مجلة الرسالة/العدد 47/اللانهاية هي شيء كله مساو جزءه

مجلة الرسالة/العدد 47/اللانهاية هي شيء كله مساو جزءه

مجلة الرسالة - العدد 47
اللانهاية هي شيء كله مساو جزءه
ملاحظات: بتاريخ: 28 - 05 - 1934



للأستاذ قدري حافظ طوقان

مقدمة

يوجد في بعض فروع المعرفة اصطلاحات وتعبيرات من الصعب جداً تعريفها أو تفسيرها تفسيراً موجزاً في بضع كلمات، وقد لا يستطيع الباحث أو العالم المتضلع أن يعطي إيضاحاً بكلمات قليلة تبين المعنى المقصود بصورة دقيقة جلية واضحة، ولهذا يضطر للتقرب من تعريفها أو لإعطاء فكرة عنها إلى ذكر وشرح بعض خواصها. وقد تبدو التعاريف لبعض الاصطلاحات العلمية لأول وهلة غريبة أو غير معقولة. وإذا جاز للقارئ أن يدهش من الوضع الموجود به تعريف اللانهاية، وإذا جاز له أن يضحك عند قراءته، أقول إذا جاز له كل ذلك يجوز لنا أن نطلب منه التمهل وقراءة المقال بتمعن عسانا - نحن وهو - نلتقي، وعساه بذلك يوافق العلم ويقره، ويعذره حين يضطر إلى وضع تعاريف لبعض الاصطلاحات بصورة قد تبدو غريبة يمجها المنطق في البدء، وقد لا يستسيغها عقل غير المطلعين على الموضوعات التي تحتوي أمثال هذه الاصطلاحات.

إن تعريف اللانهاية يختلف بحسب الميدان الذي تكون فيه، فهي في ميدان الفلسفة والمعنى المقصود منها فيه غيرها في ميدان الرياضيات، غيرها في الدين، غيرها في ميادين الفروع المختلفة المتنوعة

معكوس الصفر

خذ أية كمية محدودة كالواحد مثلاً، ولنقسمه على 21 فخارج

القسمة 2، وإذا قُسم على 41 فخارج القسمة 4، وإذا قسم على

1001 فالخارج 100، وإذا قسم على 10001 فالخارج

1000، وهكذا كلما صَغُر المقسوم عليه زاد خارج القسمة

وكبر، حتى إذا ما كان أصغر من أية كمية موجبة (صفر) كان الجواب أكبر من أية كمية موجبة (كمية لا نهائية)، أي

أن الواحد إذا قسّم على الصفر فالجواب كمية لا نهائية، أي

01=كمية لا نهاية ويُرمز لها بهذه العلامة ?، ويمكن وضع

المعنى السابق بهذه الكيفية: وكذلك إذا قسمنا الكمية المحدودة

على كمية لا نهائية فالجواب أصغر من أية كمية موجبة أي

الصفر. من هنا يتبين أن العلاقة متينة بين الصفر واللانهاية،

فالصفر هو في الحقيقة معكوس اللانهاية ومعكوس اللانهاية

هو الصفر.

هذا إيضاح يفسر خاصة من خواص اللانهاية، ويمكن وضع هذه الخاصة بالتعبير الآتي:

إذا قُسّمت أية كمية محدودة على الصفر فالخارج يساوي كمية لا نهائية.

تعريف غريب

لندع هذه الخاصية ولنأخذ غيرها علنا منها نستطيع أن نضع تعريفاً لـ (اللانهاية) وعلنا بذلك نوفر على الراغب في البحث عنها، وفي الوقوف على معناها قراءة صفحات عديدة من كتب الرياضيات وفلسفتها.

خذ المتوالية العددية الآتية: 1، 2، 3، 4، 5، 6، 7، 8، 9. . . . . إلى عدد لا نهائي من الحدود فمجموعها كما هو ظاهر كمية لا نهائية.

خذ أيضاً المتوالية الهندسية الآتية وهي غير المجموعة الأولى: 2، 4، 8، 16. . . إلى عدد لا نهائي من الحدود، فمجموعها أيضاً يساوي كمية لا نهائية، ومن مراجعة المتواليتين يظهر أن كل حد من المتوالية الثانية موجود في المتوالية الأولى، أي أن المتوالية الثانية هي جزء من الأولى، ومع ذلك فمجموع كل من المتواليتين يساوي كمية لا نهائية، ومن هنا ظهر تعريف اللانهاية بالشكل الآتي: (هي شيء كله مساو جزءه) ومن هنا يظهر أيضاً للقارئ السبب الذي اضطر بعض العلماء إلى وضع مثل هذا التعريف الذي قد يبدو غريباً ومثيراً للدهشة وغير معقول

اللانهائي في المحدود

ومن غرائب خاصيات (اللانهاية) التي نجدها في البحوث الرياضية انه قد يتفق (في بعض الأحوال) أن يكون مجموع كميات عددها غير محدود لا نهائي يساوي كمية محدودة. أليس في هذا غرابة؟ أليس في هذا عجب؟ قد لا يصدق القارئ ما نقول ولذا سنوضح معنى ما مر:

خذ العدد الكسري 31 وهو كمية محدودة، ولنحوله إلى كسر

عشري فينتج لدينا كسر دائري 0. 3 أي 0.

33333000000 وهذه تساوي 103 + 1003 + 10003 +

100003 +. . . وهذه الأخيرة تساوي 103 (1 + 101 +

1001 + 10001 +. . . إلى حدود عددها لا نهائي) ومن

هنا يتبين أن مجموع كميات عددها لا نهائي يساوي كمية

محدودة

اللانهاية والعلم

والآن قد يتبادر إلى ذهن القارئ أن يسأل ما علاقة العالم باللانهاية؟ وهل اللانهاية حقيقة موجودة؟ وهل يستطيع العقل البشري تصور شيء لا نهائي؟ وجواباً على هذه الأسئلة نقول: إن العلم يقرر (أو يجب أن يقرر) وجود شيء لا نهائي، فالخط يتكون من نقط عددها غير محدود ولا نهائي، والوقت يتكون من عدد غير محدود من اللحظات، ويمكنك أن تقسم المستقيم إلى أقسام لا عديد لها، وأن تستمر في ذلك إلى ما شاء الله.

وقد ظهر للقارئ بجلاء كيف أن مجموع كميات عددها لا نهائي يساوي كمية محدودة، وقد لا يكون غريباً إذا قلت أن كثيراً من البحوث الرياضية العالية لا يمكن أن يحاط بها، ولا أن تكون كاملة إلا بـ (اللانهاية)، وكم من الأعمال والمسائل الرياضية تحتاج إلى استعمال اللانهاية إذ لا يمكن حلها إلا بها.

على كل أرجو أن أكون قد وفقت إلى إعطاء فكرة عن اللانهاية، فان كان ذلك فهذا ما قصدت.

نابلس

قدري حافظ طوقان