مجلة الرسالة/العدد 49/مشروع القرى

مجلة الرسالة/العدد 49/مشروع القرى

ملاحظات: بتاريخ: 11 - 06 - 1934



وجوب العناية بالقرية المصرية

للدكتور محمد حسين هيكل بك

لا أظن شيئاً مهملاً في مصر إهمال القرية المصرية وإهمال أهلها. فبينما تغدق الوزارات المتتابعة على تجميل المدائن الأموال الطائلة، وبينما تقوم في سبيل شق الشوارع وإقامة العمائر الضخمة فيها، إذا بها تضن على القرى بكل إصلاح أو تنظيم، ولقد لاحظ أهل الريف هذا منذ زمان بعيد، فقامت ضجة كبيرة في البرلمان المصري سنة 1926 حين أريد توسيع شارع الهرم، ونال نواب الريف أغلبية في مجلس النواب لم يتيسر التغلب عليها إلا باجتماع مجلسي البرلمان في هيئة مؤتمر، ومع أن حاجات الريف إلى الإصلاح كثيرة جداً سواء من الجهة الصحية، أو من الجهة التعليمية، فان ما يبذل في سبيله من أموال وجهود يسير على سنة التطور البطيء جداً كأنما يجهل الذين يتبعون هذه السياسة أن ريف مصر يحتوي عوامل النشاط والقوى الحقيقية الحيوية في البلاد، وانه إذا حوربت الأمراض التي تفتك بأهل الريف، وإذانشر التعليم الأولي والابتدائي في ربوعه زاد الإنتاج الاقتصادي، والإنتاج الفكري، بما قدره بعض الأطباء بثلاثين في المائة من مجموع الإنتاج الحالي!!!

لذلك كان العمل الذي تقوم به جمعية مشروع القرى جديراً بأكبر التشجيع من كل إنسان، وكان ما يبذل الشباب من جهود في هذا الشأن حرياً بأن يلقى التشجيع والمعونة من جانب رجال هذه الأمة الرسميين وغير الرسميين، ونحسب الذين زاروا أوربا جميعاً ولم يكتفوا بالجلوس على مقاهي المدن الكبرى كباريس ولندن وكلفوا أنفسهم مؤونة التغلغل في أرياف فرنسا وإنجلترا وألمانيا وغيرها من الدول الأوربية، وقارنوا بين حياة ريف أوربا وحياة ريف مصر أشد شعوراً باستحقاق جمعية مشروع القرى لكل تشجيع، ويحسون في قرارة نفوسهم بشيء كثير من الأسف بل الألم لهذه المقارنة. فالمنزل القروي في أوربا يحتوي من معاني الحياة الإنسانية ما لا نجد له قط نظيراً في أحسن منازل القرى المصرية، والأماكن العامة كالكنائس والمدارس والمستشفيات في قرى أوربا تشهد بأن أهل تلك البلاد يحرصون على هذا المعنى الإنساني وعلى ترقية الذوق الفني في نفوس أهل الريف حرصاً كبيراً، ثم أن الشباب في أوربا يشعر هو الآخر بالواجب عليه إزاء أهل الريف فينظم نفسه جماعات تجول في مختلف أنحاء الدولة التي ينتمي إليها أثناء العطلة الدراسية لتستفيد هذه الجماعات معرفة بلادها معرفة دقيقة، وليستفيد أهل الريف من اختلاط الشباب بهم فتياناً وفتيات اتصالاً بالروح العلمية، والحياة الثقافية، يربط ما بين الريف والعواصم بخير الروابط.

وليس من ذلك شيء في مصر إلى الإطلاق، بل أن المشروعات الحيوية الأولية، كتعميم المياه الصالحة للشرب، وكجعل الأسمدة بعيدة عن القرى، وكتعميم التعليم الأولي إلاجباري، وما إلى ذلك من مثله من أمور تعتبر في الدرجة الأولى بالنسبة للحياة الإنسانية ما يزال مهملاً في مصر، بل ما يزال منظوراً إليه على انه أدنى إلى الكماليات، وتلك نظرة خاطئة جد الخطأ، فإذا أريد بمصر أن تصل إلى نشاط صحيح في حيويتها. فالخطوة الأولى يجب ألا تكون شق الشوارع وإقامة المباني الفخمة في المدن، بل يجب أن تكون العناية بأحوال الريف عناية صحيحة، والعناية في المدن بالتعليم الجامعي الصحيح قبل كل شيء.

فلتعمل جمعية مشروع القرى في حدود البرنامج الذي رسمت لنفسها تلق من غير ريب تشجيعاً صادقاً من كل من يعنيهم الأمر ومن كل من يدركون مصالح بلادهم الحقيقية.