مجلة الرسالة/العدد 49/الشيخ محمد أكرم الأفغاني

مجلة الرسالة/العدد 49/الشيخ محمد أكرم الأفغاني

ملاحظات: بتاريخ: 11 - 06 - 1934



هو الشيخ الأجل، والعالم العامل، القدوة الورع، نزيل القاهرة أصله من القبيلة الأفريدية النازلة في مضيق جبل حيدر المشهور الآن بجبل خيبر الفاصل بين الهند وبلاد الأفغان، ولد ونشأ به، ثم رحل إلى الهند لطلب العلم وهو في الحادية والعشرين، فورد لكنهوه وهي حافلة بالعلماء، فقرأ العربية والمنطق والحكمة والعقائد والتصوف والفقه الحنفي والطب والرياضيات على الطريقة القديمة حتى صار من الفحول المشار إليهم مع العفة والتقوى والتشدد في الدين. ثم ساح في أغلب بلاد الهند وجعل اكثر إقامته في لكنهوه، ثم بدا له السفر إلى الحجاز لقضاء فريضة الحج فسافر إليه حوالي سنة 1272 وقعد قضاء المناسك ورد على مصر ونزل بالأزهر برواق الأفغانية المشهور برواق السليمانية، فاجتمع به هناك جلة العلماء مثل الشيخ حسين المرصفي وغيره، وبلغ خبره محمداً أفندي الأفغاني المشهور بالكشميرجي تاجر المطارف الكشميرية بجوار خان الخليلي فاجتمع به وصوب له الانتقال إلى مكان فوق حانوته فاكترى به محلا وانتقل إليه وأقام به نحو تسعة أشهر، وتسامع به الأكابر مثل حسن باشا المنسترلي كتخدا مصر وإسماعيل باشا عاصم، فسعوا إليه وزاروه، وبلغ خبره الأمير احمد باشا رفعت ابن إبراهيم باشا والي مصر من محمد أفندي الأفغاني فاشتاق لرؤيته، إلا أنه كان على قدم السفر إلى ضيعة له فأرسل له خمسة وعشرين ديناراً حباه بها.

ثم سافر المترجم إلى دار السلطنة واجتمع هناك بعارف حكمت بك الذي كان شيخاً للإسلام وبغيره من العلماء، فظن عارف بك أن مجيئه لطلب منصب علمي أو فتح (تكية) أو نوال صلة، وسأله عن ذلك ووعده بالمساعدة فعرفه المترجم حقيقة أمره، وانه ما ورد إلا للسياحة. وأقام بدار السلطنة نحو عشرة أشهر، ثم سافر منها إلى الشام، ومر بأزمير وتسامع به علماؤها فحضر له كبيرهم إلى السفينة، وسأله النزول وألح عليه فقبل، وأقام عندهم عشرة أشهر أخرى قرأ لهم فيها ديباجة الفتوحات المكية. ثم سافر على غير رغبتهم إلىالشام، فلقى من علمائها إكراماً زائداً واحتفالاً كبيراً لا سيما من كبيرهم الشيخ سليم العطار، وتلقوا عنه بعض رسائل منها تشريح الأفلاك في الهيئة، وفصوص الحكم لابن العربي، ثم أراد الشخوص إلى بغداد، ولكنه استصعب السفر إليها براً لكبر سنه وبدانة جسمه، فعول على السفر إليها بحراً، وأتى مصر بنية السفر منها في البحر الأحمر وخليج فارس إلى البصرة ومنه إلى بغداد، فلما وردها أنزله السيد احمد الحسيني شيخ طائفة النحاسين بداره وقام بشؤونه أتم قيام، وتراخت عزيمة المترجم عن السفر، وبدا له أن يتخذ القاهرة دار إقامة ما شاء الله تعالى فانتقل إلى 012 مكان اكتراه بخان الخليلي وأقام به بضع سنوات منكمشاً عن العالم مقبلا على شأنه، مواظباً على الإقراء والتدريس، ولم يكن معه غير أحد تلاميذه، وعلى هذا التلميذ قرأ شيخنا العلامة الشيخ حسن الطويل خلاصة الحساب لبهاء الدين العاملي.

ثم لما كانت ولاية إسماعيل باشا على مصر أجرى على المترجم عشرة دنانير في الشهر تصرف له من الحكومة، واستصوب أبو بكر راتب باشا ناظر الأوقاف إذ ذاك انتقال الشيخ إلى مدرسة محمد بك أبي الذهب التي بجوار الأزهر فانتقل إليها وسكن بها في قاعة الشيخ الصبان الذي كان موقتاً لهذه المدرسة، وأقام المترجم بها نحو أربع سنوات، ثم وافاه أجله المحتوم في ربيع الثاني سنة 1287، وقد جاوز التسعين ودفن ببستان العلماء في مقبرة المجاورين ومات من غير عقب لأنه لم يتزوج في حياته.

وكان ربعة أبيض اللون واللحية كثهاً، كبير الهامة، بديناً مهيباً إذاسار في الطريق قام له الناس من يعرفه ومن لا يعرفه، حليماً متواضعاً عفيف النفس زاهداً، مع كمال عقل وحسن فراسة. وكانت له اليد الطولى في كافة العلوم، وكان الشيخ مصطفى العروسي شيخ الأزهر يعرف له قدره، ويزوره بمدرسة محمد بك. ولما مات الشيخ الباجوري وبقى الأزهر بلا شيخ اكتفاء بالوكلاء، ولهج الناس بضرورة إقامة الشيخ قال الشيخ الأشموني لو استشرت في ذلك ما رضيت بسوى الشيخ محمد أكرم، فانه رجل له جانب مع الله، وبلغ المترجم قوله فتبسم وقال مالي وأزهرهم، لو عرضوا عليّ ولاية مصر ما قبلتها، رحمه الله تعالى رحمة واسعة.