مجلة الرسالة/العدد 452/البريد الأدبي
مجلة الرسالة/العدد 452/البريد الأدبي
تواضع الأديب الحق
مما يسترعي الالتفات أحياناً تلك اللغة التي يخاطب بها بعض الأدباء زملاءهم، فتراهم يقولون: (زميلنا أو صديقنا فلان يطلب إلينا كذا، ونحن نقول له كذا، والأجدر به أن يسألنا كذا) إلى آخر هذا الكبر والتكبر في التعبير
هؤلاء قد نسوا من غير شك أو تناسوا أن تكبر الأديب الحق وتعاليه هو في الفكر والتفكير لا في مخاطبة الآخرين. إني أرى شعار الأديب الحق هو: (تواضع في معاملة الناس، وتعال في معالجة الأفكار). لقد آن الأوان لأذكياء القراء أن يقفوا بالمرصاد لكل أديب يحاول أن يتعاظم بالحط من غيره، وأن يرفع قدر نفسه بوسائل لا تتصل بجوهر الرسالة العليا للفكر والأدب
حدث ذات مرة أن تفضل أحدهم فذكرني بقوله: (صديقنا فلان)! فتساءلت: (أهو يريد أن يشرفني بصداقته أم يشرف نفسه بتعظيمها على حسابي)؟!
يقولون إن الذوق شيء ليس في الكتب؛ ولكني أقول إن الذوق شيء ينبغي أن يكون في طبيعة كل كاتب
توفيق الحكيم
على هامش العدد الممتاز
ظهر هذا العدد حافلاً كما تعود القراء بالآراء المنخولة، والعلم المصفى، والأدب الحي، الذي يبعث الحياة قوية في النفوس التي نال منها الجهد. وقد وقفني، وأنا أطالع بعض ما فيه من بحوث كلمات - هي لفتات قوية - جعلتني أكتب هذه الكلمة القصيرة
1 - يقول الأستاذ الجليل الزيات: (إن عمر رضى الله عنه رأى من العدل أن ينال اليهودي الذي عجز عن كسب حياته، من بيت المال ما يمسك نفسه). ذكرني هذا ما عاهد عليه خالد بن الوليد أهل الحيرة في كتابه الذي جاء فيه: (وأيما شيخ ضعف عن العمل، أو أصابته آفة من الآفات، أو كان غنياً فافتقر وصار أهل دينه يتصدقون عليه، طرحت جزيته وعيل من بيت المال وعياله وما أقام بدار الهجرة والإسلام) أين هذا العدل مما نراه اليوم من ضياع حقوق الفقراء المسلمين عند الأغنياء المسلمين ولدى الحكومة في دار الإسلام!
2 - ويذكر المؤمن حقاً الأستاذ الغمراوي في تأملاته أن الفضيلة جعلت في هذا الزمن الضال بأهله وسيلة للغلب: فالأمم تتعاهد فان وجدت في الوفاء ربحاً وفت، وإن وجدت الربح في النكث نكثت. هذه الحقيقة المؤلمة أذكرتني كذلك ما جاء في كتاب الفاروق عمر إلى سعد بن أبي وقاص وهو في حربه مع الفرس: (فإن لاعب أحد منكم أحداً من العجم بأمان، أو فرقة بإشارة أو بلسان كان لا يدري الأعجمي ما كلمه به وكان عندهم أمانا، فأجروا ذلك مجرى الأمان. وإياكم والضحك، والوفاء الوفاء!)
هل ترى أنبل من هذا وأشرف! يحض الفاروق على الوفاء بكلمة تبدو من لأعجمي لا يدري معناها ولا يدور بخلده أنها أمان، أما الأمم التي ترى أنها أوفت على الغاية من المدنية والحضارة، والتي يأخذ عنها سادتنا وزعماؤنا ورجالاتنا العادات والتقاليد، فتتعاهد وتحكم العهد، حتى لا تترك فيه لفظة ينفذ منها شك، أو حرف يكون تعلة للبس؛ ثم إذا رأت إحداها أن خيرها في النكث نكثت، إن مكنها هذا ما تملك من حول وطول، ومن قوى الدمار والهلاك!
يا قومنا! يجب أن نعتز بتراثنا وآدابنا وأمجادنا التي تصمد في مقام الاعتزاز والفخر. بذلك تحترمنا الأمم الأخرى، ونسير في طريق المجد. والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
محمد يوسف موسى
المدرس بكلية أصول الدين
إلى الدكتور زكي مبارك
قرأت ما كتبته في العدد (448) من مجلة الرسالة الغراء تحت عنوان (أعدى الأعداء) ولست أقول فيه شيئاً، غير أني أحيلك إلى ما كتبه الدكتور طه حسين بك في العدد (399) من مجلة الاثنين ففيه خير جواب لك
ولعل من الخير أن أذكرك بكلمة قالها الجاحظ في كتابه عن النساء وهي: (لسنا نقول ولا يقول أحد ممن يعقل أن النساء فوق الرجال أو دونهم بطبقة أو طبقتين أو بأكثر) وبما لقلمك من فضل على الأدب العربي الحديث لا يسعني إلا أن أقول: (هداك الله للحق وأبعد كيد الشيطان عنك).
(بنت بغداد)
حول الهجرة وشخصيات الرسول
أولى المجلات عناية بما ينشر فيها بحثاً ونقداً (مجلة الرسالة الغراء) لأنها أصبحت حقا مشاعاً للطبقة الراقية من رجال الدين والعلم والأدب، فلا غرو أن ينتظر القراء منها تحقيق ما ينشر فيها من بحث أو يذاع فيها من رأي. كتب صاحب الفضيلة الأستاذ الشيخ محمود شلتوت كلمة ضافية في العدد 449 ناشد فيها أمنية له حارة أن يعني العلماء بجمع ما ورد عن الرسول ﷺ، وأن يميز من ذلك ما كان بصفته رسولاً وما كان بصفته إماماً أو قاضياً أو مفتياً، بعد أن مهد لذلك بمقدمة نعى فيها على علماء الإسلام حرمانهم النبي ﷺ من حق الاجتهاد وصورهم كأنهم يرون النبي ﷺ اسطوانة لجبريل حيث غلبوا صفة الرسالة على صفة البشرية، إلى أن قال فيهم: ومن زعم ذلك فقد لاقى في رأيه من قريب أو بعيد بالذين يقولون (أبعث الله بشراً رسولاً). ومعلوم أن قائلي ذلك هم الكفار
وماذا يقول الأستاذ في أن كتب الأصول من أولها إلى آخرها تقول بصحة اجتهاد الرسول، وأنه إذا أخطأ في الاجتهاد نزل الوحي بتصحيح الخطأ، لأننا مأمورون في القرآن الكريم بالاقتداء به ولا نقر بحال على الاقتداء به خطأ. كذلك نصت جميع كتب الأصول وكتب الشريعة جمعاء على تقسيم أفعاله ﷺ إلى ما كان منها جبلياً أو من قبيل العادات فلا يكون شريعة ولا نحن مأمورون بالاقتداء به فيها، وإلى ما هو بيان لما جاء في القرآن أو نزل بالوحي فيجب أن يكون تشريعاً عاماً، وتحدثوا عن ذلك بإفاضة حتى مازوا ما يصدر عنه بصفة كونه إماماً، وما يصدر منه بصفته مبلغاً أو قاضياً أو مفتياً وهي الشخصيات التي أرادها الأستاذ، لأن الرسول ﷺ هو أول من أمر الصحابة بالتفرقة بين ما يصدر عنه بصفته رسولاً وما يصدر عنه بصفته من البشر. جاء في صحيح مسلم عنه قال: (إنما أنا بشر إذا أمرتكم بشيء من دينكم فخذوا به وإذا أمرتكم بشيء من رأيي فإنما أنا بشر) وقال: (أنتم أعلم بأمور دنياكم) واتخذ العلماء ذلك قاعدة شرعية بنوا عليها تفصيل الكلام فيما يصدر عنه ﷺ من تصرفاته، حتى اختلفت الأئمة الأربعة في كثير من المسائل بناء على هذا الأساس نفسه، كما في قوله ﷺ: (من قتل قتيلاً فله سلبه) حملها بعض المذاهب على إنه تشريع عام ودائم، ورأى مالك إنه تصرف منه بصفته إماما. كذلك ورد (من أحيا أرضاً ميتة فهي له) رأى مالك والشافعي أن ذلك من باب التبليغ والرسالة فهو تشريع دائم، ورأى أبو حنيفة أن ذلك إنما صدر عنه بصفته إماماً. إلى غير ذلك مما هو مذكور في كتب الخلاف
هذا حديث العلماء في القديم والحديث في الفقه واختلافه باختلاف النظر إلى شخصيات الرسول ﷺ فيما يصدر عنه من قول أو فعل، بسطوا القول في ذلك ووضعوا له الأبواب والقواعد في كتب الأصول وكتب القواعد وأحكام القرآن والسنة
فأمنية الأستاذ محققة بحمد الله، وأما الخلاف في الفروع الجزئية فهو ضرورة اجتماعية في كل تشريع، ويمتاز التشريع الإسلامي بأنه فيه مصحوب بحسن التفاهم وعمق النظر إلى اختلاف أحوال الأفراد والطوائف مما لا يوجد في التشريع الوضعي.
محمد عبد السلام القباني
المدرس بكلية الشريعة
البراق النبوي وقصة المعراج في التصوير الإسلامي
نشرت مجلة المقتطف في عدد فبراير 1942 مقالاً للأستاذ (عمر حمدي) خريج معهد الآثار الإسلامية عن: (البراق النبوي) كنا ننتظر أن يذكر الأستاذ في ذيله إنه ترجمة لفصل من كتاب (التصوير في لمؤلفه (السير توماس أرنولد)، وهذا الفصل في الكتاب المذكور من صفحة 117 - 122 بعنوان (البراق)
والأجدر بخريج معهد الآثار الإسلامية أن يلجأ في كتابة مقال إلى الطريقة العلمية الصحيحة من إرجاع الفضل لذويه، والاعتماد على المراجع؛ فتلك هي الأمانة العلمية الواجبة، فنحن الآن في عصر زخرت فيه المكتبات بالكتب، وصار فضل كتّاب المقالات، بل فضل المؤلفين أنفسهم هو فضل إسناد الآراء إلى مصادرها الأصلية. ذلك ما يطلب منهم، إذا لم يكن أن يكون لهم في مضمار العلم فضل الابتكار.
ونأمل أن يتفضل المقتطف الأغر بنشر هذا الاستدراك في عدده القادم.
السيد العجمي
رأي الأئمة في المذاهب الصوفية
بعد أن أطلعت - أيها القارئ الكريم - على فتوى الإمام (الطرطوشي) بالشين في المذاهب الصوفية، يجدر بك أن تسمع رأي أئمة الفقه المجتهدين في هذه المذاهب الصوفية التي ذر قرنها في أواخر القرن الثاني للهجرة، وظهر الشذوذ في المنتحلين لها في القرن الثالث للهجرة
قال الإمام الشافعي الذي توفى سنة 204هـ: إذا تصوف الرجل في الصباح لا يأتي المساء إلا وهو مجنون. وأنكر الإمام أحمد الذي توفى سنة 241هـ بعده على خيارهم، ونهى عن قراءة كتب الحارث المحاسبي على التزامه الكتاب والسنة علماً وعملاً. وروى الخطيب بسند صحيح أن الإمام أحمد سمع كلام المحاسبي فقال لبعض أصحابه: ما سمعت في الحقائق مثل كلام هذا الرجل، ولا أرى لك صحبتهم. وسئل الإمام أبو زرعة عن الحارث المحاسبي وعن كتبه التي ألفها في: أصول الديانات، والزهد على طريق الصوفية؛ فقال للسائل: إياك وهذه الكتب، بدع وضلالات. عليك بالأثر، فإنك تجد فيه ما يغنيك عن هذه الكتب؛ فقيل له: في هذه الكتب عبرة؛ فقال: من لم يكن له في كتاب الله عبرة، فليس له في هذه عبرة - بلغكم أن مالكاً أو الثوري أو الأوزاعي أو الأئمة صنفوا كتبا في الخطرات والوساوس وهذه الأشياء؟ هؤلاء قوم قد خالفوا أهل العلم. ثم قال: ما أسرع الناس إلى البدع!
ومن خيار الصوفية الوعاظ المتقدمين منصور بن عمار، وقد ذكر بن مفلح في كتاب (الآداب الشرعية) أن الإمام أحمد نهى عن كلامه. وقد أنكر الغزالي في كتاب (الغرور من الإحياء) على المتشبهين بالصوفية، وكان ذلك في أواخر القرن الخامس، فإن الغزالي توفى سنة 505، وكان قد تاب إلى الله من علوم التصوف والكلام وانقطع إلى علم السنة. ثم أن ابن الحاج المالي المتوفى سنة 737هـ تكلم في كتابه (المدخل) على هؤلاء المتشبهين بالمشايخ من أهل عصره في القرن الثامن وبين ما لهم من المنكرات، وفند ما يدعونه من الكرامات
وبعد، فهذا نموذج من كلام أئمة الإسلام ندعم به فتوى الإمام الطرطوشي في المذاهب الصوفية، وحسبي ذلك وكفى
(كفر المندرة)
أحمد أحمد القصير
مات حتف أنفه
في الطبعة الرابعة لكتاب (إعجاز القرآن) للرافعي رحمه الله ص332 في الكلام عن البلاغة النبوية وتحت عنوان (تأثيره في اللغة ﷺ) يقول المؤلف: فلا جرم كان ﷺ على حد الكفاية في قدرته على الوضع والتشقيق من الألفاظ وانتزاع المذاهب البيانية حتى اقتضب ألفاظاً كثيرة لم تسمع من العرب قبله. . . إلى أن يقول (وكلها قد صار مثلاً وأصبح ميراثاً خالداً في البيان العربي كقوله: مات حتف أنفه. وقد روى عن علي بن أبي طالب (رضى الله عنه) إنه قال: ما سمعت كلمة غريبة من العرب (يريد التركيب البياني) ألا وسمعتها من رسول الله (ﷺ) وسمعته يقول: (مات حتف أنفه) وما سمعتها من عربي قبله) ا. هـ
ولكنا نرى في لامية السموأل بن عادياء المشهورة قوله:
وما مات منا سيّد (حتف أنفه) ... ولا طُلّ منا حيث كان قتيل
فكيف توفق بين هذا وذاك؟. . .
الرجاء أن تطرحوا السؤال على القراء، ليجيب عليه من حضراتهم من يشاء.
(البصرة)
خالد الشواف