مجلة الرسالة/العدد 459/البريد الأدبي

مجلة الرسالة/العدد 459/البَريدُ الأدبيّ

مجلة الرسالة - العدد 459
البَريدُ الأدبيّ
ملاحظات: بتاريخ: 20 - 04 - 1942



الصفاء بين الأدباء

كنت قد نشرت في (الرسالة) كلمة أقول فيها: (مما يسترعي الالتفات أحياناً تلك اللغة التي يخاطب بها بعض الأدباء زملائهم. فتراهم يقولون: (زميلنا أو صديقنا فلان يطلب إلينا كذا، ونحن نقول له كذا، والأجدر به أن يسألنا كذا) إلى آخر هذا الكبر والتكبر في التعبير)

وظاهر من الروح هذه الكلمة أنى أحض على توثيق صلات المودة الصافية بين الأدباء بدعوتهم إلى نبذ الألفاظ التي قد تحدث في نفوس زملائهم شيئاً من الامتعاض

ولكن الدكتور زكي مبارك فهم الأمر على وجه آخر فإذا هو يتفضل بزيارتي ليسألني: (أحقاً أنا أنكر أن يشرف الناس أنفسهم بالانتساب إليّ؟) يا للعجب! أهكذا يمكن أن تؤول المقاصد أحياناً بضدها؟!. . . ثم سألني أيضاً فيما سألني عن المقصود بهذه الكلمة. فقلت له: ما من أديب واحد قد عنيته بالذات؛ إنما هي كلمة عامة للنفع العام. ولئن كان لابد من مناسبة أوحت بهذه الكلمة فربما كانت مقالة الأستاذ عباس العقاد التي يشكر فيها للدكتور طه حسين إهداءه إليه

(دعاء الكروان). في الحق أنني لم أجد بالمقال الرقة التي كنت أنتظرها، واستأت في نفسي من الأستاذ العقاد بعض الاستياء، وأنا الذي يعتقد دائماً أنه يخفي وراء قناع الكبر والتكبر نفساً طيبة تتفجر إذا اطمأنت بأجمل عاطفة وأنبل إحساس. فالذي يستطيع التأثير في نفوسنا بكتاباته الإنسانية عن الكلب (بيجو) لابد أن يحمل نفساُ خليقة أن تفيض بالمودة نحو إنسان!

تلك هي المناسبة يا دكتور زكي. ولكنك شئت أن تحمل الكلمة على أنها غمزة مني لك. وأنا أبعد الناس عن الغمزات خصوصاً إذا تعلق الأمر بشخصي. . . فأنا لم أنشر قط يوماً كلمة تعمدت بها إيذاء أديب في شعوره. أنا الذي يجرؤ مهاجمة المبادئ والنظم إلى حد التعرض للخطر. . . لا أجد من اللائق بأديب أن يهاجم أديباً ليخدشه في كرامته. . . لأن الأدب قبل كل شيء مودة ورحمة وصفاء. . . على هذا الوجه فهمت دائماً الأدب. فالأدب هو صنع الجمال. وعلى من يصنعون الجمال أن ينطووا على نفوس جميلة. وأنا الذي لا يختلط بالناس والأدباء إلا قليلاً لما في طبيعتي من وحشة وكآبة أشكو منهما، تجدني مع ذلك أحب الأدباء وأقدرهم ولا أقول فيهم قولة سوء. . . ولعلك لم تسمع مني غير ذلك. على أنك أيها الصديق العزيز، وأنت تأخذ كلمتي على أنها موجهة إليك قد ذكرت لي أسباب ظنك، فتحريتها بعد انصرافك، فاتضح لي أنك على حق، وأن الكلمة ينبغي أيضاً أن تنصرف إليك، فقد تستعمل أداة التعظيم في مخاطبة الزملاء من الأدباء. فماذا يضيرك أن أشكو منك ومن كل أديب يسهو عن واجبات التواضع والمودة والمحبة التي تؤلف بين نفوس الأدباء جميعاً وتجعل منهم (دولة متحدة مقرها حديقة الصفاء الغناء)

وبعد فليسمح لي الدكتور زكي أن أوجه إليه كلاماً وجهته إلى الأستاذ أحمد أمين منذ ستة أعوام، فقد تثمر بهمته ما فيه من فكرة خيرة. لقد قلت وقتئذ: (لا شيء في الوجود أقوى من الابتسامة؛ ولكن. . . من ذا الذي أعطى القدرة على الابتسام الصافي الجميل في كل موقف وفي كل حين؟ أهو الجبار وحده؟ ألا ترى معي أن الجبروت إنما هو الصفاء؟

(إذا أردت أن تسلك طريق السلام الدائم، فابسم للقدر إذا بطش بك، ولا تبطش بأحد). . . تلك كلمة لعمر الخيام. أن كنت من رأيي في كل هذا، فإن لي عندك حاجة: أن تنثر معي تلك الابتسامة بين الأدباء، فإن الأدب شيء جميل، هو جنة لا صخب فيها، وهو معبد لا تدخله الأحقاد. إن أعجب ظاهرة في أدبنا أنه لا توجد فيه صداقات عظيمة جديرة أن يتحدث عنها تاريخ الأدب، تلك الصداقات التي نراها في آداب الحضارات الكبرى قد أنتجت من الرسائل والأخبار والآثار ما لا يقوم بمال. ما الذي يعوزنا نحن؟ أهو شيء في الخلق؟ أم هو ضعف في النفس؟ أم هو نقص في الصحافة؟ لست أعلم؛ إنما الذي أعلمه: أن الصداقة الخالصة بين رجال الأدب والفكر، هي أظهر دليل على نضوج هذا الأدب وهذا الفكر

توفيق الحكيم

نقص الصفحات في الجرائد والمجلات

تنفيذاً للأمر العسكري القاضي بنقص الصفحات في الجرائد اليومية إلى أربع، وفي المجلات الأسبوعية إلى أربع وعشرين، تصدر الرسالة ابتداء من هذا العدد على الشكل الذي أوجبه هذا الأمر مراعاة لظروف الحرب وما صارت إليه وسائل النقل وإنا لنرجو كتاب الرسالة أن يقتصروا فيما يبحثون على المهم، وفيما يكتبون على المفيد، حتى تنجلي عن العالم هذه الكروب التي غشيت الناس في كل سبيل من سبل العيش، وفي كل مرفق من مرافق الحياة

من غزل الملوك

طلعت علينا رسالة (أحمد) كعادتها زاخرة بالأبحاث العلمية والطرائف الأدبية، والومضات اللغوية. فكان من بين تلك المباحث مبحث جليل للأستاذ (عبد الله مخلص) جمع فيه نتفاً من سلطان الحب، وحب السلاطين، ترويحاً لنفوس القراء المكدودة في هذه المحن. ونحن مع تقديرنا لهذا اللون من ألوان البحث لا نحب أن يتواضع صاحبه فيلده طفيلياً يعبث به الزمن ولا تستمرئه العقول!

فهات من هذه الناحية بالعجب العجيب. . . فان البحث عنها شاق، والسير فيها مخيف. فهي مبثوثة في بطون الكتب الممزقة الأوصال، مشوهة المراجع، محفوفة الجوانب. . . وليست من أدب المعدة. وإنما هي من أدب الروح.

(السكرية - دار القاياتي)

حسن القاياني

عضو مجلس النواب

لابد للإسلام من مؤتمر

قرأت المقال القيم الذي به افتتحتم العدد رقم (456)، وفيه وصفتم حال المسلمين ودعوتم إلى عقد مؤتمر إسلامي. فقلت: مرحى لهذا الشعور السامي، ومرحباً بهذه الدعوة المباركة!

ولست أكتمكم أن تكراركم القول فيه: أن مسلمي الحاضر هم (أعقاب) مسلمي الماضي، ذكرني أشياء ترددت طويلاً في أمر التحدث بها. لقد ذكرني كيف يحلو للمدخن أن يداعب لفافة التبغ حين تتناولها أنامله أو تطبق عليها شفتاه؛ وكيف يلذ له أن يشاهد عمود الدخان يصّاعد منها رقيقاً أو كثيفاً، قائماً أو لولبياً ويلهو بالنفخ عليه، ليغير وجهته أو يقطع أوصاله أو يشتته كالهباء، وكيف يستسيغ عبوره الفم إلى الحلق أو الخيشوم، ويكاد يتولاه بالمضغ واللوك ليمتع به حاسة الذوق، فوق ما يسدي به إلى حاسة الشم من فضل ومتعة، ثم ذكرني كيف يعامل لفافته، بعد أن يقضي منها وطره، فتجفوها أنامله إذ تدنو نارها ويلين طرفها، وتنفر منها شفتاه إذ تترطب وتصطبغ، ويمجها ذوقه إذ ترشح منها عصارة، ويمقت خيشومه رائحتها القوية النتنة؛ وكيف يقضي عليها بالخنق في إناء أو بالطرح في الطريق، ويحول عنها بصره مشمئزاً، ثم ينساها كأن لم تكن. ذكرت هذا وذاك حين خطرت ببالي (السبارس) أعقاب اللفافات، وما كنت لأورد هذا التشبيه، لولا أنه جاء عفواً وفرض نفسه عليّ؛ وما كنت لأستبيح لنفسي توجيه هذا النقد، لولا أنه يشملني كمسلم

أما فيما يتصل بعقد مؤتمر إسلامي، فأذكر أنه عقد واحد في القدس قبل عشر سنوات اشترك فيه ممثلون للمسلمين في جميع أقطار المعمور؛ وأنه اتخذ مقررات ذات بال، وأنشأ مكتباً دائماً ظل يعمل بضع سنوات، ومن الضرورة القصوى أن تستمر الدعوة إلى مؤتمر إسلامي دوري، يعقد مرة في كل بضع سنوات في إحدى العواصم الإسلامية. ولست أرى الحرب منعاً لذلك، إذ كل ما فيها أنها تقلل عدد الأقطار الممثلة فيه بعض التقليل. ثم هب أنها تجعل الاشتراك فيه مقصوراً على بلدان الشرقيين الأدنى والأوسط - بل هب أنها تضيق الحلقة أكثر من هذا فتحصره في الأقطار العربية - أليس فيما يبقى من خيراته الشيء الكثير؟ هل من المبالغة أن نقول إن الأقطار العربية قلب العالم الإسلامي ونواته؟ وهل من الخطل أن نحسب الجمع بين رجالات الدين والعلم فيها أمراً قريب المنال، وأن نعد اتفاق كلمتهم على الإصلاح خطوة واسعة نحو العمل الموحد المجدي في سائر أنحاء ذلك العلم؟ كلا، بل هو من واقع الأمور

إنه لمن دواعي الأسف الشديد أن ينجح عضو من جماعة كبار العلماء في (نسج الشكوك حول برنامج الإصلاح الذي اقترحه شبابها المصلحون وأقره أقطابها المخلصون!) - على حد قولكم - ولكن ماذا في هذا البرنامج؟ ألا ينطوي على استعراض لمواطن الضعف، ويوصى بطرق معقولة عملية للعلاج؟ ألا يستنير بهدى الدين، ويبصر بعين العلم؟ فإذا كان كذلك، فمن تكون جماعة (كبار العلماء) تلك التي ترضى لبرنامجها ذاك أن يعطله أحد - صغر - الجهلاء؟!

نحن قوم لم نُرض نفوسنا على التعاون، وعملنا المنفرد أدعى إلى الأمل في النجاح من عملنا المشترك. فما لنا لا نعمل أفراداً، ريثما نألف العمل جماعات؟ إن المؤتمر الإسلامي الذي سبق أن أشرت إليه لم تدع إليه جماعة أو هيئة. فلم لا يدعو إلى مؤتمر آخر رجل واحد أيضاً؟ من يكون هذا الرجل، وأنَّى لنا به؟ أين أنت يا ديوجينس وأين مصباحك؟ هاته وتعال نبحث معاً!

(القدس)

عصام الشريف

التميع في خضم الجماهير

إذا كان طريق إصلاح هذا الدين الحنيف أن نأتي على أسسه القومية وأركانه المشيدة، ونترك الرغبة في إرضاء الجماهير تتحكم فيه وتصرفه كيف تشاء وكما تهوى، فلا كان إصلاح

ولخير للإنسانية أن يظل الناجي على الشاطئ يشهد الغرقى تحوم فوق رؤوسهم طيور الموتى، وتمتد إليهم يد الفناء من أن يمد إليهم يده لينقذهم فيجذبوه هم نحو الفناء، ويمضوا به صوب الأعماق

ولخير للأزهريين ولرجال الدين أن يظلوا في جمودهم وخمودهم من أن يتحركوا حركة المذبوح، وينتفضوا انتفاضة اليائس الذي يحطم كل شيء، ولا يبقى على شيء

وإذا كان سبيل الإصلاح أن ندع التيار يجرفنا في منحدره إلى القرار فلن يكون إصلاح، ولن يكون فلاح، وإنما هي الفوضى وخيبة الأمل

كتب أحد العلماء الإجلاء في أوائل إبريل بمجلة أسبوعية يقر الناس على الكذب، ويحبب إليهم اختلاق الأكاذيب، ويرغبهم في افتراء القصص الوقائع بحجة المرح والسرور، ومن أجل التفكه والدعابة. وكان من اثر هذه الدعوة السيئة أن استجابت لها إحدى صحفنا الصباحية فنشرت عن مناظرة تقام ببناء كلية الشريعة؛ يشترك فيها بعض أعلام الفكر الحديث. وما كاد الوقت يحين حتى توافد الناس إلى الكلية من كل صوب لسماع هذه المناظرة. وإذا بالواقع يروعهم، وبالحقيقة تواجههم، وإذا بها (كذبة إبريل)

فليهنأ الشيخ بنجاح دعوته ونفاذ رغبته! وليت الأمر وقف عند هذا الحد، بل جاءت ثالثة الأثافي - كما يقولون - إذ نشرت الأهرام تكذيباً للخبر وأردفته بكلمة لأديب أزهري، كان أكثر استجابة لنداء شيخه الوقور وفيه يقول: (وشكراً للأهرام على مداعبتها اللطيفة، وكل (إبريل) والأمة جميعها بخير وسلام)

أيها الذين آمنوا بالله ورسوله الكريم، لن يكون إصلاحاً تميعنا ونسياننا لتعاليم من كان يمزح ولا يقول إلا حقاً، ولن تكون نهضة فقداننا لمقوماتنا وشخصياتنا، فننسى أنفسنا أمام هذه الفتنة القاسية

رويدكم يا دعاة الإصلاح ما دام مركبه سيحملكم إلى شاطئ غير الذي نروم، وسيجعلكم تنحدرون من القمة إلى الهاوية، بدل أن ترفوا الناس إلى المعتصم.

السيد جمعة

من عثرات الأقلام

1 - جاء في مقال (أثر الآداب الأجنبية) (في العدد 457): وتكلم ما راق له الكلام، والصواب: ما راقه الكلام، على ما في مختار الصحاح والمصباح وغيرهما

2 - في بحث (كتاب سحر العيون) في (العدد 456) نسب (الضوء اللامع لأهل القرن التاسع) في موضعين إلى علم الدين السخاوي، والصواب شمس الدين السخاوي المتوفى سنة 902، وأما علم الدين السخاوي فمقرئ مشهور توفى سنة 643

3 - في مبحث (كتاب سحر العيون) (في العدد 457) ثم قدم إليها مستقلاً. والصواب: ثم قدمها مستقلاً. على ما في الأساس والمصباح المنير وغيرهما

4 - في ترجمة (ابن خرداذبة) (في العدد 457): (بحوثاً طلية) والصواب: بحوثاً لها طلاوة

5 - في مقالة (كتاب سحر العيون) - في العدد 458 - واتصل بعلم الدين السخاوى. الصواب: واتصل بشمس الدين السخاوي، وهو المؤرخ الناقد المشهور مفخرة مصر بل الشرق في القرن التاسع الهجري.

أحمد صفوان

الرسالة الصديق يقول الدكتور زكي مبارك: (. . . وإن أدبك لا يسمح بأن تعرَّض بكتاب له مثل مكانتي في نفسك وفي الرسالة الصديق. . .) فالكاتب قد أخطأ في وصفه (الرسالة) بصفة (الصديق) وأظنه جرى في أسلوبه هذا على قياس (رجل قتيل. وامرأة قتيل) بتذكير فعيل في المثالين. نعم هذا صحيح إذا كان (فعيل بمعنى مفعول) أما إذا كان (فعيل بمعنى فاعل) فيجب إلحاق هاء التأنيث بفعيل في حالة التأنيث. ولفظ (صديق) هنا بمعنى فاعل. إذن كان من الصواب أن يقول: (الرسالة الصديقة) كما نقول: الرسالة العظيمة، والكتابة البديعة، ولا يصح خلاف ذلك. . .

(القاهرة)

حسين الحوفي