مجلة الرسالة/العدد 483/البريد الأدبي

مجلة الرسالة/العدد 483/البريد الأدبي

ملاحظات: بتاريخ: 05 - 10 - 1942



حول نسخ الأحكام

نشرت (الرسالة) الغراء تعقيبا على مقال - حق الإمام في نسخ الأحكام - جاء فيه أن أبا جعفر النحاس لم يعز القول بذلك إلى فرقة إسلامية، ولا إلى جماعة من فقهاء الإسلام، وأن الذي قال ذلك إنما هم الإسماعيلية الباطنية

فأما أن أبا جعفر لم يعز القول بذلك إلى فرقة إسلامية فليس بصحيح، لأنه ذكر قبل ذلك أن العلماء من الصحابة والتابعين تكلموا في الناسخ والمنسوخ، ثم اختلف المتأخرون، فمنهم من جرى على سنن المتقدمين فوفق، ومنهم خالف ذلك فاجتنب، فمن المتأخرين من قال ليس في كتاب الله عز وجل ناسخ ولا منسوخ، وكابر العيان، واتبع غير سبيل المؤمنين الخ وهذا ظاهر كل الظهور في أن هؤلاء المتأخرين فرق إسلامية، ولا يهم بعد هذا رأي أبي جعفر فيها، لأن فيه مجازفة ظاهرة في تكفيرها. وإذا صح أن هذا القول لفرقة الإسماعيلية، فهي من فرق الشيعة المعدودة في الفرق الإسلامية، ومنها كان الفاطميون الذين أنشئوا أكبر جامعة إسلامية نعتز بها الآن، ونشروا بمصر كثيراً من آثار الإسلام

(. . .)

الشيخ خليل الخالدي

في عاشر رمضان من السنة الماضية توفي بالقاهرة الأستاذ العالم الجليل خليل الخالدي عن 78 سنة رحمه الله. ولم يكتب شيء عن وفاته في (مجلة الرسالة) مع أنها عنيت بنشر نبذ من أخبار وأماليه في حياته (في السنة السابعة وقبلها) بقلم الدكتور عبد الوهاب عزام. فكتبت هذه الكلمة الموجزة إيجاباً لبعض حقه:

ولد الفقيد في القدس، وأخذ مبادئ العلوم عن مشايخ العلم هناك، ثم ارتحل إلى الآستانة ولازم الأستاذ الشيخ محمد عاطف شارح المجلة، ووكيل الدرس الشيخ أحمد عاصم، إلى أن تخرج عليهما. ثم التحق بمدرسة القضاء الشرعي حتى أحرز شهادتها. وقدم مصر وحضر دروس كبار علمائها فأجازوه. ثم تولى القضاء في كثير من أقضيه روم إيلى (رومالي) إلى أن ولى قضاء ديار بكر. ثم اختارته المشيخة الإسلامية عضواً في مجلس تدقيق المصاحف والمؤلفات. وفي أواخر الحرب العامة السابقة عاد إلى بيت المقدس فأسندت إليه رياسة الاستئناف الشرعية.

وكان له علم بالمخطوطات العربية ومؤلفيها ومواضعها من دور الكتب في أكثر البلاد الإسلامية التي ارتحل إليها حتى الأندلس، وله مذكرات عنها لم تنشر بعد.

وكانت شهرة بيتهم قديماً بالديري ثم اشتهروا بالخالدي، وهو بيت علم قديم تولى عدة منهم قضاة القضاة بمصر من عهد الملك المؤيد، كالشمس الديري والمسعد الديري، وتراجمهم مبسوطة في (الضوء اللامع للسخاوي) و (الأنس الجليل) وغيرهما.

ودفن الفقيد - برد الله مضجعه - في باب النصر أمام مدفن أحمد بك عفت.

محمد غسان

فرحة الأديب بالأديب

جاء في العدد السابق من مجلة الرسالة الغراء تحت عنوان (الحديث ذو شجون) للدكتور زكي مبارك ما نصه:

(عبارة (فرحة الأديب بالأديب) تعد من مبتكرات ابن الروي من حيث الصورة والمعنى) وأقول إن هذه العبارة ليست إلا من مبتكرات أبي تمام من حيث الصورة والمعنى أيضاً، فقد قال في وصف السحب:

لما بدت للأرض من قريب ... تشوفت لوبلها السكوب

تشوف المريض للطبيب ... وطرب المحب للحبيب

وفرحة الأديب بالأديب =. . . . . . . . . . . . . .

وقد ذكرها الديوان كما ذكرها الشيخ يوسف البديعي في كتابه (هبة الأيام).

أعرض هذا على الدكتور وله تحيتي وإعجابي.

(جرجا)

فؤاد الزوكي

رواية (فاطمة البتول) لمعروف الأرناؤوط يضطلع الشام الآن بحصة وافية من النهضة الأدبية العربية على الوجه الذي يحمل بتاريخه العريق

ومن أدباء الشام المبرزين في هذه النهضة الأستاذ معروف الأرنؤوط صاحب رواية (فاطمة البتول)، التي نحن بسبيل الحديث عنها

يسرد المؤلف في روايته قصة الحسين بن علي منذ تلفت إلى الخلافة لفتة الأمل إلى أن قضى في سبيلها نحبه. ويبث المؤلف في جنبات القصة سيرة الحسين، وأشتاتاً من أخلاق جده النبي وأمه الكريمة وآله الطيبين، معتمداً على المراجع التاريخية العربية المعتادة، مسترفداً أحياناً من أمهات كتب الأدب العربي. وعلى حوافي قصة الحسين وآله قصة زوجين عذريين هما نموذج فذ للتعاطف والتحاب، أدناهما الزواج بعد عشق مبرح، فجاءا البلاد المقدسة يباركان حبهما، ويريان إلى نور النبي في وجه سبطه. . . وهناك يلقيان ليلى الكندية أخت حجر بن عدي، فتزين للزواج أن ينفر إلى العراق ليكون يداً للحسين على أعدائه، فيستجيب لهذه الدعوة ابتغاء المجد وطاعةً لعواطف الشباب، ويودع زوجته الحبيبة التي تعود إلى وطنها في وادي القرى، ويمضي هو إلى العراق ليحقق مطامحه المخلصة، فيذهب هناك ضحيتها. . . ويضني الشوق زوجته، ويطول عليها الانتظار، فتبخع نفسها حزناً!

تلك خلاصة الرواية، لا يزيد حظ فاطمة منها على حظ أغلب شخصياتها الأخرى؛ لذلك كان غريباً أن تحمل اسمها الكريم، فلئن جاز ذلك لأن الرواية تضمنت شيئاً عنها، لكان الأولى أن تحمل أسم النبي ، أو اسم الحسين ابن علي، أو عمرو ابن الحويرث، أو هند زوجته، أو ليلى بنت عدي، أو يزيد ابن معاوية، فلكل من هؤلاء في الرواية ذكر أطول

والمؤلف إذ يتحدث عن عواطف الزوجين الحبيبين وهما يقطعان الصحراء الموحشة إلى مكة في الغلس الرهيب، وبين غضبات الطبيعة، وإذ يذكران صباهما في وادي القرى، وإذ يختلفان في الميل: عمرو يريد العراق، وهند لا تريده، وإذ يشقيان بعد بالنوى والوجد. . . المؤلف إذ يتحدث عن هذا كله يأتي بالمعجب المطرب، فما ينفك قارئه بين رقة تراوحه وتغاديه، وفتنة تلقاه من كل جانب. . .

وفي حديثه عن الحسين الطفل، ومنزلته لدى جده العطوف، وعن الرباب زوجة الحسين الوفية، وعن شديد حب الناس للحسين شعور دافق وبيان فاتن، لولا أن القول عن طفولة الحسين تكرر كثيراً فطامن ذلك من بهائه

والعبارات التي أجراها المؤلف على لسان ليلى الكندية في حض عمر على المضي إلى العراق، تسترق اللب بما حوت من عاطفة وحصافة ودقة

فأما الصفحات التي ألم فيها بعواطف النبي نحو ابنته فاطمة وأطلعنا فيها على الحسين في البقيع حيال قبري أمه وأخيه، وفي وادي العقيق حيال قبر (حمزة)، وحين يسأل الله للطيور الأمن والسكينة. . . هذه الصفحات هي من أحفل صفحات الرواية بالجمال والشعر

وأما وصف المعركة التي استشهد فيها الحسين وذووه وهم بين شيخ فان وامرأة ضعيفة وصبي لا يريش ولا يبري فوصف بارع جلى فيه الكاتب أحسن جلاء صبر الحسين وشجاعته وإيمانه ونبالته، وفصل القول في ما أبدى أهله وأصحابه من النصر له والموت بين يديه في إخلاص عبقري

وقصة موت يزيد بن معاوية قصة هي الأخرى مشجية وبارعة

وفي الرواية لفتات تعجب القومية العربية، فالمؤلف يشير إلى أن الدماء التي أريقت في صدر الإسلام (أريقت في سبيل عروبة الشام والعراق)، و (رفات عبد الله بن جعفر طوتها قيعان كتب قومه على حجارتها قصة الحرية في الشام)، وهذه الدنيا العربية ستجدد شبابها كلما فتحت عينيها على نور ذلك اليتيم المقدس)

ولكننا نلاحظ أن المعاني الفرنجية تدسست إلى الرواية، فهند مثلاً تذكر أن على حواشي الأحراج وأطرافها أشجاراً كبيرة كتبت هي وحبيبها على لحاءها قصة القلب!! وهي تحزن فتمرض فتسعل دماً!! كما يقع تماماً للأوربيات في كثير من القصص الحديث

وكثرة الاستعارات في الرواية تسترعي الانتباه. وقد احب الكاتب ألفاظاً وعبارات بعينها فما تكاد صفحة تخلو منها؛ نذكر منها: العرف، والينبوع، والنشيج، وألمانع، والعمر الجني الطري، والتيه الراعب، والنهر الهادر، والنفوس الحادبة، ويميد، ويفيح، ويلذ، ويتدفق، ويرف، ويهدر، ويدغدغ، ويهدهد. . . هذه الكلمات تتكرر على نحو ممل، مع أن العربية لغة المترادفات. والمؤلف يميل إلى استعمال صيغ المبالغة؛ فالعين سحور، والسيل جراف، والريح جفول؛ والظن أن لا ضرورة لهذا في جل المناسبات، فالمعاني قد تركب اللفظ القريب فتدرك به غاية المراد البعيد.

وثَم ألفاظ لا يسيغها في مواضعها كل مزاج، فمن ذلك (استخذاء) الحسين لفتنة الليل، وكونه أمام (المرأة) التي لاعبها محمد ورق لها وبارك لها (يعني أمه فاطمة بنت الرسول)، وتلاحق صور الوطن على قلب هند (المريض).

وقد يكرر المؤلف المعنى الواحد في أكثر من فصل، ولا يعني بالتسلسل الواجب بين الفصول، فلو غيرت موضع بعضها لخفي ذلك. وهذا دليل أن الرواية تعوزها الوحدة الصحيحة.

وأغلب أشخاص الرواية مرهفو الإحساس دقيقو الشعور، على شاكلة ليست في الطبيعة.

فأما طبع الكتاب فيؤسفنا أنه دون ما نرجو، فكأين من غلطة مطبعية في صفحاته كان من الميسور تحاشيها.

وبعد، فهذه الهنات على كل حال لا تغشى على حسنات الكتاب الكثيرة.

(المنصورة)

لبيب السعيد