مجلة الرسالة/العدد 460/في ساحة العدل

مجلة الرسالة/العدد 460/في ساحة العدل

ملاحظات: بتاريخ: 27 - 04 - 1942


للدكتور زكي مبارك

قبل أن امضي في الكلام عما وقع في (ساحة العدل) أذكر أن فرصةً جميلة أتاحت لي مقابلة صاحب الفضيلة الأستاذ الأكبر الشيخ (محمد مصطفى المراغي) فتلطف - حفظه الله - وقدَّم إليَّ ملاحظات سديدة على بعض ما مرّ من الآراء في هذه الأحاديث؛ وكان كلامه ما نصُّه بالحرف:

(أنت متجه إلى إلقاء تبعة المعصية على حواء، وفاتك أن تذكر أن عدم تماسك آدم هو السبب في تمّرُد حواء)

والواقع أنى طفت بهذا المعنى في (حديث السِّدرة). ولكن عبارة الأستاذ الأكبر دقيقة جداّ، وهي من الإيجاز النفيس. ولعل فيها رداً على من غضبوا جاهلين يوم دعوناهم إلى الحزم في معاملة النساء

سريرة آدم

ضاق صدر آدم بما وقع من قرب الشجرة المحرَّمة، وفاض كرُبه حين تذكَّر أن حديث الله مع الملائكة كان مقصوراً عليه فقد قال: (إني جاعلٌ في الأرض خليفة) ولم يذكر حواء، وكذلك سكتت الملائكة عن حواء، فكيف يفوته أن يلتفت إلى هذا التفرد بالتكليف وهو غاية في التشريف؟

ثم تذكَّر أن الله عرَض الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها؛ وتشجَّع آدم فحملها وهو لا يدري أن شجاعته لم تكن إلا ضرباً من الظلم والجهل

لو كان آدم يعلم الغيب لأعلن عجزه عن حمل الأمانة بعد نكوص السماوات والأرض والجبال، ولكن شبابه فَتَنه وأغواه فتوهم أنه يقدر على جميع الأثقال

سيقف آدم في ساحة العدل وهو نادم خَزْيان. . . ألم يضيِّع الثقة بمواهبه السامية؟ ألم ينهزم أمام امرأة أعظم أسلحتها البكاء؟

في ساحة العدل ستحتشد الخلائق من الملائكة والجن والطير والحيوان، وذلك أول معرض يعرفه التاريخ. ولن يكون آدم متفرِّجاً في هذا المعرض؛ ولكنه مع الأسف الموجع سيكون مَسلاة المتفرجين. والويل كل الويل لمن يصبح فُرجةً لأه الفضول، ولو كانوا من الأشراف، إن جاز لأهل الشرف أن يشهدوا موقفاً يتأذّى به رجلٌ شريف

سيقف آدم متهماً، آدم الذي اصطفاه الله، ولم يسمع فيه أقوال الملائكة المقربين؛ فبأي وجهٍ يقف في قفص الاتهام، وأمام القاضي الذي منَّ عليه بنعمة الوجود؟

جهنم أروح من الوقوف في ساحة العدل بالفردوس

كان آدم يتمثل من لمحة إلى لمحة شماتة الشامتين؛ ثم يخفّ كربه كثيراً أو قليلاً حين يتذكر أن الذين اعترضوا على خلقه هم الملائكة، والشماتة لا تجوز من أصحاب الأرواح النورانية

ولكن الجنة فيها سكان لا يمتّون إلى النور بِعرق، ومن حقهم أن يشمتوا في المخلوق الذي يفوتهم بمراحل ابعد مما بين الأرض والسماء

أتستطيع المعصية وهي حقيرة وخسيسة ودميمة أن تمنح الأنذال فرصة التعالي على الأبطال؟

لو كان آدم يعرف أن المعصية ستجعل من حق الحشرات أن تتسابق في الزحف على البطون لتشهد موقفه في ساحة العدل. . . لو كان آدم يعرف أن إبليس المطرود سيتبجَّح بأنه أغواه بلا عناء. . . لو كان آدم يعرف أن الله يحبه، وأن استهانة المحبوب بأوامر الحبيب من علائم الخذلان. . . لو كان آدم يعرف أن الموت في الطاعة أشرف من الحياة في العصيان. . . لو كان آدم يعرف، لو كان آدم يعرف!!

طافت هذه الخواطر بآدم وهو في الطريق إلى ساحة العدل فكاد يصعق من هول الموقف. وكاد يتمنى لو تحول إلى حيوان أعجم لا يفقه كنه التكاليف. وهل يستطيع مع المعصية أن يقول إنه أشرف من أي حيوان؟

لقد عصى ربَّه فغوى، فما استعلاؤه وقد هوت به المعصية إلى الحضيض؟

المعصية إثمٌ موبق، ولو جازت على الجبل لحوَّلته إلي هباء. عصى آدم ربه فغوى، فليستعد آدم لحمل جريرة العصيان. وكيف يعصى الله من يعرف أنه خالق الأنوار والظلمات؟ كيف يعصى الله من يعرف انه واهب القدرة على العصيان؟ وهل تكون الشهوة الأثيمة أعذب مذاقاً من العلقم الذي يجترعه من يصد نفسه عن الآثام؟ إن حرمان النفس من أهوائها في سبيل الطاعة له طعم شهيٌّ جداً، فكيف غابت هذه الحقيقة عن آدم؟ وكيف رضى أن يضام بسبب هواه في مسايرة حواء؟ لو كان يملك محو هذه الخطيئة بأي ثمن لكانت روحه أول مبذول ولكنه لا يملك محو ما وقع، وسيؤدي ثمناُ أعظم من الروح، هو سمعته بين سكان الفردوس، فسيشهدون جميعاً أنه مَدين، وأن عقله لم يعصمه من الانحراف عن جادّة الرشاد. وسيرى بعينيه وجوهاً لا تعيش إلا من اغتياب الأحرار، وهو الذي قدّم الزاد لتلك الوجوه الشوهاء

جَلجَلتْ هذه المعاني في صدر آدم فجلس يستريح تحت إحدى الشجيرات وهو يتمنى لو ضَّل الطريق إلى ساحة العدل، وخطرت له فكرة الهرب ولكن إلى أين؟ وهل من عدالة الله مهرَب؟

ثم تشجع فجأة لخاطر جميل طاف بنهاه، فما ذلك الخاطر الجميل؟ تذكر آدم أن الله يعاقب مرة واحدة ثم يصفح لأنه عظيم، أما الذين يعاقبون على الهفوة الواحدة مرات كثيرة فهم صغار الخلائق. وما على آدم بأس من عقوبة تمر وتمضي ثم يواجه أعماله من جديد وقد تطهّر بالعقاب

وقاضي اليوم هو الله، والعدل مضمون مضمون، ولا خوف من التزيد والإسراف، فليمض آدم إلى المحكمة وهو ثابت القدم رابط الجأش، فما في كل وقت تكون المحاكم إلى ذلك الجبار الرءوف. . . وفي أثناء الطريق ثارت نفسه فدمدم:

(إن الله لا يحكم على آثم إلا بعد أن يتيح له اللوف من فرص المتاب. فكيف يعاقبني لأول هفوة تبدُر مني؟)

فهتف هتاف: تأدب يا آدم، واذكر نعمة الله عليك، فما عاجَلك بالعقوبة إن كان سيعاقبك إلا ليؤكد كرامتك الذاتية بين الخلائق

- التعجيل بالعقوبة مزية؟

- مزية عظيمة، لو كنت تعرف

- أحب أن أعرف

- العقوبة حكمٌ لك لا عليك

- لم أفهم شيئاً، أيها الهاتف - ستفهم بعد لُحَيْظات، وستندم على أن لم تأكل شجرة التين بفروعها وجذورها

- أرجعُ فآكلها أكلاً لَمَّا؟

- أحترس ثم احترس، فأنت نبيّ، والأنبياء يراعون ظواهر الشرائع قبل أن يراعوا بواطن الحقائق، ترفقاً بمن يغيب عنهم إدراك اللباب من أسرار الوجود

- إذن كان من حقي. . .

- لا حق لك في شيء، فامض خاشعا إلى ساحة العدل

- بدون خوف؟

- بأعنف صورة من صور الخوف، لأن الله يبغض الآمنين أشد البغض

- وكيف؟ كيف أيها الهاتف؟

- لأن الشعور بالأمان بداية الخذلان، والله لا يرضى لك أن تسير إلى الانحلال

سريرة حواء

رأيت حواء بجزع وارتياع أنها لم تُدع لحضور (ساحة العدل) إلا مع الشهود، فما معنى ذلك؟ معناه أنها ترتق إلى منزلة العقاب، ومعناه أن منزلتها في هذه القضية منزلة ثانوية، ومعناه أنها لم تجترح غير الإغواء، وهو ذنبٌ مقسَّم على ثلاثة شخوص: الحية وإبليس وحواء. . . ثم صرختْ:

- أنا الجانية، أنا الجانية، وآدم لم يأكل ثمرة التين إلا من يدي

فهتف هاتف: لن يُنصَب للمرأة ميزان، وهي التي تفرّق بين الابن وأبيه والأخ وأخيه، ولن يغفر الله للمرأة أنها لا تدخل بيتاً إلا شطرتْه إلى شِيَع وأحزاب، وقد كانت وستكون أول مصدر للنزع والشقاق

- لعلك تريد حواء الأولى، أيها الهاتف؟

- حواء الأولى لم تعرف التبرّج

- وأنا متبرّجة. . . أنا؟؟

- نعم فقد شهدُتك تَنْظِمين من حُبوب الِبِسَّلة عِقداً تزيّنين به جيِدك الأغيد، ورأيتك تعصرين الزهر بين كفَّيْك ثم تمسحين بعصيره أجزاء من جسمك البديع لتظهر عليه خطوط وردية أو عسْجَدِية - وما العيبُ في ذلك؟

- العيب انك لا ترضَين بما قسَم الله لك من الحظوظ

- وماذا أعطاني الله؟ ماذا أعطاني؟

- كل امرأة تقول هذا القول، وما رضيت امرأةٌ عن نصيبها أبداً

- وما نصيبي؟ وهل كان لي من النعيم نصيب؟

- لك آدم يا حواء

- آدم الذي يريد أن يتمتع وحده بجريرة العصيان؟

- تريدين أن تقاسميه أعباء هذه الجريرة؟

- هي جريرتي وحدي، وأنا صاحبة الحق الأول في الوقوف جانيةً (بساحة العدل)

- وترين موقف الجناية من مواقف التشريف؟

- هو فرصة لأن يصبح الجاني على ألسنة جميع الخلائق

- إن كان هذا ما تريدين فاطمئني، فلن تقع جريمة في شرق أو غرب إلا قيل (فتّش عن المرأة). ولن يتنسّك عابد، أو يترهب زاهد، إلا طلباً للسلامة من كيد المرأة. ولن تخلو شريعة من التحذير المخيف، التحذير من حبائل النساء. ولن يرتفع مرتفع أو ينخفض منخفض إلا وفي خياله أن امرأةً نصحتْه فارتفع، أو خدعتْه فانخفض. ولن يبرع أديبٌ أو فنّان إلا وهو مَدين لمخلوقة سفيهة أو حليمة من بناتك يا حواء. ولن ينبع كاتب أو شاعر إلا بوحي يُوحي إليه من إنسانة عليلة الطرف أو صحيحة الفؤاد. ولن يخلو كتابٌ من اسم المرأة، ولو كان شريعة تتلقاها الأرض عن السماء

- أَرحْتَني، أرحتني، أيها الهاتف

- إنما نريح مصدر التعب لنستريح!

جلسة علنية

صدر القرار بان يحاكم آدم في جلسة علنية يشهدها جميع سكان الفردوس، فكان على الملائكة أن يهيئوا ساحة العدل تهيئة تسمح بان يشهدها أولئك الخلائق بلا عناء

وكيف تحضُر جميع الخلائق؟

في الطيور طوائف من الحواضن، والطيور الحواضن لا تترك البيض المحضون ولو تعرّضت للموت من الظمأ والجوع، فمن المستحيل أن تترك أعشاشها لتشهد محاكمة آدم صاحب حواء

وفي الأنعام بهائم تأكل الطعام وهي مطعونة بسهم الموت، فلا أمل في أن تتحرك لشهود القضاء في ساحة العدل

وهنالك الحمير، وهي لا تعلن عن سرورها بغير النهيق، فمن الخير إلا تحضر مجلس القضاء وصوتُها أنكر الأصوات.

وفي الوجود خلائق لها أبصار، وليس لها بصائر، فمن الحزم أن تُراح من شهود جلسة لا يستفيد منها غير أرباب القلوب

ثم اتفقت آراء الملائكة على أن المراد بعلنية الجلسة إعطاء الفرصة لمن يستطيع الحضور، وليس المراد أن تحضر الخلائق جمعاء، وهل يتيسر لأسماك الكوثر أن تشهد محاكمة آدم وهي تُعرَّض للموت أن طال ثواؤها بالعَرَاء؟

والحق أن الملائكة لم يشهدوا في ماضيهم القديم اصعب من ذلك الموقف، فقد كان عليهم أن يراعوا في تهيئة ساحة العدل طبائع الطير والحيوان والحشرات، فمن الطير أنواع تستريح إلى الأرض، أمثال الحَجَل والكروان والهداهد والطيور المائية، ومن الطير أنواع لا تستريح بغير الوقوف فوق أعواد، فكيف تُعَدُّ الساحة لأولئك وهؤلاء؟ أن ذلك لا يتم بغير متاعب، والجلسة مستعجلة، ولا يمكن طلب التأجيل

وعرضتْ للملائكة مشكلتان في غاية من الخطورة: المشكلة الأولى مشكلة النزاع الذي ثار بين الأسود والقرود بعد فضيحة آدم وحواء، وهو نزاع قد يثور من جديد أن قضى الله على آدم بما يشرح صدور القرود

أما المشكلة الثانية فهي الخوف على الطيور المغردة من عدوان الطيور الجوارح، فالصقر يشتهي الطير المغرد شهوة عارمة، ويكاد يتوهم أن لحم الطير المغرد أطيب من خدود الملاح، وتلك الطيور لن تسكت عن التغريد، لأنها مفطورة على حب الغناء، ولو في حضور الشواهين، والجمال قد يَجنِي على الجميل

قال أحد الملائكة: ولكن نحن في الجنة ولا خوف من بطش الأقوياء بالضعفاء

فقال له صاحبه وهو يحاوره: كنا في الجنة! - كنا؟

- نعم، كنا، وما فات مات

- أوضِحْ، يا رفيقي، أوضحْ

- كانت الجنة جنة

- فصارت؟

- فصارت كما ترى، ألا تعرف أن آدم عصى ربه فغوى؟

- وما خَطَرُ ذلك؟

- هو خطرٌ فظيع فظيع، وأنا أخشى أن تكون معصيته قدوة سيئة لجميع سكان الفردوس، فسيقول قائلهم: أن ما جاز صدوره عن الكبار يجب صدوره عن الصغار

- وأدم كبير؟

- هو كبير الكُبَراء، وستعرف صدق ما أقول بعد حين

- وإذن تكون معصيته شراًّ مستطيراً، واغلب الظن أن الله سيطرده من الجنة بلا إمهال

- برغم منزلته العالية؟

- خفضته المعصية، فلينزل إلى الحضيض، إلى الأرض التي لا يعرف فيها السعادة غير الديدان، فهي وحدها التي تُرزَق في الأرض بغير حساب

- والنتيجة؟

- والنتيجة أن جلسة اليوم تحتاج إلى حزم، وهي تجربة قاسية، فلنحاول تقسيم الحاضرين إلى طوائف تَفْصِل بينها حواجز، لنأمن الثورة المرتقبة من هياج الغرائز الغافية في

صدور الطير والحيوان. ولهذا اليوم ما بعده يا رفيفي، فان نجحنا في تنظيم هذه الجلسة إلى أن تمر بسلام، فسنكون أهلاً للثقة التي تمنحنا الحق في أن نكون على جميع الخلائق رقباء

اليوم المشهود

كان سكان الجنة تسامعوا بأخبار حواء، ولم يرها منهم إلا الأقُّليون، بسبب احتجازها بين البواسق، وبسبب نفرتها من أهل اللغو والفُضول، وبفضل ما فُطِرت عليه من الدلائل المَدُوف بالكبرياء

والفرصة الوحيدة لأن يروها أجمعون هي حضور محاكمة آدم في ساحة العدل، فمن المؤكد أنها ستحضر لمواساة فارسها الجميل

خفّ سكان الفردوس لمشاهدة حواء، ولم يتخلف إلا من صدَّته الرعاية الواجبة للأفراخ أو الأشبال

من كان يظن أن الأسماك رحَّبت بالموت لتقضي ساعة أو ساعتين في مشاهدة حواء؟

وتقدم غضنفلوث لتمتطي حواء ظهره المنيع، فدخلت الساحة في عزة لا يظفر بمثلها الملوك

فكيف كانت حواء في ذلك اليوم؟

كانت وكانت وكانت:

كان طرفها الكحيل يَعد ويُخلف في اللمحة الواحدة ألوف المرات، وكأنه جذوات تقتتل في هدوء وسكون

وكان أنفها في ملاحته يتموج تموّجاً نورانيًّا في حدود يوحي بها لحنُها الرنان

وكان صوتها - صوت حواء الجميلة - يشهد بأن حناجر البلابل والعنادل أٌودعتْ حَلقها الرخيم

وكان نحرُها - نحر حواء - مرمراً ينطق. وما أخطرَ المرمر الذي ينطق!

وكان لثناياها بريق يفوق بريق الَحَبب عند فورة الرحيق

وكان لذراعيها استدارة فنية تهتف بأن الله يزيد في الخلق ما يشاء

أما جسم حواء في جملته بلا تفصيل، فهو الوجود في جملته بلا تفصيل

كانت ارقّ من الأزهار في آذار وأعذب من الأعناب في آب

كانت أحلى من وسوسة الأماني في الصدر المكروب، وأشهى من جلجلة المعاني في القلب الموهوب

وكان تثنّيها يوهم بأن قوامها أُلَّف من خطرات تفوق العدَّ والإحصاء

في المكان المحدود من جسمها البديع ألوان وألوان، فكأن كل جزء من أجزاء ذلك الجسم قصيدة تحترب فيها القوافي والأوزان، والألفاظ في الشعر الرائع تشبه الأوصال في الجسم الفينان

كانت حواء في ذلك اليوم. . . كانت وكانت وكانت فكيف كانت؟ كيف لا كيف، ألم يكف أنها كانت حواء؟

قال الصقر: لو كانت هذه أنثاي لنذرت الصوم عن لحوم الكنار شكراً لله على هذه المنحة الغالية

وقال الأسد: لو كانت هذه أنثايَ لشكرتُ الله بالصفح عن القرود

وقال البلبل: لو كانت هذه أليفتي لابتدعت لحناً يسكر سكان الفردوس

فهتف هاتف: حواء لآدم، وآدم لحواء، وليس في الإمكان أبدع مما كان. فغضُّوا أبصاركم عن حسنٍ هو عزاء آدم في بلواه، وهو حجته في استباحة العصيان

محكمة، محكمة!!

ونظر آدم فرأى جلال الله يسيطر على الموقف، ورأى أنه سيحاسَبُ أمام جميع الخلائق

- رباه، أجِرنِي!

وكيف أُجيرك وأنت مذنب؟

أحب أن يكون الحساب في جلسة سِرية

- لماذا؟

- لأدافع عن نفسي بحرية، فعندي كلام لا أحب أن يسمعه القرود، ولأني أخاف أن تنصعق حواء من شماتة الشامتين، وهي أرقُّ من الوهم الذي يساور القلب الأوّاب

- لك يا مخلوقي الأثير ما تريد على شرط أن تكتم ما سيدور في الجلسة السرية، فأنا أعلم أنك ستفوه بأقوال تزلزل عزائم الآساد في رعاية الأشبال.

زكي مبارك