مجلة الرسالة/العدد 490/الأزهر والإصلاح

مجلة الرسالة/العدد 490/الأزهر والإصلاح

ملاحظات: بتاريخ: 23 - 11 - 1942



هل للأزهر فكرة إصلاحية. . .؟

للأستاذ محمود الشرقاوي

في سنة 1928 ونحن نطلب (العلم) في الدراسات الأخيرة للأزهر انتبهت نفوسنا وأذهاننا لأمر جديد اسمه الإصلاح، أقصد إصلاح الأزهر. وكان مثار هذا التنبه المفاجئ أن شيخاً مصلحاً عظيماً ولى مشيخة الأزهر عرفناه باسم الشيخ المراغي وبوصف الإمام المصلح خليفة الشيخ محمد عبده.

ثم انتهينا من طلب (العلم) ولم تنته نفوسنا ولا أذهاننا من الانتباه بل الاندفاع مع ما فاضت به قلوبنا من الرغبة ومن الاقتناع بضرورة الإصلاح للأزهر. ومن الرغبة والاقتناع بضرورة (تجديد الحياة الدينية) في مصر والشرق.

وبقي الشيخ المراغي في الأزهر فترة ثم تركه، ولكن الحديث عن الإصلاح والتجديد ظل مقروناً باسم الشيخ المراغي، وظل وصفه بالإمامة والإصلاح والخلافة للشيخ محمد عبده قائماً.

وسارت بنا الحياة هذه السنين الكثيرة العدد ما ننفك نكتب ونتحدث ونفكر في الإصلاح والتجديد. وسارت الحياة بالأزهر هذه السنين الكثيرة العدد فتقدم فيها نحو الإصلاح والتجديد خطوات ليس من حقي الآن وليس مقصودا إلى أن أبين عنها ولا أن أبدي رأياً فيها. بل من حقي ومن واجبي أن أعدل بما كنت فلا أقول إن الأزهر في هذه السنين الكثيرة العدد قد (تقدم) نحو الإصلاح والتجديد، بل أقول إنه قد (تغير) عما كانت عليه حاله قبل هذه السنين، ولك أنت - ولي أنا أيضاً - أن أفهم وأن أحكم وأن أصف هذا التغيير هل كان إلى حسن أو إلى غير حسن. وهل كان تقدما نحو الإصلاح والتجديد أم لم يكن. وهل كان الأزهر بهذا (التغيير) كاسباً أم خاسراً، والى أي مدى كان ربحه وكانت خسارته في الثانية أو في الأولى. أم أن هذا التغيير الذي صار إليه الأزهر في هذه السنين الكثيرة لم يكن تجديداً ولا رجعة ولا تقدماً ولا تخلفاً، وإنما هو تخبط وتخليط، وأن الأزهر صار به ومنه كالمنبت لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى.

من حقك ومن حقي أن نفكر وان نحكم وأن نصف ما فعل الأزهر أو فعل به في هذ السنين. ففكر - إن لم تكن - واحكم وصف. أما أنا فقد فكرت وحكمت وليس من شأني اليوم ولا مقصوداً لي أن أصف، أما الذي هو من شأني اليوم ومقصود لي فهو أن أكتب هذا الفصل (للرسالة) عن: (فكرة الإصلاح) في الأزهر. ما هي. . .؟

فلنسلم جدلا أو اقتناعاً بأن الأزهر له فكرة إصلاحية. وبأن الكلام عن الإصلاح التعليمي في الأزهر وعن الإصلاح الخلقي فيه. والكلام عن إصلاح الحياة الدينية في مصر ليس مقصوداً بهما الدعاية ولا التظاهر ولا عرض من متاع الحياة أو جاهها، وليس لصوقاً بوصف معين فيه ربح أو فيه متاع لنفس أو إرضاء لشهوة

فلنسلم جدلا أو اقتناعاً بأن للأزهر فكرة الإصلاحية لتجديد الحياة العقلية والحياة التعليمية والحياة الخلقية بين أهله، وأن للأزهر فكرة إصلاحية لتجديد الحياة الدينية في مصر أو في الشرق. . . فما هي هذه الفكرة الإصلاحية التي وضع الأزهر أو وضع رجاله حدودها ورسموا معالمها وخطوطها وحددوا أهدافها القريبة أو البعيدة. . .؟

وهل استبان الأزهر واتضحت له الطريق التي يسلكها إلى أهدافه القريبة أو البعيدة، حتى يأخذ بأسبابها ويتلمس نهجها ويعرف أين هو مما كان وأين هو مما يريد أن يكون؟

نحن نعرف أن الأزهر - في هذه السنين الكثيرة العدد - قد وسع على طلبته في منهج الدراسة للعلوم الحديثة، وأنشأ لهم المعامل للكيمياء، ورحلهم الرحلات، وأنه أنشأ لهم الكليات خمساً أو ثلاثاً ولوى ألسنتهم أو ألسنة بعضهم بلغات الإنجليز والفرنسيين والألمان. بل - والله قادر علمهم أو مكن لهم أن يتعلموا لغات أهل الصين واليابانيين والفرس والترك إلى ما لست أدري من لغات أهل الأرض، وأنه أخرج طلبة العلم فيه من قباتهم القديمة والجديدة، ومن صحن أزهرهم وأروقتهم إلى حيث يجلسون على الكراسي في عمائر جديدة في سفح الجبل بين مقابر الموتى، وفي أحياء متباينة متباعدة في القاهرة بين مقابر الأحياء

ونحن نعرف أن الأزهر - في هذه السنين الكثيرة العدد - قد قدم إلى طلبته المذكرات والملخصات والمختصرات، واستعان عليهم بطائفة من الأساتذة في دار العلوم ومن المطربشين في مدارس الحكومة، وأنه حفظ لأهله كرامة المال أو بعض كرامته فزاد لهم في الأموال وضخم لهم الميزانية عاماً بعد عام ونحن نعرف أن الأزهر في هذه السنين قد جمع بين أهله عقولا تفكر في الإصلاح وقلوباً تشغل به وجهوداً تسعى إليه. وأن في الأزهر الحديث الشيخ المراغي والشيخ عبد المجيد سليم والشيخ شلتوت ومن ورائهم جمع أو جموع من الشباب والطلبة يهتدون بدهيهم ويستجيبون لما يريدونه عليه للإصلاح والخير والتجديد

فهل الإصلاح للأزهر هو العلوم الحديثة ولو لم يكن لها أثر في الإفراج عن عقول أهل الأزهر وإخراجها من عبودية التقليد إلى حرية النقد والموازنة والرأي؟ أم هو معامل الكيمياء والرحلات والتواء ألسنتهم أو ألسنة بعضهم بكلمات قليلة، أو كثيرة من لغات أهل الأرض ولو لم يكن لها أثر في الإفراج عن عقول أهل الأزهر وإخراجها من ظلماتها إلى نور هذه اللغات وكنوزها وحرية التفكير فيها وبراعة النظم. . .؟ أم هو الفرار من القبلة القديمة والجديدة ومن الرواق العباسي إلى عمائر جديدة أو بالية بين مقابر الأحياء أو مقابر الموتى. . .؟ أم هو الملخصات والمذكرات والمطربشون من المدرسين وأن تضخم الأموال في العام بعد العام. . .؟

نحن نعرف أن الأزهر قد تغير في هذه السنين الكثيرة العدد، وأن الكلام عن تجديده وإصلاحه لم ينقطع يوماً، وأن فيه عقولا تفكر وقلوباً تشتغل وألسنة تتكلم وأقلاماً تكتب وخطباً تحرر وتحبر، وجموعاً من الشباب والطلبة ومن الغيورين المملوءة قلوبهم حماسة وإخلاصاً وصادق رغبة. ولكن الذي نريد أن نعرفه: هل فكرة الإصلاح للأزهر وللحياة الدينية في مصر والشرق واضحة الحدود عند الأزهريين مستبينة المعالم؟ وهل تجمع بين أصحاب العقول التي تفكر والقلوب التي تنشغل والجهود التي تسعى والألسنة التي تتحدث؟ هل بين هؤلاء جميعاً رباط من غرض أو غاية توحد بينهم في الفهم والسعي والكفاح في سبيل ما يؤمنون به. . .؟

من حقك ومن حقي أن نفكر وأن نحكم وأن نجيب، ففكر واحكم وأجب، أما أنا فقد فكرت وحكمت وليس من مقصودي اليوم أن أجيب، بل أن أعرض ما بنفسي أو بعض ما بنفسي وأن أسأل من يجيب. فهل من يجيب؟

محمود الشرقاوي