مجلة الرسالة/العدد 501/السيطرة على الجو

مجلة الرسالة/العدد 501/السيطرة على الجو

ملاحظات: بتاريخ: 08 - 02 - 1943



للأديب عبد المنعم محمد الزيادي

(السيطرة على الجو من مستلزمات الفريق المهاجم إذا أراد أن يوطد هجومه ويجعله ساحقاً ماحقاً. كما أنها من مستلزمات الفريق المدافع إذا أراد أن يجعل دفاعه فعلاً ناجحاً. ولكنها للفريق المهاجم ألزم وأشد نفعاً لأنه بدونها يتعرض لأشد الأخطار وأقساها من خصمه الذي يملك السيطرة على الجو. وقد تسنى للحلفاء أن يقهروا جيوش رومل لأنهم سيطروا على الجو كما أنهم الآن على وشك الهجوم أو كادوا. وفي هذا المقال أحاول أن أضع صورة للقتال الذي يجري بين القاذفات والمطاردات. من جهة، وبين القاذفات ومراكز الدفاع المضادة للطائرات من جهة أخرى، قبل أن تتم السيطرة على الجو لأحد الطرفين.)

كشاف أمريكي جديد

يعتمد قائد القاذفة بجانب قنابله على عامل المفاجأة وهو سلاح لا يقل فتكاً عن أي سلاح آخر فهو إذ يقطع الأفق بمعدل خمسة أميال في الدقيقة لا يترك لخصمه سوى أمد قصير يأخذ فيه عذره، ثم هو يتخذ من الليل والسحاب حجاباً دون رؤيته، فضلاً عن أنه ليس في الاستطاعة سماعه حتى بأشد أجهزة الإصغاء حساسية على بعد أثر من ثمانية أميال. كل ذلك لا يترك سوى أمد قصير للمطاردات لتقوم للقائه، وللمدافع المضادة لتتأهب له، وللمدنين ليلجئوا إلى المخابئ، كما أنه من الصعب - أو على الأقل كان دائماً من الصعب - على الأنوار الكاشفة أن تجده في الضباب أو السحاب، ولو كان فوق الرؤوس. غير أن هناك طرازاً جديداً من الكشافات يستعمله سلاح الإشارة في الجيش الأمريكي أحدث انقلاباً عظيماً في الأسلحة المضادة للطائرات. وتتراوح المساحة التي تقع في دائرة عمله بين 50 و 75 ميلاً. كما أنه لا يستطيع أن يكتشف الطائرة في حدود هذه المساحة فحسب؛ بل إنه يستطيع أن يحدد مكانها على ارتفاع بضع مئات من الأقدام. وعندئذ

- بفضله - يمكن أن تصوب المدافع المضادة حتى لتدرك قنابلها الطائرة المختفية في قلب الضباب الكثيف. ويشبه الكشاف الجديد جهاز الأنوار الباحثة؛ إلا أنه يرسل بدلاً من شعاع النور شعاعاً كثيفاً من أمواج الراديو، فإذا ما التقت هذه الأمواج بجسم صلب (الطائرة) ارتدت مسرعة من نفس الطريق الذي اتخذته في ذهابها إلى ذلك الجسم. وبقياس الزمن الذي اتخذته الأمواج في رحلتها ذهاباً وإياباً، وبالإضافة إلى الاتجاه الذي ارتدت منه يمكن أن يحدد مركز الطائرة بالضبط. وكل ذلك تفعله الآلات بطريقة أوتوماتيكية. وليست المدافع المضادة وحدها هي التي يمكن تصويبها إلى جسم الطائرة بفضل ذلك الكشاف، بل يمكن توجيه المطاردات كذلك إلى مكان القاذفات المهاجمة وذلك بالتزامها اتجاه أشعة الكشاف.

الكشاف الحالي

ولاشك أن هذا الكشاف الجيد سيأخذ مكان أجهزة الإصغاء والتحديد والأنوار الكاشفة المستعملة الآن. فجهاز الإصغاء والتحديد الحالي يستطيع أن يلتقط أزيز الطائرة على ارتفاع أقصاه ثمانية أميال ولكن له عيوب خطيرة. فالرياح العالية تقطع عليه خط سيره، كما أن حفيف الأشجار وزئير الأمواج المتكسرة على الصخور أو الشاطئ، وأصوات أبواق السيارات - حتى ولو كانت دونه أميالاً - تشوش على المستمعين. ويشبه جهاز الإصغاء المستعمل اليوم مجموعة من مكبرات الصوت مثبتة فوق حامل، وتقع على بعد بضع مئات من الياردات من مركز البطارية المضادة للطائرات. وعلى هيكل الجهاز الذي في الإمكان إدارته في أي اتجاه بواسطة عجلات يدوية - توجد أربعة أو أكثر من الأبواق لاقطات في بؤرة كل واحدة منها (ميكروفون) حساس ينقل الاهتزازات الآتية خلال المكبرات إلى مكان الاستماع الرئيسي. وتستطيع (آذان) الآلة أن تحدد الاتجاه الذي يصدر منه الصوت كما تعطي المسافة التي تصدر عنها الاهتزازات. وعلى بعد نحو مائتي قدم تجاه جهاز التحديد توجد إشارات كهربائية تفضي إلى مراكز الأنوار الكاشفة. وهناك تجد مجموعة من العدادات التي تبين بطريقة أوتوماتيكية الزوايا التي يجب أن توجه الأنوار بموجبها حتى تضيء جسم الطائرة التي حدد الجهاز ارتفاعها. وهناك أيضاً ضوابط كهربائية ترتفع وتنخفض وتوجه المصابيح الكاشفة. وإذ تتأرجح مؤشرات العدادات، يدير جنود المصابيح الكاشفة العجلات اليدوية فيجعلون أشعة المصابيح على الطائرة مهما تحركت أو تحولت.

وتبلغ قوة الشعاع الكشاف نحو 80 مليون شمعة، وله عدسة عاكسة نصف قطرها 60 بوصة؛ وهو يرسل في الليل الصافي نوره إلى مسافة سبعة أميال. والمصابيح الكشافة قائمة على حوامل من المطاط المتين يغذيها مولد كهربائي (دينامو) على هيئة مركبة. فإذا أريد حماية هدف مهم ضربت بطاريات الأنوار الكشافة نطاقها حوله على مسافة من البعد تكفي لأن تجعل الطائرة المغيرة دائماً في متناول أية مجموعة من هذه المصابيح.

أحكام الرماية العالية

تستطيع المدافع المضادة الثابتة التي قطرها 4. 2 بوصة، والتي توضع عادة حول الموانئ الهامة أو مستودعات الذخائر أو الأهداف العسكرية الثابتة الأخرى؛ تستطيع أن تقذف القنابل التي تزن الوحدة منها 33 رطلاً إلى ارتفاع 30. 000 قدم بمعدل 25 قنبلة في الدقيقة. وتقذف المدافع المتحركة التي قطرها ثلاث بوصات قنابل زنة الواحدة منها 18 رطلاً إلى ارتفاع 20. 000 قدم بصورة فعالة؛ فإن الحد الأقصى لمدى هذه المدافع يفوق هذه الارتفاع بكثير؛ إلا أن الإحكام عندئذ يقل في دقته. وتُستعمل المدافع الصغيرة التي قطرها 1. 5 بوصة والتي تطلق 12 قنبلة في الدقيقة، ومدافع الماكينة (المدافع الرشاشة) المضادة للطائرات التي تطير على ارتفاع منخفض. ويمكن تدفع التي قطرها ثلاث بوصات أن تُجرّ بمعدل 50 ميلاً في الساعة بواسطة مركباتها، وتحتاج فقط إلى عشر دقائق لإعدادها للطلقة الأولى منذ وقت وصول البطارية إلى مركزها.

وإذا أمكنت رؤية الطائرة المغيرة حين تقع على مرمى المدفع الحديث المضاد للطائرات، فالإصابة حاسمة في هذه الحالة. وتجعل آلة التوجيه مدافع البطارية الأربعة مُتجهة أوتوماتيكياً نحو هدفها ولو كانت الطائرة تسير بسرعة 300 أو 400 ميلاً في الساعة. وآلة التوجيه هذه عبارة عن صندوق مساحته نحو ثلاثة أقدام مربعة، وهو مركب على قاعدة متحركة على بعد بضع مئات من الأقدام من البطارية، وبجانبه محدد الارتفاع وهو اسطوانة طولها ستة أقدام وقطرها نحو قدم، وهو كذلك مركب على قاعدة متحركة. ويتولى أمر محدد الارتفاع ثلاثة رجال. فعند اللحظة التي تظهر فيها طائرات العدو يجعل اثنان من الجنود - أيديهما على العجلات وأعينهما إلى السماء - منظار محدد الارتفاع على الهدف دائماً. وخلال هذا المنظار يرى الجندي صورة مزدوجة للطائرة المغيرة، فواجبه عندئذ أن يحرك عجلته اليدوية حتى تنطبق الصورتان بعضهما على بعض، وعندما يتم له ذلك يُسجل مُحدّد الارتفاع المسافة التي تفصله عن الطائرة. وهذه المعلومات ترسل أوتوماتيكياً إلى آلة التوجيه. وفوق آلة منظاران آخران يُشرف على كل مهما عامل، وهذه أيضاً يُحتفظ بها متجهة نحو الهدف بواسطة عجلات سهلة الإدارة فنسجل سرعة الطائرة العمودية والأفقية. أما صندوق التوجيه فيحتوي في داخله على عداد يحول نتيجة محدد الارتفاع ونتيجة منظاريه هو إلى مقدار الزوايا التي تُصوّب بمقتضاها المدافع إلى الهدف. وتساعد آلة التوجيه كذلك على إعداد خزان القذائف في المدفع أوتوماتيكياً كي يهيئ القنابل لتنفجر على مسافة مناسبة بقرب الهدف، إذ يجب أن تنفجر القنبلة على بعد 250 قدماً من هدفها حتى يمكن أن تُسبّب شظاياها خسائر ذات بال في الطائرة المغيرة.

(البقية في العدد القادم)

عبد المنعم محمد الزيادي

معهد الصحافة بالجامعة الأمريكية