مجلة الرسالة/العدد 466/البريد الأدبي
مجلة الرسالة/العدد 466/البريد الأدبي
صاحب اللحية البيضاء
1 - سيدي الفاضل رئيس تحرير الرسالة الغراء
صورت لنا في عدد الرسالة الماضي بقلمك الممتاز صورة صادقة حية لمجرم بالطبع الذي نادى بوجود أمثاله العبقري الفذ لمبروزو إذ يقول إن عدداً كبيراً من المجرمين معرضون حتماً لارتكاب الجرائم إذ يولدون وتولد معهم غرائز سيئة تحول بينهم وبين المعيشة الصالحة، وما يستطيعون لنزعات الشر مقاومة. ويتميز هذا المجرم بصفات خَلقية وخُلقية: فهو قصير القامة كذي اللحية البيضاء، صغير الجمجمة؛ ضيق الجبهة، ناتئ عظام الخدين، دقيق الشفتين، غائر العينين، مفرطح الأذنين، كبير الفك الأسفل، بليد الحس الأدبي
ولئن فشلت نظرية هذا الجهبذ فما كان ذلك إلا لأنهم خشوا منها على الأخلاق، فما دام المجرم يعلم أن الجريمة مقدرة عليه كقسمة الأرزاق، مات ضميره واندفع كالتيار العرم يكتسح أمامه كل شيء، ولا يصبح لكلمات العدالة والجزاء والقصاص قيمة ما، ومعنى ذلك الفوضى المطلقة. على أن علماء الوراثة بما قاموا به من دراسات فنية وإحصائية قد أقاموا الدليل على وراثة صفات الإجرام من جيل لجيل تذكيها فساد البيئة وانحطاط الوسط الاجتماعي
فليتك يا سيدي المحترم ترشدنا نحن أعضاء معهد الدراسات الجنائية العليا إلى هذه الشخصية النادرة. فما وجدنا طيلة دراستنا بالسجون المصرية والإصلاحيات إلا إجراماً مكتسباً؛ فلعلنا نجد في ذي اللحية البيضاء ما يؤيد نظرية العالم الإيطالي
عباس فهمي محمد بدر
بالمعهد الجنائي
(الرسالة):
الصفات التي ذكرها الكاتب الفاضل تنطبق على ذي (اللحية البيضاء)، وهو الآن سجين بمركز طلخا، ومن الممكن زيارته فيه 2 - سيدي الأستاذ الكبير رئيس التحرير
وبعد فأمر صاحب (اللحية البيضاء) موضوع حديثكم الشيق في الرسالة الماضية ليس بخاف على أهل العلم، فهذا الرجل يشكو إغراقاً في تعويض نقص، وهو علة نفسانية تنشأ مع من تجوهلت شخصيته في طفولته بتحكم الوسط الذي نشأ فيه فحد ذلك من التمتع بالقوة في كافة مظاهرها، وهي غرض كل كائن حي، ونتيجة هذا الحد أن القوة النفسية المحرومة من العمل تلجأ إلى الإغراق في إظهار كيانها لإثبات وجودها المنكور عليها. فالإجرام في ضوء علم النفس الحديث هو تعويض نقص تعويضا مغرقاً
وكان رأي لمبروزو في أوائل هذا القرن أن الإجرام استعداد وراثي، ولكن علم النفس الحديث لا يميل للأخذ بهذا الرأي الآن؛ ويرى أن التربية في سني حياة الطفل الست الأولى مصدر كثير من العلل النفسانية والاجتماعية
على أن هناك تعويضاً طبيعياً: فالأصم الذي تقعده أذنه عن إدراك ما يناله غيره تراه ينزع إلى تعويض هذا النقص بالنشاط في ناحية أخرى. وهنا يكون النبوغ عادة
قال أناتول فرانس مرة: إن نابليون كان متهماً في رجولته، فأشعل الحرب في كل أوربا إعلاناً لرجولته. ومثل هذا القول يقال في كل إنسان حدت ظروفه من ممارسته حقه الطبيعي من القوة
كامل يوسف
عضو المعهد البريطاني الفلسفي بلندن
مراكز الثقافة العربية في القاهرة ودمشق وبغداد
تقدمت المباحثات بين وزارة المعارف وبين الهيئات التعليمية المختصة في كل من العراق وسورية وفلسطين ولبنان في سبيل إنشاء مكتب التعاون الثقافي ين هذه البلاد وإيجاد وحدة ثقافية عربية تجمع الشباب العربي تحت علم هذه الثقافة
وقد علمنا أن النية متجهة إلى إنشاء مراكز لهذه الثقافة العربية الموحدة في كل من القاهرة ودمشق وبغداد يمكن من طريقها تبادل الآراء وإلقاء المحاضرات العلمية والأدبية التي يتردد صداها على نطاق واسع في هذا المحيط والمفهوم أن الأقطار العربية الشقيقة قابلت مشروع التعاون بينها وبين مصر بارتياح كبير
كم ذا. . .
1 - أشكر للأستاذ الفاضل إبراهيم أبي الخشب دقته وأدبه، ولكني أعجب من إنكاره على سلوك مذهب التخريج والتأويل والإعراب. . . في الحكم على (حافظ وأبي الطيب) حين استعملا هذا التعبير (كم ذا. . .) فقد أراد الأستاذ في كلمته الأولى إقامة هذه العبارة إلى جهة أو التماس شاهد من كلام يحتج به
فأما إقامتها إلى جهة فما أظنها تؤدي معنى غير تخريج العبارة على وجه من وجوه النحو والبلاغة، وهذا ما ذهبت إليه في كلمتي السابقة؛ وكنت ولا أزال أنتظر من الأستاذ أن ينظر في وجوه التخريج التي أخذت بها
وأما المشاهد الذي يتمسك به متابعة للآمدي وأمثاله من علماء أصول اللغة فلا يزال يعوزني، ولعل هذا التعبير من أوليات (أبي الطيب) وعهدنا به مبتدعاً جريئاً. وإني لحسن الظن به وإن غضب (ابن خالويه). والسلام
محمود البشبيشي
2 - قرأت إجابة أستاذنا الجليل البشبيشي؛ ثم عدم اقتناع الأستاذ (أبو الخشب) بما جاء فيها، فرأيت أن أدلي برأيٍ أعتقد أن فيه شفاء الغلة.
(ا) أرى أن بيت المتنبي (كم ذا بمصر من المضحكات. . .) على هذه الرواية، وعلتي في ذلك أن المتنبي كانت له ألفاظ يكثر استعمالها في شعره، ومن هذه الألفاظ (ذا) (راجع يتيمة الدهر ج1 ص137 طبعة الصاوي) وقد تابع حافظ المتنبي في مثل هذا التعبير.
(ب) لم أجد شاهداً من أشعار العرب، ولا من مأثور كلامهم على مجيء (ذا) بعد كم على طول ما بحثت، وإن كان هذا لا يمنع من جواز وجوده.
(جـ) مثل هذا التعبير لا يتنافى مع قواعد اللغة، ومن السهل تخريجه بأعراب ذا منادى حذف منه حرف النداء. وكم خبرية حذف تمييزها.
(د) قد يعترض على هذا التخريج من يقول إنني ارتكبت من أجله حذف تمييز كم الخبرية وحذف حرف النداء من اسم الإشارة. وردي على مثل هذا المعترض هين فأما حذف تمييز كم الخبرية فإن النحاة قالوا إنه غير حسن، ولم يمنعوه (راجع ابن يعيش ج4 ص129 المطبعة المنيرية) وإذا راعينا ما أبيح للشعراء من جواز الجري على الآراء غير الحسنة لم نجد في ذلك قبحاً. وإذا نحن احتكمنا إلى معنى البيتين وجدناه رائعاً
وأما حذف حرف النداء من أسم الإشارة فجرى فيه المتنبي على رأي الكوفيين الذي استدلوا على جواز ذلك بقوله تعالى: (ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم).
ومن المعروف أن المتنبي نشأ في الكوفة، فلا عجب إذا جرى على آرائهم في كثير من شعره مما عده العلماء - جهلاً منهم - خطأ من المتنبي. وهذا هو يقول:
(هذى برزت لنا فهجت رسيسا)
فحذف حرف النداء من اسم الإشارة مصداقاً لما ذهبت إليه.
(منيل الروضة)
راتب خليفة