مجلة الرسالة/العدد 467/البريد الأدبي
مجلة الرسالة/العدد 467/البريد الأدبي
عدد الرسالة الخاص بالعراق
تُحسن (الرسالة) غاية الإحسان بما تتهيأ له من إصدار أعداد خاصة عن الأقطار العربية الشقيقة؛ فتلك لعَمري أجل خدمة تؤديها هيئة أو فرد، لنصرة هذه اللغة الشريفة، وإذكاء روح الوحدة والتعاون بين شعوبها التي ناء بها الضعف، وأذهب ريحَها التفرقُ والخذلان.
و (الرسالة) أقدر (هيئة ثقافية) على الاضطلاع بهذا العمل الذي تعرضت له؛ بل لا نغالي في الزعم بأنها تبلغ من هذا أضعافَ ما قد تبلغه (هيئة سياسية) تقيِّدها الرسميات، وتحوط عملها العراقيل الظاهرة والخفية. . . وشتان ما بين القوتين: قوة الأدب في صراحته ونفوذه وسلامة مقصده، وقوة السياسة في التوائها وتنكرها وتستر أغراضها ومراميها. . .
على أننا نحب - وعدد العراق بسبيل الإعداد - أن نوجه أنظار أدبائنا الأفاضل ممن سيتاح لهم الاشتراك في تهيئة هذا العدد إلى وجوب الإطناب في تاريخ العراق الحديث حتى يتهيأ لكل عربي طُلَعةٍ أن يعرف عن حياة العراق الاجتماعية والسياسية والأدبية والاقتصادية والعمرانية. . . ما فيه الغَناء. نحب أن نعرف عن بغداد فيصل وغازي مثل ما نعرف عن بغداد أبي جعفر وهرون، إن لم يكن أكثر؛. . . ولتكن محاسن نهضة العراق الحديثة موضعَ كلام كثير؛ ولكن لتذكروا لنا أيضاً بعض المساوئ التي قد تأخذها العين؛ ففي ذلك نفع للعراق وخدمة للعرب جميعاُ.
ولا نحب بذلك أن ترك الماضيَ إلى هذا الحاضر الحافل المتشعب، فماضي العراق وتاريخ دُوَله مما تلذّ لنا قراءته في كل وقت؛ لأنه تاريخنا جميعاُ: تاريخ حضارتنا وديننا ولغتنا وقوميتنا؛ وصورةٌ من مجدنا الذي نصبو إليه مخلصين، ونهفو إلى استعادة ذكرياته والتأسي بعبَرة، حتى تأذن لنا الأيام بأن نستعيد مفقوده ونحيي موءوده.
. . . . فلنقرأ من خير هذا الماضي وشره ما يعيننا على إدراك حقائق الحاضر حتى نعرف فيه طريقنا ونتميز موقفنا. . .
وأخيراً نسأل أدباءنا، ولتكن أجوبتهم على ذلك في العدد الخاص: أين من يعقد لنا مقارنة بين بغداد القديمة والحديثة (مع خريطتين لهما)؟
أين من يحدثنا عن آثار العراق الباقية إلى اليوم، والتي قد تُتاح مشاهدتُها لمن يزوره؟ أين من يذكر لنا مشاهده المأثورة وقبوره المشهورة؟
أين من يذكر لنا لهجاته القديمة والحديثة؟
أين من يصف لنا أزياءه وما مرت به من أطوار وتغيرات؟
أين من يحدثنا عن خصائص شعبه في غير تمويه، وعن أنظمة حكومته في غير تعقيد، وعن جميع مواهبه ومقوماته في غير تحيُّف ولا مغالاة؟
أين من يطوي بنا المكان والزمان إلى حاضر العراق وغابره فنراهما ونعيش فيهما، ونتحدث عنهما حديث الواثقين العارفين؟
أين من يفعل ذلك كله؟
أين؟ أين؟. . . كما يقول الدكتور الجليل زكي مبارك، الذي نقترح عليه أن يحدثنا عن كل شيء في العراق سوى (ليلى المريضة). . . فقد آن لها - وحق أدبه الرفيع - أم تشفى!
(جرجا)
محمد عزت عرفة
رجع إلى ديكارت وابن يعيش
قرأت في العدد 465 من الرسالة كلمة قيمة للأستاذ (محمد خليفة التونسي) استهلها بالرد عليّ فيما قلته في العدد 463 من أن أبن يعيش سبق ديكارت إلى الشعور بالفكرة التي بنى عليها أبو الفلسفة الحديثة منهجه الموصِّل إلى اليقين بعد الشك، ومن أن ديكارت عمل ما لم يعمله ابن يعيش فصاغ هذه الفكرة في منهج فلسفي فكان هذا الفرق بينهما.
استهل الأستاذ كلمته بالرد عليّ فيما قلته؛ فقال إن ابن يعيش لم يكشف مذهباً فلسفياً، لأنه كان يناقش تركيباً عربياً من حيث معناه، ولأنه لم يجُلْ بفكره أن يقف عند هذه القضية قليلاً ولا كثيراً، فليس الفرق أن ديكارت صاغ وابن يعيش لم يصغ
وأنا أشكر للأستاذ عنايته بتمحيص ما قلت، ولكنني أرى أنه فهم كلامي على غير الوجه الذي قصدتُ، ومال به إلى غير الطريق الذي نهجت، فظن أنني أريد أن أقول إن ابن يعيش كشف مذهباً فلسفياً.
ففي الحق أنني ما أردت أن أقول ذلك، وما خطر لي ذلك ببال، فابن يعيش رجل نحوي قبل كل شيء، وهو في قوله لم يحاول مطلقاً أن يثبت وجود نفسه لأنه ما شك مطلقاً في وجود نفسه، وإنما كان - كما يقول الأستاذ - يناقش تركيباً عربياً من حيث معناه.
إنما أردت أن أقول إن الفكرة التي بني عليها ديكارت مذهبه وهي أن في تفكيره المرء برهاناً على وجوده قد شعر بها ابن يعيش مجرد شعور فقال في عرض كلام له عن تركيب عربي إن في علم المرء برهاناً على وجوده.
ففكرة ديكارت قريبة الشبه من فكرة ابن يعيش وأن لم تكن هي ذاتها. وذكره لها في عرض كلامه النحوي معناه أنه لم يصغ هذه الفكرة في منهج فلسفي. وما كان غرضي مما قلت أن أهزّ مؤرخي الفلسفة هزاً عنيفاً لينتبهوا إلى أن ابن يعيش سبق ديكارت في منهجه الذي انتقل به من الشك إلى اليقين، وإنما قصدت إلى أن أعرض مثالاً طريفاً لتوارد الخواطر بين الشرق والغرب.
فهذا تفصيل ما أجملت، لعله يوضح ما أنبهم ويفسر ما استسر
على أنني لا أود أن أترك القلم قبل أن أنبه الأستاذ إلى أن ابن يعيش - كغيره من النحويين المتأخرين - كان يعيش في بيئة فلسفية كلامية، فتأثر - كما تأثر هؤلاء - بهذه البيئة في منهج تفكيره وفي عرض تفكيره، وهذا يتضح لمن يقرأ في شرحه على المفصل.
وقصدي من هذا الكلام أن أنص على أنني وإن لم أحمل كلامه السابق على أنه كلام فلسفي إلا أنني أشم فيه رائحة فلسفية وألمح فيه مخايل التفلسف.
فهذا ما جوز لي قرن ديكارت بابن يعيش
وللأستاذ مني تحية صادقة.
السيد يعقوب بكر
إلى من يعنيهم الأمر في وزارة المعارف
لفت نظري أثناء مطالعتي ما جاء بالجزء الرابع من كتاب المقرر تدريسه لطلبة السنة الرابعة بالمدارس الابتدائية تأليف , و , المطبوع في مصر في 4 أغسطس سنة 1936 بالصفحة رقم 121 أثناء كلامهما عن الإسكندرية) قولهما: إن عمراً (بن العاص) عندما وصل إلى الإسكندرية على رأس جيشه الذي سلمه قيادته الخليفة عمر بن الخطاب في سنة 642 عمد إلى تخريب كثير من مبانيها كما أحرق مكتبتها في ثلاثة وثمانين ومائة يوم. وهو ما يأتي بنصه:
641 , , 183
واتهام عمرو بإحراق مكتبة الإسكندرية لم يكن سوى فرية قررها بعض المؤرخين لم تعدم من المنصفين من يفندها ويظهر زيفها. وإنه ليصعب على المرء أن يصدق هذه الفرية التي افتراها بعضهم على عمرو والعرب مع ما اشتهر عنهم من حبهم للعلوم وترجمتهم لآداب وفنون كثير من الدول الأجنبية عنهم والمخالفة لهم في اللغة والدين والجنس
وما دامت هذه الفرية لا تزال تتأرجح بين الإثبات والنفي والتقرير والتكذيب، فقد كان من الواجب حذفها من الكتاب خشية رسوخها في أذهان صغار الطلبة الذين يأخذون مثل هذا الكلام المرسل على عواهنه قضية مسلمة ويحسبونه من الحقائق الثابتة وهو محض اختلاق؟
هل تراجع مثل هذه الكتب في وزارة المعارف مراجعة دقيقة، أم أن المسئولين في وزارة المعارف لا يرون في مثل هذه الكتب ما يستحق عناء المراجعة والاهتمام؟
(الإسكندرية)
أحمد عبد اللطيف الحضراوي
الأدب بين الشيوخ والشبان
أذكرتني تلك الكلمات الرصينة التي تدبجها براعة الأستاذ الزيات في صدر رسالته، كما أكرتني كذلك ثورة الكاتب الكبير العقاد على الشاب الأديب الذي كتب إليه يقول له: (إنكم لا ترشدوننا، ولا تأخذون بأيدينا). . . بذلك العنوان
والخصومة بين الشيوخ والشبان، أو الشبان والشيوخ، خصومة قديمة يرجع تاريخها إلى عهد بعيد
وكان الظن إذا ثارت خصومة أدبية بين (الشبان والشيوخ) أن تكون على شاكلة تلك الخصومة التي كانت بين (الهمذاني والخوارزمي) والتي انكشف القناع فيها عن أن (الهمذاني) هذا شاب جدير بإكبار الشبان واحترام الشيوخ، إلا أن شبابنا - كما يقول (شوقي) - قُنَّعَ لا خير فيهم. . .
وأحب أن ألفت الذهن إلى أن الشيوخ كذلك قضت عليهم الزمانه، وقتلهم حب الظهور، فاكتفوا من الأدب بطنين اللقب وناموا إلى ذلك. ولا يعنيهم - حين يكتبون - أصابوا أم خابوا، ما دام لهم شهرة، ولقلمهم رواج
إبراهيم علي أبو الخشب
إلى الأب أنستاس الكرملي
بمناسبة ما سجله العلامة الفاضل الأب أنستاس الكرملي بمجلة (الرسالة) العدد (464) عن كلمة (المطمورة) العربية الخالصة يجدر بنا أن نقول: إن استعمال هذه الكلمة لم يختص به أهل العراق فحسب، وإنما ينطق بها أهل السودان أيضاً
وأهل السودان لا يعنون بها (ما يتخذ لحفظ الطعام إن كان على وجه الأرض أو كان على خارجها)، كما يفعل أهل العراق، وإنما يقصدون بها إلى المعنى الذي نصت عليه قواميس اللغة وهو: (المطمورة: حفرة يطمر فيها الطعام: أي يخبأ (ج) مطامير)
أما ما يتخذ لحفظ الطعام خارج الأرض، أو ما يكاد يعبر عنه قول الأب الفاضل: (أما إذا كان فوق الصعيد، فإن أصحابه يجعلونه جرة عظيمة، ثم يسنمونها على هيئة مخروط ثم يسيفونها ويصمدونها حتى إذا نزلت بها نوائب الجو من مطر وبرد وثلج ورياح قاومتها أحسن مقاومة، ودفعت أضرارها إلى أحسن الوجوه)؛ فإن أهالي السودان يعبرون عنه بكلمة (السِّوَيبهْ)
وعلى ذكر هذه الكلمة (السوبيه)، نتقدم بها إلى الأب الفاضل راجين منه أن يتفضل ويرشدنا: هل لهذه الكلمة أصل في اللغة العربية بما يفيد هذا المعنى الذي يقصد إليه بها أهل السودان، أو ما يقرب منه؟
(الأبيض - سودان)
عبد الرحمن أحمد سعد