مجلة الرسالة/العدد 5/موسى بن شاكر وبنوه الثلاثة

مجلة الرسالة/العدد 5/موسى بن شاكر وبنوه الثلاثة

ملاحظات: بتاريخ: 15 - 03 - 1933



للأستاذ قدري حافظ طوقان. عضو الجمعية الرياضية بلندن

منشؤهم

ظهر موسى بن شاكر في عصر المأمون ولمع في سماء العلم ولا سيما في الهندسة وانبثق منه ثلاث نجوم: محمد واحمد وحسن نبغوا في الرياضيات وعلم الهيئة والفلسفة، وكان لهم في ذلك مؤلفات نادرة عجيبة. وهؤلاء الأربعة (ممن تناهى في طلب العلوم القديمة وبذل فيها الرغائب واتعبوا فيها نفوسهم وأنفذوا إلى بلاد الروم من أخرجها إليهم فأحضروا النقلة من الأصقاع والأماكن بالبذل السني، فاظهروا عجائب الحكمة، وكان الغالب عليهم من العلوم الهندسة والخيل والحركات والموسيقى والنجوم وهو الأقل. .).

ويقال إن موسى مات صغيرا وقد خلف أولاده الثلاثة صغاراً اعتنى بهم المأمون كثيراً، ووصى بهم إسحاق بن إبراهيم المصعبي وأمره بالاهتمام بهم والمحافظة عليهم، وانقطعوا إلى العلوم يبحثون عنها فغاصوا فيها واستطاعوا أن يجيدوا أكثرها. فأكبرهم وهو أبو جعفر محمد أجل اخوته عالماً بالهندسة والنجوم والمجسطي، وكان جمّاعة للكتب، ومضى عليه زمن كان مدخوله السنوي أربعمائة ألف دينار. أما أحمد فقد كان دون أخيه في العلم الا صناعة الحيل فقد تعمق فيها، وأجادها وتمكن من الابتكار فيها، وفاق القدماء المحققين في هذا العلم مثل (أيرن)، وأما حسن فقد كان منفردا في الهندسة، ومع أنه لم يقرأ من كتب الهندسة الا ست مقالات من كتاب اقليدس في الأصول، فقد حدث نفسه باستخراج مسائل لم يستخرجها أحد من الأولين (كقسمة الزاوية إلى ثلاثة أقسام متساوية، وطرح خطين بين خطين ذوي توال على نسبة، فكان يحللها ويردها إلى المسائل الأخرى ولا ينتهي إلى آخر أمرها، لأنها أعيت الأولين). وحكي عنه أنه كثيرا ما كان يغرق في الفكر في مجلس فيه جماعة فلا يسمع ما يقولون ولا يحسه.

مآثرهم

ثبت أن المأمون أمر بني موسى بقياس درجة من خط ونصف النهار لإيجاد محيط الأرض، وقد أجروا حسابهم ذلك في سنجار كما أجروه ثانية في الكوفة. ومن توافق الحسابين علم المأمون صحة ما حرره القدماء في هذا الصدد وهم الذين كملوا الزيج المصحح، وحسبوا الحركة المتوسطة للشمس في السنة الفارسية، وحددوا ميل وسط منطقة البروج المسماة بالاكليتيك في مرصدهم المبني على جسر بغداد المتصل بالباب المسمى بالطاق، وعرفوا فيها فروق حساب العرض الأكبر من عروض القمر وقد عول ابن يونس في أرصاده الفلكية على أرصادهم، وعمل أحدهم وهو محمد تقويمات لمواضع الكواكب السيارة. ولأبناء موسى في الحيل كتاب يعرف بحيل بني موسى، وهو عجيب نادر، يشتمل على كل نادرة وقد يكون هو الكتاب الأول الذي يبحث في الميكانيك ولقد وقفت عليه فوجدته من أحسن الكتب وأمتعها، وهو مجلد واحد وهي (أي الحيل) شريفة الأغراض عظيمة الفائدة مشهورة عند الناس ويحتوي هذا الكتاب على مائة تركيب ميكانيكي عشرون منها ذات قيمة عملية. وقد كتبوا في فن الآلات الروحية وهذا العلم (يتبين فيه كيفية أيجاد الآلات المرتبة على ضرورة عدم الخلاء ونحوها من آلات الشراب وغيرها، ومنفعته إرتياض النفس بغرائب هذه الآلات كقدحي العدل والجور. . و. . و. .) وعلى ذكر قدح العدل وقدح الجور يقول كشف الظنون في الجزء الأول ص 137 ما يلي: (أما الأول (قدح العدل) فهو إناء إذا امتلأ على قدر معين يستقر فيه الشراب، وأن زيد عليها ولو بشيء يسير ينصب الماء ويتفرغ الإناء عنه بحيث لا يبقى قطرة، وأما الثاني (قدح الجور) فله مقدار معين أن صب فيه الماء بذلك القدر القليل يثبت، وأن مليء يثبت أيضاً، وأن كان بين المقدارين يتفرغ الإناء، كل ذلك لعدم إمكان الخلاء. . .) واكثر هذه الآلات توضح أنواعا من الحيل العلمية وهي مبنية على المبادئ الميكانيكية المنسوبة لهيرو الإسكندري. وقد اهتموا بنقل احسن الكتب اليونانية، حتى أن أحدهم وهو محمد ذهب إلى بلاد اليونان ابتغاء الحصول على مخطوطات تبحث في الرياضيات والفلك، واستعملوا منحني نيكوميدس في تقسيم الزاوية إلى ثلاثة أقسام متسأوية، واستعملوا الطريقة المعروفة الآن في إنشاء الشكل الاهليليجي، أما الطريقة فهي أن تغرز دبوسين في نقطتين وأن تأخذ خيطا طوله اكثر من ضعف البعد بين النقطتين، ثم بعد ذلك تربط هذا الخيط من طرفيه وتضعه حول الدبوسين، وتدخل فيه قلم رصاص فعند إدارة القلم يتكون الشكل الاهليليجي، وتسمى النقطتان بمحترقي الاهليليجي أو بؤرتيه. وفي أحد مؤلفاتهم في الهندسة استعملوا القانون المعروف بقانون (هيرون) لمساحة المثلث إذا علم طول كل ضلع من إضلاعه. ولا يفوتنا أن نذكر أنه نسب إلى أبيهم موسى القول بالجاذبية، يدلنا على ذلك ما جاء في كتاب بسائط علم الفلك للعلامة صروف الذي يقول: (وهذا التفاعل بين الأجرام السماوية الذي يطلق عليه اسم الجاذبية العمومية انتبه له بعض العلماء من قديم الزمان، فأشار إليه بطليموس صاحب كتاب المجسطي حاسباً أنه هو الذي يجعل الأجسام تقع على الأرض متجهة نحو مركزها، وهو الذي يربط كواكب السماء بعضها ببعض. ويقال أن موسى بن شاكر المهندس الذي نشأ في أوائل القرن الثالث الهجري انتبه له أيضاً وقال به)

مؤلفاتهم

كتب بنو موسى في موضوعات مختلفة: في الهندسة والحيل والطب والمساحة والمخروطيات وعلم الهيئة، وقد أجادوا في ذلك إلى درجة أثارت إعجاب كثير من العلماء، فمن تآليفهم كتاب بني موسى في الغرطسون وكتاب مساحة الاكر وكتاب قسمة الزاوية إلى ثلاثة أقسام متساوية، ووضع مقدار بين مقدارين ليتوالى على قسمة واحدة، وكتاب يبحث في الآلات الحربية.

ولأحدهم هو أحمد كتاب بين فيه بطريق تعليمي مذهبا هندسيا وهو ليس في خارج كرة الكواكب الثابتة كرة تاسعة.

ولحسن: كتاب الشكل المدور والمستطيل. أما محمد فله كتاب حركة الفلك الأولى وكتاب الشكل الهندسي وكتاب الجزء وكتاب في أولية العالم، وكتاب على مائية الكلام، وفي الفهرست ينسب إلى محمد كتاب المخروطيات، ولكن كتاب كشف الظنون يقول في هذا الكتاب ما يلي:

(. . . وقال أبو موسى شاكر الموجود من هذا الكتاب سبع مقالات وبعض الثامنة، وهو أربعة أشكال، وترجم الأربع الأول منه أحمد بن موسى الحمصي، والثلاث الأواخر ثابت بن قرة. . . أصلحه الحسن واحمد بن موسى بن شاكر. . .)

قدري حافظ طوقان. نابلس. فلسطين