مجلة الرسالة/العدد 450/البريد الأدبي
مجلة الرسالة/العدد 450/البريد الأدبي
قلوب تتناجى وأفكار تتلاقى
حفل عدد (الرسالة) الهجري الممتاز بخير ما تجود به أقلام الكتاب، وانفس ما تتمخض عنه قرائح المفكرين، فلاطتْ أحاديثه بكل قلب، وتغلغلت في كل ضمير؛ وأثارت في النفوس المؤمنة شعوراً قوياً من اليقين والأمل والثقة بمستقبل الإسلام وما ينتظره من خير على أيدي رجاله العاملين.
ونحن خليقون أن ننتفع من هذا الشعور، لا أن نكتفيَ بإدراكه وتسجيله؛ فهو الحافز الأقوى إلى التقدم، والسبب الأوثق إلى بلوغ الغاية، وهو أيضاً البشير الأصدق بأننا نسير على الجادة، ونمضي قدماً إلى ما عقدنا العزم عليه من النهوض بأنفسنا، وفي ظل هذا الدين الذي شرَّفنا الله به.
وإذا تجانسَ الشعور العام نحو أمرٍ ما، وتقاربت الأفكار حوله بل تلاقت؛ دل صحةٍ في النظر، وصدقٍ في الوسيلة، وشرفٍ في القصد والغاية. ولا أدلَّ على أن هذه حالنا اليوم، من ذلك الإحساس المتبادل الذي جاشت به قلوب كتابنا، ففاض على أسلات أقلامهم وحياً من الوحي، وآياً من الآي!. لقد هتفوا جميعاً بنداء واحد، ودعوا إلي كلمة سواء، هي أن نقف عند حدود شريعتنا فلا نعدوها، وأن نستغْنَي بقانونها عن كل قانون، ونادوا جميعاً أنظمة الغرب في حل مشاكل الحياة، وهداية البشر إلى طريق الخير والصلاح. . .
فعالج الأستاذ الجليل (صاحب الرسالة) مشكلة الفقر كمرض اجتماعيّ له خطورته؛ وبين ما طبَّ له به الإسلام من ضروب العلاج. ثم ذكر أن هذا العلاج (على إحاطته وبساطته ونجوعه ينهض وحده دليلاً على أفَن الذين يقولون إن دستور القرآن لا يأتلف مع المدنية، وشريعة نابليون أصلح للناس من شريعة الله، ونظام مَرْكس أجدى على العالم من نظام محمد)
وفي كلمة الإمام الأكبر الأستاذ المراغي ما نصه: (لا يزكو بأهل القِبلة أن يولوا وجوههم شطر المغرب يأخذون عنه من المذاهب والنظم والتقاليد ما أضل به أهله. إنما النور في الشرق مطلع الأديان، والهدى في شريعة الله مُنزل القرآن، والدليل في سنة الرسول صاحب الهجرة، والسبيل ما سلكه السلف الصالح فأوفي بهم على الغاية).
وفي كلام الأستاذ محمد المدني ما يدخل تحت هذا المعنى؛ فقد تحدث عن الفقه وكيف ركدت ريحه، وعن الفقهاء وكيف غلّقوا أبواب الاجتهاد، حتى أعرض عنهم أهل التشريع وأصحاب النفوذ والسلطان، وانقطع ما بينهم وبين المجتمع من أسباب؛ ثم قال: (وكان من آثار ذلك أن ذلك أن دخلت التشريعات الأجنبية على بلاد المسلمين، فأصبحت دستور الحكم، وأساس الإدارة، وقانون القضاء، وعماد النظام في كل ناحية من نواحي الأعمال!)
والأستاذ محمد الغمراوي يحدثنا في (تأملاته) عن المدنية الغربية؛ وكيف جنى بعدها عن الدين؛ ويبين ضرورة الرجوع إلى مبادئ الإسلام والأخذ بشريعة ثم يقول: (أعجب عجباً بعد عجب من قوم. . . يتطلبون الحياة ممن ضل عن روحه ونوره، ويولون وجوههم وقلوبهم لا شطر المدينة الإسلامية التي أقامها الرسول بتطبيق كتاب الله فكانت مثلاً عملياً أعلى للإنسانية كلها، ولكن شطر المدنية الغربية التي ضلت عن ربها وعبدت المال والقوة والجاه فأداها هذا إلى التهلكة التي ترى والتي تحاول التخلص منها فلا تستطيع. . .)
هذا بعض ما نبضت به قلوب قادة الرأي فينا، وما تحركت بتسجيله أقلامهم؛ أفلا يحق لنا أن نطمئن ونستبشر، ونرجو من هذا الشعور المشترك خيراً؟؟
يقول أستاذنا المفتي الأكبر في حديثه المنشور بنفس العدد من الرسالة: (قد اتجهت أفكار المفكرين وآراء المصلحين إلى هذه الشريعة يلتمسون أن تكون نظام حياتهم، وأساس مدنيتهم فلا بد لنا إذن من العمل، ولا بد لنا من تلبية نداء الأمة، وإعداد أنفسنا لهذه المهمة السامية)
. . . وهذا كلام نؤمن عليه مغتبطين، وغاية نبيلة نرجو ألا يقف رجال الإسلام دون تحقيقها؛ والله يكلؤهم برعايته، ويمدهم بعونه وتوفيقه إنه نعم المستعان.
(جرجا)
محمود عزت عرفة
إلى الدكتور عبد الوهاب عزام
الآن وقد وضعت آخر كتاب قرأته لكم: كتاب (رحلات) تجلت لي منكم خلال (عزامية)، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، ولمست فيكم تلك الروح الشرقية العربية الإسلامية بأجلى مظاهرها وأسمى حلاها؛ عرفت فيكم ذلك الأستاذ المثقف الذي لم تغره زخارف المدنية الأوربية ووقف عند كل (أثر) إسلامي يناجيه بروح رفاقه وقلب متوثب وعزيمة وقادة. أين موقفك عند مواطن (بغداد) و (الموصل) و (دمشق) و (طرسوس) وحتى (البحر الأبيض) جعلته مثاراً لذكرى الفاتحين المسلمين الأولين. ثم أين موقفك (عند قبر صلاح الدين) وأين كلماتك التي نفثها يراعك الأكرم ثم ختمت مناجاتك وأمانيك عند البيت الحرام والقبة الخضراء الشريفة. فيا لله من مواقف عظام وذكريات فيها الذكر والعبر كما حدثت
وبهذه المناسبة أتقدم إليكم لأستفسر منكم عن موقف من مواقف المتجادلين في هذا العصر، فبينا أخط هذا إذ وردت مجلة الرسالة (الغراء) وفيها فتوى (في مذاهب الصوفية) نقلها كاتب عن (الطرطوسي) وسجل فيها ما سجل من خزعبلات المتصوفة لا الصوفيين بحق؟ على أن هذا لا يعتبر شاهداً على صوفية أو متصوفة هذا الزمن. ومن مواقفك الحسان في كتاب (رحلات) أنك تركت إخوان (الخيام) لتزور ذلك الصوفي الذي لقيت في سبيل زيارته ما لقيت. على أني وإن لم أكن صوفياً بمعنى الكلمة أكره التجني وأعلم أن هناك أناساً مخلصين يذكرون الله جهراً في حلقات، ثم يتدارسون العلم على يد فقيه عالم فيلقون إليه قيادهم فيبصرهم بأمور دنياهم، ولم يكن هناك نقر على (الدفوف) ولا (جبي ضرائب) ولا (هيولة) معظمة ولا ولا الخ إنما يريدون اخوة في الله، والله لا يرضى عنهم إلا إن كانوا مجدين في عمل الدنيا، وما عليهم إلا (الاستغفار والصلوات على النبي صلوات الله عليه وتكرار اللفظ الأكرم (لا أله ألا الله) ويقولون لسنا إلا على الشرع. أرجو بيان هذا الموضوع ببيانك المعهود على صفحات الرسالة الغراء
إبراهيم السعيد محمد عجلان
الإسلام دين ومدنية
في العدد الممتاز وقع خطأ في عنوان مقالي فصار (الإسلام دينٌ لا دولة) والصواب (الإسلام دين ومدنية) كما ورد في الفهرس وكما ورد في الأصل قبل أن يصاب بذلك التحريف. وإنما اهتمت بتصحيح العنوان لأنه حين حُرف دلّ على معنىّ لا أرضاه للإسلام على الإطلاق، وإن ارتضاه بعض الباحثين وبعد فهل قرأتم في العدد الممتاز مقال الأستاذ الشيخ محمود شلتوت عن (شخصيات الرسول)
أقرءوا ذلك المقال مرة ثانية لتذكروا أنه متسم بالروح الذي كتبنا به مقالاً في أحد الأعداد الممتازة من الرسالة عن (النواحي الإنسانية في الرسول) وهو مقال سبّب لنا متاعب كثيرة وأستوجب أن تنوشنا المجلات الدينية في مدى يزيد على عامين بلا ترفق ولا استبقاء، مع أننا لم نقل غير الحق
واليوم يستطيع خصومنا أن يوجهوا خصومتهم إلى فضيلة الشيخ شلتوت إن أرادوا، فإن لم يفعلوا ولن يفعلوا فمن حقنا أن نرجوهم هم أن يتريثوا في الحكم على ضمائر الرجال قبل أن يسوقوا التهم الجوارح بلا بينة ولا برهان
هدانا الله وإياهم إلى ما يحبه ويرضاه
زكي مبارك
حول محاضرة الدكتور زكي مبارك
كنت من اشد الناس إعجاباً بهذه المحاضرة القيمة التي ألقاها الدكتور في دار اتحاد الشباب المسلمين بالقاهرة لأنها كانت تعالج موضوعاً خطيراً هو (اتجاهات مصر الأدبية وأثرها الضار أو النافع في مركز مصر في الشرق) إلا أن لي عليها ملاحظتين:
الأولى: أنه حينما ذكر أن مصر في سبيل تعزيز اللغة العربية، وتقوية العلاقات بينها وبين الأمم الشرقية، قد أنشأت قسماً داخلياً في مدرسة دار العلوم لإيواء طلبة الأمم الشرقية فسهَّلت لهم سبيل الثقافة والمعرفة، وهذا عمل مشكور لوزارة المعارف المصرية؛ ولكن أليس من الحق أن نقول أيضاً إن الجامعة الأزهرية قد أسهمت في هذا الموضوع وكان لها فيه القدح المعلي، وأكبر دليل على ذلك أنه لما فكر المرحوم الملك فؤاد الأول في إنشاء أبنية فخمة تضم كليات الجامعة الأزهرية، رأت إدارة الجامعة الأزهرية أن تجعل من بعض هذه العمارات مساكن لطلبة الأمم الشرقية موفورا فيها كل أسباب الراحة؛ وقد جعلت في كل قسم مكتبة علمية لتزويدهم بمختلف الثقافات والمعارف. هذا ما عدا ما في الجامع الأزهر، وما في العمارات الأخرى التي استأجرتها إدارة الجامعة الأزهرية، وهي في أفخم أحياء القاهرة، وكل هذه الأماكن لا تضم أفراداً من العراق والشام فحسب، بل فيها طلبة من السودان وشمال أفريقيا والعراق والشام والهند والأتراك وداغستان والصين وغير ذلك من الأمم الشرقية؛ وقد رتبت لهم المكافآت المالية الكثيرة
الملاحظة الثانية: أنه قال (في مناحيَ) ونطقها بثبوت الياء مفتوحة في حالة الجر ونص على هذا قائلاً إنه هو الصحيح. وإني مع احترامي لرأي الدكتور أرجو أن يدلني على وجه الصحة في هذا، لأن المسموع في أفصح كلم وأبلغه وهو القرآن عدم ذكر الياء مفتوحة في مثل هذه الكلمة، قال الله تعالى: (والفجر وليالٍ عشر). (ومن فوقهم غواشٍ). وأما ما ذكره الدكتور فهو خاص بحالة النصب
وقد أجمع النحويون على معاملة مثل هذا الجمع معاملة قاض. هذا ما أعرفه؛ وللأستاذ مني أصدق التحية
(القاهرة)
عبد المنعم سليمان مسلم
بين أغسطين والغزالي
ذكر العلامة المحقق الدكتور جواد على، وجه الشبه بين اعترافات القديس (أوغسطين) وبين اعترافات الغزالي في كتابه (المنقذ من الظلال)، وقد حار في تعليل هذا التشابه. وقد حملتني بعض الغرائب في أخلاق المتصوفة على دراسة هذا الموضوع من الناحية الطبيعية السيكولوجية زهاء سبعة عشر عاماً، رجعت في خلالها إلى شتى المصادر العلمية، وخرجت من بحثي بأن التصوف ضرب من الانحراف الذهني يحدث ما يشبه الضغط في بعض مراكز الفكر، وهذا ما يعلل ما يتسم به المتصوفة في كل عصر ومن كل جنس ومن كل دين من الاتفاق في الأفكار الأساسية التي يجمع عليها المتصوفون
وقد عثرتُ أثناء دراستي الطويلة على أمثلة رائعة لهذا التشابه بين متصوفين يفصلهم عن بعض الزمن والثقافة والجنسية والديانة؛ فالحلاج يفكر في مسألة الحلول نفس تفكير القديسة تريزا، ولا يخرج تفكير ابن العربي وابن الفارض في الحب الإلهي عن تفكير سويدنبرج السويدي. وقد كان البسطامي في حدبه على النمل كثير الشبه بالقديس فرنسيس الأسيسي في مناجاته للطير ونعته بالأخوة.
وأرجو أن أوفق إلى نشر بحثي مع ما فيه مما يخالف المألوف في القريب العاجل. . .
كامل يوسف
عضو بالمعهد الفلسفي البريطاني بلندن
تبرئة القضاء العربي من وصمة
أورد صاحب مقال (التبعة والعقوبة في المجتمع البشري) قصة للحزين الديلي بنى عليها أحكاماً منها أن العرب (أقروا شهادة الحيوان أمام القضاء)، وأن ذلك (بمثابة رجوع العربي إلى المنطق القبلي الذي كان يأخذ الحيوان بالتبعة)
ومن الواجب - وللرسالة مكانتها وتحريها - أن أنبه إلى أن
الخبر الذي ذكره الفاضل نقلاً عن الأغاني محرف ملفق، فلا
صاحب الأغاني ذكره ولا غيره. وكل ما في الأغاني خبر
صغير عن الحزين الديلي خلاصته أن طائفاً وجده سكران
فحبسه مع حماره إلى الصباح ثم ضربه الحد وأطلقه والحمار
(الأغاني 1477)، وأما بقية القصة التي أوردها فممسوخ عن
قصة أخرى تذكرها كتب النوادر لأحد المتماجنين لا علاقة لها
ألبته بالحزين الديلي. وفي القصتين لا ورود لذكر قاض ولا
لمجلس قضاء. وإذاً ينهار كل ما بناه عليهما الكاتب من
أحكام. وأرجو أن أفرغ لتفصيل هذا الإجمال.
(دمشق) سعيد الأفغاني
حول المرحوم معاوية محمد نور
قرأت في عدد (الرسالة) الغراء رقم 445 الكلمة الموجزة التي كتبها الأستاذ محمد أمين حسونة عن أخي المرحوم معاوية؛ وإني نيابة عن أسرة الفقيد أشكر له هذا الشعور الكريم
غير أنه قد وقع فيها بعض الخطأ عن عهد دراسة الفقيد الجامعية إذ قال: إن معاوية بعد أن اكمل دراسته الثانوية بكلية غردون قصد إلى مصر للالتحاق بجامعتها وحالت بينه وبين الجامعة بعض الحوائل ووصل ذلك إلى علم صاحب السمو الأمير عمر طوسون فأرسله إلى الجامعة الأمريكية بيروت على نفقته وهذا الكلام لا يتفق والواقع
فإن الحقيقة أن معاوية أمضى دراسته في بيروت على نفقته الخاصة، وعلى نفقة أهله وذويه بالسودان وهم والحمد لله على خير ما يكون العبد الشاكر لنعمة ربه
السبكي خالد