مجلة الرسالة/العدد 454/اختباراتي في الأحلام

مجلة الرسالة/العدد 454/اختباراتي في الأحلام

ملاحظات: بتاريخ: 16 - 03 - 1942



للدكتور محمد حسني ولاية

أن الأخذ بنظرية خاصة في تفسير الأحلام لا يؤدي إلى نتائج صحيحة في كثير من الاحوال؛ فمرامي الإنسان كثيرة التشعب وظروفه مستمرة التقلب، وأهدافه تتغير بتغير الظروف والملابسات وتفاوت السن، وتطور العقلية بحيث يكون من الخطأ أن يولي الحالم القبلة التي يرتضيها مفسر الحلم تبعاً لنظريته.

وإني أرى أنه لا توجد نظرية واحدة يمكن تفسير جميع الأحلام بمقتضاها. ونحن لا نستطيع أن نقول: أن كل حالم ينشد إرضاء رغبات طفلية محتبسة في العقل الباطن، أو أنه يسعى إلى توكيد أهمية ذاته في الحلم، كما أنا لا نستطيع أن نجزم بأن الأحلام التي تنشأ مما يسميه يونج (اللاوعي الشامل) تتحدى أية محاولة لتبريرها.

أن ما لا نستطيع تبريره ليس معناه أنه لا يمكن تبريره والتدليل عليه. ولا ينبغي لنا أن نقول: أنه لا يمكن الوصول إلى الحقيقة لانا لم نستطع الوصول إليها؛ فما زال مجال البحث والاستقصاء متسعا، وما زالت العقلية البشرية تسمو نحو الكمال رويداً رويداً على مر الزمن.

على أن هذا ليس من شأنه أن يبخس النظريات التي وضعها علماء النفس حقها، إذ يكفيهم فخراً أنهم فتحوا أذهاننا للبحث، واستكشفوا آفاقاً مجهولة من العقل البشري، وأرسلوا بصيصاً من النور على كثير من الحقائق. ومع ذلك فإن بعض النظريات التي وضعت تصلح لتفسير بعض الأحلام دون البعض الآخر. ومن الممكن أن يفسر حلم واحد على أساس نظريتين أو أكثر نظراً لتعدد جوانب بعض الأحلام وتشعب مراميها.

كثير من الأحلام تافه القيمة من الوجهة النفسية، فهو أشبه بالأحاديث العادية التي يدلي بها الشخص بمناسبة وبغير مناسبة، لأنه لا يستطيع الصمت في اغلب الأحوال، فلابد أن يقول شيئاً أيا كان للتفريج عن الطاقات الفائضة في نفسه.

وقد تعبر الأحلام على وتيرة الأحاديث البادية أو على نمط الرموز البدائية أو على نهج الأفكار والنزعات الطفلية. على أو لبعض الأحلام قيمة المقطوعات الشعرية الرائعة، أو الصور الزيتية الجميلة، أو النغمات الموسيقية الساحرة.

يستفسر بعض الناس عن السبب في كونهم لا يرون أحلاماً إلا فيما ندر؛ ورداً على هذا أقول: أنه قد يكون راجعاً إلى كون الطاقة الكاتبة (الرقيب الحلمي) لديهم قوية بحيث لا تستطيع المنبهات الكامنة في العقل الباطن التعبير عن نفسها، وقد يؤدي احتباسها في السريرة إلى القلق.

ومن الناس من يعبرون في اليقظة عن أفكارهم ووجدانهم وعواطفهم بوسائل تشبه وسائل الرجل الفطري الذي يستعين بالرموز ويعتقد في السحر لأن قواهم الكاتبة ضعيفة، وهذا يؤدي إلى طغيان عقلهم الباطن على عقلهم الواعي، فتبدوا أفكارهم عجيبة لا يهضمها المنطق لكونها مؤسسة على البدوات مفتقرة إلى الانسجام والتماسك. وقد يبلغ بعض هؤلاء ذروة الذكاء ولكنهم مع ذلك يشبهون الأطفال في تصرفاتهم ولا يستطيعون تكييف أنفسهم للبيئة. ولما كان هؤلاء يعبرون باستمرار عما يدور في سرائرهم في حالة اليقظة فهم لا يدخرون طاقات عقلية مستفيضة تسعى إلى التعبير عن نفسها إبان النوم في شكل أحلام.

وهاك بضعة أحلام وتفسيرها بإيجاز:

1 - رأى شاب شارع في الزواج أنه موجود في غرفة بيضاء مستديرة الشكل، وقد دهش في الحلم من طراز الغرفة ولعدم وجود أبواب لها.

وقد قال لي أنه عندما استيقظ فطن إلى أن الغرفة تشبه صندوق الحلوى الذي يوزع على المدعوين بعد تحرير عقود الزواج

وفي نفس الليلة رأى في حلم آخر فريقا من السيدات والرجال والأطفال مجتمعين على شكل دائري، وكان هو خارج الدائرة، ثم ما لبث أن نفذ كالسهم إلى داخلها.

إذا أنعمنا النظر في هذين الحلمين اتضح لنا أن الأول يعني عقد الزواج وما يصحبه من توزيع صناديق الحلوى. كما أن وجوده في غرفة لا أبواب لها يعني أن هذا العقد قيد لا مخرج منه.

ويمثل الحلم الثاني الزواج نفسه، فالدائرة ترمز إلى عضو الانوثة، والاشخاص يمثلون المحتفلين بالعرس، ويعني الدخول إلى الدائرة العملية الجنسية ذاتها

2 - خطبت شقيقة صديق لي إلى شاب ثم ألغيت الخطبة، وقد قص علي الحلم الآتي:

(رأيتني في قاعة إلى جانب شقيقتي، وجلس إزائي الأستاذ أحمد بدرخان والسيدة أسمهان، وبعد مدة وجيزة اقبل كلبان توأمان ورقصا على نغمات موسيقية)

المقصود من هذا الحلم التحذير من إتمام صفقة الزواج، إذ هو يعني أنه إذا تم الزواج فمصيره إلى الإخفاق مثلما اخفق زواج الأستاذ بدرخان بالسيدة أسمهان. أما الكلبان التوأمان فدخيلان على الحلم. والسبب في رؤية الحالم لهما أنه كان يقرأ موضوعاً عن التوائم في الليلة التي رأى فيها الحلم؛ على أن رقصهما على النغمات الموسيقية يقصد به التعبير عن السرور بالتخلص من خطيب غير مرغوب فيه

3 - طلب شاب منذ عشر سنوات يد فتاة فرفضته فتزوج بفتاة أخرى. وقد رأت الفتاة الأولى على أثر إصابة الشاب بكارثة منذ عهد قريب أنها تلبس حذاء ذا كعب مكسور ثم خلعته وناولته زوجة الشاب

يرمز الحذاء في هذا الحلم إلى الزواج، وتقصد الحالمة به تحقير خطيبها السابق، ويمثل الكعب المكسور الكارثة؛ وكأن الحالمة تقول لخطيبها السابق: (الآن أسلمك للفتاة التي تليق بك فما أنت أهل لي بسبب وقوعك في الكارثة التي تمخضت عنها تصرفاتك الشائنة)

واضح من هذا الحلم أنه يمزج حوادث ماضية بأخرى حديثة، فالعقل الباطن لا يعي الزمن وليس لمحتوياته انسجام ولا ترتيب

4 - رأى شاب أنه يسير نحو هوة سحيقة بمحض اختياره على الرغم من أنه يعلم أن تصرفه يؤدي بحياته. وقد قضى نحبه في اليوم التالي للحلم بأن سار نحو مركبة كهربائية في شبه ذهول فاصطدمت به

وهكذا تغلبت رغبات العقل الباطن على ميول العقل الواعي لأنه كانت مزودة بطاقات انفعالية كبيرة. وقد كان عيشه رغيدا فلم يكن هنالك داع لالتماسه الموت، ولكن الميول المحتبسة في العقل الباطن من زمن بعيد عبرت عن نفسها بطريقة عملية فانتهت حياته إلى هذه النهاية المريرة

5 - رأت فتاة مخطوبة أنها تملأ طبقاً بأوراق من شجرة سلق بدت في الحلم على هيئة شجرة عنب، وقد دهشت من شكلها لعلمها أن السلق ينمو في شكل عشبي

يمثل هذا الحلم الزواج، فالطبق يرمز إلى عضو الأنوثة، والشجرة عضو الذكورة بما تمتاز به من قوة الزحف والتشبث ولما كان الخاطب أنثوي التكوين مثلته بشجرة السلق، وكانت تريده كشجرة العنب المثمرة، وهي تعني بهذا أنه لا يستطيع إنجاب أطفال

6 - رأت فتاة أنها في قطار يجري بسرعة شديدة بين بساتين دانية القطوف حتى وصل إلى بحيرة جميلة أينعت على صفحتها زهور النبات الطافي، وسبحت فيها قوارب خضراء

يمثل هذا الحلم رغبة الفتاة الدفينة في الزواج وإعقاب الذراري فالقطار يمثل الرجل، والبحيرة ترمز اليها، والقوارب تعني الأطفال

7 - رأت سيدة نفسها ترتدي ثوب الزفاف وتتزين كالعروس. كانت هذه السيدة مريضة بمرض خطير يستدعي إجراء عملية جراحية وكأنها تقول في الحلم: (سأسمح بإجراء العملية الجراحية فإذا شفيت فسأستقبل حياة جديدة)

وقد تحققت نبوءتها، فأجريت لها العملية وشفيت

(البحث الآتي (أحلام اليقظة))

محمد حسني ولاية