مجلة الرسالة/العدد 49/بين الدين والعلم
مجلة الرسالة/العدد 49/بين الدين والعلم
كتاب عن فساد الداروينية
كان من نتائج الحرب العالمية الماضية طغيان موجة الكفر والالحاد، والمذهب الدهري الذي شعار أنصاره: (نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر)؛ وزوال فكرة الألوهية من بعض الرءوس الصغيرة والأحلام الضعيفة. ذلك بأن الناس تناحروا وتطاحنوا في الحرب، ثم لما رأوا أهوالها جعلوا يضرعون إلى الله سبحانه وتعالى أن يحقن دماء الباقين منهم وينجيهم من شر المخبأ لهم في عالم الغيب كما يقول شحاذونا. فلما لم يسمع لهم نادوا بالكفر، وطلقوا البقية الباقية في صدورهم من الإيمان، فكان هذا الاستهتار وكانت هذه (الكلبية) التي رانت على القلوب وبلغت أقصاها في روسيا البلشفية
لكن يظهر إن رد الفعل هذا سيعقبه رد فعل آخر من الجهة المقابلة،
ويعيد الناس إلى صوابهم مرة أخرى. ففي كل بلد من بلاد أوربا يقظة
دينية، وفي كل قلب ندامة، وفي كل ضمير شيء من الوخز يبشر
بانتعاش الإيمان من إغماء كان يخشى أن يكون طويل الأمد، وأن
ينتهي بموت الأبد، وبيقظته من سبات كان يخشى أن يكون دائماً، وأن
يليه مرض خبيث كمرض النوم لا يخلّص صاحبه منه إلا الموت
لكن أغرب من هذا كله أن يقوم من يقول لنا إن أعظم حوادث القرن العشرين فقد الناس إيمانهم بالعلم بعد عودة إيمانهم بالدين، وكما أن العلم هد أركان الدين في بعض البلدان وفي خلال القرن الماضي، كذلك نرى الأديان الآن تنتقم من العلم بتقويض أركانه، والبناء على أطلاله. فقد أعطانا العلم الحرب العالمية بفظائعها وأهوالها، فضربت أركان الديانة ضربة شديدة، ولكنها ضربت العلم ضربة أشد منها
قال أحد الكتاب: لما أعلن اينشتين مذهب النسبية الذي قلب به مذهب نيوتن، قلت في نفسي ومن يدرينا متى يقوم مذهب من نوع سوبر اينشتين يقضي على مذهب اينشتين؟
ظهر بالأمس كتاب جديد عنوانه (هذا التقدم - مأساة مذهب النشوء) أي مذهب داروين الذي ينكر الخلق الفجائي، ويقول إن أنوْاع الحيوان والنبات حتى الإنسان متسلسل بعضه من بعض، وان بيننا وبين القرود لذلك لحمة نسب وصلة قرابة. ولا يزال مذهب داروين ناقصاً ما يسمونها (الحلقة المفقودة) التي تثبت قرابة الإنسان للقرد، ومادامت مفقودة يبقى مذهباً، ويبقى لذلك خارجاً عن دائرة اليقينيات المثبتة إذ يعوزه البرهان
ومؤلف هذا الكتاب عالم إنجليزي اسمه الكبتن اكوارت، وهو يقول فيه: إن الداروينية كذبة كانت السبب الأول في تدهور الحضارة الغربية، بانياً حكمه هذا على اكتشاف اكتشفه وبرهن فيه على أن نشوء الطيور خرافة لا كما يقول المذهب الدارويني
وقد عرض المؤلف فكرته التي بنى عليها مؤلفه على بعض أصحابه النشوئيين فأقروه عليها، ولم يستطع أحد منهم أن يبين وجه الخطأ فيها وهزأ في كتابه ببعض الآراء الشائعة بين علماء الطبيعة عن النور ونهاية الفضاء والأثير والفراغ والسدام
وأبان في كتابه أن النشوئيين لم يهتدوا بعد إلى الحلقة المفقودة التي تصل الإنسان بالقرد كما يزعمون، مع انهم قلبوا بطن الأرض يبحثون عنها، ولكن الجيولوجيا تضحك من بحثهم عن شيء لا وجود له. وقد اعترف داروين نفسه في زمانه بأن (الجيولوجيا لا تؤيد وجود تلك السلسلة الدقيقة المتدرجة التي يتطلبها ناموس النشوء نفسه) بل بالضد من ذلك تثبت ان الداروينية غير صحيحة، لأن وجود بقايا الحيوانات في الصخور لا يمكن تعليله بأي مذهب من المذاهب، فان عظام الفرس مثلاً كانت موجودة في قلب الصخور قبل ظهور ما زعموا أنها أسلافه لا بعد ظهورها
وقد هدم مندل بناموسه عن الوراثة ناموس الانتخاب الطبيعي الذي هو أساس الداروينية. ويقول المؤلف إن الداروينية زعزعت أسس الدين، فلو أمكننا التخلص منها لمهدنا الطريق إلى إحياء الإيمان بالخالق. وان من الغربة بمكان ان يبنى الناس تزعزع إيمانهم بالله مدة قرن كامل أو نحو ذلك على مذهب لم يثبت بالبرهان ولا يمكن إثباته.
فالأيمان بالله أسهل كثيراً من الإيمان بخدع العلم وأوهامه.
ق. س