مجلة الرسالة/العدد 452/الإمبراطورية اليابانية

مجلة الرسالة/العدد 452/الإمبراطورية اليابانية

مجلة الرسالة - العدد 452
الإمبراطورية اليابانية
ملاحظات: بتاريخ: 02 - 03 - 1942



للأستاذ أبو الفتوح عطيفة

ليس من شك في أن أنظار العالم في هذه الأيام تتجه صوب ميادين القتال المختلفة: في ليبيا وروسيا وفي الشرق الأقصى، وفي المحيطين الأطلنطي والهادي، وتتلهف إلى استماع أنبائه عسى أن تنفذ أبصارهم إلى غياهب المستقبل فيعرفوا بعض ما ينتظرهم. وليس من شك في أن أنباء القتال في الشرق الأقصى تستأثر في الوقت الحاضر بالجانب الأكبر من اهتمامهم. لقد بدأ المستر تشرشل حديثه الذي أذاعه في مساء يوم الأحد 15 من فبراير سنة 1942 بإذاعة نبأ سقوط سنغافورة في يد اليابانيين. قال مخاطباً شعوب الإمبراطورية: (أتحدث إليكم جميعاً في ظل هزيمة عسكرية شديدة بعيدة المدى. لقد سقطت سنغافورة، واجتيحت شبه جزيرة الملايا كلها)

ومضى يقول: (لقد تعرضنا جميعاً لهجوم شعب محارب يتجاوز عدده التسعين مليونا من الأنفس تسلح بأمضى أنواع الأسلحة) ووصف شجاعة اليابانيين في ميدان القتال، وقوة اليابان الحربية فقال: (وخليق بكل إنسان ألا يقلل من شأن قوة اليابان الحربية وقوتها في الجو أو في البحر أو في ميادين القتال البرية يوم ينازل رجل رجلاً، فقد أثبتوا أنهم محاربون بواسل حقاً) ولاشك أن الناس يتوقون إلى معرفة الكثير عن اليابان. وهل تستطيع أن تصمد طويلاً في هذه الحرب أم لا. وهانحن في مقالنا هذا نحاول أن نمدهم بما يتسع له المقال من معلومات.

اليابان إحدى الدول العظمى التي ما تزال تحتفظ بالنظام الملكي؛ وإمبراطورها يلقب بالميكادو وله سلطان عظيم على رعاياه. ويطلق على اليابان لقب إمبراطورية مع إنها لم تكن قبل فتوحاتها الحديثة أكبر من فرنسا بل كانت أصغر مساحة من شبه جزيرة اسكندناوة وإن كان عدد سكانها يزيد على التسعين مليونا. ويمتاز اليابانيون بنشاطهم وذكائهم؛ ولكن هذه الصفات لا تساعدهم على أن يجعلوا من طبيعة بلادهم الجبلية حدائق غناء أو مزارع خصبة؛ ومن ثم اضطر اليابانيون إلى الالتجاء إلى الصناعة (كما حدث في بريطانيا) واستبدال مصنوعاتهم بما يحتاجون إليه من مواد غذائية ومواد خام - ويشتغل معظم سكانها بالزراعة، ومع هذا يعتقد كثير من الكتاب إنه لولا التجاء اليابانيين إلى البح المجاور طلباً للسمك لما استطاعوا تموين أنفسهم. ولم يشعر اليابانيون بالضغط الناشئ من ازدحام السكان في بلادهم؛ ولعلهم لا يشعرون بذلك لأنهم ملاحون يستطيعون أن ينشئوا علاقات تجارية مع العالم الخارجي ويحصلوا على ما يبتغون من مواد خام ومواد غذائية. وقد كانت اليابان تستورد الأرز من الهند الصينية، والنترات من شيلي، والأخشاب من استراليا.

تتكون اليابان من أربع جزائر كبيرة: هندو، وهكايدو، وكيوشو، وشيكوكو، وعدد عديد من الجزائر الصغيرة. وهي كإنجلترا بمعزل عن القارة الآسيوية يفصلها عنها بحر اليابان؛ وقد أتاح لها فرصة جعلتها تنمو وتنهض وتنشئ حضارة خاصة بها ودولة مستقلة لا تخضع لغيرها. يمتد الأرخبيل الياباني من جنوب شبه جزيرة كمنشتكا في عروض لندن إلى فرموزة في العروض الحارة؛ ومن ثم نجد مناخ أجزائها الشمالية بارداً؛ ويزيد في برودته هبوب الرياح الشمالية الباردة عليه شتاء، وهبوب تيار كوريل البارد، بينما جنوبها حار. على أن معظم أجزائها يقع في مهب الرياح الموسمية الصيفية ويتمتع بكميات كبيرة من المطر، وسطحها جبلي ولذا كانت أنهارها قصيرة تكثر بها المساقط وهذه قد استخدمت في توليد الكهرباء.

الغلات والنباتات

اليابان فقيرة من حيث مواردها الزراعية؛ فثلث مساحتها صالح للزراعة. وأهم ما يزرع به الأرز هو الغذاء الرئيسي للسكان، والقمح والشعير والفواكه والخضر، وفي الأجزاء الجنوبية يزرع الشاي وشجر التوت. واليابان من أكبر الدول إنتاجاً للحرير الطبيعي. وفي فرموزة تنمو الغابات التي من أهم أشجارها الكافور. وفي وديانها يزرع الأرز وقصب السكر ويصدر إلى اليابان الأصلية وتستورد اليابان مقادير كبيرة من المواد الغذائية من بلاد آسيا المجاورة. وتغطي الغابات كثيرا من أرضها وتمدها بالأخشاب اللازمة لصناعاتها

المعادن والصناعة

يوجد باليابان الفحم؛ ولكن المقدار المستخرج منه لا يزيد على

ثمن (81) الناتج من بريطانيا؛ ولذا لا تعتبر اليابان من الدول الهامة في إنتاجه ولا ينتظر لها مستقبل صناعي عظيم. وتوجد

بها كميات من الحديد، ولكن جل اعتمادها في صناعاتها على

ما تستورده من حديد أملاكها الأسيوية. وهي من أكبر دول

العالم إنتاجاً للنحاس

وقد تقدمت الصناعة باليابان ولكن ما زال عدد المشتغلين بها من السكان قليلاً. وأهم الصناعات صناعة المنسوجات القطنية والحريرية والورق والخزف واللعب وبناء السفن

واليابان من الدول البحرية الكبيرة ولها أسطول عظيم وقد اضطر سكانها لركوب البحر لصيد السمك. ويبلغ عدد الصيادين حوالي المليون

موازنة بين بريطانيا واليابان

يشبه كثير من الكتاب اليابان ببريطانيا ويطلقون عليها التشبيه صحيح من بعض وجوهه؛ ولكن هناك أوجه كثيرة للخلاف: فاليابان أقرب إلى خط الاستواء من بريطانيا؛ فهي تقع في عروض البحر الأبيض. ويختلف مناخها ومناظرها ومحصولاتها عن نظيراتها ببريطانيا. ويختلف الإنجليز عن اليابانيين في مظهرهم وأخلاقهم وطرق حياتهم. وتعتمد بريطانيا على الصناعة بينما اليابان ما زال أكبر اعتمادها على الزراعة. ويشك كثير من الكتاب في مقدرتها على أن تصبح دولة صناعية. فموارد الفحم بها لا يمكن أن تستمر طويلاً برغم ضآلة المستهلك منها. وتنقص صناعاتها الجودة والإتقان، أما إنجلترا فمواردها وموارد إمبراطوريتها لا تنفد

ويرى كثير من الكتاب أن اليابان يمكن أن تكون موضعاً حسناً للمقارنة بإيطاليا لا ببريطانيا؛ فتركيبهما الجغرافي وعروضهما، وكثافة السكان بكل منهما، وانتشار الزراعة وقلة الممتلكات تجعل المقارنة بينهما ممكنة، بينما لا يمكن تشبيه اليابان ببريطانيا!

(للبحث بقية)

أبو الفتوح عطية