مجلة الرسالة/العدد 448/أعدى الأعداء!
مجلة الرسالة/العدد 448/أعدى الأعداء!
للدكتور زكي مبارك
الخطر الذي يهدد البيت من جهل الزوجات وتخلف الأبناء - ما الموجب لتشجع الحركة النسوية؟ - لن يذوق الرجل طعم السعادة أو الشرف إلا إن كان السيد الأول والأخير في البيت - السر في تمرد بعض الزوجات على بعض الأزواج - أبناء اليوم بعد بنات اليوم - هل سمعتم أن الأسد يتعطر ويزدان؟
جاء في كلام منسوب إلى الرسول هذه الحكمة السامية:
(أعدى أعدائك نفسك التي بين جنبيك)
ولهذه الحكمة كثيرٌ من المرامي، وسنرجع إلى شرحها بعد حين.
والمهم في هذا الحديث هو التنبيه إلى خطر يهدد قوانا المعنوية، وهو الخطر الذي يصل إلينا من الزوجات ومن الأبناء، ولا سلامة من هذا الخطر ولا نجاة إلا أن قاومنا بعزائم لا تعرف التخاذل ولا النكوص.
والرجل الحق في نظري هو الرجل القادر على البطش بحقوق البيت، ولا أريد الحقوق المشروعة التي يوجبها العُرف والدين، وإنما أريد الحقوق المفتعلة التي تخلفها الزوجات الجاهلات، أو الأبناء المتخلفون.
والرجل لا يسمح لزوجته بافتعال الحقوق إلا عند الشعور بضعف الحيوية، فهو يرائيها لتكف عنه شرها المخبول. ولعل لهذا المعنى دخلاً في تهالك بعض الناس على تأييد الحركة النسوية، فما يسيغ ذهني أن يدعو الرجل إلى المساواة بين النساء والرجال، ولا يجوز عندي أن تصدر هذه الدعوة عن صدرٍ بريء من الأغراض.
وأقول بصراحة إني لم أجد شخصاً يساعد على طغيان الحركة النسوية إلا افترضته أحد رجلين: رجل ضعيف يستر ضعفه بالتظرف، أو رجل ماجن يرى هذه الدعوة من أنجح الأحابيل.
وإذا جاز للرجل أن يساير الباطل في المجتمع فلا يجوز له أن يساير الباطل في البيت، وإذا يجب وجوباً جازماً أن تذكر الزوجة في كل لحظة أن مصيرها إلى الهاوية، إن فكرت في الانتفاع بما أباحت المدنية الرخوة من تطاول النساء إلى منازل الرجال.
المرأة لن تكون إلا مرأة ولو طُوِّقت بالجوزاء، وعقل المرأة لن يكتمل ولو ثُقِّف بجميع ما عرفت الإنسانية من علوم وفنون، فما بال فريق من المخلوقات يبدئ ويعيد في الكلام عن حقوق النساء؟
لقد خُرِّبتْ أكثر البيوت في الغرب بفضل التلطف مع المرأة، فماذا تريدون بأنفسكم يا أبناء الشرق؟
إن الخراب ينتظر البيوت التي يسيطر عليها الجنس (اللطيف)، ونعوذ بالله من شر هذا الجنس، فهو في كل مكان وفي كل زمان مصدر البلاء.
وخلاصة القول أن الرجل لن يذوق طعم السعادة أو الشرف إلا إن كان السيد الأول والأخير في البيت. وهل سمّيت المرأة (سيدة) إلا في عصور الانحطاط؟
كان الزمام في أيديكم، فكيف أضعتموه؟
وكانت المرأة في مكانها وعند حدودها، فكيف استطالت، وما كانت إلا مخلوقاً أمض أسلحته البكاء؟
جفّ الدمع في عيون النساء، بعد أن خمد العزم في صدور الرجال، ولن يكون لبنات حواء غير التعاسة بعد لياذهنّ الأثيم إلى الغطرسة والكبرياء، ولن يون لبني آدم غير الذل بعد رضاهم الممقوت عن تطاول ربات الحجال!
أتريدون أن تعرفوا السر في تمرد بعض الزوجات على بعض الأزواج؟
يرجع السر إلى أن طبيعة المرأة كلبية، فهي لا تعيش بغير سيد يُخضِعها لهواه في جميع الشؤون، فإن شاء الزوج أن يجعلها سيدة ليصير من أبناء العصر الحديث فلن يقع الغُرم إلا عليه، ولعله يبحث فيعرف أن المرأة لا تتمرد على زوجها إلا بعد أن تصير أمة لرجلٍ سواه، ولو في حضانة الخيال؟
ومن أعجب العجب أن تكون هذه الحقيقة البديهية في احتياج إلى شرح، ولكن ما نصنع ونحن نعيش في زمنٍ قضتْ غباوتَه بتوضيح الواضحات؟
لقد بغتْ المرأة ثم بغت، واستطالت ثم استطالت، حتى صار من حقها أن تشترك في مباريات الجمال، ومع هذا لم يسمع أحدٌ أن مباراةً أُقيمت بين النساء في ميدان العقل.
وفي مصر مجلات تعرض وجوهاً نسائية من وقت إلى وقت لتحدثنا بالرمز والإيماء عن تفوق الملاحة والصباحة في هذه البلاد.
وأقول إن المرأة لا تسمح بنشر صورتها إلا وهي منخوبة العقل والوجدان!
كان من العسير على الفتى أن يتمثل صورة فتاةٍ عارية قبل أن تظهر بعض الأفلام وقبل أن تظهر بعض المجلات، وكان من الصعب أن تهتدي المرأة إلى بيت أحد الأقارب بدون دليل. . . واليوم يجوز ما يكن يجوز فنسمع أن المراقص تدار في بيوت بعض الأعيان ثم تُنشر صورها في صحائف يقرأها الجاهل قبل الحليم، ونسمع أن حفلة أُقيمت لغرض لا نسميه، وفيها تراقصَ أُناس لا تجع بينهم لغة ولا جنس ولا دين.
ليكن ذلك، فنحن في (القرن) العشرين
ولكن البيت، البيت، البيت؟؟؟
احذروا ثم احذروا من أن ترقص المرأة في البيت!
واحذروا ثم احذروا من أن يكون للمرأة في البيت أي سلطان!
يرحمك الله، يا أبي، فقد كنت لا تدفع ثمن النعل إلا بعد أن تجربه على رؤوس زوجاتك، وكانت أحبهن إليك أصبرهن على أذاك.
اليوم يجوز ما لم يكن يجوز
اليوم تعارض المرأة زوجها في توافه الشؤون، وتنتصب أمامه كالحية النضناض، لتسأله كيف تأخر عن موعد الحضور دقيقة أو دقيقتين!
ثم ماذا؟
أترك الحديث عن سخافة المرأة وأنتقل إلى حماقة الأبناء فأقول: هل تعلمون أن من شباب اليوم من يظلَّ عالةً على أبيه إلى سن الثلاثين!
ولكن كيف؟
بحجة أنه لا يزال طالباً في أحد المعاهد العالية!
أسقط الله سقوف تلك المعاهد على رؤوسكم، يا جهلاء!
بأي حق يجوز أن يبلغ الفتى سن العشرين قبل أن يصلح للاضطلاع بأعباء المعاش؟
الجواب حاضر: لأنه يستبيح المشي في الشوارع وكأنه غادة بلا نقاب، ولأنه يعتمد على أمه في استغفال أبيه، فيصل إلى الثلاثين قبل أن يصلح لشيء من صالح الأعمال.
أحب أن أعرف كيف يجوز للفتى أن يتعطر ويزدان بإفراط وإسراف؟
أيفعل ذلك ليختلب لُبَّ امرأة؟
إن كان هذا ما يريد فقد أخطأ الصواب، لأن المرأة تشمَ الفتى الفحل، فتنجذب إليه ولو كان عاطلاً من الحُسن والرُّواء وبهذه المناسبة أقول:
هل فكرت الدولة في إحصاء ما ينفقه الفتيات والفتيان في التزين والتجمل؟
أكاد أجزم بأن (العِطر) في مصر هو سبب أزْمة (الفُول)!!!
وما هذه البدعة التي توجب أن يسير الشبان في الشوارع ورءوسهم عارية، برغم قسوة البرد في الشتاء؟
ألم أقل لكم إن الإنسان هو الحيوان الوحيد الذي يغطي رأسه من بين سائر الحيوان؟ فما زُهدُكم في تلك المزية الإنسانية؟
ولو كان ذلك التبرج لا يقع إلا من الشبان الوارثين لخفَّ الخطبُ وهان، ولكنه مع الأسف الموجع يقع من شبان يجهلون ما يعاني آباؤهم في تزويدهم بالقوت، فمن أين يجتلب أولئك الشبان نفقات الطلاء؟!
قد يقال إن تأنق الشبان صار بدعة عالمية.
وأقول إن ما يجوز في الغرب قد لا يجوز في الشرق، لأن الشرق في مطلع نهضة جديدة، وهي توجب أن يتخلق أبناؤه بأخلاق الأسود، وما سمعت ولا سمعتم أن الأسد يتعطر ويزدان.
أيها الناس
اسمعوا، وعُوا، وإذا وعيتم فانتفعوا
لا تسمحوا للمرأة بأن تتحكم في البيت، فما كان تحكُّمها إلا تحكم الضعفاء، وهو أشنع ضروب الاستبداد
ولا تسمحوا لأحد أبنائكم أن يستظل بظلكم بعد العشرين ولو كانت مواهبه تبشر بأن سيكون من أعلام الزمان
أما بعد فهذه كلمة عنيفة، ولكنها حجرٌ متين في بناء الجيل الجديد.
زكي مبارك