مجلة الرسالة/العدد 491/خزانة الرؤوس،
2 - خزانة الرؤوس «مجلة الرسالة/العدد 491/خزانة الرؤوس،» في دار الخلافة العباسية ببغداد للأستاذ ميخائيل عواد (ج) رأس يهبوذ صاحب الزنج روى خبره أبو الفرج ابن الجوزي في جملة حوادث سنة 270هـ قال بعد أن شرح عيثه وفساده: (وجاء البشير بقتل الفاسق، ثم جاء رجل معه رأس الفاسق، فسجد الناس شكراً، وأمر أبو أحمد أن يكتب إلى أمصار المسلمين. . . وقدم ابنه العباس إلى بغداد ومعه رأس الخبيث ليراه الناس فيسروا. فوافى بغداد يوم السبت لاثنتي عشرة ليلة بقيت من جمادى الأولى في هذه السنة والرأس بين يديه على قناة، فأكثر الناس التكبير والشكر لله والمدح لابن الموفق وأبيه. ودخل أحمد بن الموفق بغداد برأس الخبيث وركب في جيش لم ير مثله من سوق الثلاثاء إلى المخرم وباب الطاق وسوق يحيى حتى هبط إلى الحربية، ثم انحدر في دجلة إلى قصر الخلافة في جمادى الأولى هذه السنة، وضربت القباب وزينت الحيطان) قلنا: لم يصرح ابن الجوزي بوضع رأس هذا الخبيث في خزانة الرؤوس، ونحن نرجح إنه استقر في هذه الخزانة، بعد أن عرفنا إدخاله دار الخلافة (د) راس البساسيري كان أرسلان التركي المعروف بالبساسيري قد عظم شأنه، واستفحل أمره، وانتشر ذكره، وقد هابته ملوك العرب والعجم حتى دعي له على المنابر، وعزم الاستيلاء على بغداد ونهب دار الخلافة والقبض على الخليفة وهو يومذاك القائم بأمر الله، فتم له ما أراد إذ دخل بغداد، وقبض على الخليفة وسيره إلى بلد عانة على الفرات فحبسه فيها، ثم دار الفلك دورته؛ فوقع البساسيري في الفخ، فكان مصيره حز رأسه وحمله إلى خزانة الرؤوس. وقد صدقت فيه الآية: (ثم قيل للذين ظلموا ذوقوا عذاب الخلد هل تجزون بما كنتم تكسبون) قال ابن الجوزي في حوادث سنة 451هـ (. . . وانهزم البساسيري على فرسه فلم ينجه، وضرب فرسه بنشابة فرمته إلى الأرض، وأدركه بعض الغلمان، فضربه ضربة على وجهه ولم يعرفه، وأسره كمشتكين دواتي عميد الملك، وحز رأسه وحمل إلى السلطان. ولما حمل إلى السلطان حكى له الذي أسره إنه وجد في جيبه خمسة دنانير وأحضرها، فتقدم السلطان إلى أن يفرغ المخ من رأسه ويأخذ الخمسة دنانير، ثم أنفذه حينئذ إلى دار الخلافة؛ فوصل في يوم السبت النصف من ذي الحجة، فغسل ونظف، ثم ترك على قناة وطيف به من غد، وضربت البوقات والدبادب بين يديه، واجتمع من النساء والنفاطين وغيرهم بالدفوف ومن يغني بين يديه، ونصب من بعد ذلك على رأس الطيار بإزار دار الخلافة ثم أخذ إلى الدار) (هـ) رأس البريدي: أبو الحسين البريدي أحد العابثين الخارجين على سياسة دولة بني العباس. ارتكب من الظلم أمراً عظيما. فقد أرعب الخلق وكثرت جموعه، وتزلزل له الخليفة. وكان ظهوره في نواحي البصرة، حيث سعى غير مرة لفتحها والاستيلاء عليها؛ لكنه رد على أعقابه ولم ينل وطره، فقد خانه أكثر أصحابه وأعوانه، ثم قبض عليه وأودع دار السلطان. قال مسكويه في أحداث سنة 333هـ: (وكان أبو عبد الله محمد بن أبي موسى الهاشمي أخذ في أيام ناصر الدولة فتوى الفقهاء والقضاة بإحلال دمه؛ فأظهرها في هذا الوقت، فلما كان بعد أسبوع من القبض عليه استحضر الفقهاء والقضاة، وأحضر أبو الحسين البريدي، وجمعوا بين يدي المستكفي بالله، وأحضر السيف والنطع، ووقف السياف بيده السيف، وحضر ابن أبي موسى الهاشمي، ووقف فقرأ ما أفتى به واحدا واحداً من إباحة دمه على رؤوس الأشهاد؛ وكلما قرأ فتوى واحد منهم سأله هل هي فتواه فيعترف بها حتى أتى على جماعتهم، وأبو الحسين البريدي يسمع ذلك كله ويراه، ورأسه مشدود، والسيف مسلول بازائه في يد السياف، فلما أعترف القضاة والفقهاء بالفتوى أمر المستكفي بالله بضرب عنقه، فضربت من غير أن يحتج لنفسه بشيء أو يعاود بكلمة أو ينطق بحرف، وأخذ رأسه وطيف به في جانبي بغداد ورد إلى دار السلطان. . .) (و) رأس الخليفة الأمين، رأس عيسى بن ماهان، رأس أبي السرايا: من يستعرض خزانة الرؤوس في دار الخلافة العباسية ببغداد، ير فيها رؤوس أمراء، ووزراء، وقواد، وصنوف شتى من طبقات الناس، من عرب وأمم مختلفة، ولكنها لم تكتف بهؤلاء أصحابا، بل ذهبت إلى أبعد من ذلك، إلى رؤوس أفراد بيدهم تدبير الملك وسياسة الرعية، أولئك هم الخلفاء؛ وإن في هذا الأمر الخطير لعبرة مؤلمة وموعظة بليغة. كان رأس الأمين أول ما وضع من رؤوس الخلفاء في هذه الخزانة. ولا ندري أوضع بجانب رأس بهبوذ الزنجي، أم إلى جانب غيره من رؤوس المارقين العابثين، أم أفرد له فيها مكان خاص؟ ومهما يكن من أمر فهو لم ينج من هذه الخزانة العجيبة. وأمر الأمين مشتهر يوم نكب، ويوم قتل وقطف رأسه، ودعنا نأخذ بعض خبره، وخبر رأسه من شيخ المؤرخين محمد بن جرير الطبري؛ فانه روى في ماجريات سنة 198هـ هذه الأحدوثة (. . . قال: فقمت فصرت خلف الحصر المدرجة في زاوية البيت، وقام محمد (الأمين) فأخذ بيده وسادة وجعل يقول: ويحكم أني ابن عم رسول الله ﷺ، أنا ابن هارون، أنا أخو المأمون، الله الله في دمي. قال: فدخل عليه رجل منهم يقال له خمارويه غلام لقريش الدنداني مولى طاهر، فضربه بالسيف ضربة وقعت على مقدم رأسه، وضرب محمد وجهه بالوسادة التي كانت في يده، واتكأ عليه ليأخذ السيف من يده، فصاح خمارويه: قتلتني قتلتني بالفارسية. قال: فدخل منهم جماعة فنخسه واحد منهم بالسيف في خاصرته، وركبوه فذبحوه ذبحاً من قفاه، وأخذوا رأسه فمضوا به إلى طاهر وتركوا جثته. قال: ولما كان في وقت السحر جاءوا إلى جثته فأدرجوها في جلد وحملوها. . . قال: وبينا نحن كذلك إذ هدة تكاد الأرض ترجف منها، وإذا أصحاب طاهر قد دخلوا الدار وأرادوا البيت، وكان في الباب ضيق، فدافعهم محمد بمجنة كانت معه في البيت، فما وصلوا إليه حتى عرقبوه ثم هجموا عليه فحزوا رأسه واستقبلوا به طاهراً وحملوا جثته إلى بستان مؤنسة إلى معسكره؛ إذ أقبل عبد السلام بن العلاء صاحب حرس هرثمة، فأذن له، وكان عبر إليه على الجسر الذي كان بالشماسية. فقال له: أخوك يقرئك السلام فما خبرك؟ قال: يا غلام هات الطس فجاءوا به وفيه رأس محمد. فقال: هذا خبري فاعلمه. فلما أصبح نصب رأس محمد على باب الأنبار؛ وخرج من أهل بغداد للنظر إليه ما لا يحصى عددهم. وأقبل طاهر يقول: رأس المخلوع محمد. وذكر عنه (عن الحسن ابن أبي سعيد) إنه ذكر أن الخزانة التي كان فيها رأس محمد، ورأس عيسى بن ماهان، ورأس أبي السرايا؛ كانت إليه. قال: فنظرت في رأس محمد، فإذا فيه ضربة في وجهه وشعر رأسه ولحيته صحيح لم ينجاب منه شيء، ولونه على حاله. قال: وبعث طاهر برأس محمد إلى المأمون مع البردة والقضيب والمصلى. . . فرأيت ذا الرئاستين وقد أدخل رأس محمد على ترسٍ بيده إلى المأمون، فلما رآه سجد. . .) (يتبع) ميخائيل عواد