مجلة الرسالة/العدد 447/الأحلام

مجلة الرسالة/العدد 447/الأحلام

ملاحظات: بتاريخ: 26 - 01 - 1942



للعالم النفساني سيجموند فرويد

ملخص محاضرة ألقاها قيبل وفاته

للدكتور محمد حسني ولاية

ينقسم الحلم إلى شقين: الحلم الظاهر والحلم الكامن. ويحتوي الأول على نسيج الحلم نفسه، ويتضمن الثاني ما يختفي وراء الحلم الظاهر من الأفكار والصور المستقرة في العقل الباطن (اللاوعي). وللاهتداء إلى الشطر الكامن علنا أن نطلب إلى الحالم استبعاد انتباهه من الحلم الظاهر والاهتمام بعناصره كل على حدة والإدلاء بالحوادث التي عرضت له في اليوم السابق للحلم والتي تمت إلى هذه العناصر بصلة. وعلى هذا الأساس تسهل معرفة الأفكار المرتبطة بحوادث الحلم لما تنطوي عليه من ذكريات من اليوم السابق للحلم علاوة على ذكريات مستمدة من الماضي البعيد والقريب.

يبذل الحلم مقاومة تتفاوت قوتها لإخفاء بعض نواحي الحلم ويتمخض هذا عن اضطراب الحلم وفقده بعض همزات الوصل. وليس الحلم الظاهر أو بعبارة أخرى الحلم المحسوس إلا وليد طاقة فكرية ترمي إلى التعبير عن نفسها، ولكنها اصطدمت بمقاومة؛ وهذا يؤدي إلى أن هذه الطاقة قد تعبر عن مضمونها، ولكن قد تقوى المقاومة على منع هذا التعبير أو أن تستبدل اتجاه الطاقة باتجاه آخر لا يدل على كنهها، وفي أكثر الأحيان ينتج من الصراع بين هاتين القوتين (الطاقة والمقاومة) مظهر منسجم بحيث تستطيع القوى الدفينة أن تقول كل ما تريد أن تقوله، ولكن ليس على المنوال الذي تتوخاه ويتمخض هذا عن تشويه تعبيرها بحيث يصبح غير مفهوم. وتسمى القوة المقاومة (الرقيب الحلمي) وما هي إلا القوة الكابتة المستقرة بين الوعي واللاوعي.

إن المنبه غير الواعي هو خالق الحلم الحقيقي لأنه مصدر الطاقة العقلية اللازمة لتكوين الحلم، وهو كأي منبه غريزي يسعى إلى الوسيلة التي تشبع نهمه وتظهر قوته. والواقع أن كل حلم يعبر عن إشباع رغبة غريزية على نمط هلوسي وهمي، لأن التفريج عن نفسه عن طريق الحركة غير ممكن بسبب النوم وعليه أن يرجع القهقرى ليتدفق في مجرى آخر هو مجرى الإدراك الحاسي ويعبر عن نفسه بطريقة هلوسية. وعلى هذا تتحول أفكار الحلم الكامنة إلي صور حاسية ومناظر مرئية، وتتزيا الأفكار والصور بزي يبدو لنا جديداً عجيباً. ولما كان الجهاز اللفظي عاجزاً عن العمل في حالة النوم فهو لا يستطيع التعبير عن الارتباطات الفكرية الدقيقة ويتخلف عن هذا مواد فكرية خامة لا تماسك بين بعض أجزائها والبعض الآخر فهي تشبه تعبير الشخصي البدائي. وقصارى القول أن هذا المنبه الفكري المكبوت يتراجع إلى طرق قديمة في الجهاز العقلي بتأثير الرقيب االحلمي، ويعبر عن نفسه على نمط الإنسان الفطري بالرموز التي أصبحت غريبة على الوعي ولكنها كامنة في العقل الباطن. على أن التغييرات التي تطرأ على العناصر التي تحتوي عليها الأفكار الحلمية على جانب عظيم من الأهمية فإن هذه الأفكار تتكثف بحيث تتكون منها وحدات جديدة كما سنرى فيما يلي.

عندما تترجم الأفكار إلى صور تعبر هذه الصور عن أفكار كثفت واعتصرت وقد يمثل بسبب هذا التكثيف عنصر واحد في الحلم المحسوس عدة عناصر من الأفكار الحلمية، ولكن على النقيض من هذا قد يمثل عنصر واحد من الأفكار الحلمية عدة صور مرئية في الحلم.

وهناك ظاهرة هامة أخرى، هي ظاهرة الإزاحة أو النقل وتنطوي على نقل أهمية فكرة إلى أخرى، وتعد هذه الإزاحة في الوعي كخطأ في التفكير، أو كوسيلة للمزاح. إن الأفكار الفردية التي تكون عناصر الأفكار الحلمية ليست كلها ذات أهمية متساوية، لأن كلا منها مزود بطاقة عاطفية أو انفعالية تتفاوت في قوتها. وتنفصل في الحلم هذه الطاقات العاطفية عن الأفكار، وحينئذ تتحول إلى طريق آخر أو تعدل أو تختفي من الحلم كلية أو تبقى كما هي. وقد تعود الأفكار التي سبق أن حرمت من طاقتها الانفعالية إلى حلم في شكل صور حلمية حساسة، وبذلك تتعلق الأهمية بعناصر لم تكن ذات أهمية، وعلى هذا نرى أن الصور المرئية البارزة في الحلم التي تعتبر أهم عناصره، ليست في حقيقة الأمر أهم عناصر الأفكار الحليمة، كما أن العناصر التي تبدو قليلة الأهمية في الحلم قد تكون في الواقع أهم عناصره، ولكن قلت أهميتها في الحلم بسبب حرمانها من الطاقة الانفعالية أو العاطفية. وهذا هو السبب في أن الحلم يبدو غريباً غير مفهوم. من هذا يتضح أن الإزاحة تؤدي إلى تشويه الحلم تحت تأثير الرقيب الحلمي.

بعد هذه العمليات تصبح الأفكار الحلمية جاهزة، ولكنها قد تتأثر بعملية أخرى غير ملموسة الأثر في كل الأحلام وتسمى عملية الإعداد الثانوي التي تؤثر على الحلم عندما يصل إلى الوعي الذي يحاول أن يوجد همزات الوصل، ويملأ الفراغ بين بعض عناصر الحلم والبعض الآخر، فيبدو الحلم متماسكاً مصقولاً.

وحين ينعدم الإعداد الثانوي تبدو الأحلام على فطرتها لا تماسك بين بعض أجزائها والبعض الآخر. وقد يعمل الوعي على إعداد شطر من الحلم ويترك الشطر الآخر دون صقل ولا تهذيب.

يحتوي الحلم على رموز قد يصعب تفسيرها، وتستعصي معرفة مصدرها.

يرمز المعطف عندما تحلم به امرأة إلى الرجل، ويرجع منشأ هذا الرمز إلى طقوس البدو أثناء الاحتفال بالزواج في العهد القديم فقد كان يلبس البدوي عروسه عباءة وهو يقول (لا تدعي رجلاً آخر يسترك سواي)

وقد ذكر إبراهام أن العنكبوت يرمز إلى الأم القُبُلية لأنها تنهي طفلها عن العبث بقبلة فهو يخشاها ويمثل الخوف من العنكبوت الخوف من حب المحارم وكذا الخوف من رؤية أعضاء الأنوثة.

وقد فسر فرنزي رمز الجسر بكونه يمثل في الأصل عضو الذكورة الذي يصل الوالدين أحدهما بالآخر أثناء العملية الجنسية. على أنه يمثل أيضاً معاني أخرى ناشئة من عضو الذكورة نفسه لأنه المسئول عما يحدث بعد من ولادة الطفل بعد أن يتدفق السائل القرني، ومن هذا يتضح أن الجسر قد يمثل عملية الولادة في حد ذاتها.

(للبحث صلة)

دكتور محمد حسني ولاية

طبيب بصحة بلدية الإسكندرية