مجلة الرسالة/العدد 493/البريد الأدبي

مجلة الرسالة/العدد 493/البريد الأدبي

ملاحظات: بتاريخ: 14 - 12 - 1942



حقائق أدبية وذوقية

أخونا الزيات يخاف أن تصنع الصحافة بالكتاب ما صنعت السينما بالمسرح، وكان ذلك لأن السرعة السينمائية قضت على التؤدة المسرحية، وفي التؤدة والتروي فرص للتجويد والتجميل. وسرعة الصحافة قد تفسد الأقلام إفساداً لا تصلح بعده لإجادة التأليف، وبذلك ينقرض الكتاب، وهو المرجع الأصيل لتثقيف العقول

حول هذه القضية ثارت آخر معركة بيني وبين الأستاذ مصطفى صادق الرافعي في سنة 1937، وكان ميدانه مجلة الرسالة وميداني جريدة المصري، وهي معركة مشئومة فقد أنذرته بالموت فما قبل أن تنتهي أشواط الصيال.

ومع احترامي لأراء الرافعي والزيات في هذه القضية فأنا لا أخاف على الأدب من السرعة، ولا أراها من الجانيات على الإتقان، ما دامت أثراً من ثورة العقل، وفورة الطبع، وما دامت صورة من اصطخاب العواطف واضطرام الأحاسيس.

والحق أن الكاتب المجيد لا يفوته أبداً أن يدقق في الأسلوب ولو اشتهر بكثرة الإنتاج، والحق أيضاً أن البط ليس دائماً من الشواهد على أيثار التروي، فقد يكون من أثار البلادة الذهنية عند بعض الناس

وبأي حق يخرج الكاتب على روح العصر؟

العصر الحاضر عصر السرعة، فكيف نخرج عليه؟

وكيف نجهل فضل السرعة في تهذيب الأساليب من اوضار التكلف والافتعال؟

وهل عرفت مرونة التعبير إلا عند الأدباء الذين قهرتهم سرعة الصحافة على مواجهة القراء في كل يوم أو كل أسبوع؟

كان المازني جاحظي الأسلوب قبل أن يشتغل بالصحافة، ثم جرفته السرعة فصار المازني الذي نعرف، المازني الذي يكتب بلا تزين ولا تهويل، في حدود هي الغاية في البيان

وهل ينسى الزيات نفسه فضل الصحافة عليه؟

هل كان (وحي الرسالة) إلا دراسات فرضت عليه فرضاً بحكم السرعة التي يوجبها إصدار صحيفة أسبوعية؟ وهل كان من الممكن أن يجود ذهنه بذلك المحصول. لو ترك للظروف التي توحي القول حين تريد؟

السرعة أدل على الحيوية من البط، إلا أن يكون البطء صورة نفسية أصيلة تشبه البطء الطبيعة في تكوين الجنين

على أني أنكر أن تكون سرعة الكاتب المبدع من ضروب الارتجال، فنحن نسرع في التعبير لا في التفكير، لأن محصولنا الذهني وليد لتاملات قضينا في ترجيعها شهوراً أو سنين، فما نكتبه اليوم ليس ابن اليوم إلا من حيث التدوين

ثم انتقل إلى مناقشة الدكتور عزام فيما سماه (السوقية في الأدب) وهو ما يسميه الفرنسيون بجامع الصلة بين الاتجار بالبضائع والاتجار بالأدب

والرأي عندي أن قلوب الجماهير أسواق نشتري فيها ونبيع، ومن واجبنا أن نكسب تلك القلوب قبل أن يكسبها الدجالون

يجب أن تكون لنا غاية صريحة هي غزو القلوب بالأدب الصحيح، وهذا الغزو لا يتيسر إلا إن كان للأدب جاذبية روحية تدخل على القلوب بدون استئذان

الأدب الحق هو الذي يضرم في القلوب والعقول نار الشوق إلى معرفة الحقائق الأدبية والذوقية والعقلية، وهو الذي يفرض على الجماهير أن تقيم أخلاقها على قواعد من المنطق السليم، وهو الذي يجعل للحياة غايات روحية لا يفطن إليها غير من يسايرون أقطاب البيان

التجارة لا تعاب وإنما يعاب الربح عن طريق التزييف، فمن استطاع أن يكسب قلوب الجماهير عن طريق الصدق فهو الأديب الحصيف أو التاجر الشريف

قلوب الناس تضيع من ايدينا، لأننا لا نفكر في رياضتهم على أيثار الصدق، ولأننا نترفع عليهم فلا ندعوهم إلى الحق إلا بتعابير محملة بالكبرياء

متى يصبح الأدب قوتاً لا تطيب بدونه الحياة في أنظار جميع الأحياء؟

يكون ذلك يوم يصير الأدب افصح معبر عن سريرة الوجود.

زكي مبارك

خطأ رواية حديث زعم الأب انستاس ماري الكرملي في دفاعه أنه يتأثر احسن من نطق باللغة المصرية. . . الخ ثم قال:

(فقد قال: ارجعن مأجورات غير مازورات، مع ما في ماجورات من الغلط في نظر بعض حمقى اللغويين)

فيا أيها الأب انستاس ماري الكرملي عضو مجمع. . . الخ:

1 - الحديث الذي نقلته خطأ، فقد قلبت المعنى واللفظ رأساً على عقب. ولفظه كما لا يخفى على أحد هو هذا: (ارجعن مازورات غير ماجورات).

2 - ثم قلت: (مع ما في ماجورات من الغلط في نظر بعض حمقى اللغويين!!)

والعدول عن القياس - وحضرتك تسميه بالغلط - ليس في (ماجورات) كما زعمت إذ هي اسم مفعول من الاجر؛ ولكنه في (مازورات) لأنها من الوزر، فالقياس: (موزورات) فاقتضى الذوق والحرس الحسن العدول عن المقيس لاتباعها (ماجورات)

3 - (لو كسرت يراعتك المرضوضة، والقيت بها في التنور. وبقيت ساكتاً إلى أن يفيض التنور، لكان ذلك احسن لك! وأنصحك نصيحة لله: إلا تكتب كلمة قبل أن تتدبرها كل التدبر ثم تعرضها على أصدقائك، ثم تتاملها ثانية، وتعرضها على أعدائك، وحينئذ ابعث بها إلى أصحاب الجرائد والمجلات. وإلا فمثل هذه الخربشة والخربقة لا ترفع قدرك ولا تبقي لك أثراً طيبا!)

قلنا ولم يصدق الأب إلا في هذه الكلمة بشرط أن يوجهها إلى من يتخبط في سطر واحد هذه التخبطات الشائنة الشوهاء.

وله فائق احتراماتي.

(دمشق)

سعيد الأفغاني

البيتان لابن الفارض

تساءل الأديب محمد بشير عن صاحب هذين البيتين:

ليت شعري هل كفى ما قد جرى ... مذ جرى ما قد كفي من مقلتي قد برى اعظم حزن أعظمي ... وغنى جسمي حاشا اصغري

أهو ابن الفارض؛ لأن البيتين مذكوران في قصيدته البائية المشهورة التي أولها: (سائق الإظعان يطوي البيد طي)؟ أم هو المستشرق المعروف (بالمر) كما ذكر الأستاذ عبد الوهاب الأمين في الرسالة (486: 1004)؟

أقول: لاشك أن هذين البيتين من شعر ابن الفارض، وانهما من يائيته المعروفة. والدليل الذي لا يقبل الشك في ذلك هو انهما موجودان في نسخة الديوان التي حررت وصححت بقلم ابن بنت الشيخ عمر بن الفارض نقلاً عن الشيخ كمال الدين محمد ابن عمر بن الفارض. وعلى هذه النسخة كتب الشيخ حسن البوريني شرحاً طويلاً كثير الفوائد واثبت هذين البيتين وشرحهما. وقد فرغ من شرح القصيدة اليائية سنة 1010هـ (1601م). وكذلك أثبتهما الشيخ عبد الغني النابلسي في شرحه وكتب عليهما وقد فرغ النابلسي من شرحه لديوان ابن الفارض سنة 1123هـ - 1711م

فالبوريني شرح البيتين في ديوان ابن الفارض قبل مولد (بالمر) بنحو 339 سنة، والنابلسي شرحهما قبل أن يولد هذا المستشرق بنحو 129 سنة

برهان الدين الدغستاني

كلمة أخيرة في اختلاف القراءات

ما كنت أريد أن أعود إلى الكتابة في موضوع اختلاف القراءات بعد كلمة الأستاذ الفاضل عبد العليم عيسى، ولكني قرأت كلمة للأستاذ الفاضل محمود عرفة يحاول فيها أن يحرف رأيي تحريفاً آخر إلى مذهب القائلين أن القرآن نزل بمعانيه دون ألفاظه وحروفه، وهو مذهب لم يحيي إلا على السنة بعض ذوي المقاصد السيئة من المستشرقين، مع أنه هو الذي اعتنق مذهب أولئك المستشرقين في كلمته الاولى، إذ حمل كل ما لا يدخل من القراءات في باب اختلاف اللهجات على التصحيف، ولم يفرق في ذلك بين قراءات شاذة ومتواترة

ولست أدري كيف يحرف الأستاذ محمود عرفة رأيي هذا التحريف، مع أنه لا يراد منه إلا توجيه هذه القراءات توجيهاً تظهر به الحاجة إليها في عهد النبوة، ويقطع الطريق على من يزعم أنها حصلت بتحريف بعدها، وإني بعد هذا لست أخالف الأستاذ عرفة في أن القرآن كان يؤخذ من النبي بالتلقي، ولكن كثيراً ممن كان يتلقاه لم يكن يحفظه، فإذا قراه بعد التلقي في مخطوط حصل له الاشتباه الذي ذكرته وقلت أن تلك القراءات والنسيان؛ وهذا هو غرضي من رأيي واضح لدى كل منصف

عبد المتعال الصعيدي

حول كتاب ديكارت للأستاذ عثمان أمين

لاحظت في كتاب (ديكارت) للأستاذ عثمان أمين مدرس تاريخ الفلسفة بكلية الآداب في الفصل الرابع (ص140) المعنون (بالشك المنهجي) فقرات مأخذوة من كتاب (آراء غربية في مسائل شرقية) تعريب الأستاذ عمر فاخوري، من الفصل الذي عنوانه: (الغزالي وديكارت) للكاتب الفرنسي شارل سومان (ص83) دون أن يشير الأستاذ الفاضل إلى هذا الكتاب سواء في مجموعة المصادر التي ذكرها أو في الحواشي التي أوردها واليك نمطاً من الفقرات المتشابهة في الكتابين:

يقول الأستاذ عثمان أمين في الصفحة (140) من كتابه (ديكارت): اختار ديكارت كما فعل الغزالي من قبل، أقوى الأسلحة والحجج الجدلية التي جمعها الشكاك اليونان من عهد (سكستوس أمير بقوس) وسائر أنصار (بيرون) وادخروها في معاقل المذهب الارتيابي، هي الأسلحة التي لجا إليها (منتيني) صاحب (المقالات) المشهورة وبعده (شرون) في كتابه (الحكمة) (1603)

وفي الصفحة 89 من كتاب (آراء غربية في مسائل شرقية) نجد الكلمات التالية (فإن الغزالي وديكارت كليهما اختارا أقوى الأسلحة الجدلية التي جمعتها البرونية الأفريقية من عهد سكسيوس واونسيدام وادخرتها في ثكنات الشكوكية وهي الأسلحة التي ضرب بها مونتاني وقبله شارون في مؤلفه (الحكمة))

وهناك فقرة في الصفحة (141) من كتاب (ديكارت) تقول: (استبعد ديكارت شهادة لأنها تخدعنا أحياناً، ومن الفطنة إلا نأمن أمنا تاماً لمن خدعنا مرة)

وترجمة الأستاذ عمر فاخوري تقول (ص87) ما يلي: (قال ديكارت لما كانت حواسنا تخدعنا وتخوننا أحياناً أردت نفسي على الاعتقاد بأن لا شيء في حقيقته هو كما تخيله حواسنا، وقال أيضاً: لقد ثبت لي أكثر من مرة أن هذه الحوادث خادعة فمن الرشد إلا تأمن أمناً تاماً لمن خانك وخدعك مرة)

وقد اخذ الأستاذ عثمان أمين كذلك مقارنة بين فقرة من كتاب المنقذ من الضلال للغزالي، وفقرة من كتاب التاملات لديكارت وهما نفس الفقرتين اللتين أوردهما شارل سومان وترجمة الفقرة عن ديكارت هي نفس ترجمة الأستاذ فاخوري، وقد وقع الأستاذ عثمان أمين كل ذلك في حاشية (ص140) و (ص141). فلماذا اغفل الأستاذ اسم شارل سومان وعمر فاخوري من بين أسماء مراجعه؟

(بغداد)

صفاء خلوصي