر من شؤون هذا المجتمع الصخاب؟
وهنا يظهر انخداع المازني أو خداعه، فهو لا يقول إنه مشغول بالكلام عن الغناء، وإنما يكابر فيزعم أنه لم يبق للشعر في الدنيا مكان، وأن الشعراء ليسوا إلا جماعة من الحمقى والمجانين!
وحول هذه القضية ثارت الخصومة بيني وبينه على صفحات البلاغ حين ظهر ديواني في سنة 1934، وهي خصومة مست قلب المازني، وكان من المحتمل أن تكون لها عواقب سود، ولكن الرجل تراجع حين عرف أن غضبه لم يقم على أساس.
وبعد أعوام حدثته بأني انصرفت عن الشعر فحملق في وجهي حملقة الغول وهو يصرخ: (أنت تبت! أنت تبت!)
وكذلك يرى المازني أن الانصراف عن الشعر توبة، وكأنه يجهل أنه أساء إلى وطنه إساءة ستجعله من أهل النار يوم يقوم الحساب، فضياع شاعر مثل المازني ليس إلا نكبة وطنية. لا جزاء الله إلا بما هو له أهل!
ضاع المازني الشاعر، فما مصير المازني الكاتب؟
بدأ المازني حياته النثرية بالطريقة الجاحظية، وهي تقوم على أساس الازدواج، وقد وفى المازني لهذه الطريقة أصدق الوفاء في أمد يزيد على عشر سنين، وكان عهده في رحاب هذه الطريقة أجمل عهوده الأدبية. فقد كان نموذجاً للكاتب الفنان، وكان بناء الجملة على سنان قلمه غاية في المتانة والجمال.
ثم جنى المازني على نفسه بالكتابة اليومية، ولكن كيف؟ يدخل الجريدة فيتحدث ويتحدث ثم يتحدث إلى أن يضيع الوقت وإلى أن تنفذ قواه، وفي آخر لحظة يكتب المقال المطلوب بأي أسلوب، وكذلك صار المازني يكتب كما يتحدث، وبين الكتابة والحديث مراحل طوال.
ثم ماذا؟ ثم ابتدع المازني طريقة جديدة هي كتابة أكثر مقالاته وقت إنشائها بالكتاب، فينشئ المقال على أصوات: طق طق، طق!!
هل فهمتم ما أريد؟
المازني اليوم لا يكتب كما نكتب بقلم ومداد وقرطاس، ليستطيع المحو والإثبات كما نستطيع، وإنما تدور أنامله على الكتاب بوحي من رأسه الموهوب؛ فيخرج المقال وهو كلام لا إنشاء.
فمن هاله أن يرى بناء الجملة عند المازني الجديد يخالف بناء الجملة عند المازني القديم فليذكر هذا التاريخ من حياة هذا الفنان.
ولكن. . .
ولكن المواهب تلاحق أصحابها ولو فروا منها إلى شعاب الجبال، فالمازني أديب موهوب، وهو كتلة من العواطف والأحاسيس، ومواهب هذا الرجل لن تتركه بعافية، وسيظل المازني هو المازني، ولو انتقل من تسيطر مقالاته على الكتاب إلى تسطيرها على الهواء.
ولعل لله حكمة فيما صار المازني إليه، فهو الشاهد على أن الفطرة أفضل من الفن، وهل الفن إلا الصدق في النقل عن الطبع؟
المازني الجديد فنان بأسلوب جديد، وسيكون له مكان في تاريخ الأدب العربي، فسيقال حتما إنه عاون على حماية اللغة الفصيحة من عوادي الجمود.
لقد بدأ للأستاذ محمود تيمور أن يؤلف بعض الأقاصيص باللغة العامية ليغزو قلوب الطبقات الشعبية، فهل وصل إلى ما يريد؟
إن كتابة المازني - وهي غاية في إيثار الفصيح - أسهل وأوضح من كتابة تيمور العامية، ولو ترك مصير اللغة إلى من يخطبون ود العوام لصارت إلى البلبلة ثم الفناء.
والأستاذ محمود تيمور له يوم، وسنلقاه بعد قليل، فله فوق هذه المشرحة مكان.
المازني الشهيد
رأينا المازني في هذه الصفحات إنسانا يتنقل من أفق إلى آفاق. فهو مدرس أولاً، وشاعر ثانياً، وكاتب ثالثاً، ورأيناه يساير جميع المبادئ وجميع الأحزاب، فهل نعده من أهل الرياء؟
لا بد مما ليس منه بد.
لا بد من أن تقال في هذا الرجل كلمة الحق، فمن الإجرام أن نترك أدباءنا تحت حماية الأقاويل والأراجيف، وهم صوت مصر في الشرق.
المازني الذي عرفته رجل صادق إلى أبعد الحدود، صادق في البغض وصادق في الحب، صادق في الجد وصادق في المزاح.
كان صادقاً في تأييد الأحزاب التي أيدها بالقلم واللسان. كان وفدياً صادقاً وهو يؤيد الوفد المصري، وكان وطنياً صادقاً وهو يؤيد الحزب الوطني، وكذلك كان حاله مع الدستوريين والاتحاديين، ولو بدا له أن يعاون الشيطان لبلغ غاية الصدق في تأييد الشيطان!
هذا رجل يعيش بأعصابه واحساساته، وقد يكون لبلائه باحتراف القلم تأثير في تقلباته النفسية والوجدانية. وما ظنكم برجل يكتب كل يوم فيستنفذ ما يملك من بواعث القرار والهدوء؟
وأهجم على الغرض الذي أرمي إليه فأقول: هذا رجل جنى عليه قلمه، وجنى عليه إحساسه، فلم يعرف قيمة الصبر على الانحياز إلى إحدى الجهات، في زمن لا يعيش فيه المفكرون إلا بأسندة من العصبيات السياسية أو الاجتماعية.
وزارة المعارف نسيت المازني، فبينها وبين صحبته القديمة أعوام وأجيال
والأحزاب السياسية لا تذكر المازني، فقد تقطع ما بينه وبينها من أسباب.
لا يعرف المازني غير قرائه وهم أقوام لا حول لهم ولا طول، فإلى من يتوجه هذا الرجل إذا بدا له أن يقصف قلمه في ساعة ملال؟
الموظف الذي ينتفع بمرور الأيام في احتساء القهوة والتأشير على بعض الأوراق يواجه الشيخوخة وله معاش يضمن له الراحة والاطمئنان
والمتجرون في التراب يجمعون الألوف، وحدث ما شئت عن المتجرين في البهتان!
فما مصير (إبراهيم الكاتب) وقد قضى نحو أربعين سنة في صحبة القلم والقرطاس؟ ما مصيره وقد عادى الجميع في سبيل رسالته الأدبية؟
المازني حساس إلى الحد المزعج، وهو يغم حين يرى اسمه (إبراهيم) وضعت فيه ألف بعد الراء، فهو عند نفسه (إبرهيم) لا (إبراهيم) والجنون فنون!
وهذا الإحساس المرهف هو الذي صير هذا الكاتب إلى ما وصفنا في هذه الصفحات، فهل من الإسراف أن نطالب الدولة برعاية المصاير لمن يكونون في مثل حاله من العناء بحرفة الأدب والاكتواء بنار الكتابة كل يوم أو كل أسبوع في آماد طوال لا تصلح بعدها النفس لانتهاج مذهب جديد في الحياة المعايشة؟
إن الذين صدقوا في خدمة الأدب آحاد، لا عشرات ولا مئات، فهل تعجز الدولة عن تدبير معاش لأولئك الآحاد حين يطيب لهم أن يستريحوا من متاعب البيان؟
من إبراهيم الكاتب؟ إبراهيم الكاتب قصة غرامية تفرعت إلى شجون وصفية واجتماعية، وقد تحدث المازني في المقدمة عما سلك من طرق التأليف، بإسهاب يغني عن النص على ما فيها من مقاصد وأغراض. إنما يجب النص على مسألتين سلك فيهما المازني مسلك التحريف ولا أقول التضليل!
أما المسألة فهي إصراره على أن إبراهيم الكاتب غير إبراهيم المازني، وحجته أن إبراهيم الكاتب يتلقى الحياة باحتفال، أما إبراهيم المازني فيتلقى الحياة بغير احتفال (؟!)
وأقول إني صحبت المازني أعواماً في جريدة البلاغ وأياماً في مدينة بغداد، فما رأيت أشد منه احتفالاً بالتوافه من شؤون الحياة، فهو يغضب ويثور لأوهى الأسباب، فكيف يكون حاله فيما يمس جوهر المنافع الحيوية؟
أما المسألة الثانية، فهي الصفحات المنقولة حرفيا عن كتاب (ابن الطبيعة)، ويقول المازني: إن هذا توارد خواطر لا سرقة أدبية؛ ويقول الأستاذ علي أدهم: إن المازني نقل هذه الصفحات متعمداً ليجد الشاهد - عند اللزوم - على أن توارد الخواطر هو الأصل فيما ينسب إليه من سرقات، وهل من المعقول أن يسرق الكاتب خمس صفحات؟!
وهنا نعرض فكاهة تستحق التسجيل:
كنا في جريدة (البلاغ) في الأسبوع الأول من قدوم السير (لامبسون)، وهو رجل فارع الطول، ورأت إحدى الجرائد الإنجليزية أن تنص على طوله، فنشرت جزءاً من صورته في الصفحة الأولى وقالت: إن البقية في الصفحة الثانية!!!
فقال المازني بغير وعي: ما الذي يمنع من سرقة هذا المعنى؟! واتهام المازني بالسرقات الأدبية معروف، ولكن هذا لا يغض من قدرته البيانية، فلعله أول مترجم في مصر يوهمك وهو يترجم أنه الكاتب الأصيل.
عند المازني عبارات كثيرة مجنحة بأخيلة أجنبية، ولكنها لا ترد في كلامه إلا وهي مطبوعة بإحساسه الخاص، فهو يستأسر للمعنى والصورة قبل أن يفكر في السرقة أو النقل. . . فهل تراني أحسنت الدفاع عنك يا صديقي؟
الحب في نظر وزارة المعارف قصة (إبراهيم الكاتب) قصة غرامية، وفيها ألوان من اضطرام العواطف والأحاسيس، فكيف جاز لوزارة المعارف أن تقررها لمسابقة الأدب العربي بين طلبة السنة التوجيهية، مع أن هذه الوزارة كان يؤذيها أن يكون في المحفوظات المقررة شيء من الغزل والتشبيب؟
تلك وجهة جديدة في وزارة المعارف، فهل نراها بمنجاة من الانحراف؟
ولكن، ماذا جنت وزارة المعارف في عهودها السوابق من إخفاء قصائد الحب عن التلاميذ؟ هل جعلتهم أقوى من تلاميذ إنجلترا وألمانيا، والحب عند هاتين الأمتين له في جميع النصوص الأدبية مكان؟
لوزارة المعارف عندنا صوت في إدارة الإذاعة اللاسلكية، فهل اعترضت على أغاني الحب؟؟ وكان لوزارة المعارف رأي في توجيه الفرق التمثيلية، فهل اعترضت على الروايات التي يقع فيها تقبيل وعناق؟؟
آن لوزارة المعارف أن تعرف أنه لا موجب للهرب من المطالب الروحية، وأن الحزم كل الحزم في أن تتولى هي تربية العواطف في صدور التلاميذ، لا أن تترك عواطفهم لرياضة الجهلة من السفهاء.
المحرم هو الإسفاف في تصوير الشهوات، أما تشريح عاطفة الحب باعتبارها عاطفة إنسانية، فهو غرض يوجبه التعليم والتثقيف.
وما قيمة الحرص على إخفاء الجمال مصوراً في قصيدة وجدانية، وهو يعرض كل لحظة في شوارع القاهرة، وقد يباع بلا ميزان؟
كونوا أساتذة التلاميذ في جميع الشئون، واحترسوا من تركهم تحت رحمة الأهواء، واعلموا أن شغف التلاميذ بالنظر في أحاديث الحب يرجع إلى إصراركم على القول بأنه حرام لا مباح، فقديماً قيل: كل ممنوع متبوع.
وسلام على إبراهيم - إبراهيم الكاتب - من صديقه الحميم:
زكي مبارك